الفصل السابع

المأمون بن الرشيد

١٩٨–٢١٨ھ/٨١٤–٨٣٣م

(١) أوليته

هو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد، وأمُّه أمُّ ولدٍ فارسيةٌ اسمها مراجل، وُلد سنة ١٧ھ في اليوم الذي ولي فيه أبوه الخلافة، وقد اعتنى به أبوه بعد طفولته، فعهد إلى أبي محمد اليزيدي النحوي القارئ المشهور وإلى الكسائي والأصمعي بتعليمه وتهذيبه، كما عهد إليهم بتهذيب أخيه الأمين، فبرزت مواهبه منذ طفولته وحفظ القرآن الكريم وروى كثيرًا من الشعر العربي القديم، وأجاد الاطِّلاع على علوم العرب وآدابهم وأخبارهم، وبرع في علوم الدين من حديث وفقه وتفسير وكلام، كما درس علوم الحكمة والفلسفة والعقائد القديمة الإسلامية.

وفي سنة ١٨٣ھ ولَّاه أبوه العهد بعد أخيه الأمين، وضم إليه جعفر بن يحيى البرمكي ليدرِّبه ويثقفه، ثم ولاه خراسان وهو شاب بعدُ ليمارس الحكم ويتدرب على السياسة بمقتضى السلطة التي منحها إياها أبوه في كتاب العهد، ولما مات أبوه كان ما يزال في خراسان، فجرت بينه وبين أخيه تلك الحوادث والفتن التي فصلناها في بحثنا عن الأمين.

(٢) بيعته وما أعقبها من أمور

بُويع المأمون البيعة العامة يوم مقتل أخيه في ٢٥ محرم سنة ١٩٨ھ/٥ أيلول سنة ٨١٤م وكان ذلك في مرو، وكان المدبر للدولة هو الفضل بن سهل السرخسي الذي استوزره وجعله صاحب دولته ومتولي الرأي عنده، وقد رأى الفضل أن أول عمل يجب عمله بعد أن انتهت الفتنة هو إخراج طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين من العراق خوفًا من مطامعهما، فكتب إلى طاهر على لسان الخليفة أن يشخص إلى الرِّقة لمحاربة نصر بن شبث، وأن الخليفة قد ولَّاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، وكتب إلى هرثمة يدعوه إلى خراسان وأنه قد عهد إلى الحسن بن سهل أخي الفضل بالعراق، والحق أن أحوال العراق قد اضطربت لغيبة الخليفة عنها أول الأمر، وشاعت شوائع زادت في هذا الاضطراب منها أن الفضل بن سهل قد غلب على أمر المأمون، وأنه قد حجبه في قصره لا يراه أحد، وأنه يبرم الأمور دونه، وأنه سيقضي على كل عنصر عربي، فثار لهذه الشوائع بنو هاشم ووجوه الدولة في العراق، وأخذوا يستخفُّون بالفضل بن سهل وبأخيه الحسن، وعمَّت الفوضى والفتن في البلاد حتى جاء المأمون من خراسان إلى بغداد كما سنرى تفصيل ذلك فيما بعد.

(٣) الأحوال الداخلية

بعد مقتل الأمين والمناداة بالمأمون خليفة فكَّر الفضل بن سهل في نقل العاصمة إلى المشرق في خراسان، وأخذ يُعِدُّ لذلك عُدَّتَهُ، فاضطرب لهذا الأمر العراقيون عامة والهاشميون خاصة، وخافوا أن يعلن الفضل بن سهل نقل حاضرة الخلافة إلى هناك، فأخذوا يفسدون عليه خططه ويستهينون بأوامره ورسائله التي تردهم من المأمون ووزيره الفضل، فحدثت عدة فتن نذكر منها:
  • (١)
    خروج محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن العلوي بالكوفة على الخلافة بتشجيع القائد أبي السرايا السري بن منصور الشيباني، فاستولى على الكوفة وطرد عاملها سليمان بن أبي جعفر المنصور، وعظُمَ أمر هذه الفتنة، إلا أن محمدًا لم يلبث أن مات فجأة في رجب سنة ١٩٩ھ فولَّى أبو السرايا مكانه غلامًا من آل البيت العلوي حدثًا، هو محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) وعظم أمر العلويين وأبي السرايا، وقضوا على جيش الحسن بن سهل حتى ضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة ونقش عليها قوله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ، ولما أخذ أمر أبي السرايا يعظم كتب الفضل بن سهل إلى هرثمة بن أعين يدعوه لقيادة جيش يحارب به أبا السرايا، وكان ذلك في شعبان سنة ١٩٩ھ، فلبَّى هرثمة الدعوة وتوجَّه للقاء أبي السرايا وتغلب عليه؛ ففتح الكوفة واضطر أبا السرايا إلى الهرب، فاضمحلت دولته ولجأ إلى إيران، ثم أمسك به وصُلِب ببغداد، وكان لحركة أبي السرايا أسوأ أثر في الحجاز؛ لأنه كان ولَّى على مكة الحسين بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي، وكان بها داود بن عيسى أميرًا من قِبل العباسيين، فطرده وجرَّد الكعبة من كسوتها العباسية وكساها ثوبين جديدين كتب عليهما: «أمر به الأصغر بن أبي الأصغر أبو السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله الحرام، وأمر أن تطرح عنها كسوة الظلمة من ولد العباس، ليطهر من كسوتهم، وكتب سنة ١٩٩»، ثم قسَّم الكسوة التي كانت عليها بين أصحابه، وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه ليستعين به في حركته، ولم يسمع بوديعة لبني العباس وأتباعهم عند أحد من أهل مكة إلا أخذها، وكانت له دار سماها «دار العذاب» عذَّب فيها الناس ممن لم ينضموا تحت لواء حركته، حتى هرب من العراق والحجاز خلقٌ كثير بسببه، وزاد عسفه وعسف جماعته على الناس وظلموهم وصادروا أموالهم حتى إنهم حكُّوا الذهب الذي كان على أساطين المسجد الحرام، وقلعوا الحديد الذي كان على شبابيك زمزم وخشب الساج فباعوه بالثمن البخس، وما زال العلوي على تلك الحال حتى بلغه صلب أبي السرايا، فاجتمع هو وبعض أنصاره العلويين وغيرهم وطلبوا إلى محمد بن جعفر الصادق أن ينضم إلى حركتهم على أن يبايعوه بالخلافة، فأجابهم إلى ذلك ولم يكن له من الأمر شيء إلَّا المظاهر والاسم، وساروا بالناس على أسوأ سيرة حتى تعدوا على الأموال والأعراض، فبعث إليهم هرثمة بن أعين جيشًا فتك بهم وهزمهم، وقضى على حركتهم.
  • (٢)

    خروج إبراهيم بن موسى بن جعفر العلوي باليمن واستيلاؤه عليه وفتكه بالناس فيه، حتى سمِّي الجزار لكثرة من قتل من الناس في سبيل الاستيلاء على اليمن حوالي سنة ١٩٩ھ، وفي سنة ٢٠٠ھ قوي أمره وسيطر على اليمن، وانتهز فرصة موسم الحج فبعث بعض ولد عقيل بن أبي طالب على جند كثيف إلى الحجاز يتظاهرون بأداء الفريضة، وكان أمير الحج العباسي يومئذٍ إسحاق بن الرشيد، فلما وصل العقيلي إلى منطقة بستان بن عامر في الحجاز، ومرَّت قافلة الكسوة الشريفة وأوائل طيب الكعبة وأموال أهل الحرمين نهبوها، وأخذوا أموال من كان معها من التجار، حتى دخلوا مكة عراة، فبعث إليهم أمير الحج جندًا قهرهم وأعاد كسوة الكعبة وطِيبَها، وتمكن من أن يقضي على هذه الفتنة.

  • (٣)

    ثورة الجند ببغداد على الحسن بن سهل لقتله هرثمة بن أعين، فقد روى الطبري أن هرثمة بعد أن سكَّن الفتن في العراق والحجاز قصد أن يتوجه إلى المأمون في خراسان؛ ليبين له أن هذه الفتن كلها إنما قامت بسبب الفضل بن سهل وأخيه الحسن لبعده عن العراق، وقد علم الفضل بغرض هرثمة فاستكتب المأمون كتابًا بعثه إليه وهو في الطريق يأمره فيه بالعودة ويولِّيه إمارة الشام والحجاز، فأبى هرثمة أن يرجع إلَّا بعد مقابلة الخليفة، ولما دخل على الخليفة لم يُحسن استقباله وخرج وهو مغضب، ثم إن الفضل هيأ له من يقتله غِيلة فوُجِئَتْ عنقه وديس بطنه حتى مات، فبلغت أخبار هذه القصة أهل بغداد وثار جنود هرثمة على الحسن بن سهل وأنصاره؛ لأنه هو السبب وأجمع رأيهم ورأي الهاشميين في العاصمة على خلع المأمون وتولية المنصور بن المهدي، ولكنه أبى عليهم قبول ذلك، فطالبوه أن يكون أميرًا ببغداد وأن يدعو للمأمون، وحلفوا أنهم لا يرضون بالمجوسي بن المجوسي الحسن بن سهل أميرًا عليهم، فقبل وتولَّى إمارة بغداد، ولكن لم يكن في البلد جيش قوي يصون أمنها ويحميها من أهل الفساد، فكثرت فتن الشطَّار والدعَّار، وعمَّ التعدي على النساء والصغار، واضطر أهل البلد إلى أن يختاروا من بينهم شخصا أمينًا انتقوه من أوساط الشعب يعهدون إليه بأمر المدينة وحفظها، وانتقوا لذلك رجلًا اسمه «خالد الدريوش»، وكان سَرِيًّا قويًّا محبوبًا فعمل على حفظ المدينة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الشطَّار، وعاونه في ذلك رجل آخر عُرف بالفضل والمروءة وهو سهل بن سلامة الأنصاري، وكثرت أتباع هذين الرجلين اللذين لولاهما لعمَّت الفوضى بالمدينة ولخرَّبها المفسدون والطامعون، ولَمَا استطاع أهلها أن يحموا أنفسهم من الدعَّار والمجرمين.

  • (٤)

    فتنة العراقيين بسبب مبايعة المأمون لعلي بن موسى بن جعفر الصادق، فقد وردت بغداد أخبار تفيد أن المأمون، بتدبير الفضل بن سهل، قد اختار لولاية عهده رجلًا من آل علي، وهو الإمام علي بن موسى بن جعفر الصادق (عليه السلام)، وسمَّاه «الرضا من آل محمد»، وأمر جنده بخلع السواد شعار بني العباس ولبس الخضرة التي اختارها شعارًا للدولة الجديدة، وكتب بذلك إلى الآفاق، فلما سمع العراقيون بذلك وعلموا أن هذا كله من عمل الفضل بن سهل الفارسي؛ لأن الفرس يعجبهم أن يكون إمام المسلمين علويًّا، وطالما قاتلوا في سبيل ذلك، فوقعت فتنة عظيمة في العراق، وأخذت هذه الفتنة تقوى حتى كانت سنة ٢٠٢ھ، فأجمع رأي العراقيين على خلع المأمون وتولية عمه إبراهيم بن المهدي، فقبل إبراهيم بذلك، وخُلِع المأمون وامتد نفوذ إبراهيم على السواد كله والكوفة، وعسكر بالمدائن، وولَّى الجانب الشرقي من بغداد للعباس بن الهادي، والجانب الغربي لإسحاق بن الهادي.

    ولما أبلغ علي بن موسى الرضا هذه الأخبار إلى المأمون وتأكد من صحتها عزم على الرحيل إلى بغداد للقضاء على تلك الفتنة بنفسه، مستصحبًا معه وجوه دولته وقادة جنده، ولما وصل سرخس سمع الناس أن الفضل قد مات وهو في الحمام، وكان ذلك في سنة ٢٠٢ھ، ثم استمر المأمون في طريقه حتى إذا بلغ طوس مات فيها علي بن موسى، ويظهر أن المأمون تخلص منهما؛ لأنه يريد أن يدخل بغداد وهو نافٍ عنه كل ما يمكن أن يثير عليه غضب البغداديين، ثم سار إلى الريِّ قاصدًا العراق، وكان كلما زاد اقترابًا من بغداد زاد الخطر على إبراهيم بن المهدي، حتى انفضَّ عنه قواده وكاتبوا الحسن بن سهل ليسلموا إليه بغداد ويخلعوا إبراهيم بن المهدي، فلم يرَ إبراهيم بدًّا من الهرب، واختفى ليلة ١٧ ذي الحجة سنة ٢٠٣ھ، ولما وصل المأمون إلى النهروان تلقاه أهل بيته والقادة وهم بالخضرة، فلبسها الناس ثمانية أيام، ثم كلَّمه خاصته وأهله أن يعود إلى السواد فرجع لبسه، ومن ذلك الحين ابتدأ ملك المأمون الفعلي، وفي سنة ٢١٠ ظفر بإبراهيم بن المهدي فحبسه في سجن المطبق.

  • (٥)

    فتنة نصر بن شبث العقيلي، فقد كان شبث من أشراف بني عقيل القاطنين شمالي حلب، وشيخ قبائل مصر في الشام كله، وكان يحب الأمين، فلما بلغه مقتله وانخذال العرب في العراق، واستلام القواد والأمراء الأعاجم زمام أمر الدولة ثار في سنة ١٩٨ھ على الدولة المأمونية، فمنع خراج منطقته أن يُرْسَل إلى بغداد، وتغلب على شمال الشام والجزيرة حتى بلغ سميساط وعبر الفرات، وبلغت أخباره الفضل بن سهل فولَّى طاهر بن الحسين على الموصل والجزيرة والشام والمغرب، كما أسلفنا، وأمره أن يسير من فوره للقاء شبث، فالتقيا، وكانت المعركة الفاصلة بنواحي يكسوم شمالي حلب، فتغلب شبث واضطر طاهر إلى التراجع للرقة، وعظم أمر شبث فأتاه بعض رجالاته وقال له: لو بايعت لبعض آل علي كان أحزم لأمرك، فقال: لا أبايع لبعض أولاد السوادات فيقول إنه خلقني ورزقني، فقال له: بايع بعض بني أمية، فقال: أولئك قوم أدبر أمرهم، وإنما هو في بني العباس، وإنما حاربتهم محاماةً عن العرب؛ لأنهم يُقَدِّمون عليهم العجم.

    ولما شخص المأمون إلى بغداد أمر عبد الله بن طاهر بن الحسين أن يجدد عزيمته في قتال نصر، وكتب طاهر إلى ابنه عبد الله ذلك الكتاب الرائع الحاوي للآداب السياسية والرياسية والإدارة والأخلاق، مما يجب على كل امرئ أن يحفظه ويعمل به، وشاع بين الناس حتى كتبوه وحفظوه، وبلغ خبره المأمون فدعاه أن يقرأ عليه، فلما قرأه أعجب به وقال له: ما أبقى أبو الطيب (وهو لقب طاهر) شيئًا من أمر الدنيا والدين والتدبير والسياسة وحفظ اللسان وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد أحكم، وأوصى وأمر فكتب به إلى جميع العمَّال (انظر الطبري، ١٠: ٢٥٨)، وخرج عبد الله بن طاهر للقاء نصر، واستمر القتال خمس سنوات، تارةً كان يكون الغلب لهذا وتارة لذاك، ولما شعر نصر بالانخذال والضعف طلب الأمان فلم يجبه المأمون، حتى وطأ بساطه فرفض أولًا ثم اضطر فأمنه، ودخل بغداد في صفر سنة ٢١٠ھ، وخرَّب عبد الله بن طاهر مدينة يكسوم مقره، ثم فرض المأمون الإقامة الجبرية على نصر بن شبث في مدينة أبي جعفر المنصور.

  • (٦)

    فتنة الزط: هم قوم رُحَّل من أخلاط الناس يُسَمَّوْنَ «النَّور» أو «زيكان» أو «الكاولية» … وكان من أمرهم أنهم غلبوا على طريق البصرة، وعاثوا فيها الفساد أثناء الفتنة بين الأخوين، وفي سنة ٢٠٥ھ قوي أمرهم إلى حدِّ أن الناس باتت تخشاهم لِما قاموا به من أعمال مخيفة وغارات مزعجة، ولما استقر أمر المأمون ببغداد بعث إليهم عيسى بن يزيد الجلودي، ففرقهم في البراري والأهوار، ولكنهم لم يلبثوا أن عادوا في سنة ٢٠٦ھ، فتجمعوا يعيثون في البلاد فسادًا فبعث إليهم داود بن ماسجور فتفرقوا من جديد، ويظهر أنهم كانوا إذا ضيَّقت عليهم الجنود يتفرقون في الصحاري والقرى والدساكر فتصعب محاربتهم، وقد ظلوا هكذا يتجمعون ويتفرقون ويعيثون ويَفْتِكُون حتى جاء عهد المعتصم، فبعث إليهم من يفتك بهم في سنة ٢١٩ھ وقتل منهم مقتل عظيمة، فانقطعت أخبارهم مدة ثم عادوا إلى الظهور بعدُ في أيام المتوكل.

  • (٧)

    فتنة بابك الخرَّميِّ: خرج بابك الخرَّمي في سنة ٢٠١ھ/٨١٦م في كورة «البند» شمالي إيران في «مازندران» قرب «أذربيجان»، فأعلن الثورة على الإسلام والدعوة إلى دين الفرس وإحياء دين مزدك، وقد فصَّل ابن النديم في «كتاب الفهرست»، والبغدادي في كتاب الفِرق، ما دعا إليه بابك وهذا موجزه: الخرَّمية أو الخرمدينية (الأولون) ويسمُّون أيضًا المحمرة، وصاحبهم مزدك الذي أباح لمتابعيه تناول اللذات والاعتكاف على الشهوات، والمشاركة بين الناس في الطعام والحرم والمال، وتحريم القتل، وقد حاربهم الملك كسرى أنوشروان لما ظهروا وقتل صاحبهم، والمتأخرون يسمونهم البابكية نسبة إلى بابك الخرمي الذي ظهر في أوائل القرن الثالث، وكان يقول إنه إله، وإنه يجدِّد دين المحمرة، ولكنه يبيح لأتباعه قتل مخالفيهم ومحاربتهم والفتك بهم.

    ظهر بابك بحركته والمأمون بعدُ في «مرو»، والبلاد لم تستقر، فقوي أمره وكثرت أنصاره وضاق الناس بحركته وعيثه، ولما دخل المأمون بغداد بعث يحيى بن معاذ لمحاربة هؤلاء، فلم يفلح في القضاء عليهم فعزَّز الجيش بجيش ثانٍ على رأسه عيسى بن محمد فلم يفلح، فثلَّث بجيش على رأسه أحمد بن الجنيد الإسكافي فأسره بابك، فبعث المأمون محمد بن حميد الطوسي فقتله بابك في سنة ٢١٤، وأخذ سلطانه يقوى في «أذربيجان» و«همذان» و«أصفهان» و«ماسبذان» حتى مات المأمون وفتنة بابك في أوجها، ولما حضرته الوفاة أوصى أخاه المعتصم بالفتك بالخرمية، ومما قاله له: «والخرمية فَأَغْزِهِمْ ذا جزامة وصرامة وجَلَد، وَاكْنُفْهُ بالأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرجالة، فإن طالت مدتهم فتجرد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك، واعمل في ذلك عملَ مقدم النية فيه، راجيًا ثواب الله عليه»، وسنرى بعد التفصيل أمرهم فيما بعد.

(٤) الأحوال الخارجية

كان المأمون في أول عهده بعيدًا عن العاصمة فلم يهتم بشئون الدولة الخارجية وخصوصًا بالروم، ولكنه بعد أن عاد إلى بغداد عزم على أن يجدد سياسة ابنه في غزوهم، فتوجَّه في سنة ٢٠٥ھ لقتالهم واستخلف على العاصمة إسحاق بن إبراهيم بن صعب، فسار إلى الموصل فمنبج فأنطاكية فطرطوس، وهي الثغر الإسلامي القوي، وهناك عبَّأ قواه وسار إلى بلاد الروم ففتح حصن قرة وأمر بهدمه، ثم اشترى الأسرى المسلمين وأعتقهم، وأعطى كلًّا منهم دينارًا، ثم بعث قواده لفتح حصون «سندس» و«سنان»، ثم قفل راجعًا إلى بلاد الشام ومصر، وبينما هو في مصر علم أن تيوفيل بن ميخائيل ملك الروم قد هجم على «طرطوس» و«المصيصة» وأثخن في القتل (انظر تاريخ ابن خلدون، ٣: ٢٥٦) فرجع المأمون إلى بلاد الروم وقاتلهم وأخضع ملكهم وأخضع مدينة هرقلة، وافتتح عددًا من الحصون وهدم القلاع والمطامير (تاريخ اليعقوبي، ٣: ١٩٢؛ وتاريخ الطبري، ١٠: ٢٨١)، وطلب إليه تيوفيل الصلح، وأن يعيد إليه الحصون والقلاع على أن يعطيه مائة ألف دينار والأسرى المسلمين الذين كان عددهم سبعة آلاف، فلم يجبه المأمون على طلبه عازمًا على استمرار حربه (تاريخ اليعقوبي، ٣: ١٩٢).

وفي سنة ٢١٧ھ جدد المأمون غزو بلاد تيوفيل ثالث مرة فحاصر «حصن لؤلؤة» أكثر من ثلاثة أشهر، ثم رحل عنها وخلف عليها قائده عجيفًا فاختدعه الروم وأسروه، وكتب تيوفيل إلى المأمون كتابًا يقول فيه: «أما بعدُ؛ فإن اجتماع المختلفَيْنِ أولى بهما في الرأي مما عاد بالضرر عليهما، ولستَ حريًّا أن تدع لحظٍّ يصل إلى غيرك حظًّا تحوزه إلى نفسك، وفي علمك كافٍ عن إخبارك، وقد كنت كتبت إليك داعيًا إلى المسالمة، راغبًا في فضيلة المهادنة؛ لنضع أوزار الحرب عنَّا، ويكون كلُّ واحد لكل واحد وليًّا وحزبًا، مع إنضال المرافق والفسح في المتاجر وفك المستأسر وأمن الطرق والبيضة، فإن أبيت فإني لخائض إليك غمارها، آخذ عليك أسدادها، شانٌّ عليك خيلها ورَجِلَها.» فأجابه المأمون بكتاب يقول فيه: «بلغني كتابك فيما سألت من الهدنة، ودعوت إليه من الموادعة، وخلطت فيه من اللين والشدة، مما استعطفت به من فسح المتاجر واتصال المرافق وفك الأسارى ورفع القتل والقتال، فلولا ما رجعت إليه من إعمال التؤدة والأخذ بالحظ في تقليب الفكرة، وأن لا أعتقد الرأي في مستقبله إلَّا في إصلاح ما أوثره في مغبته، لجعلت جوابك خيلًا تحمل من أهل البأس والنجدة والبصيرة ينازعونكم عن ثكلكم، ويتقربون إلى الله بدمائكم، غير أني أتقدم إليك بالموعظة التي يثبت الله بها عليك الحجة من الدعاء لك ولمن معك إلى الوحدانية والشريعة الحنيفية، فإن أبيت ففدية توجب ذمة وتثبت نظرة، وإن تركت ذلك ففي يقين المعاينة لقوَّتنا ما يغني عن الإبلاغ والقول والإغراق في الصفة.»١ ثم شرع المأمون في التفكير لفتح بلاد الروم، وفي أول سنة ٢١٨ھ حصَّن مدينة «الطونة» وجعل سورها على ثلاثة فراسخ، وأخذ يخزن القوت ويجمع القواد في العواصم والثغور من العراق والشام ومصر وخراسان وبلاد العرب استعدادًا لحرب طويلة؛ يقول اليعقوبي: «استعد لحصار عمورية، وقال أُوَجِّه إلى العرب فآتي بهم من البوادي، ثم أنزلهم كل مدينة مفتوحة حتى أخرِّب القسطنطينية»، فلما بلغ إمبراطور الروم ذلك طلب مهادنة بينهما فرفض المأمون، وقصد بلاد الروم ونزل طرسوس يستعد لحملة الحرب الكبرى، ولكن أجله وافاه فجأة رحمه الله.

(٥) الأحوال الإدارية

(٥-١) الوزارة

يقسم الفقهاء المسلمون وأصحاب كتب الأحكام السلطانية والإدارة الوزارةَ إلى قسمين؛ «وزارة تنفيذ» و«وزارة تفويض»، أما «وزارة التنفيذ» هي التي يكون فيها الوزير منفذًا لأوامر الخليفة وحَسْب، فليس له التصرف بشئون الدولة من تلقاء نفسه؛ أي إنه لم يكن إلَّا وسيطًا بين الخليفة والناس، وهكذا كان الوزير في عهد العباسيين الأُوَلِ إلى عهد الهادي، أما بعد ذلك فقد انقلب الأمر إلى «وزارة تفويض» وهي التي يعهد الخليفة فيها إلى رجل يفوض إليه أمور دولته والتصرف بأموالها دون الرجوع إليه، وقد أورد الماوردي في كتابه القيِّم «الأحكام السلطانية» بحثًا استوفى فيه أحوال الوزارتين، نلخصه فيما يلي:

وزارة التفويض

أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضائها على اجتهاده، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة، فقد قال تعالى حكايةً عن موسى: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، فإذا جاء ذلك في النبوة كان في الوزارة أَجْوَزَ، وقد عدَّد الماوَرْدِيُّ الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يُقلَّدُها، ويعتبر في تقليد هذه الوزارة شروط الإمامة٢ إلا النسب وحده؛ لأنه ممضيُّ الآراء مُنفذ الاجتهاد، فاقتضى أن يكون على صفات المجتهدين، ويحتاج فيها إلى شرط زائد وهو أن يكون من أهل الكفاية فيما وُكل إليه من أمْرَيِ الحربِ والخراج، خبرة بهما ومعرفة بتفصيلهما، فإنه مباشر لهما ومستنيب فيهما، حُكي أن المأمون رضي الله عنه كتب في اختبار وزير: «إني التمست لأموري رجلًا جامعًا لخصال الخير ذا عفة في أخلاقه واستقامة في طرائقه، قد هذَّبَتْه الآداب وأحكمته التجارب، إنِ ائْتُمِن على الأسرار قام بها، وإن قُلِّدَ مهمات الأمور نهض فيها، يُسْكِتُه الحِلْم ويُنْطِقُه العلم، وتكفيه اللحظة وتضنيه اللمحة، له صولة الأمراء، وأنَاةُ الحكماء وتواضع العلماء وفهم الفقهاء، إنْ أُحسن إليه شكر، وإن ابتُلي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يسترقُّ قلوب الرجال بخلابة لسانه وحسن بيانه.» وقد جمع بعض الشعراء هذه الشروط فأوجزها، ووصف بعض الوزراء الدولة العباسية فقال:
بديهتُه وفكرتُه سواءُ
إذا اشتبهت على الناس الأمورُ
وأحزَمُ ما يكون الدهر يومًا
إذا أعيا المشاورُ والمشيرُ
وصدرٌ فيه للهمِّ اتساع
إذا ضاقت من الهمِّ الأمورُ

أما «وزارة التنفيذ» فحكمها أضعف وشروطها أقل؛ لأن النظر فيها مقصور على رأي الإمام وتدبيره، وهذا الوزير وسيط بينه وبين الرعايا والولاة، يؤدي عنه ما أمر، وينفذ عنه ما ذكر، ويُمْضِي ما حكم، ويخبر بتقليد الولاة وتجهيز الجيوش، ويعرض عليه ما ورد من مهم وتجدَّدَ من حدث مُلِمٍّ، ويراعى فيه سبعة أوصاف:

أحدها الأمانة، والثاني صدق اللهجة، والثالث قلة الطمع، والرابع أن يسلم فيما بينه وبين الناس من عداوة وشحناء، الخامس أن يكون ذَكورًا لما يؤديه للخليفة وعنه، السادس الذكاء والفطنة، السابع ألَّا يكون من أهل الأهواء.

وكانت الوزارة في عهد المأمون الأول، أيام كان في مرو، وزارة تفويض، فقد فوَّض أمرها إلى الفضل بن سهل الذي كان له الفضل في إيصاله إلى الحكم فأطلق يده في الدولة وسمَّاه ذا الرياستين؛ رياسة الحرب ورياسة التدبير، وكتب المأمون بذلك للفضل توقيعًا قال فيه: «أَغْنَيْتَ يا فضلُ بمعاونتك إياي على طاعة الله وإقامة سلطاني، فرأيت أن أُغْنِيَكَ … وقد أقطعتك السيب بأرض العراق عطاء لك ولعقبك لما أنت عليه من النزاهة عن أموال رعيتي، ولِمَا قمت به من حق الله وحقي، وقد جعلت لك بعد ذلك مرتبة من يقول في كل شيء فيُسمع منه، ولا تتقدمك مرتبة أحد ما لزمتَ ما أمرتُك به من العمل لله ونبيه، والقيام بصلاح دولةٍ أنت ولي بقيامها …»٣ ويظهر أن الفضل قد استولى على كل شيء في الدولة، حتى على المأمون نفسه، فعزل وولَّى، وجعل أخاه واليًا على العراق مسيطرًا على بغداد، وقرَّب الفرس وأبعد العرب، وتظاهر بمذاهب الأكاسرة وطرائقهم ومظاهرهم، يقول الجهشياري (في كتاب الوزراء والكتاب، ص٣١٦): «كان ذو الرياستين يجلس على كرسيٍّ مجنَّح، ويُحمَل فيه إذا أراد الدخول على المأمون فلا يزال يُحمَل حتى تقع عليه عين المأمون، فإذا وقعت وُضِعَ الكرسي، ونزل عنه فمشى وحمل الكرسي حتى يوضع بين يدي المأمون، ثم يسلم عليه ذو الرياستين، ويعود ويقعد عليه … وإنما ذهب ذو الرياستين في ذلك مذهب الأكاسرة، فإن وزيرًا من وزرائها كان يُحمَل في مثل ذلك الكرسي ويقعد بين أيديها عليه.»

والحقُّ أن بقاء المأمون في خراسان، وتقليم أظافر العرب في ديارهم وتقويته مخالب الفرس، ما هو إلا تأييد للسياسة الفارسية وإحياء للدولة الكِسْرَوية، ولو لم يقتله المأمون في شعبان سنة ٢٠٢ بطريق الحيلة على الشكل الذي رأينا لظلَّ تحت رهبوته، ولم يستطع حتى بعد قتله أن يقطع صلة له بأسرته، فاستوزر أخاه الحسن لمدة قصيرة، وتزوج ببنته بوران ترضية، ثم قطع آخر صلة له لهذه الأسرة حين عزل الحسن، وولى أحمد بن أبي خالد الأحول، وكان من خيار الوزراء ومدبريهم، جذب قلوب الناس نحو إمامه، وأحسن سياسة الأمور، ولم يكن فيه عيب سوى شراهته في الطعام، فكان الناس يترقبون إليه في المآكل، وقد أُخذ عليه ذلك إلى أن مات سنة ٢١١ھ، فولَّى المأمون وزارته ابنَ يوسف الكاتب، وكان من خيرة الكتَّاب وأجودهم خطًّا وأكثرهم فضلًا، فأحبه المأمون لفضله ونبله، ولكن بعض بطانته حسدوه فأفسدوا قلب الخليفة عليه فعزله، ثم استوزر القاضي يحيى بن أكثم التميمي، وكان من جلة العلماء والفقهاء والمُحَدِّثين، وجمع له قضاء القضاة مع الوزارة، ويظهر أن تولية يحيى بن أكثم أمر الوزارة مع القضاء جعلته يشتهر بالقضاء أكثر من الوزارة، حتى إن ابن طباطبا لم يذكره في كتابه الفخري في عِداد وزراء المأمون، وإنما ذكر وزارة يحيى بن ثابت الرازي بعد وزارة أحمد بن يوسف، وكان ثابت بن يحيى الرازي كاتبًا حاذقًا بالحساب، إلا أنه أهوج محمَّق سريع الغضب، ولم تَطُلْ وزارته، فولَّاها بعده محمد بن يزداد بن سويد الخراساني، وكان أديبًا بارعًا حاسبًا، فوَّض إليه المأمون جميع أموره ومات وهو وزيره، ويظهر أن المأمون في آخر أمره أراد أن يستعين بوزير كفء يعتمد عليه، فاختار ابن سويد واطمأنَّ إليه، حتى إنه فوَّض إليه وزارته لما كان يتمتع به من حسن الخُلق والأمانة والإدارة الحسنة والعلم الوافر والسياسة البارعة.

(٥-٢) الخراج

سار المأمون في الأمور المالية من خَرَاج وجباية وضرائب على سيرة أبيه مستنيرًا بكتاب الإمام القاضي أبي يوسف، فازدهرت البلاد اقتصاديًّا في عهده وانتعش بيت المال لحسن سيرة الخليفة وترتيب أمور الجباية، وقد حفظ لنا ابن خلدون في تاريخه وثيقة قيِّمة جدًّا ذكرها في المقدمة نقلًا عن كتاب جراب الدولة عدَّد الأقاليم الإسلامية في عهد المأمون ومقدار جبايتها من الدراهم والدنانير والعروض، ولا بأس من إيراد نص تلك الوثيقة لقيمتها التاريخية النفيسة، ولأنها تعطينا صورة حقيقية عن غنى الدولة ومواردها وموازنتها، قال ابن خلدون: «وُجِدَ بخط أحمد بن محمد بن عبد الحميد عمل بما يُحمل إلى بيت المال ببغداد أيام المأمون من جميع النواحي نَقَلْتُه من جراب الدولة:

جدول مقدار موارد الدولة العباسية في عصر المأمون بالدراهم والعروض.*
الأقاليم الجباية من الدراهم الجباية من العروض
السواد ٢٧٨٠٠٠٠٠ درهم ٢٠٠ حلة نجرانية ٢٤٠ رطلًا من طين الختم
كَسْكَر ١١٦٠٠٠٠٠ درهم
كور دجلة ٢٠٨٠٠٠٠٠ درهم
حلوان ٤٨٠٠٠٠٠ درهم
الأهواز ٢٥٠٠٠٠٠٠ درهم ٣٠٠٠٠ رطل سكر
فارس ٢٧٠٠٠٠٠٠ درهم ٣٠ ألف قارورة ماء ورد، ٢٠ ألف رطل زيت أسود
كرمان ٤٢٠٠٠٠٠ درهم ٥٠٠٠ ثوب يماني و٢٠ ألف رطل تمر
مكران ٤٠٠٠٠٠ درهم
السند وما يليه ١١٥٠٠٠٠٠ درهم ١٥٠ رطل عود هندي
سجستان ٤٠٠٠٠٠٠ درهم ٢٠٠ ثوب معين و٢٠ رطل سكر فانيذ ٢٠٠٠ نقرة فضة و٤٠٠٠ برذون
خراسان ٢٨٠٠٠٠٠٠ درهم ١٠٠٠ رأس رقيق و٢٠٠٠٠ ثوب متاع و٣٠٠٠٠ رطل إهليلج
جُرجان ١٢٠٠٠٠٠٠ درهم ١٠٠٠ شقة أبريسم
قَومْس ١٠٠٠٠٠٠ درهم ٥٠٠٠ نقرة فضة
طبرستان والرويان ودنباوند ٦٣٠٠٠٠٠ درهم ٦٠٠ قطعة قرش طبري و٢٠٠ كساء ٥٠٠ ثوب و٣٠٠ منديل و٣٠٠ جام
الري ١٢٠٠٠٠٠٠ درهم ٢٠ ألف رطل عسل
همذان ١١٣٠٠٠٠٠ درهم ١٠٠٠ رطل رُب رمان و١٢٠٠٠ رطل عسل
المجموع ٢٠٧٧٠٠٠٠٠
انظر مقدمة ابن خلدون، ص٢١٠، في فصل عنوانه: «إن آثار الدولة كلها على نسبة قوتها في أصلها».
بقية جدول موارد الدولة العباسية في عصر الخليفة المأمون بالدراهم والعروض.
الأقاليم الجباية من الدراهم الجباية من العروض
ما بين البصرة والكوفة ١٠٧٠٠٠٠٠ درهم
ماسبذان والدينور ٤٠٠٠٠٠٠ درهم
شهرزور ٦٧٠٠٠٠٠ درهم
الموصل وما إليها ٢٤٠٠٠٠٠٠ درهم ٢٠ ألف رطل عسل أبيض
أذربيجان ٤٠٠٠٠٠٠ درهم
الجزيرة وعمل الفرات ٣٤٠٠٠٠٠٠ درهم ١٠٠٠ رأس رقيق و١٢ ألف زق عسل، ١٠ بُزاة و٢٠ كساء
أرمينية ١٣٠٠٠٠٠٠ درهم ٢٠ قسط محفور و٥٣٠ رطل رقم، ١٠ آلاف رطل من المسايح* ١٠ آلاف رطل سونج و٢٠٠ بغل و٣٠ مهرًا
برقة ١٠٠٠٠٠٠ درهم
إفريقية ١٣٠٠٠٠٠٠ درهم ١٢٠ بساطًا
المجموع ٩٦٤٠٠٠٠٠
المجموع العام ٣٠٤١٠٠٠٠٠
المسايح أو السورما: نوع من السمك المجفف.
جدول مقدار موارد الدولة العباسية في عصر الخليفة المأمون بالدنانير والعروض.
الأقاليم الجباية من الدنانير الجباية من العروض
قنسرين ٤٠٠٠٠٠ دينار ١٠٠٠ حمل زبيب
دمشق ٤٢٠٠٠٠ دينار
الأردن ٩٧٠٠٠ دينار
فلسطين ٣١٠٠٠٠ دينار ٣٠٠٠٠٠ رطل زيت
مصر ٢٩٢٠٠٠٠ دينار
اليمن ٣٧٠٠٠٠ دينار سوى المتاع [لم يذكر]
الحجاز ٣٠٠٠٠٠ دينار
المجموع ٤٨١٧٠٠٠

مناقشة الجداول الثلاثة السابقة

هذه الجداول تبين لنا مقدار المال المأخوذ من الأقاليم الإسلامية، كما تبين لنا ثروة كل إقليم من هذه الأقاليم؛ لأن الضرائب كانت تُؤخذ بنسبة الثروات، وتبين لنا أنواع البضائع التي كانت متوفرة في كل إقليم من الأقاليم المذكورة، والجداول المذكورة تكشف لنا عن مقدار الثروة الضخمة التي كانت ترد إلى بيت المال، ويظهر في العاصمة الإسلامية الكبرى أن عهد الرشيد أغنى عهد الدولة العباسية، فقد قال جميل المدوَّر (في كتاب حضارة الإسلام في دار السلام، ص١٧٨): «إنه لم يُسمع عن دخل دولة من الدول الخلفاء أنه تجاوز القدر الذي يحمل إلى بيت المال في زمنه (أي زمن الرشيد) مع أنه كان يسلك مع الرعية مسلك الحاكم العادل ولا يضرب عليهم الخراج إلَّا على قدر ميسرتهم، وإن كان قد زال عنه القليل، مما كان يحمل إلى بيت المال سابقًا من المغرب العربي، فقد استعاض عنه بالقليل مما فُرض على بلدان النصرانية التي كان غلب عليها الروم من الأموال التي لا يصح أخذها من المسلمين كالخراج والعُشور.»

وكان المأمون ينفق هذه الأموال كلها في مصالح الدولة العامة من جيش وإدارة وعمارة ونشر للعلم والحضارة.

(٦) الحياة العقلية في عهده

ارتفعت الحياة العقلية بكافة نواحيها في عصر المأمون، فهو العصر الذهبي الرائع للحضارة الإسلامية، وهو عصر الازدهار حقًّا، وما ذلك إلا أن البذرة التي كان بذرها المنصور وتعهدها المهديُّ والرشيد قد ازدهرت في عهده وآتت أُكُلَها وثمراتها، ثم إن المأمون نفسه كان عالمًا يحب العلم ويقرب أهله ويغدق عليهم، كما كان ينقب عن المخطوطات من يونانية وأجنبية بصورة عامة، فيجمعها ويعمل على ترجمتها، ويغدق على المترجمين.

وقد حفظ لنا ابن النديم في «الفهرست» وابن أبي أصيبعة في «تاريخ الحكماء» والقفطي في «طبقات الحكماء» أسماءَ المترجمين وما كان ينفقه عليهم، وعلى نشر هذه المعربات.

أما العلوم الإسلامية من فقه وأصول وحديث وكلام ولغة وأدب وشعر فقد بلغت أَوْجَهَا في عهده، ونبغ من رجالاتها أئمة كبار كانوا عمدة التأليف وأئمة التصنيف، وقد خلَّفوا للمكتبة العربية آلافًا من التصانيف المفيدة في كل فرع من فروع العلم.

وكذلك كان الأمر في العلوم اليونانية من طبيعية وفلسفية ورياضية وطبية، وقد حكى ابن النديم (في كتاب الفهرست، ص٢٤٣): «إن المأمون رأى في منامه كأنَّ رجلًا أبيض اللون مشربًا بحمرة، واسع الجبهة مقرون الحاجب، جالسٌ على سريره، وكأني بين يديه وقد ملئت منه هيبة، فقلت: من أنت؟ قال: أنا أرسطاليس، فسررت به، وقلت: أيها الحكيم أسألك؟ قال: سَلْ، قلت: ما الحسن؟ قال: ما حسَّنه العقل، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حسَّنه الشرع، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حَسُنَ عند الجمهور، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم لا ثم.» وكانت بين المأمون وملوك الروم مراسلات، طلب المأمون فيها منهم إنفاذ ما عندهم من مختار علوم الأولين فأجابوه إلى ذلك، وبعث إليهم المترجمين الأربعة؛ الحجاج بن مطر، ويوحنا بن ماسويه، ويحيى بن البطريق، وسلما صاحب بيت الحكمة، فسافروا واختاروا بعض الكتب العلمية وشرعوا في ترجمته ونشره، وفي عهد المأمون وُجِدَت جماعة من العلماء الأغنياء اعتنوا بالعلوم الدخيلة عنايتَهُ، فنقلوا كثيرًا من الكتب أمثال؛ أحمد ومحمد والحسن أبناء شاكر المنجم، وهم الذين أنفذوا حنين بن إسحاق إلى بلاد الروم لجلب الكتب العلمية الرومية وترجمتها، ووظفوا للمترجم حبيش بن حسن وثابت بن قرَّة مبالغ من المال للاهتمام بالترجمة، وكانوا ينفقون عليهم في الشهر نحوًا من «٥٠٠» دينار، قال ابن خلكان: «إن المأمون كان مغرمًا بعلوم الأوائل وتحقيقها.» هو الذي حقق مباحث دورة الكرة الأرضية بعناية بني محمد بن موسى وأخويه أحمد والحسن الأئمة الأعلام في علوم الفلسفة والحكمة والنجوم والموسيقى والهندسة وعلم الحِيل «الميكانيكا»، ومن الفلاسفة الكبار الذين كان لهم مكان رفيع لدى المأمون فيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق الكندي حفيد الأشعث بن قيس.

ويجب أن لا ننسى أن للفلاسفة السوريين في حرَّان وأنطاكية فضلًا كبيرًا في نقل علوم الأولين إلى العربية، وقد جمع المأمون في دار كتبه الضخمة المسماة «بيت الحكمة» كنوز العلم وآثاره من إسلامية وغير إسلامية، وكانت هذه الخزانة مفتوحة الأبواب أمام العلماء الذين يريدون الدراسة والتحقيق، ولم يكن الخليفة بعيدًا عن أمور البحث؛ وكالدراسة والمناقشة فيما تضمنته هذه الكنوز العلمية، وقد استطاع الفلاسفة الدينيون المعروفون بالمعتزلة أن يثيروا شوق الخليفة للاهتمام بالمناقشات الفلسفية التوحيدية؛ فاعتنق نظرياتهم ومذهبهم في القول بخلق القرآن حتى إنه جعله العقيدة الرسمية للدولة، وأمر بامتحان جميع الذين يرفضون القول بها، وقد بالغ في ذلك إلى درجة التعصب، حتى اضطهد جماعة من العلماء الذين أنكروها كالإمام أحمد بن حنبل وغيره ممن لم يستطيعوا أن يؤمنوا بخلق القرآن.

يقول المؤرخ الهندي السيد أمير علي في كتابه «تاريخ العرب» (ص٢٣٥): كان عصر المأمون ألمع عصور الحضارة العربية على وجه الإطلاق، فسُمي، بِحَقٍّ، العصر الإسلامي الذهبي، ولا مشاحة في أن العشرين سنة التي قضاها في الحكم قد تركت كنوزًا زاخرة من الثروة الفكرية، ولم تقتصر هذه النهضة على ناحية معينة من العلوم والآداب، بل شملت نواحي التفكير والثقافات، وكان المأمون لا يُؤْثِر مذهبًا أو جنسًا خاصًّا، بل أباح الاستخدام في مناصب الحكومة لجميع المتعلمين على اختلاف أديانهم، كما أنشأ مجلسًا استشاريًّا للدولة يتألف من ممثلي جميع الطوائف، وأصبح هذا الديوان يضم المسلمين واليهود والمسيحيين والصابئين على حدٍّ سواء،٤ والحق أنه أحيا دولة العلم والأدب والفكر والترجمة، وكان يعقد المناظرات والمحاورات، وكان بلاطه يعجُّ بأهل العلم والفلاسفة الذين أحيوا الحركات العقلية الزاهرة التي كانت في معاهد أثينا والقسطنطينية، ولولا ما أُخذ عليه من شدة تحمسه لمذهب المعتزلة، وحَمْل الناس على الاعتقاد به لكانت الحركة العقلية التي ازدهرت في عصره حركة لا تشوبها شائبة، ولكن تحمسه لهذا المذهب العقلي الذي استهواه جعله يذهب هذا المنصب الغريب.

(٧) الحياة الاجتماعية في عصره

استمرت الحياة الاجتماعية التي وصفناها في عصر الرشيد أيام ابْنَيْه الأمين والمأمون، ولا شكَّ في أن الفتنة التي وقعت بين الأخوين قد أفسدت بعض مظاهر الحياة الاجتماعية بعض الإفساد، ولا أدل على ذلك من إيراد بعض المقطوعات الشعرية التي قالها بعض الشعراء المعاصرين للفتنة، ممن حفظ لنا الطبري أشعارهم.

قال شاعر من أهل بغداد لمَّا رأى اضطراب الوضع في مدينته وتشاغل محمد الأمين عن النظر في أحوالها، واهتمامه بما لا طائل تحته وبحمله الناس على مبايعة ابنه:٥
أضاع الخلافةَ غشُّ الوزيرْ
وفسقُ الإِمام وجهلُ المُشيرْ
وما ذاك إلَّا طريق غرورْ
وشرُّ المسالك طرق الغُرورْ
ففضلٌ وزيرٌ وبكرٌ مشيرٌ
يُريدانِ ما فيهِ حتفُ الأميرْ
وأعجبُ من ذَا وذَا أنَّنا
نبايعُ للطِّفل فينا الصَّغِيرْ
ولكنَّها فِتنٌ كالجبالِ
تَرفَّع فيها الوَضيعُ الحَقيرْ
فَصبرًا ففي الصَّبر خَيْر كبيرْ
وإن كان قد ضاق صَبْر الصَّبُورْ
وقال بعض أهل بغداد أثناء حصار طاهر بن الحسين للأمين:٦
قل للأمينِ اللهَ في نَفْسِهِ
ما شتَّتَ الجُند سِوى الغَالِيَهْ
وطاهرٌ، نفسي تَقِي طاهِرًا
بِرُسْلِهِ والعدَّةِ الكَافِيَهْ
أضحى زمامُ المُلك في كفِّهِ
مُقاتلًا للفِئَةِ البَاغِيَهْ
يا ناكثًا أسلَمه نكثُهُ
عيوبُه من خُبثه فاشِيَهْ
قد جاءك الليثُ بشدَّاتِهِ
مستكلبًا في أسُدٍ ضَارِيَهْ
فاهربْ ولا مَهْرَبَ مِن مِثْلِهِ
إلَّا إلى النارِ أوِ الهَاوِيَهْ
وقال شاعر من أهل الجانب الغربي يصف اضطراب مدينة بغداد ويذكر قتل الناس بالمنجنيق والحجارة:٧
لا تَقْرَبِ المنجنيقَ والحَجَرا
فقد رأَيتَ القَتيلَ إِذْ قُبِرَا
باكر كي لا يفُوتهُ خَبَرٌ
راحَ قَتيلًا وخَلَّفَ الخَبَرَا
يا صاحبَ المَنجنيقِ ما فَعَلتْ
كَفَّاكَ لم تُبْقِيا ولَمْ تَذَرَا
كَانَ هَوَاهُ سوى الذي قُدِرَا
هيهاتَ لن يَغلِبَ الهوى القَدَرَا

وقال آخر:

يا رماةَ المَنجنيقْ
كلُّكم غيرُ شفيقْ
ما تبالون صديقًا
كان أو غيرَ صديق
ويلكم تدرون ما
ترمون مُرَّارَ الطَّريق
رُبَّ خودٍ ذات دلٍّ
وهي كالغصن الوريق
أخرجتْ من جَوْف دنيا
هَا ومِن عيشٍ أَنيق
لم تجد من ذاكَ بُدًّا
أبرزتْ يومَ الحَرِيقْ
وقال العتري:٨
مَنْ ذا أَصابَكِ يا بغدادُ بالعَيْنِ
ألم تكوني زمانًا قُرَّة العَيْنِ
أَلم يكن فيك قوم كَانَ مسكنُهُمْ
وكان قربهم زينًا من الزَّيْنِ
صاحَ الغُراب بهم بالبَين فافترقُوا
ماذَا لقيتِ بِهِمْ من لَوعَةِ البَيْنِ
أستودع الله قومًا ما ذكرتُهُمُ
إلَّا تحدَّر ماءُ العَيْنِ مِنْ عَيْنِي
وقال الحسين الخليع:٩
أتسرع الرِّحلة إغذَاذَا
عن جانِبَيْ بغدادَ أمْ مَاذَا
أَلَمْ تَرَ الْفِتنَة قَدْ أَلَّفت
إلى أولي الفِتنةِ شُذَّاذَا
وانتقضت بَغدادُ عِمرانَها
عن رأي لا ذَاكَ ولا هَذَا
هَدْمًا وحَرْقًا قد أبيد أهلُها
عُقوبةٌ لاذت بمن لاذَا
ما أحسنَ الحالات إن لمْ تَعُدْ
بغدادُ في القلَّة بَغْدَاذَا

وقال الخزيمي قصيدة رائعة في مائة وخمسة وثلاثين بيتًا من عيون الشعر يصف اضطراب الأمر في بغداد وما آلت إليه حالتها الاجتماعية والعمرانية من خراب وفوضى، ذكرها الطبري في تاريخه (١٠: ١٧٦–١٨١)، وإليك بعض أبياتها:

قالوا ولَمْ يلعبِ الزمانُ ببغـ
ـداد وتَعْثرْ بِهَا عَوَاثِرُهَا
إِذ هيَ مثلُ العَروسِ باديـ
ـها مُهَوَّل للفَتى وحاضرُها
وهل رأَيتَ القرى التي غرس الأمـ
ـلاكُ مخضرَّةً دَسَاكِرُها
مَحفُوفةً بالكُروم والنخلِ والريـ
ـحانِ قد دميت محاجِرُهَا
فإِنَّها أصبحتْ خَلَايا من الإنـ
ـسانِ قد بَلِيَتْ مَفَاخِرُهَا
قَفْرًا خلاءً تعوي الكلابُ بها
يُنكرُ منها الرُّسومَ زائِرُهَا
وأصبحَ البؤسُ ما يفارقُها
إِلفًا لها والسرورُ هاجرُهَا
فأينَ رقَّاصُها وزامِرُهَا
يَجبُنُ حيثُ انتهَت حَنَاجِرُهَا
أمستْ كجوفِ الحِمَارِ خاليةً
يُسعرُها بالجَحيم ساعِرها
يا بؤسَ بغدادَ دارَ مملكةٍ
دارت على أهلِها دوائِرُها
أمهلَها اللهُ ثمَّ عاقَبها
لما أحاطتْ بها كبائرُها
بالخسفِ والقذفِ والحريق وبا
لحربِ الَّتي أصبحتْ تُساوِرُهَا
رقَّ بها الدينُ واستخفَّ بِذِي الـ
ـفضلِ وعزَّرَ النسَّاكَ فاجِرُهَا
وخطَّم العبدُ أنفَ سَيِّدِهِ
بالرغمِ واستُعْبدت مَخَادِرُهَا
والكرخُ أسواقُها معطَّلةٌ
«يَسْتَنُّ» عيَّارُها وعائرُها
أخرجتِ الحربُ من سواقِطِها
آسادَ غِيلٍ غُلبًا تُساوِرُها
والخيل تستنُّ في أزقَّتِها
بالتركِ مسنونةً خَنَاجِرُها
والنفطُ والنارُ في طرائِقِهَا
وهابيًا للدُخَان عامِرُهَا
والنَّهب تعدو بها الرجالُ وقَدْ
أبدت خلاخيلها حرائرُها
معصوصباتٍ وسط الأزقةِ قَدْ
أبرزها للعُيون ساترُها
كلُّ رَقُود الضُّحى مخبَّأة
لم تبدُ في أهلِها مَحَاجِرُهَا
بيضة خدرٍ مكنونةٍ برزَتْ
للناسِ منشورةً غدائرُهَا
تسأل أينَ الطريق والِهةً
والنارُ من خلفِها تُبادرُها
يا هلْ رأيتَ الثكلى مولولةً
في الطُّرْقِ تسعى والجُهد باهرُها
في إِثرِ نعشٍ عليه واحدُها
في صدرِه طعنةٌ يُساوِرُهَا

هكذا كان أهل بغداد إبَّان الفتنة، ولكن ما عتمت أن استعادت حياتها الاجتماعية المرحة في عهد المأمون، فأعيد بناء الدور والأسواق المهدَّمة، وتوجهت عناية الخليفة إلى إعادة بناء ما تهدَّم من المؤسسات العامة؛ كالمسجد والكتاتيب والحمَّامات والجسور والقناطر والخانات والأفران، حتى عاد بناء المدينة إلى مثل ما كان عليه قبلئذٍ، ورجع الترف عند البغاددة إلى ما كان عليه سابقًا تشبهًا بالخليفة وآل بيته ورجاله في أفراحهم وحفلاتهم ومواسمهم وأعيادهم، ولا بأس من أن نقف وقفة قصيرة أمام حفلة بناء المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل في رمضان سنة ٢١٠، قال الطبري (التاريخ، ١٠: ٢٧٣): لما فرغوا من الإفطار وغسلوا أيديهم دعا بشراب فأُتِيَ بجمام ذهب فصب فيه وشرب، ومدَّ يده بجام فيه شراب إلى الحسن فتباطأ عنه الحسن؛ لأنه لم يكن يشرب قبل ذلك، ولما جلس المأمون معها نثرت عليها جدتها ألف درَّة كانت في صينية ذهب، وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منًّا في تور ذهب فأنكر المأمون ذلك عليهم، وقال: هذا سرف، وأقام المأمون عند الحسن سبعة عشر يومًا، يعدُّ له في كل يوم لجميع من معه جميع ما يحتاج إليه، وخلع الحسن على القُوَّاد على مراتبهم وحملهم ووصلهم، وكان مبلغ النفقة عليه خمسين مليون درهم، وأمر المأمون غسان بن عبَّاد عند منصرفه أن يدفع للحسن عشرة ملايين من مال فارس وأقطعه «فم الصلح»، فجلس ففرَّقها في قواده وأصحابه وخدمه، وكتب الحسن رقاعًا فيها أسماء ضياعه ونثرها على القواد وعلى بني هاشم، فمن وقعت في يده رقعة فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها، ولم يكن وجوه البغاددة أقل إسرافًا في أفراحهم ومواسمهم من الحَسَن، فقد كان مال الأرض ينصبُّ في بغداد، فيوزعه الخليفة على الجند والقادة، وهم بدورهم يوزعونه على الأهلين الذين أثروا وبنوا القصور والدور والبساتين والجنان، واقتنوا المتاع والرياش والفرش والديباج والغلمان، وآلات الزينة والصيد والطعام والشراب والطيب والمراكب والخيول والحلي والملابس وغير ذلك مما حفل فيه كتب: «الأغاني» و«حلبة الكميت» و«أعلام الناس» و«أعجب المخلوقات» و«المستطرف» و«تزيين الأسواق» و«ألف ليلة وليلة».

(٨) الحياة الاقتصادية في عصره

كتبنا في الفصل الخاص بالرشيد شيئًا عن الحياة الاقتصادية من زراعة وصناعة وتجارة، ونريد في هذا الفصل أن نبيِّن بعض ما أهملنا بيانه في ذلك الفصل، فإنه مكمل له.

أما الزراعة: فقد شجع المأمون الناس على العناية بالأرض، وأوصى وزراءه وعمَّاله أن يُعْنَوا بالريِّ ونواظم الماء وكري الأنهار وشق الأقنية، وعدم التشديد على الناس في الجباية، والرفق بأصحاب الأرَضِين، وكان القاضي أبو يوسف قد اقترح على الرشيد إنقاص مقدار الخراج، وجعْله مقاسمة على النصف؛ أي خمسين بالمائة، فقبل الرشيد اقتراحه، وفي سنة ١٧٢ھ أنقص الرشيد مقدار الخراج بحذف العُشْر الذي كان يؤخذ بعد النصف كما يذكر الطبري (التاريخ، ١٠: ٥١)، واستمرت الجباية على هذا طوال عهد الرشيد والأمين والمأمون إلى سنة ٢٠٤ھ، فإنه جعل مقاسمة أهل السواد بالخمسين بدل النصف،١٠ وطلب إلى عامله على خراسان حط ربع الخراج عن مقاطعاتها،١١ ولما بُعث عبد الله بن طاهر لتهدئة الفتنة التي وقعت بين النزارية والقحطانية سنة ٢١٠ھ بالشام أذن له في حطِّ الخراج عن بعض البلاد الشامية، كما يذكر اليعقوبي (التاريخ، ٢: ١٩١) ولكنه لا يُعَيِّن لنا ذلك المبلغ المحطوط، وأغلب ظننا أنه جعله كالسواد؛ أي بأخذ الخُمسينِ لبيت المال وإبقاء ثلاثة الأخماس لأصحاب الأرض، ولما كان المأمون في سنة ٢١٤ھ بدمشق طلب أن تُمْسَح الأراضي على أيدي مسَّاحين من العراق والأهواز والريِّ، فمُسِحَت ثم فرض عليها الضرائب المستحقة دون إجحاف بالأهلين، وأوصى عمَّاله بحسن السيرة في الجباية، وتخفيف المئونة وكفِّ الأذى عن الناس،١٢ هذا؛ ولا بدَّ من الإشارة إلى نَصٍّ ينقله الأستاذ ميتز عن المؤرخ ديونيسيوس Dionysius، وهو أن جُباة الخراج في العراق حوالي عام ٢٠٠ھ/٨١٥م هم قوم من العراق والبصرة والعاقول، وهم عُتاة ليس في قلوبهم رحمة ولا إيمان، شرٌّ من الأفاعي يضربون الناس ويحبسونهم ويعلقون الرجل البدين من ذراع واحد حتى يكاد يموت، ولا شكَّ في أن بعض عمال المأمون كانوا يطبقون هذه الأحكام القاسية على المزارعين، ولم يَخْلُ زمان من جلَّادين وظَلَمة، فقد ذكر المقريزي (الخطط، ٢: ٩٩) أن العباس بن موسى بن عيسى والي مصر من قِبل المأمون على الخراج والصلات قد تحامل على الرعية وعسفها وتهدد الجميع فثاروا عليه.
وأما التجارة: فقد بلغت في العراق أيام العصر العباسي الأول أَوْجَهَا، وبخاصة في عصر المأمون، فقد استتبع الرقيَّ الزراعي رقيٌّ تجاري وخصوصًا حين أوغلت البلاد في الترف، وقد أدى هذا الإيغال إلى توسع التجارة وقيام مؤسسات مالية وتجارية فردية أو جماعية نجد أثرها في كتب الفقه وكُتب الأحكام السلطانية والخراج، وكان طبيعيًّا أن تنمو دور الصيرفة.
وأما الطرق التجارية المعروفة يومئذٍ فهي إمَّا برِّية وإمَّا بحرية، والبحرية لها طريقان مشهوران؛ أوَّلهما: البصرة، فسيراف على خليج البصرة، فموانئ الهند، فسيلان، فخليج، فسومطرة، فكمبوديا، فكانتون التي كان يسميها العرب خانقو، وثانيها: طريق مبدؤه من القلزم وجدَّة وعدن، ثم يسير إلى ساحل إفريقية الشرقية حتى موازبيق.١٣
أمَّا التجارة البرية فطرقها كثيرة وأشهرها الطرق الآتية:
  • (١)
    طريق الشرق: ويبدأ من بغداد إلى حلوان، فإلى همذان وقزوين والري ونيسابور، فمرو وبخارى وسمرقند وخوارزم.
  • (٢)
    طريق الغرب: ويبدأ من بغداد إلى الرقَّة فالشام فمصر فشمالي إفريقية، فالأندلس وبلاد الإفرنج.
  • (٣)
    طريق الشمال: من بغداد إلى الموصل فالجزيرة فحلب فبلاد الروم فأوروبا الشرقية.
  • (٤)
    طريق الجنوب: من بغداد إلى الكوفة فالحجاز فاليمن وهو طريق الحج، ومما تجدر الإشارة أن النصارى واليهود وأهل الذمة على العموم قد لعبوا دورًا كبيرًا في تقدم التجارة العربية، وفي تنظيم التجارة العربية وبخاصة إلى إسبانيا والصين وأوروبا الشرقية والغربية.
أما أساليب التبادل التجاري فكانت على أنواع وهي:
  • (١)

    التقايض وذلك باستبدال البضائع المجلوبة ببضائع أخرى تصدرها البلاد الإسلامية.

  • (٢)

    الشراء بالعملات العربية أو العملات الأجنبية.

  • (٣)

    استعمال السفاتج المالية والصكوك.

وقد شاعت في بلاد الإسلام العملات الذهبية والفضية، على أن بعضها يختلف عن بعض، فبلاد فارس والغرب كانت عملتها الغالبة الدراهم الفضية، وكذلك كان الأمر في العراق، أما الشام ومصر والحجاز واليمن وشمال إفريقية فكان الأكثر استعمال الدنانير الذهبية، ويذكر يحيى بن آدم في «كتاب الخراج» أن العملة في العراق هي الدراهم، وفي الشام الدينار، وفي مصر الدينار أيضًا، أما بلاد فارس والمشرق فتستعمل الدراهم لا الدنانير، وقد لاحظنا ذلك في الجداول التي نقلناها عن ابن خلدون.

وكانت معاملات بيت مال الخلافة أكثر ما تكون بالدراهم، والدرهم على الأكثر يساوي «٦» دوانق، والدانق «١٢» قيراطًا، والقيراط «٢٤» طسوجًا، والطسوج «٤٨» حبَّة، أما الدينار فيختلف صغيرًا وكبيرًا وقيمةً وجنسًا، وقد كان في القرنين الثالث والرابع يساوي نحو «٢٤» درهمًا.

أما أشهر الناس بالتجارة في ذلك العصر فهم العراقيون والمصريون خاصة ثم اليمنيون، يقول ابن الفقيه الهمذاني في «كتاب البلدان» (ص٢٩٠): «وقالوا: أبعد الناس نُجعة في الكسب بصري أو حميري.»

والمدينة التجارية الوحيدة التي كانت تلي بغداد في التجارة ذلك العصر هي الإسكندرية، قال المستشرق ميتز:١٤ «صارت التجارة الإسلامية هي السيدة في بلادها، وكانت سفن المسلمين وقوافلهم تجوب كل البحار والبلاد، وكانت الإسكندرية وبغداد هما اللتان تقرران الأسعار للعالم في ذلك العصر، للبضائع الكمالية على الأقل، وكان التجار اليهود الذين يأتون من مقاطعة بروفانس بفرنسا يُسَمَّوْنَ عند المسلمين في القرن الثالث باسمٍ مجرد وهو «تجار البحر»، وقد وصفهم المسلمون بأنهم يسافرون بين الشرق والغرب ويحملون من «فرنجة» الخدم والغلمان والجواري والديباج والخبز الفائق والفِرَاء والسمور، فيركبون البحر من «فرنجة» ويخرجون إلى الفَرَما، ويحملون تجاراتهم على الظهور إلى القلزم، ثم يركبون البحر الشرقي من القلزم إلى جدة والجار، ثم يمضون إلى السند والهند والصين، فيحملون من الصين المِسْك والعُود والكافور والدارصيني وغير ذلك، ويرجعون إلى القلزم ثم يتحوَّلون إلى الفَرَما، ويركبون البحر الغربي، فربما عدلوا بتجارتهم إلى القسطنطينية فباعوها للروم، وربما صاروا بها إلى بلاد «الفرنجة»، وإن شاءوا حملوا تجاراتهم في البحر الغربي فخرجوا بأنطاكية وساروا برًّا إلى الفرات فركبوا دجلة إلى الأبلَّة إلى عمان والهند والصين، وكانوا يتكلمون العربية والإفرنجية والفارسية والرومية، وهم تجار اليهود الذي يقال لهم «الراهدانية» أو «الرذانية»، ومما هو معلوم أن الإسلام حرَّم الربا كما حرَّم المضاربة، ولكن اليهود والنصارى قد استطاعوا أن يلعبوا في هذا دورًا كبيرًا، وكانوا منذ عهد الرشيد يقومون بعمليات الربا الفاحش والمضاربات البالغة، فقد ذكر ياقوت في معجم الأدباء (ج٥،  ٤٥٨) أنه كان في عصر المأمون تاجران متواخيان في شراء غلَّات العراق، فأشرفا على ربح عشرة آلاف ألف درهم، ثم اتَّضَع السعر فخسرا ستة آلاف ألف.»
وأما الصناعة: فقد ظلَّت في عصر المأمون كما كانت عليه قبلًا، وكانت الأقاليم الإسلامية تنتج الصناعات التي تحدثنا عنها في عصر الرشيد، ونضيف أن العالم الإسلامي اشتهر في هذا الحين ببعض المنسوجات كالشاش الموصلي والخز البصري والسقلاطون البغدادي والعمائم الكوفية؛ وغير ذلك من الثياب المزركشة التي اقتضت وجودها طبقات السكان من نبلاء ووزراء وقادة وجنود ورؤساء وعلماء؛ لأن كل واحد من هؤلاء كان ذا زيٍّ خاص، وكان للخليفة دار نسيج خاصة به تُسمى «دار الطراز» تصنع فيه المنسوجات الخليفية المنقوشة المطرَّزة بالأدعية وألقاب الخلافة، ووُجِدَت في العراق صناعات أخرى بارعة كصناعات الخزف المنقوش الجميل، وصناعات الحديد والفولاذ والفضة والذهب والجواهر الكريمة والآلات الفلكية والساعات الدقاقة والمِزولات، وصناعات النجارة المنقوشة والمطعَّمة والمكفتة، وصناعات السفن والحرَّاقات النهرية والبحرية، وصناعات الصابون والزيت والعطور والأدهان والطيوب، وصناعات الخمور والأنبذة والكحول وما إلى ذلك.

ومن الصناعات التي ازدهرت في عصر الرشيد صناعة الوراقة وما يتبعها من النسخ والتجليد والزخرفة، قال ابن خلدون (في المقدمة، ص٤٩٨): «طما بحر التأليف والتدوين، وكثر ترسل السلطان وصكوكه وضاق الرق عن ذلك، فأشار الفضل بن يحيى بصناعة الكاغد وصنعه، وكتب فيه رسائل السلطان وصكوكه، واتخذه الناس من بعده صحفًا لمكتوباتهم السلطانية والعلمية، وبلغت الإجادة في صناعته ما شاءت.»

وبعدُ؛ فإن الصناعة من نسج وحياكة وتعدين ووراقة، وما إلى ذلك من الصناعات التي تقتضيها الحضارة قد بلغت أوْجَهَا في القرن الثالث للهجرة، حتى غدت عواصم الإسلام، وبخاصة بغداد والإسكندرية، أهمَّ مركزين عالميين للتجارة والصناعة، وقد ظلَّ ذلك حقبة طويلة من الزمن إلى أن اضمحل المُلْك العربي.

(٩) خاتمته

كان المأمون من أفاضل خلفاء العباسيين وعقلائهم ومثقفيهم وحكمائهم، ويقول المسعودي إنه: «كان حَسن التدبير لا تخدعه الأماني ولا تجوز عليه الخدائع، ولم يكن يُعاب في حكمه بشيء سوى تهاونه بالأمر بعد استخلافه فترة، وتركه السلطة لآل سهل يفعلون ما يريدون، كما يُعاب عليه تقريبه الأعاجم وتبعيده العرب.»١٥ وقال ابن الأثير: «تعرَّض رجل للمأمون بالشام مرارًا وقال: يا أمير المؤمنين انظر لعرب الشام كما نظرت لعجم خراسان، فقال له: أكثرت عليَّ، والله ما أنزلتُ قيسًا من ظهور خيلها إلا وأنا أرى أنه لم يبقَ في بيت مالي درهم واحد (يعني بسببهم في فتنة ابن شبث)، وأما اليمن فوالله ما أحببتها ولا أحبتني قط، وأما قضاعة فساداتها تنتظر السفياني حتى تكون من أشياعه، وأما ربيعة فساخطة على ربها منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلَّا وخرج أحدهما سائسًا، اعْرِفْ فَعَلَ الله بك.»١٦ وهو كما نرى جواب غريب، وقول عجيب من أمير المؤمنين العاقل الحكيم، ولكنَّها السياسة الأعجمية غلبت عليه ما أفسدته وجعلته يقول هذا القول.
ومهما يكن من شيء فإن المأمون على كل حال خليفة عظيم الشأن، ولو فُسِحَ له في أجله لكان شأنه أعظم، ولا شكَّ في أنه حين شعر بدنوِّ أجله وهو يُعِدُّ عدته لفتح القسطنطينية، أن البلاد قادمة على عهدٍ يجب أن يكون الخليفة فيه إنسانًا قويًّا، فلذلك تناسى ابنه وتجاوز عنه إلى أخيه المعتصم، فأوصاه بوصية تدلُّ على عقله وحزمه، وقد حفظ لنا الطبري نصَّها، ومما جاء فيها قوله:١٧ «هذا ما شهد عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين بحضرة من حضره، أشهدهم جميعهم على نفسه أن يشهد ومن حضره أن الله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبِّر لأمر غيره، وأنه خالق وما سواه مخلوق، يا أبا إسحاق (هو المعتصم) ادنُ مني واتَّعِظْ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذا طوقكها الله عمل المريد لله الخائف من عقابه وعذابه، ولا تغترَّ بالله ومهلته، فكأنْ قد نزل بك الموت، ولا تغفل أمر الرعية، العوامَّ العوامَّ، وعجِّل الرحلةَ عني والقدومَ إلى دار ملكك، وانظر هؤلاء القوم الذين أنت بساحتهم فلا تغفل عنهم في كل وقت، والخرَّمية فَأَغْزِهِمْ ذا حزامة وصرامة، ولا تتخذنَّ بعدي وزيرًا تلقي إليه شيئًا؛ فقد علمت ما نكبني به يحيى بن أكثم في معاملة الناس وخبث سيرته، وهؤلاء ولد عمك من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأحسن صحبتهم، وتجاوز عن مسيئهم واقبل من محسنهم، وصِلَاتهم فلا تغفلها في كل سنة عند محلها، فإن حقوقهم تجب من وجوه شتَّى …» هذا ثم أسلم روحه وانطفأ نور الشمعة الوهَّاجة التي ختمت عهد العباسيين المشرق القوي وعصر الازدهار العربي، وخلف من بعده خلفاء أضاع كثير منهم هيبة السلطان، وتركوا البلاد تتخبط، فاستقلت بعض الأقاليم، وتسلط عليها عناصر غريبة من تُرْك وديالمة أفسدوا ملك العرب والإسلام.
١  تاريخ الطبري، ١٠: ٢٨٣.
٢  شروط الإمامة هي: الإيمان، العلم، العدالة، الكفاية، سلامة الحواس والأعضاء مما يُؤَثِّر في العمل، والنسب، والفِرق الإسلامية تختلف في هذه الشروط زيادة ونقصًا.
٣  كتاب الوزراء والكُتَّاب للجهشياري، ص٣٠٦.
٤  مختصر تاريخ الحضارة الإسلامية، ص٢٣٥.
٥  تاريخ الطبري، ١٠: ١٤٣.
٦  تاريخ الطبري، ١٠: ١٧٣.
٧  تاريخ الطبري، ١٠: ١٧٤.
٨  تاريخ الطبري، ١٠: ١٧٥.
٩  تاريخ الطبري، ١٠: ١٧٥.
١٠  تاريخ الفخري، ص١٩٢.
١١  كتاب الوزراء للجهشياري، ص٢٦٩.
١٢  محاضرات المجمع العلمي العربي، ١: ٤٩.
١٣  الحضارة العربية في القرن الرابع، تأليف ميتز، ٢: ٣٦١.
١٤  الحضارة العربية في القرن الرابع، تأليف ميتز، ٢: ٣١٤.
١٥  مروج الذهب، ١: ٣٠٤.
١٦  تاريخ ابن الأثير، ٦: ١٤٦.
١٧  تاريخ الطبري، ١٠: ٢٩٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤