الفصل الرابع

الاستشراق والاستغراب والسيطرة على المرأة

يشهد عصرنا الحالي اهتمامًا عالميًّا بقضية تحسين وضع المرأة، وبعض هذا الاهتمام مصدره الغرب، إلا أن تنفيذ استراتيجيات «تحسين» حياة المرأة انتقل من السياسات القومية للدول إلى جدول أعمال الأمم المتحدة. ومن العقائد الأساسية1 لدى الدول الغربية وغير الغربية على حد سواء، ذلك الإيمان بأن التنمية الاقتصادية الغربية والتحوُّل الصناعي من شأنهما تحسين وضع المرأة في دول العالم الثالث، هذا إلى جانب اعتقاد آخَر منتشِر بأن النساء في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية يعِشن في وضع أفضل — بالنسبة إلى رجال مجتمعهن — مقارنةً بأخواتهن في المجتمعات التي تُعَدُّ غير «متطوِّرة»، وهذه الافتراضات تواجِه اعتراضاتٍ على مستويات عدة.

أحد هذه الاعتراضات مردُّه إلى الدراسات المتزايدة التي يُجرِيها أساتذةٌ من الغرب ومن دول العالم الثالث، والتي تشكِّك في تعريف التطوُّر وأهدافه ووسائله ونطاقه ونتائجه (انظر على سبيل المثال ريحاني، ١٩٧٨؛ نيلسون وأولسن، ١٩٧٧). بينما ينشأ اعتراض آخَر من النساء اللاتي يشكِّلن جزءًا من حركات قومية أو دينية أو عِرقية في العالم الثالث، ويرين أن وضعهن أفضل من أخواتهن الغربيات اللاتي يعانين من الاستغلال.

وتمثِّل مثل هذه الادعاءات والادعاءات المقابلة لها أجزاءً مهمَّة من الخطابات الغربية والشرقية؛ ولها تبعات خطيرة سنتناول البعض منها هنا، ولكن يجب التنويه إلى أن غرض هذا الفصل ليس تدريج المجتمعات لإثبات الأفضل والأسوأ من بينها، ولا هو موجَّه للإجابة عن التساؤلات المتعلِّقة بتحسين وضع المرأة، بل هو في واقع الأمر ينأى عن الأفكار المفرطة التبسيط من أمثال «التقدُّم» و«تحسين الأوضاع» الشائعة بين الغربيين وبين نخبة الشرقيين، ولكنها في الوقت نفسه غير ذات قيمة كأدوات في البحث المقارَن. إن هدفي من هذا الفصل هو توضيح كيف أن صور المرأة في المجتمعات الأخرى يمكن أن تكون مُجحِفَة بالنسبة إلى النساء في مجتمع المرء نفسه؛ حيث تنتشر العقائد الذكورية في الدول القومية المعاصرة، ولكن مع اختلاف الأنماط، وهذا التنوُّع تحديدًا غاية في الأهمية للحفاظ على استمرارية الأنظمة الأبويَّة المختلفة. وبأسلوب آخَر، فإن المقارنات الثقافية المُضلِّلَة تدعم مزاعم استعلاء المكانة التي تعمل على تحويل الانتباه عن العمليات التي يتم من خلالها التحكُّم في المرأة في كلا العالمين (حاتم، ١٩٨٩).

إذا ما درسنا نقد العلاقات الجنسانية ما بين الشرق والغرب، فسوف نجد أنفسنا مدفوعين نحو التفكير في استخدام أسلوب المقارنة في تأصيل الجنسانية؛ إذ قد يُستَغَل النقد الموجَّه للآخَر كأداة للسيطرة، حينما تؤكِّد المقارَنَة استعلاء المكانة. وهنا يكون السؤال ذا شقَّيْن؛ أولهما: كيف يصبح النقد الموجَّه للآخر أداةً أساسية تستغلها الحضارات والدول القومية في عملية فرض سيطرتها على المرأة في مجتمعاتها وعلى نساء الثقافات الأخرى؟ وثانيهما: كيف تخضع ديناميكيات العقيدة الذكورية لسيطرة الاعتقاد القائل بأن مكانة المرأة بالنسبة إلى الرجل تتحسَّن كلما تطوَّرت الحضارة، أو العكس؛ أن مكانة الرجل تعلو كلما ارتقت الحضارة؟ ويندمج هذان السؤالان في تساؤل واحد من أجل تناول ديناميكيات العقيدة الذكورية في الأنظمة العالمية المُعاصِرة والمتفاعِلة: كيف تعمل صور المرأة في الثقافات الأخرى كأداة للسيطرة على المرأة في مجتمع المرء نفسه؟

ينبثق الإطار النظري لهذا البحث من مفهوم الهيمنة، ومفهوم «الخطاب الحقيقي»، وفكرة استعلاء المكانة؛ أمَّا مفهوم الهيمنة فهو — كما صوَّره جرامشي (١٩٧١) — يفيد بأن الأنظمة الفكرية تتطوَّر مع مرور الوقت، وتعكس اهتمامات طبقات و/أو مجموعات معيَّنة في المجتمع تمكَّنَتْ من تعميم معتقداتها وقِيَمها الخاصة، وتُنتَج هذه المعتقدات أو العقائد ويُعاد إنتاجها من خلال عمل «النُّخَب المُثقَّفة»، وتكون هيكلة السيطرة الناتجة عنها، وفقًا لجرامشي، قائمةً على القبول وليس القوة أو الهيمنة، وذلك من خلال «المجتمع المدني» وليس «الدولة كسلطة». أما تحليل فوكو فيُحوِّل الانتباه من التنظير حول الأيديولوجية إلى «التفكير في علاقات الحقيقة والسلطة التي تُعَدُّ أحد مقوِّمات الهيمنة» (سمارت، ١٩٨٦: ١٦٠-١٦١)، ويشير مفهومه عن «الخطاب الحقيقي» (جرامشي، ١٩٧١) إلى حظر الخطاب على الرؤى البديلة للواقع، ويطرح مجموعةً من المفاهيم للمساعدة على فَهْم طريقة عمل السلطة في مختلف صورها. ويتفق جرامشي وفوكو في وجود علاقة هيمنة تنشأ «ليس من خلال القوة والإكراه، ولا من خلال الاتفاق بالضرورة، ولكن بالأحرى عن طريق الممارسات والأساليب التي تتغلغل داخل العقول والأبدان، والأذواق، والرغبات، والحاجات» (سمارت، ١٩٨٦: ١٦٠-١٦١). ويتناول إدوارد سعيد العلاقةَ بين الشرق والغرب حاملًا نفس أفكار واهتمامات جرامشي وفوكو، فيتساءل: كيف أمكَن، في سياق تاريخي وثقافي محدَّد، لخطاب يحمل طابعَ الهيمنةِ أن يَنتُج عن العلاقة بين «السلطة» و«القوة»؟ وبهذه الطريقة في طرح السؤال، وجَّهَ سعيد المجالَ نحو عالَم المقارنة، وافترض أن الشرق والغرب تجمعهما علاقةٌ أكَّدَ أن الغرب وضع نفسه فيها في «مكانة استعلائية» مقارَنةً بالشرق.

يوسِّع هذا الفصل من نطاق ملاحظة سعيد بأن العالم الإسلامي موجود «من أجل» الغرب، لتشمل فكرة أن الغربَ هو الآخَر موجودٌ «من أجل» العالم الإسلامي، وأنه يوفِّر مصدرًا مهمًّا للدراسة المقارنة التي تقيِّد مقاومة المرأة وتسيطر عليها. أما أفكار الهيمنة، والخطاب المقيَّد، واستعلاء المكانة، فتلعب دور الأدوات النظرية التكميلية التي تسلِّط الضوء على المقابلة بين عقائد خضوع المرأة في الكتابات الأمريكية والأوروبية الغربية من جهة، والعالم العربي الإسلامي من جهة أخرى، كما سوف توفر لنا أدوات تساعدنا على فهم القوى المُحرِّكة التي تصدر عن الصور المتماثلة والنمطية للآخر. ويبيِّن النموذج الذي أطرحه هنا تأصيلَ الجنسانية نتيجةً للتفاعلات التي حدثت بين منطقتين من كبرى مناطق العالَم؛ أَلَا وهما الغرب الأوروبي والشرق العربي.

وعلى صعيدٍ آخَر، فإن الاستراتيجيات النسوية تشكِّل في الغالب جزءًا من العقائد الذكورية المسيطرة؛ أي إنها ليست نسوية في الأصل، وإنما ترتبط مباشرةً بشكلِ هيكل السيطرة الذكورية (رايتر، ١٩٧٥). ولا شك أن العكس قد يكون صحيحًا كذلك؛ بمعنى أن أشكال السيطرة الذكورية قد تكون مرتبطةً بأنماط التكيُّف (أو الخضوع) والمقاوَمة الموجودة بين صفوف النساء.

الهرمية الثقافية وعمليات السيطرة

نُقِل عن إيفانز بريتشارد خلال محاضرةٍ ألقاها عام ١٩٥٥م على مسامع طالبات كلية بيدفورد كوليدج في لندن بإنجلترا، ضمن سلاسل المحاضرات المُقدَّمة على شرف القائدة الراحلة فوسيت؛ المناصرة لحقوق المرأة:

تعرض المجتمعات البدائية والمجتمعات البربرية والمجتمعات التاريخية في كلٍّ من أوروبا والشرق كل أنواع المؤسسات الاجتماعية تقريبًا، ولكن في جميعها، وبصرف النظر عن شكل البناء الاجتماعي للحضارة، كانت السيادة دومًا للرجل، ولعلَّ ذلك يزيد وضوحًا كلما ارتقت الحضارة.

يشير المحرِّران، اللذان نقلَا عن محاضرة إيفانز بريتشارد، إلى أن محاضرته مليئةٌ بالتناقضات؛ لأنه «لا … يربط الخنوع بالرقي الحضاري» (إيتيَن وليكوك، ١٩٨٠: ١-٢)، وقراره بعدم الربط بين الخنوع والرقي الحضاري يقدِّم نموذجًا لمقارنةٍ تفوح منها رائحةُ التضارب والتناقض؛ وهذا هو ما يستدعي ما يسمِّيه سعيد «استعلاء المكانة»، ليس فقط على المستوى السياسي بين الثقافات، بل إنه يتغلغل في بنية المعرفة ذاتها. وإذا كان الغموض والتناقض هما سمتَيْ أطروحة خضوع النساء العالمية، فكيف يتعامل مبرِّرو الحضارات شرقًا وغربًا مع هذه التناقضات؟ عن طريق استغلال مفهوم استعلاء المكانة.

كما أوردنا في الفصل الثاني، فقد صدر كتاب «الاستشراق» المثير للجدل لإدوارد سعيد عام ١٩٧٩م كنقدٍ للمؤلَّفات الغربية عن الشرق، ورآه كثيرٌ من النقَّاد هجومًا على علماء الاستشراق؛ وكان تأثُّر سعيد بأعمال ميشيل فوكو بالغًا، فجاء عمله تحليلًا للمعرفة بصفتها أداةً للتحكُّم الثقافي. ويدور محور الاستشراق حول الآليات التي أدار الغرب من خلالها علاقتَه بالشرق، وقد وَصف سعيد العمليةَ بنفسه قائلًا:

الاستشراق: هو تفهُّم الشرق بأسلوب قائم على المكانة الخاصة التي يشغلها هذا الشرق في الخبرة الأوروبية الغربية. فليس الشرق مجاوِرًا لأوروبا فحسب، بل إنه موقعُ أعظم وأغنى وأقدم المستعمرات الأوروبية، وهو مصدرُ حضارتها ولغاتها ومنافِسُها الثقافي، وهو يمثِّل صورةً من أعمق صور الآخَر وأكثرها تواترًا لدى الأوروبيين. أضِفْ إلى ذلك أن الشرق قد ساعَدَ في تحديد صورة أوروبا (أو الغرب) باعتباره الصورة المضادة، والفكرة والشخصية والخبرة المضادة (سعيد، ١٩٧٨: ١-٢).

يصف سعيد الاستشراق (١٩٧٨: ٣) بأنه «أسلوبٌ غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلُّط عليه.» ويقول إنه نوعٌ من الخطاب وأسلوبٌ في التعامُل مع الشرق «من خلال التحدُّث عنه، واعتماد آراء معينة عنه، ووصفه، وتدريسه للطلاب، وتسوية الأوضاع فيه، والسيطرة عليه … وهو شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين … فتضع الغربيَّ في سلسلة من العلاقات مع الشرق، بحيث تكون له اليد العليا في كل علاقة منها.» رأى سعيد استراتيجياتِ أساتذة الاستشراق واضحةً كالشمس؛ إذ تعجُّ كتاباتُهم بأنواع مختلفة من العنصرية وبنظرة عقائدية للشرق تُصوَّر كأنها خلاصة مثالية وغير قابلة للتغيير.

ومفهوم تلك «الشبكة المقبولة [التي] تسمح منافذُها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين» يشبه عملية السيطرة على الفِكْر؛ فما يتسرَّب عبر هذه الشبكة هو فقط ما يسمح لنا الأساتذةُ والخبراء بمعرفته عن الشرق. وعلى الرغم من أن سعيدًا ليس لديه الكثير ليقوله مباشَرةً حول وضع المرأة، سواء أكان في الشرق (فأغلب المستشرقين من الرجال) أم في الغرب، فإنني أودُّ الاستفادةَ من فكرته عن الشبكة الاستشراقية لتوضيح كيف يتمُّ الإبقاءُ على وضع النساء كفئة خاضعة في كلٍّ من العالَمْين الشرقي والغربي على حدٍّ سواء. أريد علاوة على ذلك الإشارةَ إلى أن كُتَّاب الشرق يستخدمون هم الآخَرون شبكةً يُسرِّبون من منافذها صورةَ الغرب إلى وعي الشرقيين، ويتعاملون معه من خلالها. ﻓ «الآخر» ليس صامتًا في كلا الاتجاهين. وشبكة الشرق التي يجوز أن نُطلِق عليها مُسمَّى «الاستغراب» تُستخدَم كذلك كأداةٍ للسيطرة على النساء الشرقيَّات.

خصوصية الشبكتين الشرقية والغربية

على الرغم من أن كلًّا من الاستشراق والاستغراب يؤثِّر في المرأة — كما سنرى — فإن كلَّ واحدٍ منهما يمثِّل عمليةً مختلفة تمامًا عن الآخر.2 ففي حين أن الاستشراق يمثِّل بنيةً يمكن تحليلها، نجد الاستغراب لا يمثِّل صنفًا تاريخيًّا أو أيديولوجيًّا نعرف عنه الكثير، والأفكار المرتبطة بالغرب غير مُجمَّعة في جسد دراسي كبير، وليس هناك سوى كتب ومقالات قليلة للغاية كتبها أساتذة عرب معاصرون حول الغرب؛ وبذلك يتضح عدم وجود كتابات يمكن مقارنتها بالاستشراق، على كثرة الحديث الدائر حول الغرب، ووجود رؤية إسلامية أصولية للغرب نستطيع تصوُّرَه من خلالها، إلا أن هذه الرؤية بالكاد يتشاركها المسلمون. كما أن «الشبكات» التي تتسرَّب من خلالها صورةُ الغرب موجودةٌ بالفعل، ولكن طريقة قيام الشرق بتسريب هذه الصورة غير مفهومة تقريبًا، بل إن كلمة «الاستغراب» في حدِّ ذاتها كلمة غير أصيلة في اللغة العربية، بالرغم من إمكانية اشتقاقها. كما أن هذا التعبير المُشتَق — الاستغراب — نادرًا ما يُستَخدَم، وعندما يُستَخدَم ينبغي أن يكون ذلك ضمن سياقه؛ إذ إن الاستخدام الشائع للكلمة في اللغة العربية يكون بمعنى التعجُّب والدهشة. ولكن، من جهة أخرى، فإن تعبير «الاستشراق» قد اكتسب تعريفه جزئيًّا من الحجم المتزايد للكتب الصادرة عن الشرق؛ حيث وصل عدد الكتب الصادرة عن الشرق العربي وحده خلال فترة القرن ونصف القرن الممتدة من عام ١٨٠٠م حتى ١٩٥٠م، إلى ٦٠ ألف كتاب (سلامة، ١٩٨١)، وقد كانت هذه الكتب إحدى أكثر الآليات فعاليةً في تسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين (خاصة مع ارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة في الغرب مقارَنةً بالشرق)؛ وهو ما يدفعنا للانتباه إلى الوسائل المتعددة المتاحة ﻟ «تسريب» صور الثقافات الأخرى: الكتب والصحف والإذاعة والتليفزيون.

ومن الأهمية بمكان توضيح وشرح هذه الوسائل؛ نظرًا لكونها تعبيرًا عن طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب، وكذلك نتيجة لها. واليومَ صار الغربُ متاحًا للناس في الشرق من خلال تقنية الاتصالات الحديثة، إلا أن الشرق ليس متاحًا للغرب بنفس الطريقة؛ فالغرب يقدِّم نفسَه عن طريق المسلسلات الدرامية أو أفلام الغرب الأمريكي أو البرامج الإخبارية الليلية، كما يقدِّم تفسيره للشرق من خلال مختلف الوسائل التي ترسم صورةً للعرب كإرهابيين نساؤهم محجَّبات.

ولكن مع أن الناس منبهرون بالتقدُّم التكنولوجي الغربي، فإنهم مدركون كذلك لمشكلاته الاجتماعية؛ حيث تحتلُّ أخبارُ الفضائح والاغتصاب وإدمان المخدرات وجرائم القتل والتحرُّش في الغرب مساحةً لا بأس بها في كبرى وسائل الإعلام الإخبارية في الشرق الأوسط العربي. وبالرغم من ندرة التعليق على مثل تلك المشكلات، فإنها تُعَدُّ آلية فعَّالة للغاية للإبقاء على الطابع المُحافِظ للشرق؛ إذ يدفع الإدراكُ السليم والخطابةُ العامة الناسَ إلى الاقتناع بأنهم في أمان من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الغربُ بفضل دينهم.

والمعرفة المتوافرة عن الغرب تؤثِّر بشدة على وضع المرأة؛ إذ تُستَغَل لتبرير القبضة المسيطِرة على المرأة في كثير من دول الشرق الأوسط؛ فلم تَعُدِ النساء تُعامَل كعربيَّات، بل كأنهن «غربيات محتمَلات»؛ مَّما يفرض عليهن أزمةً شديدة في الهوية. كما لم يَعُدْ يوجد إجماعٌ حول الأسلوب المناسب لتصرُّف المرأة العربية، وما يُفترَض أن تكون عليه طموحاتها، بل يختلف الأمر داخل الأُطُر المتنوعة للقومية العربية السياسية والدينية. والمرأة العربية المسلمة تمتعض من نماذج الطموح الغربية؛ لأنها تتعدَّى على حياتها وتُستغَل كمبرِّر «للأصولية» الإسلامية، بل إن بعض القادة الدينيين قد أعطوا الأمرَ برمته منظورًا داخليًّا؛ فبدلًا من لوم الغرب على تصدير أمراضه، يلتفتون للبحث عن المؤسسات التي تأتي بتلك الأمراض من الخارج. وفي واقع الأمر يتمثَّل أحدُ العوامل التي تساعد العديد من الجماعات الدينية في إضفاء الشرعية على أنشطتها السياسية بين سكان الكثير من الدول المسلمة، في هذه النزعة نحو تحميل حكوماتهم المسئولية، ولو جزئيًّا على الأقل، عن جلب هذه «الأمراض» إلى الوطن. وهذا يُثرِي «عقليةَ الحصار» التي أصبح تجريدُ المرأة العربية من حقوقها في ظلِّها أمرًا مُبرَّرًا تمامًا، ويتم التغاضي عنه باعتباره تصرُّفًا وقائيًّا.

و«عقلية الحصار» هذه عكست نظريًّا نظرةَ الشرق القائمة منذ زمن إلى الغربيين باعتبارهم «مسلمين محتملين»؛ حيث يعتنق المسلمون مفهومًا دينيًّا ثنائيًّا تنقسم فيه شعوب العالم إما إلى مؤمنين وإما إلى كافرين. فإذا كانت نظرة المستشرقين للشرق تطفح بالعنصرية، كما يقول سعيد (١٩٧٨)، فإن المسلمين يرون، نظريًّا على الأقل، أن الكافرين ليسوا «أشرارًا» أو «أقلَّ مرتبةً» بطبيعتهم، وأنهم بحاجة فقط إلى اعتناق الدين «القَيِّم»؛ ومن ثم يتضح لنا أن استعلاء المكانة عند المسلمين غير قائم على سِمات جوهرية تُميِّز عِرقًا بعينه، ولكن على قبول أفكار دينية يمكن مشاركتها بين البشر كافة.

استعلاء المكانة، وأنظمة الفِكر، والثقافات الأخرى

استحضار استعلاء المكانة كوسيلةٍ للسيطرة بين الحضارات المختلفة، وداخل كل حضارة على حِدة، يأخذ أشكالًا مختلفة ويجري تنفيذه بآليات مختلفة؛ ففي الغرب يُتَرجَم استعلاء المكانة في صورة برامج تنموية لتغيير حياة الأناس الأقل تقدُّمًا من الناحية التكنولوجية، وتتعلَّق الآليات المُستخدَمة في ذلك بالتنمية الاقتصادية (انظر ريحاني، ١٩٧٨). وهكذا تصير التنمية استراتيجيةً يستخدمها الغرب للمساعدة على الترويج لفكرة التقدُّم والمجتمع التكنولوجي الذي يرمز إلى التقدُّم.

أما في الشرق، فإن استحضار استعلاء المكانة كوسيلة للسيطرة يأخذ شكلًا مختلفًا تمام الاختلاف من حيث المزاعم الخطابية بأن الشرق أكثر فلسفيةً وأقل ماديةً؛ إذ شغل العديد من الحركات الإسلامية الحديثة نفسَه «بعقيدة عالمية، وديانة موحَّدة، ومخطَّط مثالي لمجتمع عادل» (ستواسر، ١٩٨٧: ٤)؛ وهي رؤية يُقصَد بها أن تشكِّل تحديًا للغرب تحديدًا، ومنبعًا للأمل للأعداد الضخمة من فقراء المسلمين، ونيَّةُ الطرفين الغربي والشرقي تتسم هنا وعلى حد سواء، بالرغبة في الخلاص. وفي هذا السياق، يتزايد تسويغ خضوع المرأة واستمرار وضعها على هذا النحو عند ربطه «بالآخَر»؛ حيث يستطيع كلٌّ من الشرق والغرب، من خلال اتخاذ مكانة استعلائية على «الآخر»، تسويغَ وضْعِ المرأة لديه والتحكُّم في علاقته مع هذا «الآخر»، على الأقل ما دام يستطيع الحفاظ على أسطورة الآخَر وإبقائها؛ إذ إنه — في ظل الحداثة والانتشار الثقافي للأنماط الغربية — تزداد صعوبةُ ادِّعاء أي طرف استعلاء مكانته على الطرف الآخَر (على الرغم من أن الأقرب إلى الحقيقة أن نقول إن ما يزداد صعوبةً هو ادِّعاء أي طرف تميُّزه بنفس أنماط استعلاء المكانة؛ إذ طالما تمكَّن الغرب في واقع الأمر من الحفاظ على مكانته الاستعلائية المزعومة في أوقات مختلفة عن طريق الدين أو العلم أو التكنولوجيا أو الأنظمة السياسية وما إلى ذلك). وعندما يستعير الشرق التكنولوجيا الغربية، تأتي هذه التكنولوجيا الجديدة مصحوبةً بأسلوب حياة معين، وينتقل معها شكلُ العلاقات بين الجنسين في الغرب، وينتج عن ذلك حدوث أزمة تُعقِّد الموقف بالنسبة إلى الثقافات الشرقية وبالنسبة إلى نسائها؛ مما يُحفِّز البعضَ للبحث عن حلٍّ للموقف في الإسلام.

إلا أن الأزمة بالنسبة إلى المرأة تنشأ من التبايُن بين المعتقدات المرتبطة بالتنمية والنتائج المترتبة عليها. في الغرب، تدعم الحجج المتعلِّقة بالتنمية الاقتصادية الاعتقاد بأنه مع انتشار الأنظمة التعليمية الغربية، وتحديث قوة العمل، وتعزيز الفرد، سوف تتحرَّر المرأة من هيمنة الرجل التي ترعاها القِيَمُ الأبوية التقليدية؛ ومن ثَمَّ فإن التقدُّم والمساواة المتزايدة في العلاقات ما بين الجنسين سوف يتحقَّقان مع التنمية الاقتصادية، ولكن جاءت إستر بوزروب لتقول العكس في كتابها النقدي «دور المرأة في التنمية الاقتصادية» (١٩٦٥). كانت النتائج التي انتهت إليها بوزروب — والمتمثِّلة في أن التنمية كانت تنحدر بمستوى الاكتفاء الذاتي للمرأة وتزيد من اعتمادها على الرجل، وفي نفس الوقت تُضاعِف العبء المُلقى عليها في أيام العمل — نتائج صاعقة.3 وتأكَّد استنتاج بوزروب بأن حياة المرأة تتغيَّر، ولكن ليس بالضرورة نحو الأفضل، عن طريق الأبحاث الجنسانية التي أُجرِيَت على مدار العقدين التاليين لدعوى بوزروب الأصلية — وكانت تضمُّ دراسات حالة كالتي أُجرِيَت على صناعات الملابس والإلكترونيات الدقيقة، ودراسات توسُّع الإنتاج الصناعي في مناطق من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي (تينكر، ١٩٧٦؛ دانجلر، ١٩٧٦؛ تشيني وشمينك، ١٩٧٦؛ بولدينج، ١٩٧٦؛ روجرز، ١٩٨٠؛ ناش وفيمانديز-كيلي، ١٩٨٣؛ أونج، ١٩٨٧). وعلى الرغم من تلك النتائج، فإنه لم تزَل الآراء القائلة بأن التنمية الاقتصادية تسهم في تحرير المرأة في البلدان الأقل تطوُّرًا، واسعةَ الانتشار، بل تُعَد أيضًا أحجارَ أساس رئيسية في مؤسسات مثل البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. إن مفهوم استعلاء مكانة المرأة الغربية كرمز لاستعلاء مكانة الغرب، مفهومٌ راسخٌ ومتأصِّلٌ، والآلياتُ المتناقضة التي تتسم بها مثل هذه المعتقدات باستمرار مثيرةٌ للاهتمام في حد ذاتها.

أساليب الرؤية والمقارنة: الشرق والغرب

من الأهمية بمكان تفسير وإيضاح الأساليب التي يتم بها تسريب صور الثقافات الأخرى لوعي الشعوب؛ حيث إن هذه الأساليب تمثِّل تعبيرًا عن طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق، ونتيجةً لها كذلك. وكما ذكرتُ في الفصل الثاني، فإن المقارنة التي عقدتها ساندرا ناداف (١٩٨٦) — بين وصف عالِم/مترجم مصري لرحلاته إلى المقاهي الباريسية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ووصف رحَّالة إنجليزي للقاهرة إبَّان نفس الفترة — توضِّح أن الكاتب يستطيع أن يخبِّئ نفسه من المشهد الذي يصفه بصفته مراقِبًا منفصِلًا عنه، أو ربما يعكس الرؤيةَ الموضوعية والذاتية للموضوع؛ فيذكر الرحَّالة المصري انعكاسَ صورته في مرآة المقهى كجزء أصيل من المشهد الذي يصفه. وكما تشير ناداف، لا يصبح تمثيلُ هذا الرحَّالة للثقافة الأخرى وسيلةً لإقصاء الذات عن الآخر، بل وسيلة للاندماج والتكامل؛4 فيتقمَّص الرحَّالة المصري دورَ المترجم بين الثقافتَيْن محاوِلًا إيجادَ النقاط المشتركة بينهما، بينما يرفع الرحَّالة الإنجليزي المرآة ليعكس صورة المجتمع المصري دون أن يكون هو جزءًا من الصورة المنعكسة.

وتقدِّم ملاحظات ناداف مثالًا مفيدًا لنمط ابتعاد الكتابات النسوية التي تتناول الشرق عن المقارنة مع الكتابات التي تتناول المرأة الغربية، «كما لو أن المرأة المسلمة تمثِّل نوعًا مختلفًا من الكائنات يخضع فقط لقوانينه وأحكامه الفريدة الخاصة به» (رسام، تاريخ النشر غير معروف). لا شك أن تركيز المؤتمرات الأمريكية — التي تُقام حول الوضع العالمي للمرأة في المعتاد — على المرأة في العالم الثالث له مدلوله، وقد سعَتْ مارجريت ميد في كتابها الصادر عام ١٩٢٦م تحت عنوان «الجنس والمزاج»، إلى المقارنة ضمنيًّا بين دور المرأة غير الغربية مقابل الرجل في مجتمعها وبين دور نظيرتها في الولايات المتحدة. والتقليد المُتَّبَع في عالم الأنثروبولوجيا منذ وقت ميد أن يتم دراسة وضع المرأة في الثقافات الأخرى إلى جوار وضع المرأة في الغرب بأسلوب غير صريح.

تربط كلٌّ من مونا إيتيَن وإلينور ليكوك في كتابهما «المرأة والاستعمار» (١٩٨٠) بين أدوار الجنسين ووضعهما من جهة، والعمليات الاستعمارية الغربية من جهة أخرى. وعلى الرغم من كتابتهما عن التأثير الواقع على المرأة جرَّاء الممارسات الاستعمارية الغربية مع انتشار الرأسمالية الصناعية، فإنه لا يوجد مقال واحد يتناول الكتابات الضخمة عن الضحية الأولى للنزعة التصنيعية الغربية من النساء؛ المرأة الأوروبية والأمريكية. ويُعَدُّ انعدامُ المقارنات الصريحة أحد عمليات السيطرة التي توحي بأن الوضع رغم أنه قد يكون سيئًا هنا، إلا أنه أسوأ بمراحل في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخَر. وهذه المقارنة الدقيقة بين وضع المرأة الغربية مقابل الرجل في مجتمعها، ووضع الرجل والمرأة في العالم الثالث، لم تُجرَ حتى الآن؛ ولعلَّ السبب في ذلك أن تحليل المكونات الأساسية لاستعلاء المكانة لدى الغربيين قد يشكِّل خطرًا على علاقاتنا بالعالم النامي.

أما في العالم الإسلامي، فقد تمَّ تحليل المكونات الأساسية لاستعلاء المكانة بنجاح على يد غربٍ توسُّعيٍّ استعماريٍّ، وقد أُجبِرَ العالم الإسلامي منذ بدء الاصطدام الاستعماري مع الغرب على مواجهة المعايير الغربية للحداثة، التي غالبًا ما كانت تُفرَض عليه من الخارج. وعلى الرغم من ذلك فقد أدَّتْ مساعي التحديث الداخلية والخارجية إلى ازدياد الاعتماد على الغرب وتعمُّق هيمنته. وفي كتاب «النبض الإسلامي»، الذي قامت على تحريره باربرا ستواسر (١٩٨٧أ)، يحاول الكُتَّابُ التأريخَ للأزمة التي تنشأ عند اصطدام استعلاء المكانة في الحضارة الإسلامية بفكرٍ علمانيٍّ يتحدَّى جوهرَ الإسلام ذاته (انظر ستواسر، ١٩٨٧أ: ٤). إلا أن ستواسر تغالِي بالرغم من ذلك في درجة التحدِّي الذي يجابهه الإسلام؛ حيث إن العلمانية ذات حدَّيْن، وينبغي ألَّا يقتصر التقييمُ على التحدِّي وحده، بل أن يشمل ردَّ الفعل كذلك. والأصولية الإسلامية، وفقًا للكُتَّاب المشاركين في مجلَّدها، ليست برنامجًا بالمعنى الغربي للكلمة، كالبرامج التنموية مثلًا؛ بل يمكن تفسيرها كحالة، كبحث عن معنًى إسلامي في سياق العالم الحديث، أي حركة موجَّهة نحو الارتقاء الذاتي (داخليًّا)، وليس نحو تغيير الآخَرين (خارجيًّا) كما هو الحال في البرامج التنموية.

ويعرِض مقال «الأيديولوجية الدينية والمرأة والأسرة: النموذج الإسلامي» (ستواسر، ١٩٨٧ب) تأويلًا معاصِرًا لدور المرأة المسلمة وحقوقها ومسئولياتها. وتدرس ستواسر دليلًا شهيرًا للمرأة المسلمة بقلم الكاتب المصري الشيخ الشعراوي، صدر في القاهرة عام ١٩٨٢م، مقدِّمًا النموذج المثالي الذي يجب أن تُقيَّم على أساسه حياة المرأة ومدى كونها حياةً إسلامية حقيقية. وعلى الرغم من أن المقال بالكامل يمثِّل استعراضًا مذهلًا لاستراتيجيات السيطرة الداخلية، فإنني سوف أركِّز انتباهي على استراتيجية استعلاء المكانة التي يستعين بها الشيخ الشعراوي. وتَرِد في المجموعة المختارة التي تعرضها ستواسر إشاراتٌ متكرِّرةٌ تحطُّ من قدر الغرب وتزدريه، وربما تُستَغَل مثل هذه الإشارات لتقديم النموذج الإسلامي في أفضل صورة، أو للردِّ على النقد الاستفزازي الصادر عن الغرب، أو ببساطة لإصلاح السيرة.5
وتعرض ستواسر فيما يتعلَّق بحقوق المرأة المقارنات التالية على لسان الشيخ الشعراوي:

لقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقًا مدنية كاملة ليست في أي دين آخَر؛ فالمرأة اليهودية كانت قبل الزواج تابعة الولاية لأبيها، لا تتصرَّف في أي شيء، وبعد الزواج تتبع زوجها، وينصُّ القانون الفرنسي على أنه لا يجوز للمرأة أن تشترط على الرجل أن تكون لها ذمة مالية مستقلَّة عنه.

ولو نظرنا لوجدنا أن الحضارة الغربية تُفقِد المرأة خواصها. ما هي الخواص الأولى للإنسان؟ شكله وسمته، ثم اسمه؛ فحينما تتزوَّج المرأة في أوروبا تُنسَب إلى زوجها. ليس من حقِّها أن تحتفظ حتى باسمها أو اسم أبيها أو أمها. ونتيجةً لافتتان «المقلِّدين» بالغرب في أوائل النهضة الحديثة، عزَّ على النساء أن يُنسَى اسمهن، وقَبِلن أن ينسين أسماء آبائهن، وأسماء عائلاتهن، واستمرت المرأة تحتفظ باسمها فقط؛ وكان هذا صعب التطبيق، بالرغم من أنه في أوروبا وأمريكا تترك المرأة اسمها واسم أسرتها وتتسمَّى باسم زوجها وأسرته. فأي حقٍّ وأي مساواة للمرأة بعد أن تُسلَب اسمها؟ ولكن في الإسلام زوجات الرسول، وهو أشرف الخلق وتتشرَّف به كل واحدة منهن، لم يقولوا: مدام محمد بن عبد الله. لم يقولوا: زوجة محمد. ولكنهم قالوا: عائشة بنت أبي بكر أو حفصة بنت عمر … احتفظن بأسمائهن وأسماء آبائهن. ولكن الغرب لم يعطِ المرأةَ أي حقوق لا في اسمها ولا في مالها، ولكن الحرية التي أخذَتْها المرأة كانت بسبب الحرب عندما جنَّدوا الذكور للحرب، فاحتاجوا للمرأة لتحلَّ محلَّهم في العمل المدني، فأعطوها بعض الحقوق، ليحصلوا على إنتاج عملها.

سقراط مثلًا يقول إن المرأة ليست مُعدَّة إعدادًا طبيعيًّا لكي تفهم شيئًا في العلم … ولكنها مُعَدَّة للمطبخ وتربية الأولاد. أفلاطون جاء ليعطيها قسطًا من التعليم، فقامت عليه الدنيا، وقام الفيلسوف الساخر أريستوفان بتأليف رواية اسمها: «النساء المتحذلقات»، وتندَّر فيها على المرأة التي نالت قسطًا من التعليم. جاء بعده موليير الفرنسي، وألَّفَ روايةً اسمها «برلمان النساء» أيضًا. لقد قال الرسول : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.» (ستواسر، ١٩٨٧ب: ٢٦٧-٢٦٨).

ويدافع الشعراوي مرة أخرى عن النظام الإسلامي في تناوُله لقضية تعدُّد الزوجات من خلال المقارنة مع الغرب:

قلتُ لمَن سألني مرةً ونحن في أمريكا، وقد جاء لي بهذا الاعتراض — اعتراض تعدُّد المرأة بالنسبة إلى رجل، وعدم تعدُّد الرجال على المرأة الواحدة — قلت لهم: أعندكم في بلادكم إباحة للبغاء؟ قالوا: هنا في بعض الولايات إباحة للبغاء. قلت: ماذا احتطتم لصحة المجتمع؟ قالوا: يُكشَف على المرأة التي تتعرَّض لذلك كل أسبوع مرتين لضمان سلامتها وسلامة المتردِّدين عليها من الأمراض. قلت: هل كشفتم على امرأة متزوِّجة؟ … قالوا: لا؛ لأنها لا تتعرَّض إلا لماء واحد هو ماء الزوج … لأن الخبيث من الأمراض لا يأتي إلا حين يتعدَّد ماء الرجال في مكان واحد. قلت: إذن صدق الله حين أباح أن تتعدَّد المرأة، ولم يُبِح أن يتعدَّد الرجال على المرأة.

ثم قلتُ: إذا كنتم قد أرحتم الشباب فجعلتم لهم مكانًا يريحون فيه غرائزهم، فلماذا لا تجعلون مكانًا يجلس فيه شباب لتأتي الفتيات ليُرِحن أنفسهن أيضًا من عناء الغريزة؟ قالوا: لم يحدث ذلك قطُّ. قلتُ: هذا دليل على أن هذا يُزري بالمرأة (ستواسر، ١٩٨٧ب: ٢٨٠-٢٨١).

ويستطرد الشعراوي ليشير إلى أن الأمهات من النساء يتمتعن بالإجلال والحظوة في الإسلام، في حين:

المفكِّرون الأوروبيون وجدوا الأبناء ينسون أمهاتهم، ولا يؤدُّون الرعاية الكاملة لهن، فأرادوا أن يجعلوا يومًا في السنة؛ ليُذكِّروا الأبناء بأمهاتهم، ولكنْ عندنا عيدُ للأم في كلِّ لحظة من لحظاتها في بيتها … إذن ليس هناك ضرورة لهذا العيد عندنا، ولكننا أخذنا ذلك على أنه منقبة من مناقب الغرب، في حين أنه مثلبة.

في أوروبا يترك الولد أمه تعيش في ملجأ، وأبوه يعيش في مكان آخَر. ولكن الإسلام أعطانا تكاتفًا، وعلى قدر حاجة الأبوين رتَّبَ الإسلامُ الحقوقَ (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك) … لأن أباك رجل، حتى لو تعرَّضَ للسؤال فلا حرج، وإنما الأم لا (ستواسر، ١٩٨٧ب: ٢٨١).

إن استخدام الشعراوي للحوار المتداخِل الثقافات من على بُعْدٍ عبر الزمن لَهُو أمرٌ يستحق التحليل في حد ذاته، تمامًا مثل استخدامه للمقارنة كوسيلة للسيطرة. وتُعلِّق ستواسر بأن الشعراوي يُعَدُّ شخصيةً إعلامية ذائعة الصيت، ومثالًا للمناصرين المعاصرين للمذهب التقليدي الذين يعملون على إعادة تسليح المرأة المسلمة لتكون رأس الحربة في عملية بناء نظامٍ اجتماعيٍّ يواجه أثرَ الغرب. والدافع وراء ذلك ليس موجَّهًا بالضرورة ضد الرأسمالية الغربية، بل هو ردُّ فعلٍ للممارسات الغربية التي تحطُّ من قيمة المرأة الشرقية، والتي تشجِّع على التكيُّف مع الأفكار الغربية بشكل أعمَّ. وتتشكَّك ستواسر في صدق النموذج الإسلامي الذي يُؤصَّل له في الصحف الشعبية، وهي مُحِقَّة في زعمها أن تفسيرات القرآن مُجتهدة، وأنها تتباين في تفسيرها لمكانة الرجل والمرأة في الإسلام، ولكن ليست هذه النقطة الأساسية التي أستهدفها من ذِكْر هذه المقتطفات؛ إذ إن أهم ما تُبيِّنه هو أن الغرب يلعب دورًا مهمًّا في التأصيل للنماذج الإسلامية للجنسين وفي المحافظة عليها؛ حيث تكتسب هذه النماذج شرعيتها من تضادها مع الغرب، خاصة عندما يكون ذلك الغرب بربريًّا وماديًّا.

ليس الشعراوي بعالِم دين ولا هو بثوري؛ بل هو رجل متدين يعمل على نشر أفكار حول دور المرأة في المجتمع المصري المعاصر، والنساء اللاتي يستمعن إليه يُؤمِنَّ أن النساء الغربيات عامةً، والأمريكيات خاصةً، لا يُعامَلن باحترام كفئة في المجتمع، فيُرَدِّدن أن النساء الأمريكيات هن أدوات للاستغلال الجنسي، ويُدَلِّلن على ذلك بصناعة الأفلام الإباحية التي تصل قيمتها إلى مليارات عديدة؛ إذ يُشاع أن النساء في الغرب مُعرَّضات لخطر الاغتصاب بصفة يومية، على عكس الوضع في القاهرة. تُذكَر في هذا الصدد معدَّلات ممارسة زنا المحارم والعنف الأسري في الولايات المتحدة، ولا يُغفَل أبدًا أن صورة النساء في المجلَّات الأمريكية مهينة للمرأة. ونقابل نحن في الغرب كل ذلك بمثله؛ حيث تحوي وسائل الإعلام الأمريكية الكثيرَ من الآراء الناقدة لأسلوب معاملة المرأة في المجتمعات الإسلامية، كما أننا نقوم باستمرارٍ بتشويه صورة المسلمين، ونسائهم، والتحيُّز ضدهم، ونزع صفة الإنسانية عنهم، ووضعهم في قوالب نمطية موسومة بالرجعية (انظر على سبيل المثال فانون، ١٩٦٣؛ ١٩٦٧).

غالبًا ما تصوِّر هذه القوالب النمطية المرأةَ المسلمة كشخصٍ مثير للشفقة ومُضطهَد، وعادةً ما تُشكَّل هذه القوالب النمطية من خلال التركيز على نقاط اختلاف معينة: فالمرأة المسلمة ترتدي الحجاب، وهو يمثِّل رمزًا للخضوع بالنسبة إلى المُراقِب الغربي؛ والمجتمع الإسلامي لديه هوس بمسألة غشاء البكارة، ويَصِمُ المرأةَ التي تفقد عذريتها بالعار، وفي ذلك تشجيع على ازدواجية المعايير؛ إذ تسيء المجتمعات الإسلامية للفتيات الصغيرات بأساليب مختلفة؛ مثل: الجَبر، أو الزواج بالغصب، أو الختان — وهو بتر جزء من الأعضاء التناسلية يُقال إنه يحدُّ من الرغبة الجنسية لدى المرأة — ويُستَغَل تعدُّدُ الزوجات وسهولةُ الطلاق في إخضاع المرأة نفسيًّا وماديًّا؛ ويوجد اهتمام بالمسِّ الذي يتطلَّب التعزيم لطرد الأرواح؛ والتركيز كذلك على الأسلوب الذي تتَّخذه مقاومة المرأة.

هذه القوالب النمطية لها تداعياتها السياسية؛6 فالشرق الأوسط رجعيٌّ ويستحق أن نزدري ثقافته، وهو بحاجة إلى التحديث، وفرض التحضُّر أثناء ذلك. إن الشبكة التي نحدِّد من خلال منافذها مستوى الإنسانية في المنطقة تقوم على نظرتنا لكيفية معاملة نسائها. والأسلوب الذي نُقيِّم به مكانة المرأة العربية يُعَدُّ أحدَ أهم عوامل السيطرة على الآخرين، والعكس صحيح كذلك؛ فالغرب أكثر تحضُّرًا بالنظر إلى وضع المرأة فيه وإلى حقوقها، ولكن بحسب رأي محسن مهدي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط السابق في جامعة هارفرد:

تتعرَّض المرأة الشرق أوسطية منذ فترة طويلة لأخبث حملة تشويه في تاريخ البشرية، حملة أُطلِقَت شرارتها في أوائل المنشورات الدينية المناهضة للإسلام (مهدي، ١٩٧٧).

ومن المثير للاهتمام أن نعرف في إطار هذا السياق أن النساء المسلمات يصفن أنفسهن بالعزة والفخر، وبأنهن مشارِكات نَشِطات في ثقافتهن؛ فهن رائدات أعمال في المشروعات التجارية، والعديد منهن تلقَّى تدريبًا مهنيًّا، وأخريات أسَّسن جماعات ثقافية وأدبية.7 فقد عيَّنَت كلية حقوق جامعة الخرطوم في السودان أول أستاذة حقوق بها قبل أن تبدأ كلية حقوق جامعة هارفرد في تعيين أساتذة من السيدات على الإطلاق، وفي عام ١٩٨٠م بلغت نسبة السيدات بين أعضاء هيئة تدريس جامعة الرباط في المغرب ٣٨٪، وكُنَّ يحصلن على حقوق متعلِّقة بالأمومة وأجرٍ مساوٍ للرجال، وهو وضع لم يكن متوافرًا في أي جامعة أمريكية، بما فيها الجامعة التي أُدرِّس بها أنا شخصيًّا. ولكن النظر إلى الحجاب باعتباره رمزًا للخضوع فيه إغفال لملاحظة عالِمة الأنثروبولوجيا فدوى الجندي (١٩٨١: ٤٦٥) بعد دراستها للحجاب في الحركات الإسلامية المعاصرة في مصر؛ إذ لاحظَتْ أن:

امرأة مصرية جديدة بدأت في الظهور، وهي متعلِّمة وموظفة وليست من النخبة ومحجَّبة. فالحجاب يمثِّل جزءًا من حركة حازمة تحمل رسالةً قوية ترمز إلى بداية الجمع بين الحداثة والأصالة.

تصير الهوية ذات صلة بأزمة المرأة؛ حيث إنها توفِّر لها إمكانيةَ أن تكون مرتبطةً بتاريخها وثقافتها، وأن يتم الحكم عليها من خلالهما، وليس على أساس معايير المرأة الغربية.

وهكذا يصبح تطوُّر خضوع المرأة والحفاظ على استدامته أمرين واضحين جليًّا في كلٍّ من الشرق والغرب؛ فكلاهما خاضع لأنظمة أبوية مُسيطِرة، ومجتمعاتهما يهيمن عليها الرجل بصورة صريحة، وتحديدًا، يهيمن على حكوماتهما الرجل. علاوة على ذلك تعمل المرأة في كلٍّ من الشرق والغرب ساعات أطول من الرجال كفئة بشكل عام، ويشكِّل النساء والأطفال في كلتا الثقافتين الأغلبيةَ بين الفقراء والمحرومين.8 وعلى الرغم من أن كلتا المنطقتين تضمُّ أيديولوجيات تُمجِّد وضع المرأة، فإن مكانتها الأقل في كلٍّ منهما تُبرَّر بطبيعتها الناقصة عن الرجل. ويُرسَّخ خضوع المرأة في كلٍّ من الشرق والغرب ترسيخًا مؤسسيًّا، ويُسوَّغ ثقافيًّا، فيؤدِّي إلى أوضاع تتسم بالانصياع والتبعية وقلة الحيلة والفقر، كذلك فإن أسلوب تأصيل الجنسانية في كلتا الثقافتين — الذي يتم من خلاله نقلُ انطباعٍ بمثالية الثقافة الداخلية مقارنةً بالثقافة الخارجية — يسمح للأفراد في كلٍّ من الشرق والغرب بالشعور بالاستعلاء على الآخَر، مع تجاهُل الصفات المشتركة بينهما. إلا أن المقارنة تتطلَّب التحلِّي بالوعي المقارَن (نادر، ١٩٩٤) الذي يبتعد عن المقارنات ذات الطبيعة الانقسامية، التي تعتمد على الاختلافات بيننا وبين الآخَر كما تُبيِّنها الخطابات الشرقية والغربية على حدٍّ سواء. لذا ينبغي علينا عَقْد المقارنات لإيجاد نقاط الالتقاء والتشابه بيننا؛ لأن عمليات المقارنة الانقسامية تنزع إلى إبراز الخصائص المميِّزة لكل طرف، ولا تُظهِر الغرب في صورة الطرف صاحب أعلى معايير الأنظمة التكنولوجية فحسب، بل وتبيِّنه كذلك في مكانة أعلى أخلاقيًّا وروحيًّا. إن تحليل جاك جودي (١٩٨٣) للوصف الذي قدَّمه المؤرخ بيير جيشار (جيشار، ١٩٧٧) للفرق بين البِنيتَيْن الشرقية والغربية، وثيقُ الصلة بالموضوع؛ حيث يصف أسلوبًا في المقارنة تُدرَس فيه أوجه المقارنة، لا من وجهة نظر الشرق أو الغرب فحسب، بل من زاوية ثالثة كذلك؛ مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهكذا، ومن نقطة الأفضلية هذه، فإن الفروق التي يدَّعِيها جيشار لا تبدو طفيفةً وحسب (جودي، ١٩٨٣: ١٠–١٢)، وإنما تزداد كذلك حساسيتنا تجاه طبيعة المقارنة وغرضها (ماركوس وفيشر، ١٩٨٦).

دور الأفكار في فرض السيطرة

لعبت الأفكار دورًا مهمًّا في الإبقاء على خضوع المرأة، وتعتمد السيطرة على المرأة في الغرب اعتمادًا كبيرًا على مفهوم التقدُّم، الذي يلعب هو الآخَر دورًا محوريًّا في نشر أنماط خضوع المرأة الغربية. وتتمثَّل الفكرة الأساسية التي تشكِّل مفهومَ التقدُّم في التغيير التصاعدي، في حين أنه، في الواقع، تُعَدُّ الأدلةُ المناقضة لذلك طاغيةً، ولكنها تُلاقَى بالإنكار في نفس الوقت.

أصدرت اللجنة الفرعية المعنية بوضع المرأة في الأوساط الأكاديمية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي تقريرًا عام ١٩٧٠م، ولاحظ الباحثون في هذه الدراسة المُتمعِّنة التفصيلية أن عدد النساء العاملات في هيئة التدريس ليس تصاعديًّا، على عكس هيئة التدريس من الرجال.

ارتفعت نسبة النساء العاملات في وظائف متدرِّجة (العضوات بالمجلس الأعلى للجامعة) خلال العقدين الثالث والرابع، خاصةً بالنسبة إلى درجتَي الأستاذ المساعد والأستاذ المشارك، ولكنها انخفضَتْ خلال العشرين عامًا الأخيرة؛ إذ عادت نسبة الأساتذة من السيدات إلى ٢٪ كما كانت في العشرينيات، بالرغم من تخطِّيها نسبة ٤٪ خلال الخمسينيات. أما نسبة الأساتذة المشاركين من السيدات فانخفضت إلى ٥٪ مقارنةً بأواخر العشرينيات، غير أن مستوى الانخفاض في نسبة الأساتذة المساعدين من السيدات هو الأكثر لفتًا للانتباه؛ إذ لا يتجاوز عدد النساء حاليًّا نسبة ٥٪، وهذه النسبة تمثِّل نصفَ الرقم المُسجَّل في أوائل العشرينيات، وأقل من ثلث النسبة خلال الفترة من ١٩٢٥–١٩٤٥م. وبالفعل وصل عدد الأساتذة المساعدين من السيدات حاليًّا إلى ١٦ سيدة فقط؛ أيْ نفس العدد في العشرينيات تقريبًا، بينما عدد الأساتذة المساعدين من الرجال ٣٠٥؛ أيْ أكثر من ثلاثة أضعاف قيمته السابقة (سكوت وإيرفين-تريب وكولسون، ١٩٧٠).

وقد تحطَّمَتْ تقديرات الكثيرين من بيننا ممَّن قرءوا هذا التقرير عن وضع عضوات هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا ببيركلي؛ إذ كان تصوُّر أن التقدُّم يتطوَّر باتجاهٍ تصاعديٍّ مترسِّخًا في عقول الجميع: لقد بَدَا دومًا أن الأمور في تحسُّن.9

ولكن ماذا كانت أهمية فكرة التقدُّم التصاعدي؟ ما دام المرء مقتنعًا بأن الأمور أفضل مما كانت عليه سابقًا (النموذج التصاعدي)، فسوف يشعر بالراحة ويقلُّ التوتر. ولكن من جانب آخَر يجب أن تكون اللامبالاة السياسية متوقَّعةً، وهكذا يُستخَدم النموذج التصاعدي كأداة للسيطرة. أما الفريق الذي يرى أن وضع المرأة عبارة عن ساحة يحقِّق فيها المكاسبَ تارةً ويتكبَّد الخسائرَ تارةً أخرى، فهو الأقرب إلى الواقعية. وتمثِّل حالة اللامبالاة السياسية في الولايات المتحدة اليوم وصفًا للحالة الذهنية للعديد من النساء اللاتي يرين أننا حقَّقنا مكاسبَ، وأن هذه المكاسب لا يمكن خسارتها، بينما يتصرَّف الآخرون، ومن بينهم المؤسسات المُسيطِرة، كأنَّ وضْعَ المرأة قد حقَّق تقدُّمًا مفرِطًا خلال فترة زمنية قصيرة للغاية منذ ستينيات القرن العشرين. من جهة أخرى، يدَّعي آخرون في الإعلام والأوساط الأكاديمية أن المرأة خسرت أكثر ممَّا حقَّقت في بعض المجالات منذ ستينيات القرن العشرين، ويوجد دليل على حدوث انحدار مشابه في وضع المرأة بعد حصولها على حقِّ التصويت في الولايات المتحدة (كنودسن، ١٩٦٩).

عام ١٩٦٩م نشر عالم الاجتماع دين كنودسن من جامعة بوردو مقالًا في دورية سوشيال فورسِز بعنوان «وضع المرأة المتدهوِر: أشهر الخرافات وفشل التفكير الوظيفي». ويوضِّح كنودسن في المقال كيف أن وضع المرأة قد تدهور في الولايات المتحدة خلال الثلاثين عامًا الممتدة من ١٩٤٠م حتى ١٩٧٠م، كما يتبيَّن من الوظائف والدخل والتعليم كمؤشرات على ذلك. ويزعم كنودسن في دراسته أن وضع المرأة مرتبطٌ بوضع الرجل، وأنه ينبغي مقارَنةُ أيِّ تطوُّرات إيجابية واضحة في وضعها مع التطورات الإيجابية التي تحقَّقت للرجل في نفس المجال. وقد وجد في معظم الحالات أن مكاسب الرجل تزيد بفارق كبير عن مكاسب المرأة بمرور الزمن، وأن المرأة قد عانت من تدهور وضعها.

ويشير كنودسن، بجانب النتيجة التجريبية الأساسية لدراسته، إلى ملاحظتين إضافيتين تثقيفيتين، يطرح أولاهما في صيغة تساؤل: «ونحن أمام هيكل معياري رسمي ينادي بالمساواة، وما لحقه من تعزيزات في العقوبات القانونية، ماذا يمكن أن تكون التبريرات المتاحة لتفسير هذا الدليل على التطوُّر التصاعدي الواضح لانعدام المساواة؟ بل وأكثر من ذلك، ما هو تفسير عجز العلوم الاجتماعية المستمر عن فضح هذا المنحى؟» (كنودسن، ١٩٦٩: ١٩١). بينما يصف في ملاحظته الثانية أنماطَ التفكير التي تبرِّر مصادرَ وسُبُلَ إبقاء عدم المساواة المؤسسية، فيما يتعلَّق بتلك الأدوار التي يُعتَقَد أنها «الأدوار الملائمة للرجل والمرأة». وينتهي كنودسن إلى أن «الطبيعة المُحافِظة للعلوم الاجتماعية الحديثة قد أسهمت هي الأخرى في هذا التطوُّر من خلال تبنِّي منظورٍ فرديٍّ وهيمنة التفسيرات الوظيفية» (١٩٦٩: ١٩١). ثم يستطرد قائلًا:

بالنظر إلى القناعة التي مفادها أنه ليس من حق المرأة منافَسة الرجل في السعي للوظائف، تخلق المرأةُ وأصحابُ العمل معًا نبوءةً تتحقَّق من تلقاء نفسها … ويترتَّب على ذلك استمرارية الاعتقاد بأن المساواة بين الجنسين قائمة بالفعل، وأننا لا نحتاج إلا إلى بعض الجهد، وهو ما يعزِّزه علماء الاجتماع (١٩٦٩: ١٩٢).

وقد أطلعني كنودسن في اتصال شخصي أنه لاقَى صعوبةً في العثور على دورية علمية تقبل نشْرَ نتائج بحثه، إما لعدم تصديق صحتها وإما لبداهتها؛ إذ يَعلَق علماء الاجتماع في حبال نفس العقلية السائدة في ثقافتهم، وأكثِر بالذرائع التي ستُطرَح لتبرير عدم نشر أعمالهم إذا ما حاولوا أن يهدموها كما فعل كنودسن. وهكذا سوف تظل السيطرةُ الراهنة على المرأة قائمةً دون تغيير.

استغلال الثورة في السيطرة على المرأة

لا يمثِّل الوضع الراهن الهدفَ الذي تسعى عملياتُ السيطرة للوصول إليه على الدوام، بل تسعى الكثير من الحكومات الثورية إلى العكس؛ إلى تغيير الشكل التقليدي للتحكُّم في المرأة في إطار تحويل قبضة السيطرة من العائلة إلى الدولة، مع تغليف استراتيجية استعلاء المكانة باستراتيجية الحداثة — وهي إحدى صور التقدُّم — عن طريق الهندسة القانونية في بعض الأحيان.

أصدر جريجوري ماسِل (١٩٦٨) أستاذ العلوم السياسة الأمريكي مقالًا كلاسيكيًّا بعنوان «القانون كأداة للتغيير الثوري في بيئة تقليدية»، وصف فيه المحاولات السوفييتية في منتصف العقد الثالث من القرن العشرين لتفكيك الأسرة المسلمة، وقد كان الهجوم عبارة عن محاولة متعمَّدة لإثارة والتأثير في:

التوترات بين الجنسين وبين الأجيال؛ ما من شأنه أن يُسهِم في إحداث ثورة في أي منظومة تقليدية للقِيَم والعادات والعلاقات والأدوار، انطلاقًا من الخلية الأساسية المكوِّنة لهذه المنظومة؛ وهي الأسرة المسلمة الأبوية الممتدة (١٩٦٨: ١٩٦).

وعلى الرغم من فشل التجربة السوفييتية، فإنه — وبعد مرور بعض السنوات — جاء نظام ثوري آخَر بتجربة مشابِهة تحت مظلة إسلامية، وهو النظام الليبي بقيادة مُعمَّر القذافي. ويبدو أن تجربة القذافي كانت أنجحَ من تجربة السوفييت في تدمير مجموعات دعم المرأة، بالإضافة إلى تحطيم منظومات القِيَم التقليدية.

وقد أجرت صِدِّيقة عَرَبي دراسةً مبدئية حول التغيُّر الطارئ على أسلوب السيطرة على المرأة في المجتمع الليبي بعنوان «أمهات قويات، بنات ضعيفات: المرأة الليبية وثمار التغيير المُرَّة»، واستخدمت في دراستها نماذجَ مثالية لدراسة المكانة المتغيِّرة للمرأة في المجتمع الليبي، من خلال المقارنة بين تجربة الأمهات وفتياتهن في نقاط مختلفة على مدار جيلين؛ إذ كان مولد الأمهات في عشرينيات القرن العشرين، بينما البنات من مواليد أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن نفسه. وتبدأ الباحثة دراستها (١٩٨٤، ١-٢) بملاحظة أن:

التغيير في مكانة المرأة لا يُعَدُّ عمليةَ تحوُّلٍ من أسلوب الحياة التقليدي إلى الحداثة، بل هو تحوُّلٌ من الأسلوب التقليدي إلى الاغتراب. والمقصود بالاغتراب هنا ذلك الوضع الذي يفقد معه الهيكلُ الثقافي للمجتمع القدرةَ على توفير سُبُل للاندماج، وخلق تجارب جديدة ذات معنًى.

وتشير كذلك إلى أن التغيير الاجتماعي في المجتمع الليبي:

انتزع من المرأة مكانتَها القوية المستقلة، وأدَّى إلى إحداث حالة من التبعية والخضوع … وقد تخطَّيْتُ في محاولتي تصوُّرَ مكانة الأمهات ومكانة بناتهن حدودَ العلاقات الشخصية نحو تفسير أثر المنظمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع نطاقًا، المُكوِّنَة لخبراتهن والمسيطرة عليها.

أدَّى اكتشاف النفط في نهاية عام ١٩٥٩م إلى ارتفاع معدلات الهجرة الداخلية؛ ممَّا حوَّل المجتمع الليبي من مجتمع يغلِب عليه الطابعُ القروي بنسبة ٨٠٪ عام ١٩٥٦م، إلى مجتمع يغلِب عليه الطابع الحضري بنسبة ٨٠٪ عام ١٩٦٩م، كما أتى بأعداد هائلة من الأجانب للالتحاق بالعمل لدى شركات النفط. وقد تلخَّصَ التغيير الطارئ على النساء الليبيات، وفقًا للباحثة، في تحوُّلهن من سيدات محجَّبات قابعات في بيوتهن، إلى شابَّات يرتدين أحدث الصيحات الغربية، ويَقُدْنَ سياراتهن، ويعملن خارج منازلهن في المكاتب والمدارس والمصانع والمستشفيات، ويلتحقن بالجامعات وبالجيش.

وترى صِدِّيقة عَرَبي أنه توجد ثلاثة متغيِّرات لعبت دورًا مهمًّا في توسيع نطاق حقوق المرأة والتزاماتها أو تقليصها أو إعادة تعريفها؛ وهي: تأثير التعليم المؤسسي، وأثر ظهور الأسرة النواة (وأضيف عليها مفهوم «ارتباط الأزواج»)، وأخيرًا تأثير عمل المرأة خارج المنزل. وتُبيِّن صِدِّيقة من خلال فحْصِ هذه المتغيرات كيف يتمُّ هيكلة خضوع المرأة مؤسَّسيًّا حتى تُقيَّد بمواقف الانصياع والتبعية والعجز؛ فالمدرسة مثلًا تعني توقُّفَ العائلةِ عن توفير الإطار الأوَّلي للتنشئة الاجتماعية، ويترتب على ذلك فقدانُ تجربة الحياة العائلية التي كانت النساء من مختلف الأعمار يتبادلنها في السابق. وتكتسب مجموعات الأقران في المدرسة أهميةً في بناء الحياة خارج إطار الأسرة، وتشمل هذه العملية قراءة الروايات العاطفية. ويركِّز هذا النوع من الروايات على مبدأ البحث عن الهوية الفردية والحرية الشخصية بعيدًا عن ثقل القيود العائلية والمجتمعية؛ كما تُمجِّد الروايات النمطَ الغربي في الزواج وتركيزه على الرفقة والنشاطات المشتركة، وتتناسب تمامًا مع النقلة إلى شكل الأسرة النواة، التي تُعَدُّ في حد ذاتها أحدَ مآلات ارتفاع معدل الهجرة الداخلية.

غير أن ظهور هذه الوحدة (الأسرة) الزوجية الصغيرة لم يَصُبَّ دومًا في صالح المرأة الليبية وفقًا لصِدِّيقة عَرَبي. فبالرغم من أنها مكوَّنة بحسب النسق الغربي، فإن جوهرها كان شرقيًّا؛ فظلت العلاقة بين الأزواج والزوجات تنزع إلى الافتقار إلى وجود الاهتمامات المشتركة والروابط العاطفية التي تُعَدُّ أهمَّ ما يميِّز ارتباط الأزواج على النحو الغربي المثالي، ولم تتمكَّن من زعزعة الإيمان بأن الرجل الليبي بصفة أساسية مرتبط بأمه ارتباطًا وثيقًا. علاوة على ذلك، كان العيش في نطاق الأسرة النواة يعني التخلِّي عن العُصَب النسائية التي شكَّلت مصدرًا للدعم المتبادل والتفاهم والرفقة، التي كانت جميعًا مهمة لجيل الأمهات. وتزيدنا صِدِّيقة عَرَبي بأن الانعزال عن شبكات العلاقات الشخصية للتضامن النسائي قد غيَّرَ وضع المرأة من الاستقلالية إلى التبعية وإظهار الانصياع للزوج، ومكَّنَ انعزالُ المرأة التام عن شبكات العلاقات النسائيةِ الرجلَ من فرض سيطرته الكاملة عليها. وتنقل الباحثة (١٩٨٤: ٢٧) عن الأمهات اللاتي يشعرن بمعضلة بناتهن قولَهن: «لقد كنَّا حُرَّات … نذهب حيث نشاء ونزور مَن نشاء، لم نكن يومًا تحت رحمة الرجال كحالكن … نساء اليوم.»

صار الرجال يتخذون قرارات في أمور منزلية كانت مقصورةً على المرأة دون الرجل، وصارت النساء يعتمدن على أزواجهن لضمان وضعهن في المجتمع. وقد أرست هذه التغيُّرات الأساسَ لعلاقةٍ تتسم بالطبقية بين الرجال وزوجاتهم، وتتناقض مع العلاقات التقليدية القائمة على المساواة، والناتجة عن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة بطريقة قائمة على التكاتُف.

ثم تؤكِّد صِدِّيقة عَرَبي وبشدة في تقييمها النهائي لما يعنيه عملُ المرأة الليبية خارج المنزل، على فقْدِ المرأة لقوتِها وسيطرتِها على حياتها؛ حيث عزَّزَ خروجُها إلى العمل من سيطرة الرجل عليها بوصفها زوجةً عاملةً. والجدير بالذكر أن تحكُّمَ النساء في ممتلكاتهن في جيل الأمهات كان قائمًا على أُسُس مؤسسية، بينما في جيل بناتهن «يُسمَح» للنساء بالعمل، ولكن مع الاستمرار في تحمُّل مسئولية المنزل والأطفال كاملةً، ويتحكَّم الرجالُ في موارد زوجاتهم المالية وفي تعريفهن لأنفسهن.10
لقد تضافرت عوامل التعليم والأسرة الصغيرة والعمل خارج المنزل في الحالة الليبية لتصير معًا عمليات فرض سيطرة، تحدُّ من نطاق الخيارات المتاحة للمرأة، وتفرض عليها معضلات يتعيَّن عليها حلُّها بمفردها من دون تعزيز مجموعات الدعم النسائية. هذا كله إلى جانب التغيير الذي يطرأ على صورة الأم في أعين أطفالها:
كان لتغيُّر النمط الكامل لشبكات العلاقات الاجتماعية أثره على عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال؛ حيث يفقد الأطفال المعزولون مع أمهاتهم رابطتهم بتلك التجمُّعات المتعددة الأجيال، التي كان لها دورها المهم في عملية التنشئة الاجتماعية منذ جيل واحد … [والتي] كانت تعزِّز من إحساس الأطفال بالمكانة العالية التي تتمتَّع بها أمهاتهم. وصارت أنشطة أخرى مثل الذهاب إلى النوادي الرياضية والأنشطة الكشفية هي المكونات الجديدة في عملية التنشئة الاجتماعية؛ وهكذا أصبحت نظرةُ الطفل لأمه تتحدَّد فقط على أساس طبيعة علاقتها به وبالأب (صِدِّيقة عَرَبي، ١٩٨٤: ٢٢).11

أنظمة متعدِّدة لإخضاع المرأة

يحدث أحيانًا أن تُوجَد أنواع مختلفة من المنظومات القمعية بعضها إلى جانب بعض؛ بحيث يصير ممكنًا مقارنة حياة المرأة في المجتمع الريفي من ناحية (أبو لغد، ١٩٨٦) — التي تكون في حماية الأب والإخوة، وقد تشعر في إطارها بالتضامُن النسائي الذي يصاحِب عمليةَ الفصل بين الجنسين هناك — وحياةِ المرأة في المجتمع الحضري من ناحية أخرى، التي تعيش في ظلِّ أوضاع إسلامية صارمة يتولَّى فيها الأزواج (إلى جانب الأب والإخوة) مهمة حماية المرأة والسيطرة عليها، وقد تدعم العُصَب النسائية مقاومتها لهذه السيطرة (التركي، ١٩٨٦: ٩٩–١٢١؛ رو، ١٩٨٤). كذلك تنصُّ قوانين الدول القومية الحديثة على أن تقوم الدولة أيضًا بحماية حقوق المرأة. ولكن هناك أيضًا القوانين غير المُعلَنة للمحدثين أو رائدي التطوير الذين تقضي منظوماتهم على مجموعات الدعم النسائية (جوزيف، ١٩٨٢؛ رسام، ١٩٨٣). والذي يحدث أن بعض النساء يقعن فريسةً لأكثر الجوانب قمعًا في كلٍّ من هذه المنظومات، وتأخذ مقاومةُ هؤلاء النسوة اللاتي يواجهن أشدَّ صورِ تطرُّف السيطرة الذكورية في الشرق والغرب شكلَ الحركات الإسلامية، التي تُتَّخَذ كملاذٍ يُحتَمَى به أو كوسيلة لاسترداد سيطرتهن على حياتهن. وفي حالات أخرى يقمن بالجمع بين أساليب المقاوَمة ومجموعات الدعم من كلِّ منظومة، ويعشن حياةً جديدة من اختيارهن، لا يكون الرجال طرفًا فيها في الغالب (جانسن، ١٩٨٧).

وقد أكَّدَت نيكي كيدي (١٩٧٩: ٢٢٥–٢٤٠) على الحاجة إلى توسيع نطاق الفهم التاريخي والمقارَن لتجربة المرأة الغربية والشرقية:

لم يكن التحوُّل إلى أسلوب الحياة الحديث المتأثِّر بالغرب تحوُّلًا تقدُّميًّا يسيرًا بالنسبة إلى المرأة في الشرق الأوسط. ويستخدم الكثير من الأساتذة والعلماء تعبيرَ «التحديث» كمرادف بسيط لتعبير آخَر ينضح بالتعصُّب العِرقي هو «التغريب»، محافظين على المعنى الضمني الذي يُلمِّح إلى أن الحداثة في الأساس هي عملية تقدُّمية تسير في خط مستقيم، وترتقي بأسلوب حياة الجميع إما فورًا وإما خلال فترة قصيرة للغاية … ولا يجوز أن نتوقَّع أن يكون ردُّ الفعل واحدًا بالضرورة فيما يتعلَّق بما إذا كان التأثير الغربي، أو الحداثة، قد أدَّى إلى تحسين الأوضاع أو تدهورها حتى بالنسبة إلى فئة أو جماعة واحدة. ففيما يتعلَّق بالنساء، نجد أنه حتى في أوروبا الغربية أدَّى ظهورُ الرأسمالية في القرن السابع عشر إلى إزاحة المرأة عن العديد من المهامِّ ومصادرِ الدخل الإنتاجية التي كانت من نصيبها منذ العصور الوسطى، ولكن القرن ذاته شهد كذلك ظهورَ أولى الفِكَر النسوية وتقدُّمها كوجهٍ آخَر من أوجه ظهور الرأسمالية … وبالمثل كان أثر الرأسمالية الغربية والمحلية في الشرق الأوسط ذا وجهين … حيث فقدَتْ أعدادٌ من الفلَّاحات والبدويات والحِرفيات في المدن دورَهن الإنتاجي تدريجيًّا؛ نظرًا لأن السلع التي كُنَّ يصنِّعنها صارت تُشترَى من منتجين خارجيين، على الرغم من أن فئة ضئيلة من منتجات النساء … راجت رواجًا كبيرًا.

علاوة على ذلك، تشير كيدي إلى أن الرجال الشرق أوسطيين الذين كانت تربطهم صلاتٌ برجال الأعمال الغربيين وأرادوا أن يُوصَفوا بالحداثة، دعموا مطالب المرأة بالتحرُّر عندما كان التحرُّر يعني الحصولَ على تعليم حديث والتخلِّي عن الحجاب وتحقيق حياة مهنية ناجحة. وهكذا، تدريجيًّا، بدأ يظهر اختلافٌ بين أسلوب حياة النساء من الطبقات ذات الدخول العالية والمتوسطة، والنساء الحضريات مَن ينتمين إلى الفئات الأقل دخلًا اللاتي لم يَرَ رجالهن أيَّ ميزة في تغيير أسلوب الحياة التقليدي.

وبينما انبرت كيدي في وصف تطوُّر طبقات مختلفة من النساء في الشرق الأوسط، كلٌّ على حدة، كان الغرب يضم مجموعات متعدِّدة من المهاجرين بما قد يؤدِّي إلى خلق وضْعٍ قد تجد فيه امرأةٌ ما نفسَها عالقةً بين منظومتَيْن أو أكثر من منظومات إخضاع المرأة، كما في حالة سيدة أمريكية من أصل مكسيكي متزوجة من رجل مصري وتعيش في الولايات المتحدة، في إطار أسرة نواة منعزلة ودون أي ارتباط بمجموعة تضامن نسائي. وهكذا، ونظرًا لانتشار منظومات إخضاع المرأة في المراكز الحضرية، ونظرًا لغياب حركات مشابهة لمجموعات دعم المرأة (التي عادةً ما تكون متأصِّلة في البيئة المحلية ويصعُب انتقالها)، وللانتشار الواسع للأسرة النواة المنعزلة، فإن أوضاع المرأة تتدهور في كلٍّ من الشرق والغرب. وربما كان عالِم الأنثروبولوجيا إيفانز بريتشارد (في إيتيَن وليكوك، ١٩٨٠) مصيبًا عندما أكَّد على أنه — بصرف النظر عن الاختلافات — «في جميع المجتمعات كانت السيادةُ دومًا للرجل، ولعلَّ ذلك يزيد وضوحًا كلما ارتقت الحضارة.» إن أسلوب صياغة إيفانز بريتشارد للمسألة مشبَّعًا بالتناقضات التي تطرَّقنا إليها سابقًا؛ فلو كان التقدُّم تصاعديًّا، لَكان وضع المرأة في تحسُّن مستمر، ويُقابَل أيُّ دليل يُثبِت العكسَ بالانتقاص من قدره أو إنكاره أو يتم التعامل معه من خلال تحويل العدسة إلى صورة المرأة في الثقافات الأخرى. إن الإدراك السليم للأمور يقول بأن أيَّ تغيير يكون تصاعديًّا، وأن الوضع لا بُد أن يتحسَّن. ولكن، وكما أبديتُ في سياقات أخرى (نادر، ١٩٨٧)، قد تُسهِم المقارنة الصريحة بين العالَمين الأول والثالث في التخفيف من سطوة أيديولوجية تقدُّميَّة معيَّنة بما يتيح رؤية ما يحدث على أرض الواقع بدرجة أعلى من الوضوح. وربما يتيح لنا التركيزُ على المأزق المتشابه الذي تواجهه المرأة في الغرب والشرق على حدٍّ سواء؛ اكتشافَ مصادر للانحياز لم تَزَلْ محجوبةً عنَّا، ويحضرني هنا مثالان لهذا النوع من المقارنة.

في دراسةٍ بعنوان «الخضوع والسيطرة الجنسانية: نظرة مقارنة لقضية السيطرة على المرأة» تبحث جيتا سِن (١٩٨٤) أثر السيطرة الجنسانية على مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع وسوق العمل في كلٍّ من الهند والغرب، وتُفرِّق سِن في دراستها بين الأسلوب المباشِر — أو غير المتعلِّق بالعمل — للسيطرة الجنسانية في الهند، وأسلوب الغرب الذي يتسم بابتعاده عن الطابع الشخصي وبتعلُّقه بالعمل. ومع انتشار الثقافات انتهى الأمر بوجود النمطين في الهند. ثم تشير كلٌّ من لورديس بينيريا وجيتا سِن (١٩٨١: ٢٨٩) في مقال ثانٍ يتناول دورَ المرأة في التنمية الاقتصادية، إلى أن «تكديس رأس المال قد يُضعِف الأنماط التقليدية للسيطرة الأبوية على المرأة، ولكنه يقدِّم أنماطًا جديدة»؛ ففي جنوب شرق آسيا — على سبيل المثال — «استُبدِلَت السيطرة الرأسمالية بالسلطة الأبوية داخل الأسرة، واتخذت أنماطًا أبوية؛ حيث تتحدَّد حياة الشابات وسماتهن الجنسانية بناءً على السياسات التي تتبعها الشركات في ضبط العمالة» (بينيريا وسِن، ١٩٨١: ٢٨٩؛ انظر كذلك أونج، ١٩٨٧). علاوة على ذلك، قد تؤدِّي زيادة هجرة الرجال إلى منْحِ المرأة مساحةً أكبر من الاستقلالية في مجال ممارسة زراعة الكفاف، ولكن مع نقص الأراضي ينشأ وضعٌ جديدٌ تتَّكِل فيه النساء على الأُجَراء من الرجال.

تنتشر أيديولوجياتُ ومنظوماتُ إخضاع المرأة مع تقنيات الإنتاج الغربية، وقد تنبَّهَ أساتذة الحركة النسوية — كما سبق أنْ أشرتُ — إلى آثار الاقتصاد العالمي على حياة المرأة، كما تنبَّهوا كذلك إلى أهمية التقنيات البرمجية؛ حيث تلعب منظوماتُ الأفكار التي انتشرت مع تصدير البضائع وتقنيات الإنتاج الأمريكية دورًا مهمًّا في نشر أيديولوجيات إخضاع المرأة؛ مثل الأسرة النواة المنعزلة، ومفهوم ارتباط الأزواج، والنظر إلى الأم باعتبارها خادمةً، ومفهوم أن العلاقة الثنائية التي تربط بين الأمهات وبناتهن تتسم بالعدائية بشكلٍ ما بطبيعتها، وليس التعاون (نادر، ١٩٨٧)؛ ومن ثم كان الخيار المثالي بفصل علاقة الأمهات ببناتهن هو الأنسب للحراك الاجتماعي لدى الأمريكيين، وفقًا لبعض الكُتَّاب، في حين أن ترابطهما يمثِّل عائقًا أمام هذا الحراك (لو، ١٩٨٤: ١). هذا علاوةً على أن الفصل بين الأمهات وبناتهن قد تناسَبَ مع نموذج ارتباط الأزواج، وفيما يلي سوف أبيِّن كيفيةَ تطبيقِ هذه الأفكار في كلٍّ من الشرق والغرب، مع ذِكْر مزيدٍ من الأمثلة من دراسات إثنوجرافية مختلفة.

وأبدأ بدراسةٍ بعنوان «تبديل الحجاب: المرأة والحداثة في شمال اليمن» (مخلوف، ١٩٧٩) حول المرأة في مجتمع تقليدي وطبقي ومعقَّد، ولكنه منعزل. تتناول الدراسة تغيُّرَ الأيديولوجيات، والفصلَ بين الجنسين، وممارساتِ ارتداء الحجاب، وقوةَ المرأة منذ ثورة ١٩٦٢م في شمال اليمن. وتحلِّل كارلا مخلوف، صاحبة الدراسة، التغيُّراتِ التي نتجت عن الحداثة، مشيرةً إلى أن السر وراء تغيُّر وضْعِ المرأة يتمثَّل في انتقال علاقة التضامن في حياة المرأة من النساء إلى الأزواج، أو بتعبيرٍ أكثر تحديدًا الانتقال من العلاقة الثنائية بين الأمهات وبناتهن إلى العلاقة الثنائية بين الرجال وزوجاتهم، التي يتمتَّع فيها الزوجُ بدرجة أكبر من السيطرة. ومع توغُّل هذه التغيُّرات في المجتمع اليمني، بدأ اليمنيون في الاحتفال بعيد الأم (ولكن لا يحتفلون بعيد الأب)، وفي هذا إشارة إلى تدهور دور الأم؛ لما في عيد الأم من تضخيمٍ لدورٍ أقل أهميةً تقوم به المرأة؛ نظرًا لازدياد اعتماد النساء على أزواجهن بدلًا من أطفالهن لضمان رعايتهن في المستقبل ووضعهن الحالي.12

فضلًا عن ذلك تعمل المرأة اليمنية على اكتساب أسلوب الحياة الغربي، وسوف تتمكَّن بفضل هذا التغير من التمتع بسلطة أكبر على حياتها الشخصية، فيما يتعلَّق باختيار شريك حياتها على سبيل المثال. ولكن الشاهد — كما تشير دراسة مخلوف — أن المرأة تستبدل الفردية والاعتماد المتزايد على زوجها بالتضامن مع عائلتها وغيرها من بنات جنسها، ومن ثم نجد المرأة حاليًّا ممزَّقة بين نموذجٍ جديد للارتباط بالزوج، ونمطٍ تقليدي يقوم على الارتباط بالأم وأقاربها النساء. كذلك فإن نموذجَ الفصلِ بين الأمهات وبناتهن ونشْرَ مفهوم ارتباط الأزواج، لا يتناسبان مع الحراك الاجتماعي للرجل اليمني، على خلاف النقاش السابق حول ملاءمته لأنماط الفصل بين الوالدين والأبناء في المجتمع الأمريكي (لو، ١٩٨٤)؛ حيث ستزيد هجرةُ الرجال اليمنيين للعمل — مُخلِّفين وراءهم زوجاتهم وأطفالهم — من أعداد الأُسَر النواة المنعزلة مع غياب الأب.

ولعلَّ إدراك كيفية الضغط نحو تعميم مفهوم ارتباط الأزواج والفصل بين الأمهات وبناتهن في الغرب يُعَدُّ أمرًا مثيرًا للاهتمام. عندما وُلِد أول أطفالي كنتُ أُدرِّس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ولم تكُن الجامعة تمنح إجازات خاصة بالأمومة، وكنت قد وضعتُ طفلي قبل ثلاثة أسابيع من بدء العام الدراسي؛ فحضرَتْ والدتي لتقدِّم لي يد العون، واستُقبِلَت والدتي على مدار الأسابيع الأربعة الأولى من زيارتها وإقامتها معي بأربع تحيات متتابعة: «مدام نادر، لطيف منك الحضور إلى هنا!» ثم «مدام نادر، أما زلتِ هنا؟» ثم «مدام نادر، مَن يعتني بالسيد نادر؟» وأخيرًا: «متى ستغادرين مدام نادر؟» وجاءت ردود والدي ووالدتي بسيطة ومُعبِّرَة عن البنية الشرقية للمجتمع: «لورا ابنة السيد نادر أيضًا، وسوف أبقى ما دامت تحتاجني.» بينما قال والدي: «هل هم بالحماقة ليظنوا أنني لا أستطيع الاعتناء بنفسي، بينما لورا قد وضعت طفلها للتوِّ وهي تُدرِّس في الجامعة بدوام كامل؟» كان من «الطبيعي»، من وجهة نظر المقتنعين بمبدأ ارتباط الأزواج والفصل بين الأمهات وبناتهن، أن يحضر الزوج ولادة أطفاله، بينما لا يُسمَح للجدة بالمجيء.

في الواقع، توجد مرحلة أخرى سابقة لحدث الولادة الذي تمرُّ به الابنة، يتمُّ فيها التأكيد على ضرورة الفصل بين الأم وابنتها في الولايات المتحدة؛ أَلَا وهي مرحلة الالتحاق بالجامعة. فعند دعوة الآباء لزيارة أي كلية على مستوى البلاد، فإنهم يُنصَحون بضرورة التخلِّي عن رابطتهم بأبنائهم، إنْ هم أرادوا لأبنائهم أن يشبُّوا ويصيروا ناضجين (كوبيرن وتري، ١٩٨٨). وهكذا يُوصَى الوالدان بالانفصال عن أطفالهما في مرحلة مبكرة، علاوة على ذلك، لا تواصِل الكليَّات الوصايةَ على الطلاب من خلال وجود مشرفات مثلًا في المخادع للاطمئنان على «الفتيات»؛ انطلاقًا من القناعة بأن استخدام أشخاص يقومون مقام الأهل صار أمرًا عتيقًا.

إنَّ أدب الأنثروبولوجيا حافِلٌ بأمثلة على النتائج المترتبة على الانفصال عن الأهل، متمثِّلةً في صعوبات تواجهها العلاقات الأسرية، وثمن فادح يُدفَع مقابل هذه العلاقات؛ حيث يحدث صدْعٌ في عملية نقل الثقافة النسائية من جيل لآخَر عند انفصال البنات عن أمهاتهن. ولهذا تبعاتٌ خطيرة على المستوى الفردي، كما بيَّنَت نانسي شيبر-هيوز في دراستها التي حصدَتْ عنها جوائزَ، واكتشفت فيها خلال عملها في شمال شرق البرازيل أن البنات اللاتي انفصلن عن والداتهن لا يعرفن كيف يُرضِعن أطفالهن. وتمثَّلت إحدى النتائج المترتبة على ذلك في معاناة الأطفال من سوء التغذية (١٩٨٥). أما على مستوى استراتيجيات الحداثة والحكومات المركزية، فإن قطع العلاقات الأسرية ييسِّر عملية نشر وقبول نماذج وأيديولوجيات جديدة.13

وهكذا، يُضاف إلى السيطرة عن طريق استعلاء المكانة، السيطرة التي تصاحب تطوُّر الاقتصاد العالمي والهجرة الواسعة للشعوب وتنمية الدول القومية. ومع انتشار العقائد المُخضِعَة للمرأة تتضاعف السيطرة المفروضة عليها. وكما أشرنا سابقًا، غالبًا ما ترتبط مسألةُ التعايش مع الخضوع، بالنسبة إلى المرأة، أو مقاومتها لممارسات عدم المساواة بين الجنسين؛ بمجموعات الدعم النسائية، وهذه المجموعات تكون في المعتاد محليةً وتتفكَّك مع انتقال النساء. وبينما تنتقل المعتقدات المرتبطة بالنوع بسهولة أكبر وتكون أكثر قابليةً للحفاظ على نفسها بلا تغيير، لا ينتقل التضامن النسائي المتأصِّل داخل مجموعات الدعم بنفس هذه السهولة، وينتج عن كل ذلك في رأيي ازديادُ حدة إخضاع المرأة. ويؤدِّي الأثرُ التراكمي للمنظومات المتعدِّدة لأنماط إخضاع المرأة إلى تعرُّض العلاقات بين الجنسين لأزمة، ليس السبب فيها رجالًا أو نساءً بأعينهم، بل تكون نتيجةً لتطوُّر مجموعة من الأفكار حول العلاقات بين الجنسين، لا تشمل استجابات المرأة التكيفية (أو مقاومتها) المرتبطة بمنظومات متأصِّلة معمِّرة.

الاستعمار والتنمية والدين والسيطرة على المرأة

تلعب التنمية الاقتصادية دورَ الذراع الثقافية الأساسية للسيطرة الأوروبية على المرأة اليوم، وعلى الرغم من ذلك غالبًا ما شكَّلَتِ السيطرةُ على المرأة عاملًا أساسيًّا لإحكام السيطرة السياسية في أوقات الاستعمار. ويصف أستاذ العلوم السياسية بيتر كناوس استمرارَ وبقاء السلطة الأبوية في الجزائر (كناوس، ١٩٨٧)، حين كان المستعمِر الفرنسي مدفوعًا «لفرض الحضارة» على الجزائريين عن طريق «تطهيرهم» من السيطرة الأبوية العربية. وفي إطار مهمة فرض الحضارة هذه، عمد الفرنسيون إلى فَرْط عِقد الإسلام وتفكيك بنيته التحتية الاقتصادية وشبكته الثقافية؛ وفي خضم هذا «تمَّ بذل كلِّ ما هو ممكن لإخجال الرجل الجزائري من المصير الذي يفرضه على المرأة» (كناوس، ١٩٨٧: ٢٧). ولكن السيطرة الأبوية العربية — التي تمثَّلت في هيكل هرمي للسلطة تحكَّمَ فيه الرجل وهيمَنَ عليه، بينما أُخضِعَت المرأة ووُضِعَت في مرتبة ثانوية دائمًا — ظلَّتْ باقيةً كأحد عناصر الرغبة الشديدة في تطبيق النموذج الإسلامي، وأحد عناصر بنية الثورة، وأحد عناصر الجهد الاشتراكي لطرد الاستعمار واستعادة الجزائر عربية وإسلامية فيما بعد الثورة.

كانت طبقة الفلاحين الوسطى الجديدة، والطبقة البرجوازية الصغيرة الحضرية الجديدة أيضًا، هما الفئتين المهدَّدتين أكثر من أي فئة أخرى بعملية الاستيعاب الثقافي وتغيُّر دور المرأة الجزائرية. وينقل كناوس أنه مع تدهور أوضاع الجزائريين، ومع تدمير نظام التعليم الإسلامي أو تركه للانهيار، ومع فقدان الفلاحين لأراضيهم وتوجُّههم للتوظيف والاقتصاد النقدي؛ تشكَّلَ ببطءٍ إجماعٌ إسلاميٌّ أعادَ إقرارَ السلطة الأبوية العربية. ومع تطور الثورة ضُمِّنَت أفكارُ تحريرِ المرأة داخل نموذج الأسرة الأبوية الثورية الجديدة؛ فإذا بالمرأة الجزائرية تصير ضحيةً مرتين؛ مرةً للاستعمار، وأخرى لهذا النمط الأسري. أما فيما بعد الثورة، فقَدْ وجدَتِ المرأة الجزائرية نفسها بين المطرقة والسندان؛ حيث تعمل أكثر من ٢٠٠ ألف امرأة جزائرية في وظائف خارج المنزل، ولكن يُنتظَر منهن بالرغم من ذلك لعب دورهن التقليدي في الحفاظ على القِيَم العربية الإسلامية. ولكن اتضح استياؤهن جليًّا في المظاهرات الحاشدة التي اندلعت احتجاجًا على قانون الأسرة عام ١٩٨١م، والتي لم تهدأ إلا عام ١٩٨٤م، عندما أُعِيدت صياغته في أعقاب عودة النشاط الأصولي الإسلامي.

توغَّلت بعد ذلك استعمارية جديدة ذات طابعٍ غربيٍّ داخل المجتمع الجزائري عن طريق السيطرة على المرأة «تحت راية التنمية» (رهنما، ١٩٨٦). ويوجد تحت راية التنمية هذه نموذجٌ عالميٌّ للحياة يمثِّل أقصى ما يتمنَّى أيُّ مجتمع الوصولَ إليه، وهو البديل لأشكال التنظيم الاجتماعي التي لم تَعُدْ صالحةً للاستمرار، مثل المجتمعات التي يتم فيها الفصلُ بين الرجل والمرأة، وترتدي النساء فيها الحجاب. ويأتي روَّاد هذه التنمية بتقنيات تحمل في طيَّاتها أفكارًا حول الرجل والمرأة كما سبق أن ذكرتُ. ومن أمثلة هذه التقنيات الآلاتُ الزراعية التي صُمِّمَت ليستخدمها الرجل بسبب فرضية أن المزارعين يكونون دومًا من الرجال، أو «حبوب منع الحمل» التي تحمل فكرةَ أن المرأة هي المسئولة عن الحد من الزيادة السكانية (على الرغم من أن هذه الحبوب قد تهدِّد صحتها)، أو مستحضرات التجميل الغربية التي تمثِّل غالبًا الخطوةَ الأولى في عملية متكاملة تُعرِّف المرأةَ على مفهوم معيَّن للجمال، وتنطوي على إيعازٍ ضمنيٍّ بضرورة استكمال بقية صورة الموضة (التي قد تشمل تجنُّبَ اكتساب مظهر التقدُّم في السن بنفس سرعة أمهاتهن)، وتعلُّم نمط السلوك المرتبط بهذا المظهر.14
تلعب الحركات الإسلامية في الشرق دورَ المقاومة المتصدية لهيمنة الأنماط الغربية المتعلِّقة بالسيطرة على المرأة، ويتم التعبير عن هذه المعارضة من خلال الدين، ومع هذه المعارضة يتم النظر إلى سياسات «الانفتاح» (أو الباب المفتوح) الاقتصادية؛ مثل التي اتبعها السادات في مصر، أو سياسات «الانغلاق» (أو الباب المغلق)، كتلك التي سبقت السادات تحت حكم عبد الناصر. على أنها تمهِّد الطريقَ الذي سينبني على أساسه شكلُ العلاقة بين الرجل والمرأة. وغنيٌّ عن الذكر أن سياسات الانفتاح قد رحَّبت بهياكل جنسانية نافَسَتِ الهياكل العربية، بينما صدَّت سياسات الانغلاق العديد من منظومات إخضاع المرأة. والأكيد أن أي هيكل جنساني في أي مجتمع، كما في الأمثلة التي طرحتُها سابقًا (دراسة صِدِّيقة عَرَبي في حالة ليبيا، ومخلوف في حالة اليمن)، سوف يتردَّد صداه في العلاقة بين الآباء والأبناء؛ فلا مفرَّ من معركة استعمار العقول، ولا شك كذلك أن أيَّ صورة من صور السيطرة يكون لها رد فعل. وقد يختلف رد الفعل هذا بالنسبة إلى الرجال والنساء في الشرق والغرب، ولكنهما يتشابهان في التضييق المحيط بتناول الجنسانية. ولكن إذا تأمَّلنا الأمر من بعيد، فسوف يتضح أن جزءًا من المنافسة القائمة بين الشرق والغرب يتمحور حول السيطرة على المرأة الشرقية، التي تلعب دورًا أساسيًّا في الحفاظ على استمرارية التقاليد الشرقية.15

يساعد التاريخ على فهم ديناميكيات المنافسة بين الرجال من الثقافات المختلفة. وقد كان أسلوب كناوس (١٩٨٧) قائمًا على دراسة السلطة الأبوية الجزائرية ومدى بقائها واستمراريتها على مدار أربع فترات؛ تمثَّلت في المجتمع الجزائري التقليدي، والمجتمع الحديث، والتقليدي الحديث، والثوري، والاشتراكي ما بعد الثوري. وكانت أنواع المعضلات وأنماط المقاومة والتكيُّف التي اتبعتها النساء تختلف وتتباين في شكلها ومعانيها مع كلٍّ من تلك المراحل. وهكذا نرى كيف أن التاريخ يفتح أمامنا نافذةً نرى من خلالها هذا الجزء من الشرق الأوسط المعاصر الذي أنتجته فترة ما قبل الاستعمار؛ إذ إن الدراسة التاريخية التي تتعمَّق وتعود إلى ما قبل الاستعمار الغربي للمنطقة، تتيح اختبار النظرية القائلة بأن اختلاط الثقافتين الشرقية والغربية طرَحَ نمطين من السلطة الأبوية على المرأة بدلًا من تحسين وضعها. كذلك فإن الدراسات الإثنوجرافية التي تتناول الماضي، أو الدراسات الإثنوجرافية المعاصرة التي تتناول مناطق لم تتعرَّض للاستعمار، تتيح لنا اختبار الفرضيات المتعلِّقة بالعالم العربي المعاصر والمُستعمَر.

ويعمل المؤرخون على استكشاف أسلوب الحياة في العالم الإسلامي فيما قبل الحداثة، الذي يختلف عن القوالب النمطية التقليدية، كما يتضح من إشارتي السالفة إلى دراسة كيدي. هذا علاوةً على مثال آخَر من دراسة لأبراهام ماركوس (١٩٨٥) الذي قام بدراسة سجلات محاكم حلب في سوريا في منتصف القرن الثامن عشر (كان تعداد سكانها يصل إلى ١٠٠ ألف نسمة)، والعاصمة الإدارية لولاية عثمانية شاسعة. كانت المحكمة الشرعية هي غرفة المقاصة الرسمية التي كانت تفصل في التعاملات المتعلِّقة بالأملاك، وكان الرجال والنساء من مختلف الطبقات والأحياء يلجَئُون إليها للتظلُّم. وقد توصَّلت الدراسة إلى نتيجة غير متوقَّعة بخصوص مكانة المرأة فيما يتعلَّق بملكية المنازل والمعاملات العقارية؛ حيث كانت العقارات أحد المجالات الاستثمارية المتاحة بدرجة أكبر بالنسبة إلى المرأة، ويبدو أنه لم يكن ثمة تعارضٌ بين مبدأ جمع الثروة والتأكيد على الفصل بين النساء والرجال. وتجبرنا هذه الدراسة التي أجراها ماركوس على إعادة التفكير في الفرضيات التي يقيمها الأساتذة المعاصرون حول ظواهر كالحداثة والنزعة التصنيعية؛ حيث إنها تؤثِّر على أدوار البشر والعلاقات فيما بينهم. وقد يكون السبب الوحيد لغرابة العلاقة بين الرجل والمرأة في حلب هو تبنِّينا فرضياتٍ معيَّنةً حول دور المرأة في المجتمعات الإسلامية (نيلسون وأولسن، ١٩٧٧)، ولكن يبدو أن الرجال والنساء في حلب القرن الثامن عشر لم يجدوا غضاضةً في التعامُل مع الأمور المتعلِّقة بالمعاملات العقارية والمالية والوقفية وما إلى ذلك. وفي هذا الإطار، سيكون من المفيد دراسة مدى تأثُّر تكوين رأس المال وإنتاجية المرأة بالاقتصاديات الثنائية في دول العالم الثالث بشكلٍ أعمَّ (بولدينج، ١٩٧٦؛ تاكر، ١٩٨٦).

الخلاصة: ضرورة التمييز بين الهويات

علينا دراسة الأيديولوجيات الجنسانية في إطارها الأكبر المتمثِّل في محاولات الأمم والمجتمعات الحفاظ على هوياتها في سياق التفاعل المتزايد فيما بينها، كما في حرب الولايات المتحدة على أفغانستان، وذلك إنْ كنَّا نريد فهْمَ عقائد إخضاع المرأة في المنظومات الديناميكية للسلطة الأبوية. وباختصار، يمكن النظر إلى مسألة إخضاع المرأة باعتبارها محاولاتٍ للحفاظ على السلطة المعنوية في الأمم التي يتزايد عليها استشعارُ الخطر في ظلِّ تطوُّرات علاقات القوة الدولية. وفي هذا السياق نجد أن نشأة الأيديولوجيات الجنسانية لا تكون مجرد نتيجة للنقاش الداخلي حول عدم المساواة بين الرجل والمرأة في مجتمع معيَّن، ولكنها نتيجة كذلك للنقاشات بين الأيديولوجيات السائدة في مجتمعات مختلفة؛ إذ إن الترتيبات التي تأخذها أشكال العلاقات بين الجنسين هي منظومات متكاملة معقَّدة يمكن ربطها بالفروق العامة «بيننا وبين الآخَر». كانت روث بيندكت (١٩٣٤) هي عالمة الأنثروبولوجيا الأولى التي تطرح فكرة أن الفروق بين «مجموعتنا» و«الآخرين» قد عزَّزت السلطة المعنوية داخل المجموعة، واليومَ تكتسب فكرتُها دلالةً جديدة في عمل سعيد الذي يطرح فيه فكرة أن الغربيين قد أقاموا العالم الإسلامي من أجل أغراضهم الخاصة، إلا أن أعمال سعيد ينقصها تحليلُ الطريقة التي تتلاءم بها الصور المأخوذة عن العلاقات بين الجنسين مع المنظور الغربي للعالم الإسلامي، أو الطرق التي يُكوِّن بها العالم العربي الإسلامي رؤاه حول الغرب. وتكتسب هذه المسائل أهميةً جوهريةً حين نتناول تفسيرات «الآخَر» بهدف فهم الهياكل المتغيِّرة للتبعية الاقتصادية والسياسية، والاعتماد المتبادَل بين الجانبين الاقتصادي والسياسي.

ومن أهم التحديات التي تواجِه الدراسات المعنِيَّة بالتفسير الثقافي للهُوية الجنسانية، العجزُ عن أخذ التغيُّرات التي تَستَجِدُّ على الأيديولوجيات الجنسانية في الاعتبار. والتحليل الثقافي للجنسانية يؤدِّي أحيانًا إلى رسم صور جامدة لا تقلُّ في حتميتها عن التفسيرات البيولوجية لأدوار الرجل/المرأة في المجتمع. وتشير ساندي إلى أن «المنطق الذي تقوم عليه مخطَّطاتُ أدوار الجنسين ينتقل من جيلٍ إلى التالي دون تغيير يُذكَر» (١٩٨١: ١٥)، ما لم يطرأ اختلال شديد على البيئة الاجتماعية والاقتصادية. وبالرغم من اتساع نطاق التأثير الأمريكي والأوروبي الغربي على بقية العالم، يوجد القليل من الأماكن التي لم تتبدَّل فيها أدوار الجنسين تبدُّلًا جذريًّا نتيجةً للتغيُّر الاقتصادي والسياسي، ولكن لا شك أن الشرق الأوسط كان شريكًا في التغيُّر من جرَّاء الارتباط بينه وبين الغرب.

وإنني أقول من خلال هذا الفصل إن الأسلوبَيْن التاريخي والمُقارَن في الدراسة مفيدان في إلقاء الضوء على عملياتٍ كانت ستظل في الخفاء لولاهما، عمليات تكبت المعرفة وتكبح الأنشطة. فمثلًا استراتيجيات المقاوَمة ليست نسويَّة في الأصل، بل ترتبط ارتباطًا مباشِرًا بشكل هيكل السلطة الذكورية. وعند تحليل أوضاع المرأة في كلٍّ من المجتمعَيْن الأبويَّيْن الغربي والعربي في إطار مناقشة عامة، وعند دراستها من خلال وضع بعضها إلى جوار بعض وإلى جوار الحركات الاقتصادية العالمية، يتضح مدى ارتباط أشكال السيطرة الذكورية بأنماط المنافسة الذكورية (بين الشرق والغرب مثلًا)، ويتضح معنى المنظور القائل بأنه نظرًا لمرتبة المرأة في المجتمع بوصفها راعيةً للأسرة، فهي تُعَدُّ ذات أهمية جوهرية بالنسبة إلى أنظمة السيطرة المحلية الأكبر.

في الغرب أقامت الحكومات ومؤسسات الأعمال نوعًا من الهيمنة الثقافية ورسَّختها ونشرتها بين شعوبها، ونقلتها إلى العالم العربي عن طريق وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والتنموية؛ أما في الشرق، فطالما كانت النزعة القومية وبعدها النزعة الدينية عنصرين قويَّيْن في التأصيل للهيمنة الجنسانية، وكذلك في جهود التصدِّي لهذه الهيمنة. وتترك القوى المحرِّكة للعمليتين المرأةَ غارقةً في دوامة. ويؤدِّي العزوف عن مناقشة كلا النظامين في إطار عملية تفاعلية عامة، إلى التحيُّز ضد العالم العربي نتيجةً للطريقة التي نُكوِّن بها فكرتُنا عن أسلوب معاملتهم للمرأة. وفي نفس الوقت، فإن نظرةَ التقدُّم المتنامي التي يرى بها الغرب أوضاعَه — ويرضى عن نفسه في ضوئها — مترسِّخةٌ ودائمة، وهو ما يعمل على تحويل الانتباه عن الآليات المتنوعة لبسط السيطرة الجنسانية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

إن صورة المرأة في المجتمعات الأخرى تعزِّز تقاليد إخضاع المرأة وتبعيتها في مجتمع المرء نفسه. أيضًا من المحتمل أنه حدث تراجع لسلطة المرأة بشكل عام مع صعود الدول المركزية وتطوُّر منظومات متعددة لإخضاع المرأة؛ هذا علاوةً على الدعمِ القوي لظهور أنظمة متعدِّدة لإخضاع المرأة في منطقة واحدة مما يُفاقِم وضْعَ المرأة، والظهورِ المتزامن لعمليات نقد أوضاع إخضاع المرأة نقدًا قويًّا متزايدًا، على النحو الذي يعبِّر عنه الرجال والنساء من المجتمع الآخَر. وهنا تظهر المقاومة في صورة التزامن بين نقد الثقافة الأصلية وبين أحد أشكال الدفاع عن حقوق المرأة من منظور غربي.

وإذا كانت آليات الإخضاع موجودةً في برامج الدعم التنموي والنظرة التفاؤلية القصيرة المدى في الغرب، وفي الأصولية الدينية في الشرق، إذن فإن الوسيلة الأكاديمية والأنثروبولوجية التي تتيح اتِّباع منهجٍ متخفِّفٍ من ثقل شبكات التسريب الاستشراقية أو الاستغرابية، تتمثَّل في تغيير أسلوب التفكير في المرأة، وفي تضمُّنِ الدراسات الجنسانية لتصوُّرٍ تاريخيٍّ مقارَن مُهيَّأ لاختبار صحة الفرضيات.

إلى حدٍّ ما، تساعِد النظرية الثقافية — وخصوصًا نظرية الهيمنة — على فهم كيف تعمل منظومات معينة من الأفكار باعتبارها أداةَ سيطرةٍ، وكيف تبدو هذه المنظومات بديهيةً بالنسبة إلى مصالح مجموعة معينة. وكما أثبتت آليةُ «الدراسة المقارَنة الداخلية» فعاليتَها في فهم ترتيبات العلاقات بين الجنسين داخل المجتمعات (بما فيها سلطة المرأة)، ينبغي علينا كذلك الاهتمام بدرجةٍ أعلى بكيفية تنظيم أنساق معقَّدة كاملة من العلاقات بين الرجال والنساء في إطار الدراسة المقارنة ما بين مجتمعات العالم الأول ومجتمعات العالم الثالث، في سبيل إلقاء الضوء على وسائل السيطرة المتأصِّلة في استراتيجيات استعلاء المكانة.16

شكر وتقدير

الفصل الرابع يحتوي على مادة مقتبسة من كتاب «النبض الإسلامي» لباربرا فراير ستواسر، مركز جامعة جورج تاون للدراسات العربية المعاصرة، حقوق النشر عام ١٩٨٧م.

مراجع

  • Abu-Lughod, Lila (1986) Veiled Sentiments: Honor and Poetry in a Bedouin Society. Berkeley, Los Angeles, London: University of California Press.
  • Altorki, Soraya (1986) Women in Saudi Arabia: Ideology and Behavior among the Elite. New York: Columbia University Press.
  • Arebi, Saddeka (1984) Powerful Mothers, Powerless Daughters: Libyan Women and the Bitter Fruits of Change. Unpublished paper, Department of Anthropology, UC Berkeley.
  • Benedict, Ruth (1934) Patterns of Culture. Boston and New York: Houghton Mifflin.
  • Beneria, Lourdes and Gita Sen (1981) Accumulation, Reproduction, and Women’s Role in Economic Development: Boserup Revisited. Signs: Journal of Women in Culture and Society, 7, no. 2, pp. 279–298.
  • Berger, Peter. L., Brigitte Berger, and Hansfried Kellner (1973) The Homeless Mind: Modernization and Consciousness. New York: Vintage Books.
  • Boserup, Ester (1980) Women’s Role in Economic Development. New York: St. Martin’s Press.
  • Boulding, Elise (1976) Dualism and Productivity: An Examination of the Economic Roles of Women in Societies in Transition. Paper presented at the Conference on Economic Development and Income Distribution, Estes Park, Colorado, April 23-24.
  • Bullough, Vern (1973) The Subordinate Sex. Baltimore: Penguin Books.
  • Chaney, Elsa, M. and Marianne Schmink (1976) “Women and Modernization: Access to Tools.” In Sex and Class in Latin America, J. Nash and I. Safa, eds. New York: Praeger Publishers, pp. 160–182.
  • Coburn, Karen and Madge L. Treeber (1988) Letting Go: A Parents’ Guide to Today’s College Experience. Bethesda: Adler and Adler Publ.
  • Collier, Jane (1986) From Mary to Modern Woman: The Material Basis of Marianismo and its Transformation in a Spanish Village. American Ethnologist, 13, no. 1, pp. 100–107.
  • Dangler, Sue (1976) The Poor Rural Woman and Western Development Plans. A Perspective Paper submitted to Asian Studies, University of the Philippines.
  • Diamond, Stanley (1974) In Search of the Primitive. New Brunswick, NJ: Transaction Books.
  • El-Guindi, Fadwa (1981) Veiling Infitah with Muslim Ethic: Egypt’s Contemporary Islamic Movement. Social Problems, 29, no. 4, pp. 465–485.
  • Ervin-Tripp, S., M. O. O’Connor and J. Rosenberg (1984) Language and Power in the Family. In Language and Power, C. Kramarae, M. Schultz and W. M. O’Barr, eds. New York: Sage Publications, pp. 116–135.
  • Etienne, Mona and Eleanor Leacock, (eds) (1980) Women and Colonization: Anthropological Perspectives. New York: Praeger.
  • Fanon, Frantz (1963) The Wretched of the Earth, New York: Grove Press.
  • Fanon, Frantz (1967) A Dying Colonialism, New York: Grove Press.
  • Foucault, Michel (1972) The Archaeology of Knowledge, trans. A. M. Sheridan. New York: Pantheon Books.
  • Foucault, Michel (1978) The History of Sexuality, Volume I: An Introduction, translated by Robert Hurley. New York: Vintage Book Edition.
  • Ghani, Ashraf (n.d.) Order and Conflict: Consolidation of Power through Law: Afghanistan 1880–1901. Unpublished manuscript.
  • Goody, Jack (1983) The Development of the Family and Marriage in Europe. London and New York: Cambridge University Press.
  • Gramsci, Antonio (1971) Selections from the Prison Notebook, Quinton Hoare and Geoffrey Nowell-Smith (eds). New York: International Publishers.
  • Guichard, Pierre (1977) Structures sociales “occidentales” et “orientales” dans l’Espagne musulmane. [“Occidental” and “oriental” social structures in Muslim Spain] Paris-La Haye: Mouton.
  • Hochschild, Arlie (1989) The Second Shift, New York: Viking Publications.
  • Jansen, Willy (1987) Women without Men: Gender and Marginality in an Algerian Town. Leiden: E. J. Brill.
  • Johnson, Miriam M. (1988) Strong Mothers, Weak Wives: The Search for Gender Equality. Berkeley: University of California Press.
  • Joseph, Suad (1982) The Mobilization of Iraqi Women into the Wage Labor Force. Studies in Third World Societies, no. 16, pp. 69–96.
  • Keddie, Nikki R. (1979) Problems in the Study of Middle Eastern Women. The International Journal of Middle Eastern Studies, 10, no. 2, pp. 225–240.
  • Knauss, Peter R. (1987) The Persistence of Patriarchy: Class, Gender and Ideology in Twentieth Century Algeria. New York: Praeger.
  • Knudsen, Dean (1969) The Declining Status of Women: Popular Myths and the Failure of Functionalist Thought. Social Forces, 48, no. 2, pp. 183–193.
  • Low, Natalie (1984) Mother-Daughter Relationships: The Lasting Ties. Radcliffe Quarterly, December, pp. 1–4.
  • Mahdi, M. (1977) Foreword. In Middle Eastern Muslim Women Speak, Elizabeth W. Fernea and Basima Q. Bezirgan, eds. Austin: University of Texas Press, p. xi.
  • Makhlouf, Carla (1979) Changing Veils: Women and Modernization in North Yemen. Austin: University of Texas Press.
  • Marcus, Abraham (1985) Real Property and Society in the Premodern Middle East: A Case Study. In Property, Social Structure and Law in the Modern Middle East, Ann Elizabeth Mayer, ed. Albany: State University of New York Press, pp. 109–128.
  • Marcus, George and Michael M. J. Fischer (1986) Anthropology as Cultural Critique: An Experimental Moment in Human Sciences. Chicago: University of Chicago Press.
  • Massell, Gregory (1968) Law as an Instrument of Revolutionary Change in a Traditional Milieu: The Case of Soviet Central Asia. Law and Society Review, 2, no. 2, pp. 179–228.
  • Mead, Margaret (1926) Sex and Temperament in Three Primitive Societies. New York: W. Morrow and Company
  • Naddaf, Sandra (1986) Mirrored Images: Rifa’ah al Tahtawi and the West: Introduction and Translation. Alif, Journal of Comparative Poetics, 6, Spring, pp. 73–83.
  • Nader, Laura (1987) The Subordination of Women in Comparative Perspective. Urban Anthropology, 15, no. 3-4, pp. 377–397.
  • Nader, Laura (1994) Comparative Consciousness. In Assessing Cultural Anthropology, Bob Borofsky, ed. New York: McGraw Hill, pp. 84–96.
  • Nash, June and María Patricia Fernández-Kelly (1983) Women, Men and the International Division of Labor. Albany: State University of New York Press.
  • Nelson, Cynthia (1974) Public and Private Politics: Women in the Middle Eastern World. American Ethnologist, 1, no. 3, 551–563
  • Nelson, Cynthia and Virginia Olesen (1977) Veil of Illusion: A Critique of the Concept of Equality in Western Thought. Catalyst, 10-11, pp. 8–36.
  • Ong, Aihwa (1987), Spirits of Resistance and Capitalist Discipline: Factory Women in Malaysia. Albany: State University of New York Press.
  • Pastner, C. (1978) Englishmen in Arabia: Encounters with Middle Eastern Women. Signs: Journal of Women in Culture and Society, 4, no. 2, 309–323.
  • Rahnema, Majid (1986) Under the Banner of Development. Development, 1, no. 2, 37–46.
  • Rassam, Amal (1983) Political Ideology and Social Legislation: Women and Modernization in Iraq. Graduate Center in Queens College, CUNY, New York.
  • Rassam, Amal (n.d.) Toward a Theoretical Framework for the Study of Women in the Arab World. Unpublished manuscript.
  • Rattray, R. S. (1955) Ashanti. London: Oxford University Press.
  • Reiter, Rayna. R. (1975) Introduction. In Toward an Anthropology of Women, Rayna Reiter, ed. New York and London: Monthly Review Press.
  • Rihani, May (1978) Development as if Women Mattered: An Annotated Bibliography with a Third World Focus. Overseas Development Council, Occasional Paper No. 10. Washington, DC: New TransCentury Foundation.
  • Rogers, Barbara (1980) The Domestication of Women: Discrimination in Developing Societies. London and New York: Tavistock Publications.
  • Rugh, Andrea B. (1984) The Family in Contemporary Egypt. Syracuse, NY: Syracuse University Press.
  • Said, Edward (1978) Orientalism. New York: Vintage Books.
  • Salama, Ghassan (1981) Aseb Al-Istishrag [The Essence of Orientalism]. Almustagbal El-Arabi, no. 23, January, pp. 4–22.
  • Sanday, Peggy (1981) Female Power and Male Dominance: On the Origins of Sexual Inequality. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Sarri, Rosemary (1985) World Feminization of Poverty. Report prepared for the University of Michigan’s School of Social Work.
  • Scheper-Hughes, N. (1985) Culture, Scarcity and Maternal Thinking: Maternal Detachment and Infant Survival in a Brazilian Shantytown. Ethos, 13 no. 4, pp. 291–317.
  • Scott, E., S. Ervin-Tripp, and E. Colson (1970) Report of the Subcommittee on the Status of Academic Women on the Berkeley Campus. University of California, Berkeley. Available at http://www.eric.ed.gov/ERICWebPortal/search/detailmini.jsp?_nfpb=true&_&ERICExtSearch_SearchValue_0=ED042413&ERICExtSearch_SearchType_0=no&accno=ED042413 (accessed April 12, 2012).
  • Scott, Hilda (1984) Working Your Way to the Bottom: The Feminization of Poverty. London and Boston: Pandora Press.
  • Sen, Gita (1984) Subordination and Sexual Control: A Comparative View of the Control of Women. Review of Radical Political Economics, 16, no. 1, 133–142.
  • Smart, Barry (1986) The Politics of Truth and the Problem of Hegemony. In Foucault: A Critical Reader. David Couzenshoy, ed. New York: Basil Blackwell, pp. 157–174.
  • Stowasser, Barbara F. (1987a) The Islamic Impulse. London: Croom Helm.
  • Stowasser, Barbara F. (1987b) Religious Ideology, Women, and the Family: The Islamic Paradigm. In The Islamic Impulse, Barabara Stowasser, ed. London: Croom Helm, pp. 262–296.
  • Tinker, Irene (1976) The Adverse Impact of Development on Women. In Women and World Development, Irene Tinker and M. Bo Bramsen, eds. Overseas Development Council, Washington, DC, pp. 22–34.
  • Tucker, Judith (1986) Women in Nineteenth Century Egypt. Cairo: American University of Cairo Press.
  • Wolf, Eric (1982) Europe and the People without History. Berkeley, Los Angeles and London: University of California Press.

قراءات إضافية

  • de Beauvoir, Simone (1953) The Second Sex. New York: Alfred Knopf Publisher.
  • Ortner, Sherry (1974) Is Female to Male as Nature is to Culture? In Woman, Culture and Society, Michelle Z. Rosaldo and Louise Lamphere, eds. Stanford, CA: Stanford University Press, pp. 68–87.

هوامش

(1) Throughout the text, I use dogma advisedly, to highlight the problem of meaning in such descriptions as “male dominance” or “female subordination.” These are often used as articles of faith, assumed but not examined. For an attempt to explicate different types of “male dominance,” see Peggy Sanday’s Female Power and Male Dominance (1981). As Foucault (1978: 93) points out, power “is not an institution, and not a structure: neither is it a certain strength we are endowed with; it is the name that one attributes to a complex strategical relationship in a particular society.”
(2) The differences between orientalism and occidentalism were brought to my attention through a fruitful discussion with my graduate student Saddeka Arebi of texts that were written in Arabic on the West. In this context it is instructive to refer to Eric Wolf’s Europe and the People without History. Wolf argues (1982: 6-7) that the categories of East and West encourage us to create false models of reality. However, the indigenous peoples of the East and the West use these two categories as folk categories that describe “the other.”
(3) While this is generally true, some think that Boserup’s study advocates policy prescriptions no different from those of development agencies (see, for example, Beneria and Sen, 1981).
(4) See also the discussion of this same point in Chapter 2, pp. 24–50.
(5) The male bias in ethnographic reporting is being documented. See for example, Nelson (1974), Pastner (1978), and also Rattray (1955: 84: quoted in Rogers, 1980: 145). When Rattray’s informants commented that they did not stress the role of women to the anthropologists because “the white man never asked us this; you have dealings with and recognize only men, we supposed the Europeans considered women of no account and we know you do not recognize them as we have always done!”
(6) See for example, Bullough (1973: especially pages 134-135). Stereotypes, by definition, may carry part truths or no truths. These areas of seeming contrast are based on the assumption that veiling, the cult of virginity, forced marriage, clitoridectomy and polygyny are characteristically “Islamic.” These institutions predate Islam as Herodotus reported in the fifth century BC, and cross-cultural research reveals that they are known to different religions and cultures in Latin America, India, sub-Saharan Africa, Sri Lanka and Europe.
(7) An exhibition in the College Library at Harvard University arranged by Alice C. Deyab in 1988 reported that women in the Arab world had published their own magazines for almost 100 years and these magazines then numbered over 300. In contrast to the owners of Western women’s magazines, who were predominantly male, some 95% of those who owned, published, edited and wrote Arab women’s magazines were female (Harvard University Library Notes, March 24, 1988).
(8) The fact that women constitute the majority of the poor and impoverished is evident enough in American culture (see, e.g., Scott, 1984). In the Third World the same is true (see e.g., Sarri, 1985). Sarri discloses that, while women comprise more than half the world’s population, they own less than 1% of its property and earn only 10% of its income.
(9) See Diamond (1974) for a discussion of the notion of progress as inherent in Western civilization.
(10) See also Hochschild (1989) for an analysis of the double shift problem for American women wage workers.
(11) See also Ervin-Tripp et al., 1984.
(12) See Johnson (1988) for a discussion of the dynamics of these two roles in American culture.
(13) See for example, Ashraf Ghani, Order and Conflict: Consolidation of Power through Law: Afghanistan 1880–1901. Unpublished manuscript.
(14) Jane Collier (1986) provides an example of how fashion enters in to control even the anthropologist’s observation of what is beautiful.
(15) Fanon’s A Dying Colonialism (1967) illustrates how the French colonialists planned and based their strategies and tactics in Algeria on this conception of women as a key to culture.
(16) For an example of positional superiority, see the front page article in the San Francisco Chronicle, June 27, 1988, “Women Called Poor, Pregnant and Powerless.” In worldwide studies of the status of women, Western categories of wage, numbers of children and levels of schooling, show Western societies are among the top dozen societies, while, not surprisingly, the women of Muslim societies are found at the bottom of a ladder that looks very much like a nineteenth century unilineal model of social evolution.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤