قافية الضاد

وأمر سيف الدولة بإنفاذ خلعة إليه، فقال:

فَعَلَتْ بِنَا فِعْلَ السَّمَاءِ بِأَرْضِهِ
خِلَعُ الْأَمِيرِ وَحَقَّهُ لَمْ نَقْضِهِ١
فَكَأَنَّ صِحَّةَ نَسْجِهَا مِنْ لَفْظِهِ
وَكَأَنَّ حُسْنَ نَقَائِهَا مِنْ عِرْضِهِ٢
وَإِذَا وَكَلْتَ إِلَى كَرِيمٍ رَأْيَهُ
فِي الْجُودِ بَانَ مُذِيقُهُ مِنْ مَحْضِهِ٣

وقال لما مرض سيف الدولة:

إِذَا اعْتَلَّ سَيْفُ الدَّوْلَةِ اعْتَلَّتِ الْأَرْضُ
وَمَنْ فَوْقَهَا وَالْبَأْسُ وَالْكَرَمُ الْمَحْضُ٤
وَكَيْفَ انْتِفَاعِي بِالرُّقَادِ وَإِنَّمَا
بِعِلَّتِهِ يَعْتَلُّ فِي الْأَعْيُنِ الْغُمْضُ٥
شَفَاكَ الَّذِي يَشْفِي بِجُودِكَ خَلْقَهُ
لِأَنَّكَ بَحْرٌ كُلُّ بَحْرٍ لَهُ بَعْضُ

•••

وقال في بدر بن عمار، وقد قام منصرفًا في الليل:

مَضَى اللَّيْلُ وَالْفَضْلُ الَّذِي لَكَ لَا يَمْضِي
وَرُؤْيَاكَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ مِنَ الْغُمْضِ٦
عَلَى أَنَّنِي طُوِّقْتُ مِنْكَ بِنِعْمَةٍ
شَهِيدٌ بِهَا بَعْضِي لِغَيْرِي عَلَى بَعْضِي٧
سَلَامُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَوَاتِ عَرْشُهُ
تُخَصُّ بِهِ يَا خَيْرَ مَاشٍ عَلَى الْأَرْضِ

هوامش

(١) يقول: أحيتنا خلع الأمير وألبستنا الوشي، كما يحيي المطر الأرض ويوشيها بالنبات والأزهار وما إليها، ولم نقض حقه كما يستحقه من الثناء. والضمير في أرضه: إما للممدوح، أضاف الأرض كلها إليه تفخيمًا لشأنه، أو يريد أرض مملكته — إشارة إلى ما أفاض الله عليها من الخصب والنماء، وإما راجع إلى السماء وذكره على إرادة المطر، أو السقف. ونصب حقه بإضمار ما فسره به، ومثله:
وَالذِّئْبَ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ
وَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا
(٢) يقول: إن نسج هذه الخلع يشبه لفظ الأمير في جودته وسلامته من السخف. وكأن نقاءها من نقاء عرضه؛ إذ سلم مما يعاب به. وهذا من قول ابن الرومي في ثوب استهداه:
صَحِيحًا مِثْلَ رَائِكَ إِنـْ
ـنَهُ وَالْحَزْمُ فِي قَرَنِ
نَقِيًّا مِثْلَ عِرْضِكَ إِنـْ
ـنَ عِرْضَكَ غَيْرُ ذِي دَرَنِ
(٣) المذيق: الممذوق؛ أي الممزوج. والمحض: الخالص، وهما من أوصاف اللبن استعارهما للجود. يقول: إذا فوضت الأمر في الجود إلى الكريم ولم تقترح عليه شيئًا وتركته إلى رأيه بلغت ما تريد، وبان لك صحيح الرأي من معيبه؛ لأن صحيح الرأي لا يحتاج إلى سؤال، بل يعطي بطبيعة الكرم، ومعيب الرأي لا يعطى حتى يسأل مرارًا. أو تقول: إن الكريم إذا تُرك ورأيه من غير سؤال بان جوده: هل هو مشوب يأتيه تكلفًا وحياءً أم إنه خالص يبعث به طبعه ونحيزته؟
(٤) البأس: الشدة والسطوة. والمحض: الخالص. والمعنى ظاهر، وهو من قول أبي تمام:
لَا تَعْتَلِلْ إِنَّمَا بِالْمَكْرُمَاتِ إِذَا
أَنْت اعْتَلَلْتَ تُرَى الْأَوْجَاعُ وَالْعِلَلُ
وقوله:
إِنَّا جَهِلْنَا فَخِلْنَاكَ اعْتَلَلْتَ وَلَا
وَاللهِ مَا اعْتَلَّ إِلَّا الْمُلْكُ وَالْأَدَبُ
وقوله:
وَإِنْ يَجِدْ عِلَّةً نُغَمُّ بِهَا
حَتَّى تَرَانَا نُعَادُ مِنْ مَرَضِهْ
ومثله لمسلم بن الوليد:
نَالَتْكَ يَا خَيْرَ الْخَلَائِقِ عِلَّةٌ
يَفْدِيكَ مِنْ مَكْرُوهِهَا الثَّقَلَانِ
فَبِكُلِّ قَلْبٍ مِنْ شَكَاتِكَ عِلَّةٌ
مَوْصُوفَةُ الشَّكْوَى بِكُلِّ لِسَانِ
(٥) اعتلال الغمض: كناية عن امتناعه عن العين، فجعل ذلك اعتلالًا له.
(٦) قوله: في العيون، يروى: في الجفون. وكان يجب أن يقول: ولقياك؛ لأن الرؤيا تستعمل في المنام، لكنه ذهب بالرؤيا إلى الرؤية؛ لأنه كان بالليل، كقوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ لم يرد رؤيا المنام، بل رؤيا اليقظة، وكان ذلك ليلًا — ليلة الإسراء — يقول: إن الليل قد مضى، أما فضلك فهو ثابت باقٍ. وعجز البيت من قول ابن الرومي:
وَلَطَعْمُ اكْتِحَالَةٍ مِنْهُ بِالزَّا
ئِرِ أَحْلَى فِي عَيْنِهِ مِنْ رُقَادِ
(٧) قال الواحدي: أأنصرف عنك، مع أنك قلدتني نعمة يشهد بها بعضي على بعضي؟ أي: من نظر إلى استدل بنعمتك عليَّ، والمعنى أن القلب إن أنكر نعمتك شهد الجلد بما عليه من الخلع. وقال ابن جني: في الكلام حذف تقديره: أمدحك وأثني عليك بما طوقتني به من نعمك، فحذف للدلالة عليه. ثم قال في قوله: شهيد بها … إلخ: لسانه يشهد على سائر جسده، وهو من قول ابن بسام الكاتب:
وَقَدْ سَبَقَتْ مِنْهُ لِي نِعْمَةٌ
تُقِرُّ عَلَيَّ وَإِنْ لَمْ أُقِرْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤