الفصل الثاني والعشرون

كان هال لا يزال مهووسًا بفكرة وجوب تعليم جيسي … يجب أن تُفرَض عليها المعرفة، شاءت أم أبت. كان قد بقي أمام القطار ساعتان ليتحرك، وحاول التفكير فيما يمكن أن يفعله للاستفادة من تلك الفترة الزمنية الثمينة. تذكَّر أن روزا مينيتي كانت قد عادت إلى كوخِها لرعاية طفلها. تخيَّل جيسي فجأة في ذلك المنزل الصغير. كانت روزا لطيفة وودودة، وبالتأكيد سيستحوذ جيري الصغير على قلبها ويفوز بإعجابها.

قال: «عزيزتي، أتمنَّى أن تأتي معي في نزهة على الأقدام.»

«لكن السماء تمطر يا هال!»

«لكنه لن يضرَّكِ أن تُفسِدي أحدَ فساتينكِ؛ فلديكِ الكثير منها.»

«أنا لا أفكِّر في ذلك …»

«أتمنَّى أن تأتي.»

«لا أشعرُ بالارتياح حيالَ ذلك يا هال. أنا هنا ضيفة لدى بيرسي، وقد لا يحبُّ …»

اقترحَ متظاهِرًا بالجدية: «سأسأله إن كان لديه اعتراضٌ على ذهابكِ في نزهة.»

«لا، لا! هذا من شأنه أن يجعل الأمر أسوأ!» لم تكن جيسي تتمتَّع بروح الدعابة على الإطلاق حيال هذه الأمور.

«حسنًا، ولكن فيفي كاس بالخارج، وبعض الأصدقاء الآخرين يغادرون. لم يعترض على ذلك.»

«أعلم يا هال. لكنه يعلم أنه لا خطرَ منهم جميعًا.»

ضحك هال. وقال: «هيا يا جيسي. لن يُحاسبَكِ بيرسي على خطاياي! إنَّ أمامكِ رحلة طويلة بالقطار، ومن شأن بعض الهواء النقي أن يفيدكِ.»

رأت أنها يجب أن تُقدِّم له بعض التنازلات إذا أرادت الاحتفاظَ بأي تأثير لها فيه.

قالت باستسلامٍ: «حسنًا»، ثم اختفت وعادت بغطاءٍ ثقيلٍ على وجهها كي تخفي نفسها عن أعين الصحفيين المتطفِّلين، كما استعدَّت بِمعطفٍ مضاد للمطر، ومِظلَّة، وحذاءٍ مطاطي عالٍ مقاوِم للمطر. انسلَّ الاثنان من العربة، وشعرا كما لو أنهما اثنان من المجرمين.

تجنَّبا الحشدَ عند فتحة المنجم، ووصلَا إلى الحي المُوحِل غير المُمهَّد الذي كان الإيطاليون يقيمون فيه؛ فأمسكَ بذراعها، وقادها عبر المستنقعات والجداول الصغيرة. كان من المثير له أن يكون معها هكذا، أن يرى وجهها الجميل ويسمع صوتها المليء بالحب. تخيَّلها كثيرًا هنا، وأخبرها في مُخيِّلته عن تجاربه في المكان!

أخبرها حينئذٍ … عن عائلة مينيتي، وكيف التقى بجيري الكبير والصغير في الشارع، وكيف أخذوه للعيش معهم، وكيف اضطروا بعد ذلك إلى إخراجه من بيتِهم بدافع الخوف. روى قصة اختياره مراقِبًا للأوزان، وكان يروي قصة اعتقال جيف كوتون له، ولكنهما وصلَا إلى كوخ مينيتي، وانقطعَ السرد المروِّع.

كان جيري الصغير هو مَن أتى إلى الباب وبقايا طعام الإفطار متناثرة على وجنتَيه، كان يحدِّق في عجبٍ إلى الفتاة الملثَّمة الغامضة. عندما دخلَا، رأيَا روزا تجلس على كرسي وترضع طفلها. نهضتْ في حيرة، لكنها لم تكن تريد أن تدير ظهرها تمامًا للضيفَين، فأخذت تحاول إخفاء ثديها قدر استطاعتها؛ فاحمرَّ وجهها خجلًا وبدتْ كفتاةٍ صغيرة في غاية الجمال.

قدَّم هال جيسي باعتبارها صديقة قديمة كانت مهتمة بمقابلة أصدقائه الجُدد، وأزاحت جيسي عنها غطاءَ وجهها وجلست. مسحَ جيري الصغير وجهَه كما أمرته والدته، ثم جاءَ لينظر إلى المنظر البديع الجمال.

قال هال مُخاطبًا روزا: «كنت أحكي للآنسة آرثر عن مدى اهتمامكِ بي. أرادت أن تأتي وتشكركِ على ذلك.»

أضافت جيسي بلطفٍ: «أجل. أيُّ شخص يتعامل جيدًا مع هال يستحقُّ مني الامتنان.»

بدأت روزا تُتمتِم بشيء ما، لكن جيري الصغير قاطعَها بصوته المبتهج: «لماذا تدعينه هال؟ اسمه جو!»

صاحت روزا: «صه.» لكن هال وجيسي ضحكا … وهكذا استمرت عملية أمركة جيري الصغير.

قال هال: «لديَّ الكثير من الأسماء. لقد أطلقوا عليَّ اسم هال عندما كنت طفلًا مثلك.»

سأل جيري الصغير: «هل عرفَتْكَ في ذلك الوقت؟»

«أجل.»

«هل هي فتاتُك؟»

ضحكت روزا بخجلٍ، واحمرَّت وجنتا جيسي خجلًا وبدت فاتنة. انتابها إدراكٌ غامض بأن ثمة اختلافًا في سلوك هؤلاء الأشخاص. فقد قبلوا وجود «الفتيات» دون إخفاء اهتمامهم بالظاهرة.

قال هال مُحذرًا: «إنه سِرٌّ. لا تخبِر أحدًا عنا!»

قال جيري الصغير: «يمكنني أن أحفظَ السر.» بعد توقُّف للحظة، أضافَ بصوتٍ منخفض: «عليك أن تحفظ الأسرار إذا كنت تعمل في نورث فالي.»

قال هال: «بالتأكيد.»

تابعَ الآخرُ مُخاطبًا جيسي: «والدي اشتراكي»، ثم لما كان الحديث يجلب بعضه بعضًا، أضافَ: «والدي مُفجِّر ألغام.»

سألت جيسي، في محاولة منها أن تكون اجتماعية: «ما هو مُفجِّر الألغام؟»

صاحَ جيري الصغير: «يا إلهي! ألا تعرفين شيئًا عن التعدين؟»

قالت جيسي: «كلَّا. أخبرني أنت.»

قال جيري الصغير: «لا يمكن الحصول على الفحم من دون مُفجِّر ألغام. ولا بد أن يكون مُفجِّر ألغام جيدًا أيضًا، وإلا انهار المنجم. أبي هو أفضل مفجِّر ألغام حصلوا عليه.»

«وماذا يفعل؟»

«حسنًا، يحفرون ثقبًا … طويلًا، طويلًا، مثل هذا، على طول الغرفة، ويدورون به ويحفرون ثقوبًا في الفحم. في بعض الأحيان تكون لديهم آلاتُ حفر، لكننا لا نحب هذه الآلات، لأنها تحل محل الرجال. عندما يحفرون الثقوب، يأتي مُفجِّر الألغام ويضع البارود. يجب أن يكون لديكِ …» وهنا أبطأ جيري الصغير، ناطقًا كلَّ مقطع لفظي بعناية شديدة … «بارود مسموح به … ذلك الذي لا يتسبَّب في أي لهبٍ. وعليكِ أن تعرفي القدر الذي يجب أن تضعيه. إذا وضعتِ كمية أكبر من اللازم، فإنها تؤدي إلى تحطُّم الفحم، ويشتعل المنجم كالجحيم، وإذا لم تضعي كمية كافية، فإن الأمر يتطلَّب وقتها الكثير من العمل، وتشتعل النيران أيضًا. ولهذا السبب، يجب أن تحصلي على مفجِّر ألغام جيد.»

نظرت جيسي إلى هال، ورأى أن مشاعرها غير السارة أصبحت ممزوجة بمشاعر التسلية الحقيقية. رأى أن هذه طريقة جيدة لتعليمها، لذلك شرعَ في جعل جيري الصغير يتحدَّث عن جوانب أخرى تخصُّ تعدين الفحم، من بَخْس الأوزان، وساعات العمل الطويلة، ورشوة رؤساء العُمال، وقادة المعسكرات، ومتاجر الشركات، وأماكن سَكَن العُمَّال، والمحرِّضين الاشتراكيين، ومُنظِّمي الاتحادات النقابية. تحدَّث جيري الصغير بحُرِّية عن أسرار المعسكر. قال بجدية: «لا بأسَ أن تعرفي. أنتِ فتاة جو!»

صاحت جيسي: «يا لك من كروب صغير!»

كان رد جيري الصغير: «ما هو الكروب؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤