تغريدة

يا من سَطَا سَيْفَهَا الماضِي على كَبِدِي
ما من خَلَاقِيَ أَنْ أَشْكُو إلى أحَدِ
أَعَارَكِ السِّحْرُ ما أُوليهِ من رَهَبٍ
وَضَمَّك الحُسْنُ ضَمَّ الرُّوحِ للجَسَدِ
يا دُرةً سَحَرَتْ عيني محاسِنُهَا
وضاعَ مِنْ وَلَهِي في حبِّهَا رَشَدِي
أتذكرين الليالِي السالفاتِ لَنا
وليلةً لستُ أنساها إلى الأبَدِ؟
مَرَّتْ كطيفِ منامٍ كَمْ صَبَوْتُ إلى
دَوَامِهِ غَيْرَ أَنَّ الدَّهْرَ لم يُرِدِ
شَرِبْتُ فيها كؤوسَ الحُبِّ صافيةً
ونلتُ غايةَ آمالِي يدًا بِيَدِ
فَنَّانُ وَجْهِكَ هَنَّتْنِي محاسِنُهُ
وحُلْوُ ثَغْرِكِ عنِّي غيرُ مُبَتَعِدِ
ملأتُ عينيَّ بالحُسْنِ البديعِ وَقَدْ
أَسْلَمْتُ لِلهِ أمرِي في مصيرِ غَدِي
خلوتُ رَغْمَ العُيونِ الراصداتِ لنا
وبت لا عذلا أَخْشَاه من أَحَدِ
تَهمُّ نَفْسِيَ فيما فِيهِ لَذَّتُهَا
لا شَكَّ فيه رضاءُ الواحدِ الصَّمَدِ
طهارةُ الحُبِّ تسمو بالنُّفوسِ إلى
عوالِمِ الرُّوح بين الشَّمْسِ وَالْأسَدِ
أَهْدَى الجمالُ إلى عينيكِ بَهْجَتَهُ
وأوْدَعَ الجفنَ ما أوْهَى بِهِ جَلَدِي
وزاد حُسْنَكِ نورُ البَدْرِ حِينَ بَدَا
فأشعل النارَ في قلبي وفي كَبِدِي!
تَبَسَّمَ الوردُ في خَدَّيْكِ فانتعشتْ
أزاهرُ الرَّوْضِ في أثوابها الجُدُدِ
وكان طيفُ المُنَى بالبِشْرِ مُبْتَسِمًا
ترنو إليه نجومُ اللَّيْلِ من صَعَدِ
تناثر الدُّرُّ واجتازت غوالِيَهُ
حصنَ العقيقيْنِ عن صَفَّيْنِ من بَرَدِ
دارت أحاديثُ شَوْقٍ بيننا فَسَرَتْ
كأنها نغماتُ الطائِرِ الغَرِدِ
سِحْرٌ تَمَلَّكَ قلبِي فانْشَغَلْتُ بِهِ
عن ألْسُنِ الْعَذْلِ أو عَنْ أَعْيُنِ الحَسَدِ
سِرٌّ سَرَى في دِمَائِي فانْصَرَفْتُ به
عن عالَمِ الأرضِ أو عَنْ مَطْمَعِ الْجَسَدِ!
عيناكِ قد كاشَفَتْ قلبي بِغَايَتِهَا
وَوِرْدُكِ العذبُ لم يَبْخَلْ بِرِيِّ صَدِي
ناجَيْتُ حَتَّى لمحتُ اللَّحْظَ حَنَّ إلى
نجوايَ فيه حنينَ الحُلْمِ والرَّشَدِ
نَجْوَى يُسَعِّرُهَا ما بينْنا غَزَلٌ
ولو أرَدْنَا سِوَى هَذَيْنِ لم نَجِدِ
ما كنتُ أعلمُ أَنَّ الحُبَّ يفْتِكُ بِي
ما بين مُنْسَجِمٍ مِنِّي وَمُتَّقِدِ
حنينُ قَلْبِكِ للشَّكْوَى أباح دَمِي
وَرَوْعَةُ المَوْتِ أَدْنَى مِنْ فمٍ ليَدِ
يشكو الفؤادُ على آثارها لَهَفًا
حَتَّى ينادِيه صوتٌ: قِفْ ولا تَزِدِ!
يقول للقلب: إِنَّ الحبَّ أَشْرَفُهُ
ما جَرَّدَ النَّفْسَ من طُهرٍ عن الرَّغَدِ
صَوْتٌ هو الطُّهْرُ في نورِ العفافِ بَدَا
والطُّهْرُ خَيْرُ صفاتِ النَّفْسِ والْجَسَدِ
سلامَةُ النَّفْسِ من رجسٍ يُدَنِّسُهَا
كنزٌ يدوم لمن وفّى إلى الأبَدِ
واللَّهْوُ كالشَّهْدِ حلوٌ في مَذَاقَتِهِ
وأَيُّ سُمٍّ ثَوَي في ذلكَ الشَّهَدِ
أَرَى بوجهكِ بَدْرًا جَلَّ صانِعُهُ
لو حَلَّ بالأُفْقِ لَمْ يُظْلِمْ عَلَى أَحَدِ!
أقْصَيْتُ نفسيَ عن وِرْدٍ ظمئتُ بِهِ
حِينًا وكم حاربتْنِي النَّفْسُ من كَمَدِ
وإنْ نأيْتُ بجِسْمِي عن جناكِ فَقَدْ
تركتُ عندكِ قَلبًا غيرَ مُبْتَعِدِ
وَشَتْ دموعِي بحُبٍّ كنتُ أكْتُمُهُ
وكلَّمَا رُمْتُ إخفاءَ الهوَى تَزِد
ما أعْجَبَ الحُبَّ يدعوني إلى تَلَفِي
فأرتضِي لوعةً قد مَزَّقَتْ كَبِدِي
يا ربَّةَ الحُسْنِ كوني لِلْوَفَا مَثَلًا
فالقلبُ آمالهُ دَوْمًا لقاء غَدِ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤