الفصل السابع عشر

مع بزوغ فجر اليوم التالي، دخل هال في النوم، وأيقظه بيلي كيتينج الذي كان جالسًا يتثاءب، ويتذمَّر ويرثي لحاله في الوقت نفسه. أدرك هال أن بيلي أيضًا قد واجهته مشكلات الليلة الماضية. لم يشهد طوال عمله في الصحافة قصة كهذه من قبل، بل لم يشهد أحدٌ من قبل قصة كهذه … وكان لا بد من التراجُع عن نشرها!

كان كارترايت قد جمع الصحفيين في وقتٍ مُتأخِّر من ليلة أمس، وأخبرهم بالأخبار … أن الشركة نجحت أخيرًا في تجهيز المنجم لفتحه، وأن السيد هاريجان الشاب كان هناك في قطاره الخاص، مدفوعًا باهتمامه بعُمَّال المناجم المحبوسين تحت الأرض. سيذكر الصحفيون حضورَه بالطبع، ولكن طُلِبَ منهم عدم «المبالغة في الأمر» أو ذكر أسماء ضيوف السيد هاريجان. غنيٌّ عن القول أنهم لم يخبروا هؤلاء الصحفيين أن «مساعد عامل المنجم»، الذي طُرِدَ من المعسكر بسبب عِصيانه، اتضحَ أنه ابن إدوارد إس وارنر، «قُطب الفحم».

كان المطر يسقط خفيفًا وباردًا، واستعار هال معطفًا قديمًا من جيري وارتداه على عجلٍ. صرخ جيري الصغير ليذهب معه، وبعد جدال، لفَّه هال في شَال وعلَّقه على كتفه. لم يكد النهار ينبلج، ولكن جميع سكان القرية كانوا بالفعل قد وصلوا إلى فتحة المنجم. نزل رجال الإنقاذ مُرتدِين الخوذات لاختبار الوضع، وهكذا أوشكت ساعة الإبانة الأخيرة. وقفت النساءُ وقد بلَّل المطرُ الشالات التي يضعنها حول أكتافهن، بوجوههن الشاحبة المشدودة، وكان توترهم يفوق الوصف. كان من المروِّع التفكير في أنهن بينما كن يرتجفن من المطر، ربما كان رجالهن يحتضرون بسبب افتقارهم إلى بضع قطراتٍ من الماء!

عاد الرجال ذوو الخوذات وقالوا إنه كان في الإمكان إشعال المشاعل في قاع بئر المنجم، ومن ثَمَّ فمن الآمن أن ينزل الرجال بلا خوذات، وكان متطوعو فريق الإنقاذ الأول جاهزين. طوال الليل كانت المطارق تُقعقع؛ حيث كان النجَّارون يعملون على بناء مصعدٍ جديدٍ. وها هو الآن يتأرجح من الرافعة، وقد اتخذ الرجال أماكنهم فيه. عندما بدأت الرافعة تتحرك أخيرًا، واختفت المجموعة تحت سطح الأرض، كان في الإمكان سماع تنهيدة ألف حنجرة، كأنين الريح في شجرة صنوبر. تركوا نساءهم وأطفالهم بالأعلى، ولكن لم تطلب امرأةٌ واحدة منهم البقاء … كانت هذه هي رابطة التضامن العميق اللاواعي الذي جعل هؤلاء الكادحين القادمين من عشرين دولة بمنزلة أُمَّة واحدة!

كانت عملية إنزال المصعد بطيئة؛ نظرًا إلى احتمالية خطر الاختناق بالغاز، ولأن المصعد كان مصنوعًا لتَوِّه، فقد كان لا بد من التحرك مسافة بضعة أقدام قليلة في المرة الواحدة، وانتظار سحبَ سلك الإشارة للتأكُّد من سلامة الرجال. وبعد أن وصلوا إلى القاع، كان لا يزال أمامهم المزيد من الوقت، الذي لم يكن أحدٌ منهم يستطيع معرفته تحديدًا، قبل أن يعثروا على ناجين تظهر عليهم علامات الحياة. كانت هناك أجساد بالقرب من سفح البئر، بحسب أقوال الرجال ذوي الخوذات، لكن لم يكن ثمة طائلٌ من إبطاء عملية الإنقاذ لإحضارهم؛ فلا بد أنهم قد ماتوا قبل أيام. رأى هال حشدًا من النساء يصحن على الرجال ذوي الخوذات، لمحاولة معرفة ما إذا كان في إمكانهم التعرُّف على هذه الجثث. كما رأى جيف كوتون وبود آدامز يؤدون مهمتهما القديمة في إرجاع النساءِ إلى الوراء وإبعادهن عن فتحة المنجم.

عادَ المصعدُ ليأخذ حمولة أخرى من الرجال. قلَّت الحاجةُ إلى الحذر الآن، وتحرَّكت الرافعة بسرعة، ونزلت في حفرة الرعب مجموعةٌ تِلوَ الأخرى من الرجال بوجوهٍ هادئة وجادة، حاملين في أيديهم المعاول، والعتلات، والمجارف. وانتشروا في جميع أنحاء المنجم، متحسِّسين كلَّ مكان أمامهم بمصابيح الأمان، وباحثين عن الحواجز التي أقامها المحبوسون تحت الأرض لحماية أنفسهم من الغازات. فعند طرقهم على هذه الحواجز، قد يسمعون ما يدل على وجود رجال أحياء على الجانب الآخر منها، أو يعبرونها في صمتٍ ليجدوا أنَّ الرجال لم يعُد في إمكانهم إصدار أي صوت منذ زمنٍ بعيدٍ، ولكن ربما كان لا يزال فيهم رمقٌ من الحياة.

نزلَ أصدقاءُ هال واحدًا تِلوَ الآخر … «جاك الكبير» ديفيد، وفريسماك البلغاري، وكووفوسكي والبولندي، وأخيرًا جيري مينيتي. لوَّح جيري الصغير بيده بينما كان يجلس على كتف هال، في حين كانت روزا، التي خرجت وانضمَّت إليهم، مُتشبِّثة بذراع هال، صامتة، كما لو كانت روحها تنزل مع الرجال في المصعد. ذهبَ تيم رافيرتي ذو العينَين الزرقاوَين للبحث عن والِده، وذهب «آندي» ذو العينَين السوداوَين، ذلك الصبيُّ اليوناني الذي لقي والِدُه حتفَه في حادثٍ مماثلٍ قبل سنوات، كما ذهبَ روفيتا، وكارمينو، رئيس العُمَّال وابن عم جيري. ذُكِرَت أسماؤهم واحدًا تِلوَ الآخر وسط الحشد، كأنهم أبطال يتقدَّمون إلى المعركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤