الفصل الرابع

المنظر الأول

(طريق النهر)

(تدخل ليرا بملابس سوداء وعلى رأسها القبعة متأهبة للسفر)

ليرا : أخشى أن يفوتني القطار، ومسز ليزلي في انتظاري. لماذا لم يحضر جرفث، وقد وعدني ألا يتأخر؟ (تتأمل) كفاني أيها الدهر، أصبحت خيالا. (تبكي) مات أبي، نعم قضي من كان يحيا من أجلي. أيتها السماء، أمطري قبره غيوث رحمتك، ومري ملائكة الرحمة أن تبارك جسده الطاهر. (تبكي) أيها الوالد الشهيد، إن ابنتك قامت بالواجب عليها، ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان. فلا تلعني، واشفق علي لقد قبلت بغير علم منك، وذهبت معه إلى الهيكل بدون مشورتك. نعم هذا عقوق. إني لم أحترم أبوتك التي أقدسها، ولكني كنت مرغمة. ولو علمت السبب لغفرت لي ذنبي. (تبكي) ترى أين ذهب ذلك الوحش المفترس، إنه كان يحسبني أبيع شرفي. لذلك أبى أن يسلمني المال الذي تعاهدنا عليه حين علم بموت أبي المسكين. إنه لنذل دنيء.
جرفث (يدخل ومعه حقيبة السفر) : ألا تزالين مصممة على السفر؟
ليرا : نعم وأشعر أن فيه سعادتي.
جرفث (يمسك يدها ويضع الحقيبة على الأرض) : ليرا، يحزنني جدًا أن أراك تقذفين بنفسك بين أمواج عالم لم تتعوديه من قبل. وكيف تظنين أن هناك السعادة، وشيطان الشر كثير الجنود؟ ليرا، أنعمي النظر جيدًا في خادمك الأمين، ولا يربك منه شعره الأبيض. هاهو لا يزال أمامك يشعر أن قوة شبابه تعاوده، ويخيل اليه أن ما أصابه من البلاء بموت أبيك وضياع الكوخ …
ليرا (تقاطعه) : نعم لقد خسرنا كل شيء. (تبكي).
جرفث (يستطرد) : كل ذلك طرد عني ضعف الشيخوخة، وأرجع إلي شرخ الصبا وفتوة الشباب، حتى أراني الآن أنافس ابن العشرين جلدًا على العمل. فلماذا لا تثقين بقوة ساعدي، وقد أوقفت حياتي على خدمتك منذ نعومة أظفارك يا ليرا؟ أنسيت أن شخص أمك وروح أبيك يتمثلان الآن في شخصي أنا؟ فلم تطوحين بغضِّ شبابك اليانع بين براثن ذلك الدهر القَّلب؟ أما تخشين ما عساه يخبئه لك القدر؟ إرجعي إلى صوابك، يا ٱبنتي، واختاري البقاء معي في كوخنا الحقير.
ليرا : في كوخنا الحقير؟ هل أرجعه لنا دجارفن بعد أن سلبه منا أمس؟
جرفث : لقد تنازل لي عن ايجار الغرفة التي كنت أتخذها مخدعًا لي.
ليرا : أما تعلم أنَّ هذا التنازل في نظير حراستك أملاكه الجديدة؟ (تبكي).
جرفث : إِن هذا يقطع كبدي. فهوني عليك، وأخبريني علام عولت، إذًا. ألا تزالين على عزمك؟
ليرا : هذا لا شك فيه. سأذهب حالا إلى برنستابل، ومنها إلى لندن لأقابل صاحبة العنوان مسز لزلي، وإني لأظنها ربة قصر تروز.
جرفث : نعم إنها رئيسة حاشية القصر، وهي المكلفة من قبل الليدي بانتخاب الوصيفة.
ليرا : حسنًا إنهم يريدون فتاة يتيمة (تبكي) تحسن القراءة ومن أسرة شريفة، تعيش في القصر لغير أجل محدود. وقد توفرت فيَّ كل هذه الشروط، وقلما تتوفر في سواى، لذلك أراني مطمئنة لهذه الوظيفة الجديدة.
جرفث : إنك هكذا يا ليرا، فعلى الطائر الميمون يا ابنتي العزيزة، واذكرى أنك تركت شيخًا أحنى ظهره الكبر، وأضعف بصره الهرم، حملك طفلة بين ذراعيه، وكان يحنو عليك حنو الأم، ويرضعك لبان الأدب، حتى نشأت مثال الطهارة والعفة، وساعده على ذلك أنك سليلة النبل والشرف (يبكي). تذكري هذا الهيكل الفاني يا ليرا، وإذا ما واتتك لحظة يمكنك فيها أن تكتبي فلا تدعيها تمر عبثًا، وإذا شعرت بوحشة فأسرعى بالعودة إليَّ لأفتح لك ذراعى وأضمك إلى قلب يتقطع لفراقك، ولأستنفد آخر نقطة من دمى في الذود عنك، باذلاً قصارى ما وهبني ربي من القوة في حمايتك من غائلة الفاقة يا ليرا، لا زالت لدى القوة الكافية لكسب ما يطرد عنا ألم الجوع، فلم العجلة؟ أما كان يجدر بك انتظارى حتى أوارى لحدي؟ وما ذلك اليوم ببعيد، إذ ذاك أموت قرير العين وأرقد هادىء البال.
ليرا (تبكي) : إنك تقطع أحشائي بتوسلاتك المرة، ولكن فات الأوان؛ إني فقدت كل شيء، أصبحت لا أجد مخلوقًا يحنو علي سواك، ولما كانت راحتك غاية مناى، فقد آليت على نفسي الشقاء والعمل، فابق أنت، واعلم أني أسعى ليعيش كلانا آمنًا على نفسه من الفقر. جرفث! هون عليك أمر فراقي، وثق أني لن أنساك ولن أتناساك، يا من أضعت زهرة حياتك في الدفاع عن عفتي وشرفي؛ إني أعترف لك بالفضل، وأشكر لك حسن الصنيع؛ ولما كنت آخر مخلوق له عليَّ حق التصرف، وله وحده ميزة الرعاية، فها أنا ذا لا أخطو خطوة واحدة إلا بأمر منك، وإني لا زلت ربيبتك المطيعة.
جرفث (يبكي) : إني لا أحب أن أكون حائلا بينك وبين السعادة، فما دمت تشعرين بالهناء لسفرك هذا، فإني ألزم الصبر مرغمًا، وأوصيك خيرًا بشخصك المحبوب وبشيخوختي الفانية.
ليرا : كن مطمئنًا فإني سأجعل طريق المراسلة مفتوحة بيننا ولن أوصدها ما دمت أنسم هواء الحياة، وسأبعث لك بكل مرتبي الشهري لتقتصده عندك، حتى إذا اضطرتني الحياة أن أهجر لندن عدت إليك فنعيش ما بقي لنا من العمر آمنين طوارئ الدهر.
جرفث : آه يا ليرا، إنك طيبة القلب (يبكي) إلهي! أقدرت لي أن أراها ثانية!
ليرا : هديء من روعك، فالحياة كلها شقاء. وأخبرني، هل أصبت الشقي حين أطلقت النار عليه؟
جرفث : أي شقي؟ نعم، تذكرت: دي جوفرى بارل المعتوه، أليس كذلك؟
ليرا : نعم، هذا الوحش المفترس.
جرفث : كلا، إنه نجا بأعجوبة، ذلك لأنه توارى عن نظرى بين ملتف أغصان الغابة فأخطأته، ولكني أعدك أنه هالك من يدي متى وقع بصري عليه، وسأتتبع آثاره ولو تعلق بأهداب الرياح، إنه جني علينا جناية ما أظنها تغتفر؛ ذلك لأنه كان السبب في موت أبيك، لأن ذهابك معه إلى كنيسة القديس مرقس كان شؤمًا على سيدي، إذ ظن ما لا أحب أن أطلعك عليه.
ليرا : أبي ظن بي السوء؟ (تبكي).
جرفث : ومع هذا، أخذت أبرهن له جهد مستطاعي، فلم أفلح. (يبكي) مسكين لقد قتله بارل باختطافك من يده وهو على فراش النزع. أنظري ياابنتي، كيف مات أبوك وهو يتوسل إلي أن أنقذ عفتك من الضياع.
ليرا : أبي! (يحزن) أشهد الله أني طاهرة بريئة. نعم، نم هادئًا، وستعلم في قبرك أن ابتك دافعت عن نفسها أحسن دفاع. (تبكي) إنه غشني وكفى. فاترك لله عقابه.
جرفث : إني حتى الآن لم أعلم شيئًا عن هذا السر الذي أخفيته عني فهل لك أن تطلعيني عليه حتي يستريح ضميري؟
ليرا : أه، ياجرفث. لست أستطيع ولساني لا يجسر أن يفوه بكلمة. وكفاني تعذيبًا ولكن اطمئن فسأجعل اعترافي لك على لسان الرسائل. والآن أخاف أن يفوتني القطار، فأستودعك الله؟
جرفث : رغم تبكيت ضميرى سأنتظر.
ليرا : وداعًا يا جرفث. وستراني إن شاء الله بارة وفية.
جرفث (يضمها إلى صدره ويقبلها بحرارة) : إلى الملتقى يا ليرا. تجلدي ياابنتي. واعتقدي أن الله سيتكفل بحراستك بعينه التي لا تنام. فلن تصل إليك يد الشر، مهما كانت قوية. ليرا! سأعود إلى غرفتي فأوصد عليَّ بابها، وأمتنع عن رؤية العالم بأسره واضعًا أمام عيني الضعيفتين صورتك المحبوبة. ويخيل إلي أني لن أرفع نظرى عنها إلا متى تناولت منك الكتاب الأول مبشرًا بسلامة الوصول. فبالله عليك لا تتركيني فريسة الإنتظار، وأعلمي أنه لا سلوان لي، أنا الشيخ الفاني، سوى الرسائل.
ليرا : هون عليك، يا ولدي المحبوب. واسمح لي أن أدعوك بوالدي منذ اليوم (تعانقه وتبكي).
جرفث : بارك الله فيك يا ابنتي. (ينظر في الساعة) لقد أذنت التاسعة. فعلى الطائر الميمون. ليرا! ها أنا ذا أضرع إلى الله أن يسمح لي برؤيتك فبل أن أموت.
ليرا : أستودعك الله. (تبكي) جرفث! أسألك الصبر والجلد. (تعانقه بحرارة) إلى الملتقى أيها الأمين (تخرج).
جرفث (لنفسه بذهول بينما يمسح دموعه) : إلى الملتقى يا من نزعت الروح عني بفراقك (يبكي) إلهي لقد مات تشستر، وسافرت ليرا، وبقيت انا، فلم اخترت هذا؟ ولم لم تترك الوالد لابنته، حتى لاتضطر الفتاة العذراء إلى ماٱضطرت إليه الآن؟ سبحانك. ويا إلهي، كن معها أينما حلت، وهيء لها الخير أنى توجهت، وأبعد عنها الأذى (يمشي. إلى الباب ببطئ وتفكير).

(يغير المنظر بعد أن تطفأ الأنوار بغاية السرعة)

المنظر الثاني

(غرفة فاخرة بقصر كاستل تروز. بها مكتب وبيانو على الجانبين)

(ليدى تيودوسيا هاينلت جالسة على مكتبها وأمامها أوراق تفحصها وأمام المكتب قسان: مارتن فاترو والفرد، وعلى الجهة اليسرى ٱمرأة في سن الأربعين، مسز ليزلي)

تيودوسيا (تكتب ثم ترفع رأسها) : ألم يتأخر أحد الأعضاء أمس؟
فانشو : كلا ياحضرة الليدى، وقد قرأت له ورقة الإعتذار المقدمة منك.
تيودوسيا : وهل وافقت قبولا؟ (تعاود الكتابة).
فانشو : نعم (يدخل داين أرمتايدج).

(داين يحيَّ القسيس برأسه ويبتسم لتيودوسيا ويجلس بجانبها)

فانشو (ينظر إلى اللورد بامتعاض) : متى شرف حضرة اللورد؟
داين : الآن.
تيودوسيا (ترفع رأسها فترى اللورد) : داين، أهلا بك ياٱبن العم، نحن في اجتماع كما ترى، وأنت سيد القصر فاختر لنفسك أى مكان تستحسن ريثما ينفض الإجتماع.
داين : حسنًا (يظل جالسًا ينظر إلى فانشو من طرف خفي).
فانشو : يلوح لي أن سيدي اللورد يفضل أن يحضر الإجتماع.
داين (بسخرية) : إن هذا يشجعني على عمل الخير.
تيودوسيا : يا حبذا لو صح ذلك! (تستطرد وهي تكتب) ستة وثلاثون ياردة من الفلانيل بحساب شلن وخمسة بنسات للياردة الواحدة (ترفع رأسها فترى داين).
داين : أنا لا أظن أني كنت كاتب حسابات.
تيودوسيا : عفوًا، أنا لم أوجه إليك عملية الحساب.
فانشو (عابسًا) : جنيهان وأحد عشر شلنًا فقط.
تيودوسيا (تكتب) : نعم، جنيهان وأحد عشر شلنًا بالضبط، وكم عدد الأعضاء؟
فانشو (ينظر في الأوراق) : ثمانية وعشرون عضوًا.
تيودوسيا : وكان كل عضو يدفع قيمة اشتراك قدرها بنس في الأسبوع، فبعد كم من الزمن يدفع الثمن؟
داين (بسخرية) : بعد مائة سنة.
فانشو : دع عنك المزاح يالورد، أنسيت أن اجتماعنا هذا لصالح الفقراء؟ فلم التهكم؟
داين : معذرة يا حضرة المحترم، أنا لا أتهكم.
فانشو : لا داعي للسخرية بنا ياحضرة اللورد.
تيودوسيا : أتجهل أهمية هذا العمل ياعزيزي داين؟ إنا نجتهد في تأليف قلوب جماعة من الموسرين لنحصل منهم على مبالغ من المال يكفي لشراء ملابس للفقراء تقيهم قسوة البرد.
داين : أما أنا فإني على استعداد لدفع هذا المبلغ فورًا، ولا داعى لهذه المشاغل.
تيودوسيا : ليس هذا هو الغرض، إنما الغرض هو الاستمرار في عمل الخير. فلو لم تشكل جمعية تقوم بكل ما يطلب منها من المعونة دون ارهاق، أعني بدفع مبلغ زهيد في كل أسبوع، لأستحال على فرد واحد أن يقوم بأي عمل خيري مستديم.
داين : واذا لم يتيسر جمع المبلغ من حضرات الأعضاء، فلا شك أن العقاب سيقع على الفقراء المساكين.
فانشو (بغضب) : إني أستحسن أيتها الليدى المحترمة أن تؤجلي هذا الإجتماع إلى فرصة أخرى.
داين : هل أزعجكم وجودى؟
فانشو : كلا يالورد، فقد أضعنا من وقت حضرة الليدي زمنًا طويلا في هذا العمل، وهي الآن تحتاج إلى الخلوة والراحة. فلنؤجل هذا الإجتماع إلى ما بعد الغد إن أمكن ذلك. (يقف).
تيودوسيا : رأى موفق. (تقوم وتصافح القسين) إلى ما بعد غد.
فانشو : إلى الملتقى ياحضرة اللورد. (يصافحه).
داين (يمزح) : أتحب أن أكون أحد الأعضاء في الإجتماع القادم؟
فانشو : أنت السيد الآمر. (يخرج ورفيقه).
تيودوسيا (إجلس يا داين) : لماذا لم تسألني عن صحتي كما هي عادتك؟
داين : لأني وجدتك مشغولة (يجلس) وأحببت ألا أصرفك عن المهم.
تيودوسيا : أو تحتقر عملنا هذا يا لورد؟
داين : كلا يا عزيزتي. إما أستسهل دفع المبلغ عن جمعه في سنوات.
تيودوسيا : إن دفع هذا المبلغ وأضعافه صفقة واحدة لمن السهل جدًا على فرد غني، ولكن من المستحيل أن يستمر ذلك.
داين : إني أنظر إلى هذا الموضوع من وجهة نظري تخصني وحدي. ومعنى ذلك أني أفضل دفع ألف شلن عن أن أشتغل بعمل كهذا نصف ساعة.
تيودوسيا : إنك مخطئ جدًا يالورد — وياليت المصور أبدعك في القالب الذي أفرغت أنا فيه.
داين : أعوذ بالله (يضحك) أأصبح عاشقًا للمحابر والأوراق؟
تيودوسيا : وهل في هذا عار عليك؟
داين : كلا. ولكني أميل إلى الهدوء والسكينة.
تيودوسيا : دعنا من هذا، واشرح لى أين كانت سياحتك. وهل، كنت تشعر فيها بالسعادة؟
داين : نعم كنت في سعادة وهناء، غير أني لم أكن أعلم شيئًا عن أستار منستر، ولا كاستل تروز. ذلك لأنه يندر أن تمس يدي صحيفة. ولا تنسى ذلك الجهل.
مسز ليزلي : حماك الله من ذلك يا لورد! كيف تنسب لنفسك ما ليس فيك؟
تيودوسيا : إنك بذلك تفتحين لى سبيل التمادي في معتقده، ياعزيزتي ليزلي.
داين : أصبت المرمى ياابنة العم. فلا عدمتك أبدًا.
تيودوسيا (إلى ليزلي) : كان يجب عليك مساعدتي لتفتحي لعينيه طريق الخير فيسلكه.
داين (يضحك) : لقد انقضت جلسة الحسنات، وبدأت جلسة السيئات. ولكني مع هذا أراك ملكا مصلحًا أيتها القديسة المحسنة.
تيودوسيا : إن آراءاك هذه تبرهن على أنك لا تدرك كنه مركزك العظيم، ولا تشعر بمقامك الرفيع. إن شابًا في صحتك وثروتك وجاهك يجب أن يمد يد المساعدة إلى المحتاجين؛ فيطعم المسكين، ويكسو اليتيم، وينتشل البائس من مهاوي الفاقة، ويأخذ بناصر من أحنى عليه الدهر.
داين (غارقًا في تأملاته) : أترضي مكارم أخلاقك، أيتها الواعظة الحسناء. سليلة أسرة هاينليت، أن تصميني هذه الوصمة؟
مسز ليزلي (إلى تيودوسيا) : يظهر أن حضرة اللورد كان في تفكير عميق، وكانت وجهته غير كاستل تروز، وإلا ما كان قد فهم ما فهم.
داين (لليزلي) : شكرًا لك أيتها الأمينة. لقد كنت أحسبك أكثر محبة لي مما بدا الآن.
تيودوسيا : إنها تقول الصراحة، فما معنى التهكم؟ إني أستحلفك بشرفك أن تخبرني هل كنت مصغيًا إلى كلماتي الأخيرة؟
داين : لا أنكر عليك أنه فاتني منها شيء.
تيودوسيا : وكيف استنتجت هذا الحكم الجائر عليَّ وعلى صديقتي العزيزة؟
داين : أنه أوحى إليَّ به من صيد السمك. فما أسعد الذين ينقطعون للصيد!
تيودوسيا (بأسف) : دعنا مما لا فائدة فيه، واشرح لنا شيئًا من سياحتك الأخيرة.
داين : لقد طفت بجميع المدائن والقرى الواقعة على ضفتي نهر التو، وصادفت المعتوه في فندق برنستابل.
تيودوسيا (بدهشة) : ومن هو هذا المعتوه؟
داين : شاعر، ومصور، وموسيقي العائلة.
تيودوسيا (تضحك) : لقد فهمت (إلى ليزلي) إنه يعني تشاندس ارمتايدج.
داين : نعم هو ذلك الأبله. ولقد وقعت بيننا مشاجرة عنيفة أدت بي إلى طرده من غرفتي.
تيودوسيا : إنك تمقته مقتًا شديدًا يا لورد. فهل من سبب؟
داين : لا داعي لذكر السبب الآن، لأنه مشين ومخجل. (يستطرد) ولما انقضت تلك الليلة المشؤومة بكرت أتمم سياحتي حول النهر. فأعجبتني بقعة أرض هناك كأنها روضة من رياض الفردوس (يتنهد) فأحببت أن أستظل تحت وارف ظلالها. وما ٱستقر بي الجلوس لحظة حتى ذكرت ساعة صيد السمك (يتنهد) وزن في أذني أن الصيد خطيئة.
تيودوسيا : إذن ماذا صنعت؟
داين : بدأت أصيد. (يتذكر) وما هي إلا هنيهة حتى هبت ريح عاصفة كادت تقتلع أشجار الوادي، فارتديت معطفي. وسرعان ما فارقت تلك الروضة الأنيقة (يتنهد) التي سلبتني عقلي لما أبدعته فيها الطبيعة من الرونق والجمال.
تيودوسيا : أو تستبيك روضة، يا لورد؟
داين : إني بدأت أن اتعلم الغزل.. (يتأوه) ولكن آه! فارقني حسن الحظ.
تيودوسيا : إنك تتكلم بلغة تستر تحتها أسرارًا غامضة.
داين : لا وحقك، يا ابنة العم. إني خلو من الأسرار الغرامية، إذا كنت ترمين إلى ذلك.
تيودوسيا : لا بأس. ألم تر تشاندس منذ تلك الليلة؟
داين : كلا ولا أحب أن أراه.
تيودوسيا : لقد كتب إلي منذ شهر لأقبله عضوًا عاملا في جمعيتنا الخيرية، فقبلناه. وقد طلب مابقي له من إيراد هذه السنة، فأرسلت إليه تحويلا بمبلغ خمسمائة جنيه. وعلمت منه أنه نزل ضيفًا على عائلة فقيرة في طريق برنستابل. دون أن أعرف السبب. ومنذ ذلك الحين انقطعت عني أخباره تمامًا.
داين : نزل ضيفًا على عائلة فقيرة في برنستابل؟ هذا ما لا أصدقه (لنفسه) إنها ليست فقيرة. (يستطرد) ولكن مالنا ولهذا الأبله!
تيودوسيا : ما عهدتك على هذه الدرجة من الكراهية له قبل الآن. أنسيت أنه يحمل لقبك؟
داين : إنه لا يستحق هذا اللقب. (يصمت قليلا) نسيت أن أسألك عن صحة حضرة الإيرل المحترم، والدي.
تيودوسيا : بخير.. يواصل عمله بهمة لا تعرف الملل ساعات متواليات.
داين : إني أشعر بألم الجوع.
تيودوسيا (إلى مسز ليزلي) : مري يا عزيزتي بإحضار المائدة.
ليزلي (تقف) : هل نسيت مولاتي موعد قصر جاردن سكوير في لندن؟
تيودوسيا (تنظر في ساعتها) : يجب أن تسافرى بعد الطعام مباشرة؟ هل بعثت بالعنوان الكافي لوصيفتها الجديدة؟
داين (إلى تيودوسيا) : أبعثت في طلب وصيفة جديدة؟
تيودوسيا : نعم، لأترك شؤون القصر إلى ليزلى. وأختص بها لنفسي.
ليزلى : نعم أمرتها أن تصل إلى محطة واترلو، حيث تكون العربة في انتظارها. وسأتقبلها في قصر مولاتي بلندن، ثم أرافقها إلى هنا.
تيودوسيا : أسرعي بتنفيذ ذلك بعد فراغك من المائدة مباشرة.

(ليزلى تنحني وتخرج)

تيودوسيا (إلى داين) : ألم تعلم أن أباك سيشرفني بزورته اليوم، يا لورد، فلقد تناولت كتابًا منه أمس وعدني فيه بأنه سيشرف قصري اليوم. فما أشد سروره برؤيتك هنا!
داين : كان يدور في خلدي أن أترك كاسل تروز إلى استار منستر اليوم حيث أتشرف بمقابلة. أما وقد صار على وشك الوصول، فمن الواجب انتظاره هنا.
شارل (ينحني ويدخل) : المائدة في انتظار مولاتي.
تيودوسيا : ومسز ليزلى؟
شارل : تجهز أمتعة السفر.
تيودوسيا (تقف) : إلى المائدة بالورد.
داين (يقف) : هات ذراعك يأٱبنة العم. (يخرجان).
شارل (لنفسه وهو يرتب الصالون) : ما أسعد حياة الأغنياء وما أهنأها!
وليم (من الداخل) : شارل! شارل! (يظهر وليم بالباب) شارل! لقد وصل مولاي الإرل.
شارل (يسرع الخطى إلى الباب ليستقبل الإيرل) : أوصلت العربة إلى باب القصر؟
وليم : استعد، فهو الآن على الدرج.
الإيرل (يدخل فينحني شارل ووليم) : أين مولاتكما؟
شارل (ينحني) : على المائدة.
الإيرل : ألم تصلكم أخبار عن ولدي لورد داين؟
شارل : مولاي اللورد هنا في القصر من صبيحة اليوم.
الإيرل (بدهشة) : داين هنا في كاستل تروز؟ (لنفسه) ولم لم يصل رأسًا إلى ٱستار منستر؟ (إلى شارل) إذن هو على المائدة الآن؟
شارل (ينحني) : نعم، يا مولاي.
الإيرل : حسنًا، لا تعلن خبر قدومي إلى الليدي إلا بعد انتهاء المائدة.

(شارل يدخل ينحني ويخرج ووليم)

الإيرل (لنفسه) : أحمد الله، فقد وصل سالمًا بعد رحلته الطويلة (ينادي) شارل!
شارل (يدخل وينحني) : مولاي!
الإيرل : إني أسمع الأميرة تودع انسانًا، وأخشى أن يكون اللورد.
شارل : إن مولاتي تودع مسز ليزلي. لتلحق بقطار لندن كي تحضر وصيفة جديدة.
الإيرل : إنك شديد النباهة يا شارل.
تيودوسيا (تدخل ومعها داين) : لقد شرفتني بزورتك قصري، يا سيدي الإيرل. (تصافحه).
داين (يصافح الإيرل) : تحيتي إلى الوالد المحترم.
الإيرل : أهلا بكما يا ولديَّ. (يجلسان. داين عن يمينه وتيودوسيا عن شماله).
تيودوسيا : أهلا بك من كل قلبي، يا سيدي اللورد الأكبر.
الإيرل (لتيوديسيا) : أشكر لك هذه العناية. (لداين) وأين كانت سياحتك الأخيرة؟
داين : إنني بفضل رضاء سيدي الوالد المحترم أتمتع بالصحة والهناء في كل مكان.
الإيرل : وهل كنت سعيدًا في تلك السياحات الفريدة؟
داين : نعم، وكنت ٱمتلئ قوة ونشاطًا.
الإيرل (مبتسمًا) : أو كان قلبك يذكرني، وأنت في سرورك ولهوك؟ ما ظننت ذلك؟
داين (بحياء) : أما في سروري فنعم، وما أظنني ألهو الآن.
الإيرل : بارك الله فيك يا ولدي، أعرني أذنًا صاغية. (إلى تيودوسيا) أتسمحين بمشاركتنا ياعزيزتي الليدي؟ (إلى داين) أما آن لك أن تفكر في مستقبلك؟
داين : يسعدني أن أكون مشمولا من سيدي الوالد بالعطف، أما مستقبلي فهو ما يوجهني إليه حظي.
الإيرل : أعددت لك مركزًا ساميًا لا يحتاج إلى اجهاد، وسترى أنه سيحسدك عليه كل شريف.
تيودوسيا : ستملأ قلبي ابتهاجًا بقبولك، يا عزيزى داين.
داين : إن رحلاتي الكثيرة في معظم مدن الدنيا المتحضرة زادت ثقافتي وأكسبتني خبرة واطلاعًا، وإني آنس في نفسي القدرة على القيام بكل ما يسند إليَّ من الأعمال.
تيودوسيا (بشفقة وحنو) : عزيزي داين، إنك ترفع دعائم بيتك العريق بحسن ثقتك بنفسك.
الإيرل : لو أنعمت النظر، ياولدي، فيما نطقت به الليدي، لعلمت مقدار حبها لك وشغفها بحسن مستقبلك.
شارل (يدخل وينحني) : مولاتي الليدي!
تيودوسيا (باهتمام) : ما وراؤك يا شارل؟
شارل : إن جمعية ملجأ الأيتام الجديد التي شرعت مولاتي في إنشائه قد تكامل أعضاؤها، وهم في انتظار حضرة الرئيسة.
تيودوسيا : ألم تعلم أن حضرة الإيرل هنا، وهو ضيفنا اليوم؟
شارل : أعلم ذلك يا مولاتي.
تيودوسيا : ولم لم تستعمل عقلك حين الحاجة إليه؟ كان يمكنك أن تقدم ٱعتذاري، أو أن تنيب عني حضرة القس.
شارل : حاولت إنابة حضرة القس المحترم فلم أفلح، وقد ألح علىَّ أن أعرض على مولاتي الأمر أولا، فإذا صدر أمرك السامي بإنابته، قبل مرغمًا.
تيودوسيا (بدهشة) : مرغمًا؟ وما معنى ذلك يا شارل؟ (بحدة).
شارل : إن بعض الأعضاء غير راض عنه، هذا هو سر الخلاف.
تيودوسيا : وكيف علمت ذلك؟
شارل : رأيتهم يتغامزون، وسمعت الناقمين عليه يتهامسون، فتجلت أمام عيني نار الحقد التي تشتعل في صدورهم، وخفت سوء العاقبة. لذلك أسرعت لعرض الأمر.
تيودوسيا : إذًا يجب أن أتلافى الموضوع بنفسي قبل أن يستفحل. (إلى الإيرل) أيسمح لى سيدى الإيرل ببضع دقائق؟
الإيرل : لقد أعجبتني شهامتك، يا عزيزتي. لك ما تشائين.
تيودوسيا (إلى شارل) : شارل. أعلن قدومي. (ينحني ويخرج. تقف) لا تقلقا لغيابي (تخرج).
الإيرل : في حراسة الله (إلى داين) إنها أشرف فتاه كللت تاريخها بأكليل المجد. ولقد أضافت إلى أسرتنا أحسن ذكرى بما خلدت من آثارها من الحسنات.
داين : الحق معك يا والدي العزيز. إنها مثال الفضيلة والخير.
الإيرل : إني أخلو بك الآن. فهل تحب أن نتكلم في شأنها؟ وما هو رأيك؟
داين : نتفاوض في شأنها؟ وكيف أعلن لكم رأيي في شأن لا علم لى به؟
الإيرل : ألعلك نسيت الخطبة التي ٱرتبطت بها منذ حداثتك؟
داين (باضطراب) : إني لم أفكر في هذا الشأن قط.
الإيرل : ولكني أهتم بسعادتك. أتجهل أهمية هذا الموضوع، وما يقع كلانا فيه إذا فصمت عراه لا قدر الله.
داين : نعم أعلم ذلك.
الإيرل : لقد أرحت ضميري بها التصريح. وكان يخيفني أن تكون أصبحت قليل العناية به.
داين : وكيف لا أهتم بما أنت مهتم به. وغرضك الهناء والراحة لي.
الإيرل : أحمد الله الذي وفقك إلى معرفة الواجب عليك.
داين : إني أحترم رأيك، يا ولدي المحبوب، وأقدس طاعتك. بيد أني أخول لنفسي الحق في شيء واحد.
الإيرل (يقاطعه) : هو الزواج. أليس كذلك؟ إني لمحت غرضك بمجرد الاشارة.
داين : نعم. أحب أن أطلق لنفسي فيه حرية الإختيار، حيث أرى السعادة والشقاء مقرونين به.
الإيرل : أنت محق ياداين. وأضف إلى ذلك أنني أبوك. فلا تقطع صلة أبوتي واحترم مقامي.
داين (بخجل) : احترام مقامك واجب مفروض على. ولا يجرؤ أقوى عامل في الحياة أن يعبث به أو يزعزع من مركزه. ورأيك فوق ما تحب أن يكون. غير أني في هذا الموضوع أميل بطبعي إلى دقات قلبي، وأنصاع إلى نداء ضميري. فبالله عليك، يا والدي، دعني وشأني في أمر زواجي. ولا تزف بيديك، التي ما تعودت غير الرحمة والعدل، التعاسة والشقاء لوحيدك الخاضع المطيع (يتنهد) والدي العزيز! لقد عودتني الجرأَة، وعلمتني الصراحة، فلا يغضبك أني استعملتها في حضرتك وأمام شخصك المحترم.
الإيرل (يتنهد) : لقد سال منك دم الشرف على أسنة الطيش، إذ سولت لك نفسك مخالفة أبيك، فرضيت له الإهانة، وقد بلغ هذه السن.
داين : رحماك، والدي!
الإيرل : إني تعاهدت ولورد هاينلت على ذلك — فكيف يسوغ لك أن تسفه رأيي، وأنا نافذ الكلمة. إنك بذلك الرفض تمزق أحشائي، وتصم ٱسمي بوصمة عار لا تمحى. أأختم حياتي بهذه النتيجة؟ ومن المحزن أنها لا تصدر إلا عنك أنت!
داين (بخشوع) : هدئ روعك، ياأبي، وٱسمح لي بتقبيل يدك اعترافًا مني بالخطأ، (يقبل يده) وجبًا في طلب العفو، (باستعطاف) يا والدي العزيز، أعلن أني طوع أمرك.
الإيرل (بارتياح) : أرضيت أن تكون زوجًا لليدي تيودوسيا هينلت؟
داين (ينظر إلى الأرض باضطراب) : نعم قبلت، ولكن أمهلني ريثما أكون على استعداد.
الإيرل : لك مني ذلك. ولكن ضع نصب عينيك تنفيذ رغائبي. وتعهد لي من الآن ألا ترفض يدها مهما كانت الأسباب.
داين : إني أعاهدك يا والدي الأعز على احترام رأيك، واتباع مشورتك.
الإيرل (يضع يده على كتفه) : بارك الله فيك. وآمل أن ٱبن استار منستر لا ينقض عهده.
داين : أبت لا تسترب بعهدي لك.
الإيرل (ينظر في الساعة ثم ينادي) : شارل!
شارل (يدخل وينحني) : مولاي!
الإيرل : إني تركت أوراقًا هامة في حقيبتي الصغيرة، فسل خادمي أن يسلمك الحقيبة بما فيها وأتني بها.
(شارل ينحني ويخرج) لك أن تساعدني في ترتيب أوراق يهمني إنجازها اليوم. ولقد اخترت لك ذلك حتي لا تسأم وحدتك هنا.
داين : إني طوع الأمر.
شارل : يدخل فينحني ويضع الحقيبة أما الإيرل.
الإيرل : حسنًا، ها هو العمل ياداين فهيا بنا إلى غرفة المكتب.
داين : هيا بنا (يتناول الحقيبة. يقف).
الإيرل (إلى شارل) : شارل! إذا انتهت حضرة الليدى من عملها قبل أن نترك غرفة المكتب وسألت عني واللورد، فعرفها أننا ندرس أوراقًا هامة، يجب أن ننتهي منها الليلة. (يخرجان).
شارل (ينحني. يرتب البهو) : يندر وجود شيخ بهذا النشاط.
وليم (يدخل لمساعدة شارل) : شارل! ما رأيك في هذا الشيخ الجليل؟
شارل : هذا هو الرجل العامل النافع اليقظ.. ويا حبذا لو حذا لورد داين حذوه.
وليم (يمسح البيانو ويفتحه ويلعب بأصابعه عليه) : إنها ألعوبة منعشة (يعزف بأنغام رديئة) غريب! يظهر أن الأصابع التي تدق على هذه الآلة (ينظر إلى أصابعه) هي أصابع الأغنياء والجميلات فقط، لذلك أرى أصابعي تخونني، لأني ألتمس ما ليس من شأني.
شارل (يسرع إليه ويغلق الآلة) : اسكت يا متهوس. متى تترك الرعونة أيها الأحمق! ماذا يكون عقابك لو داهمتك مولاتي الآن؟
وليم (غاضبًا) : إنك تهينني، يا شارل، وسأطلب من مولاتي ألا أكون معك في عمل واحد منذ اليوم. (يخرج).
شارل (لنفسه) : إني أتعذب جدًا في إصلاح هؤلاء الخدم، فلا بد من استبدال غير النافع منهم. (يخرج).

(سكوت طويل. تظلم الأنوار تدريجيًا. تدق الساعة ٦ دقات)

مسز ليزلى (تدخل وتتبعها ليرا ووراءهما وليم) : مالى أراك غاضبًا ياوليم؟
وليم : لست على وفاق مع شارل، وسأنتظر ريثما تنتهي مولاتي من اجتماعها، فأبسط إليها شكايتي.
ليزلى : كن واسع الصدر يا وليم.
وليم : إن شارل اهانني.
ليزلى : إنه يمزح معك، وهو أكبر منك سنًا وأطول عهدًا في خدمة مولاتنا الليدى. فلا تتعجل في عمل ما عساه يعود عليك باللائمة والتعنيف.. أقدم لك الانسة ليرا تشستر وصيفة مولاتنا الجديدة.
وليم (ينحني) : لقد شرفت كاسل تروز.
ليرا : شكرًا، ياوليم.
ليزلى (إلى ليرا) : استريحي، يا عزيزتي. فقد صرفنا وقتًا طويلا في السفر. (إلى وليم) إذهب بأمتعة الآنسة ليرا إلى مخدعها الخاص.

(وليم ينحني. يهم بالخروج)

ليزلى : انتظر! لم لم تخبرني أين مولاتنا الليدي؟
وليم : مولاتي في إجتماع أظنه أوشك أن ينتهي وأرى أنها لن تنتظر أكثر من ذلك.
ليزلى : حسنًا، اذهب، ومر خادمة الغرفة أن تجهزها، (يخرج وليم) إني سعيدة بك يا عزيزتي ليرا.
ليرا : إن شفقتك على ياسيدتي، جعلتني أسيرة احساسك الشريف.
ليزلى : أشكر لك هذا العطف وأزيدك علمًا بأن مولاتنا مثال المروءة ومكارم الأخلاق.
ليرا : والله إن قصرًا يحويك بين جدرانه لخليق بأن يكون معبدًا مقدسًا، فإذا كنت أنت بهذه المكارم، فما بال سيدة القصر؟
ليزلى : شرحت لك، يا عزيزتي، ما يجب اتباعه لمولاتنا من الواجبات، فإذا اتبعت ما رسمت لك، كنت سعيدة.
ليرا : إني وعيت كل شيء، فاطمئني.
ليزلى : بارك الله فيك يا ليرا. (تنصت) ماذا أسمع؟ الخدم يهرجون.
شارل (يدخل بعجلة) : أين وليم؟ ولماذا لم يوقد الشموع وقد هجم الظلام؟
ليزلى : ما بالك يا شارل؟
شارل (ينحني) : عفوًا يا حضرة الرئيسة (يجرى إلى الباب وينحني) مولاتي الليدى!
الليدى (تدخل) : أهلا بك يا ليزلى (مشيرة إلى ليرا) ليرا تشستر؟
ليزلى (تنحني) : أجل يا حضرة الليدى، لقد وصلت إلى جاردن سكوير في الموعد، ولم نلبث أن قمنا إلى كاسل تروز.
الليدى (تجلس) : إني سعيدة جدًا برؤيتك يا مس ليرا، وأتعشم أن تكوني صديقة لا وصيفة.
ليرا (بابتهاج) : إن هذه أسعد لحظة مرت بي منذ تنسمت الحياة.
الليدى : اجلسي بجانبي يا أميرة الكوخ، وقصي علىَّ أدوار حياتك موجزة. (إلى ليزلى) اجلسي يا ليزلى.
ليرا (تجلس بجانب الليدى) : إن قصتي محزنة.
ليزلى : لقد أهاجت عواطفي منذ أول نظرة وقع بصري عليها في جاردن سكوير.
الليدى : من هو أبوك يا ليرا؟ ومن أي أسرة؟
ليرا (تتنهد) : أبي آدون تشستر، كان شريفًا غنيًا، سكن أمريكا وأثرى فيها، ولكن خانه الحظ، وأظنه فقد ثروته فعاد إلى انجلترا يحملني طفلة بعد أن ماتت أمي، وكنت في الربيع الأول (تبكي).
الليدى : لا تجزعي يا عزيزتي، وثقي أنك أصبحت منذ اليوم في أحضان أخت وأم معًا.
ليرا : عاد أبي إلى برنستايل يحملني رضيعة، وابتاع كوخًا صغيرًا على ضفة نهر التو أمام كنيسة القديس مرقس القديمة، وكان يقوم بتربيتي شيخ أمين (تتنهد) ظل في خدمة أبي أربعين عامًا، ولقد قام بتهذيبي خير قيام، وكان يحنو علىَّ حنو الأم، فيدرأ عني كل مكروه حتي ترعرعت لا أعلم عن الدنيا غيره ووالدى، ولم أصادق رجلا غيرهما لأننا كنا في معزل عن العالم (تتنهد) ومنذ أيام قلائل داهمتنا مصيبة يالهولها (تبكي) أوقعت الفشل في ذلك العش الهاديء المطمئن وشتت شمل ساكنيه (تبكي).
الليدى : يا إلهي (بحزن) وما موضوع ذلك المصاب؟
ليرا : فوجئنا بدين كان على أبي منذ بضع سنين. وكان لمراب غليظ القلب جامد العواطف، وكان ذلك المرابي قد شعر بعجز أبي المسكين عن وفاء دينه. فبعد أن كان يقنع سنويًا بالفائدة، جاء يسأله دفع الدين صفقة واحدة، وإلا سلب منا جميع مانملك، وطردنا من الكوخ. (تبكي).
الليدى : يا إله السماء (بشفقة) ليتني علمت ذلك في حينه! مسكينة! وكم كان مقدار ذلك الدين؟
ليرا (تتنهد) : خمسمائة ذهبًا.
الليدى : فقط! نعم، لقد كان عظيمًا عليكم لأنكم لا تملكونه.
ليرا : أجل يا مولاتي — لقد تصدى لنا ذلك المرابي الصخري القلب، وأقسم أن يسلبنا كل ما نملك، إذا انقضى أسبوعان ولم نوفه دينه. فهوى أبي الشيخ مصعوقًا (تبكي) على فراش الألم. وظل ينزع حتى بقي من الأجل المضروب يوم واحد (تبكي) فلم يجسر على رؤية شمس ذلك اليوم الرهيب، فاستغاث بملك الموت، فأغاثه. (تبكي) نعم، لقد لفظ النفس الأخير وهو يباركني. وتركني أتخبط في ديجور الشقاء. (تخنقها العبرات) آه! إنها ذكرى يقشعر لها بدني، يا سيدتي. (يغمى عليها) آه! رحماك أيها الوالد المسكين.
الليدى (بحزن واهتمام) : شارل! على بالمنعشات. مسكينة أيتها الفتاة. (يخرج شارل).
ليزلى : إنها قطعت نياط قلبي بحديثها المؤلم.
شارل (يدخل على عجل بالمنعشات) : هاهي يا مولاتي.
الليدى (وتتناول الكأس. لليزلي) : بيدي أنا لا بيدك يا عزيزتي.
ليزلى : إنك رحيمة يامولاتي.
الليدى (ترش ماء الزهر على وجه ليرا) : انتظرى ياليزلي، إنها ستكون أسعد فتاة في كاسل تروز، وربما كانت أسعد مني.
ليرا (تستفيق) : عفوا ياسيدتي. (تحاول الوقوف فلا تتمكن) إني خادمة.
الليدى (تجلسها بيدها) : كلا إنك أميرة هذا القصر، يا ليرا، فاستقبلي السعادة والهناء واذا كان الدهر قد لعب معك دورًا محزنًا، فأنا أرغمه على أن يزف السرور إليك كرهًا لا اختيارًا.
ليرا (بسرور) : أنت جديرة بالعبادة يا مولاتي، فلا عدمتك أبدًا. (تتنهد) مات أبي وهجم علينا ذئب المال فأجلاني وخادمي الشيخ عن الكوخ. ولما سالت عبراتي على يديه وأوسعتها تقليلا، هبط رسول الرحمة إلى قلبه الصلد، فتنازل لنا عن أجره سكنى غرفة خادمي نظير حراسة الكوخ. (تتنهد) مسكين أنت يا جرفث! فظللنا بها إلى أن أراد الله أن أكون تحت رعايتك؟
الليدى : لا تحزني. فأنا أمك وأبوك يا ليرا. وماذا صنعت بخادمك المسكين؟
ليرا : تركته في غرفته يئن لفراقي حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا. (تتأوه).
الليدى : إن هذا لمحزن (تشعر بأن الصالة مظلمة، تنادي شارل) مالي أراكم أهملتم الواجب هذا المساء؟ لم توقدوا الشموع كالعادة؟ أين وليم؟
شارل (ينحني) : هذا من واجب وليم يا مولاتي. واني أراه غائبًا.
ليزلى : لقد ذهب إلى مخدع مس ليرا.. ليرتب أمتعتها.
الليدى : وأنا بنفسي يجب أن أرتب لها غرفة النوم. فهلم بنا يا عزيزتي لأوصلك بيدي إلى مخدع هنائك الجديد (تقف الليدى وليرا وليزلي).
ليرا : إنك تعجزين لساني عن الشكر، يا مولاتي.
ليزلي (إلى شارل) : سأرسل لك وليم يساعدك على إِنارة البهو ليكون في ٱستعداد لإستقبال حضرة الليدى بعد قليل.
الليدى : شارل! لقد نسيت أن أسألك عن حضرة الإيرل واللورد، فأين هما؟
شارل (ينحني) : في غرفة المكتب. لقد شدد على مولاي الإيرل ألا يزعجه، لأن عمله هام جدًا. وإذا رغبت مولاتي أن تشاركهما فيه فلتتفضل.
الليدى (بسرور) : وهل قبل اللورد أن يشترك مع أبيه في العمل؟
شارل : نعم.
الليدى (بارتياح) : إنها لمعجزة مدهشة. دعهما في عملهما، لأني أرافق مس ليرا إلى مخدعها وعليك أن تصدر تنبيهًا عامًا إلى جميع خدم القصر أن يكون احترام مس ليرا من احترامي! أفهمت.
شارل (ينحني) : سأنفذ أمر مولاتي. (تخرج الليدى وليرا وليزلي. يبدأ بإيقاد الشموع).
وليم (يدخل) : لماذا بعثت في طلبي؟
شارل (يضحك) : .ها.. لقد عدت يا أحمق. أنسيت أني أقوم بواجبك الآن؟
وليم (بذهول) : ولكني غاضب منك، فما رأيك؟
شارل : أنا رئيسك، فيجب أن تطيعني. وانحن أمامي من الآن وإلا …
وليم (بغضب) : أنحني أمامك من الآن؟ ومن أنت؟ أأصبحت مولاتي؟
شارل (يضحك) : إنك ظريف جدًا ياوليم. هل أنت غاضب مني؟ إني كنت أمزح معك.
وليم : قبلت اعتذارك. وأرجوك ألا تكثر مزاحك لأني سريع الغضب.
شارل : هل رأيت الوصيفة الجديدة؟ وهل بلغتك الأوامر؟
وليم : رأيتها، ما أجملها. ولكن لم أستلم أوامر؟
شارل : صدر أمر مولاتنا الليدى أن تخاطب الوصيفة الجديدة بيامولاتي بعد الإنحناء.
وليم (يضحك) : ومن بلغك هذا الأمر الجديد؟
شارل : مولاتنا الليدى نفسها. فاذهب وادع جميع الخدم لأصدر إليهم الأوامر الجديدة.
وليم (ينحني) : لك الطاعة يا مولاى (يضحك ثم ينحني ويخرج).
شارل : إنه خفيف العقل والروح معًا (يبتسم. يدخل الخدم جميعًا ويقفون حول البهو) هل بلغكم أمر مولاتكم؟
الجميع : لا ياحضرة الرئيس.
وليم (غاضبًا) : كيف لا، أيها الأغبياء؟ أنسيتم الإنحناء؟ (ينحني) ألم انبهكم معشر البلداء؟ (يضحكون).
شارل : اسمعوا (يصمتون) لقد نزلت بقصرنا اليوم آنسة جديدة تدعى ليرا تشستر، فصدر أمر مولاتنا أن يكون احترامها من احترام مولاتنا. أفهمتم؟
الجميع : نعم.
وليم (يجرى إلى الباب ثم يعود مسرعًا وينحني) : الأميرة!
الليدى (تدخل ومعها ليزلى وليرا فينحني جميع الخدم) : أقدم لكم مولاتكم الجديدة مس ليرا تشستر، فيجب احترامها كشخصي في كاسل تروز، ولقد أصبح لها حق التصرف في شؤونكم جميعًا … أفهمتم؟
الجميع (بانحناء) : لتحى الأميرة.
الليدى : اذهبوا إلى أعمالكم، وليبق شارل ووليم بالباب. (يخرج الخدم، وتذهب الليدى إلى جهة المعزف) ليزلي! ألك أن تطربينا قليلا احتفالا بليرا؟
ليزلى : لك الطاعة، ياربة الإحسان. (تجلس وتعزف).
الليدى (تجلس بجانبها) : اجلسى يا ليرا. أتجيدين التوقيع على هذه الآلة الشجية؟
ليرا (بخجل) : كلا، ياسيدتي. وما وقع نظري عليها قبل اليوم (تضع يدها على جنبيها).
الليدى : مابالك؟ أتشعرين بألم؟
ليرا : إن شدة سروري سببت لي دوارًا خفيفَا.
الليدى : لا بأس عليك. إنه سيزول حالا متى استرحت قليلا، فاجلسي (تجلس ليرا).
ليرا : إن السعادة التي أشعر بها الآن أنستني كل آلامي. فلا عدمتك يا إلهة المكارم.
الليدى (بسرور) : إنك بدأت حياة جديدة، فاصرفي عنك الهم.
شارل (يدخل وينحني) : مولاي اللورد.
داين (يدخل مسرعًا) : هل أنتم محتفلون بأبي؟ (يذهب إلى الليدى) تركته وأسرعت بالهرب. (يضحك).
ليرا (تصرخ وترتمي) : آه! (تتمتم). هو بعينه. إذًا هي تيو… (يغمى عليها).
داين (يرى ليرا) : ويلاه! إنها هي (يتراجع) ليرا (يمسح جبينه) افتحوا النوافذ. إني أكاد أختنق. بماذا أشعره؟ آه! (يرتمي على مقعد).
الليدى (تقف مشدوهة وتسكت ليزلي عن العزف) : أسعفوها بالمنعشات (تنظر إليها تارة وإلى اللورد أخرى) انتظروا، احملوها إلى غرفتها (يحملون ليرا ويخرجون) لورد (تذهب إلى داين) لورد! ماذا دهاك؟ (شارل) إلىَّ بطبيب القصر حالا. (يخرج شارل) هل أصابك شيء؟ (تجلس بجانب اللورد) تكلم يا داين. ماذا اعتراك يا عزيزي؟ لماذا لا تتكلم؟ ويلاه! (بقلق) لماذا لم يحضر الطبيب؟ لقد تأخر.
الطبيب (يدخل مع شارل) : بماذا تأمر الليدى؟ (ينحني ويرفع قبعته) ماذا أصاب اللورد؟ (يهتم به جدًا).
الليدى : لا أعلم سوى أنه دخل البهو ونحن في شبه احتفال، وما إن توسط القاعة حتى انتابه ما ترى.
الطبيب (يعالجه فيفيق) : لا بأس عليه … لقد ثاب إلى رشده.
داين : أين أنا؟ الطبيب! ليدى هاينلت! (يتلفت على ليرا) ماذا أصابني أيها الطبيب؟ (يتمتم) أين هي؟
الطبيب : إنك في إغماء بسيط يا لورد لن يلبث أن يزول تمامًا. وأنصح لك أن تذهب لتستريح في غرفتك.
داين (يساعده الطبيب على النهوض) : نعم يجب أن أستريح. ولكن مالي أراني ضعيفًا؟
الليدي (تقف) : شارل. وليم.
الخادمان (يدخلان وينحنيان) : بماذا تأمر الأميرة؟
الليدى : ساعدا اللورد حتى مخدعه، وافتحا جميع النوافذ. ولا تزعجا حضرة الإيرل.
الطبيب : نعم، سيعود إلى رشده تمامًا بعد نصف ساعة (يخرج الخادمان باللورد).
الليدى (للطبيب باهتمام) : ما رأيك فيما اعترى اللورد من الإغماء؟ وما هي أسبابه؟ (تصمت قليلا) أعرني سمعك، فسأطلعك على سر صغير شاهدته بعيني الآن. (تتنهد) لقد دخلت في خدمتي وصيفة جديدة. وهذه الليلة هي أول عهدها بالقصر. ولم يقع نظر اللورد عليها سوى هذه اللحظة التي فارق فيها شعوره. ولقد أصابها ما أصابه في نفس الزمن. فأمرت بنقلها إلى غرفتها في الحال، فماذا ترى في هذا الإتفاق الغريب؟ إن قلبي يحدثني أن هناك صلة قديمة بين اللورد وهذه الفتاة، ويزيد من هذا الشك أنه تمتم باسمها وتمتمت باسمه. فما هو رأيك؟
الطبيب (بدهشة) : لم أر، حين اختبرت قلب اللورد، ما يدل على ذلك. بل كل ما عنده نتيجة إفراطه في عمل أجهد فيه نفسه. فهل كان مشغولا قبل أن يدخل البهو مباشرة؟
الليدى : صدفة غريبة. نعم كان في عمل مع حضرة الإيرل، ومكث مدة طويلة، ولقد سئم العمل فهرب مسرعًا.
الطبيب : هذا سبب إغمائه، فإن كثرة العمل العقلي مع شدة الضوء والإكثار من التبغ، كل هذا يسبب الإغماء السريع.
الليدى : عليك إذًا أن تعود الوصيفة الآن في مخدعها، ثم تطلعني على النتيجة. وها قد شرحت لك ما يحدثني به قلبي، وإني في انتظارك هنا حتى تعود، وإذا كانت تهذي فراقب كل كلمة تخرج من فيها.
الطبيب : سأعمل الواجب علىَّ. (يبتسم) أريحي ضميرك، ولا تسرعى بنقمتك، فربما كانت الفتاة مظلومة. (يخرج).
الليدى (حانقة) : ماأغرب طوارئ الحدثان! لقد بدأت أشعر بحركة جديدة، أنا التي ما تعودت غير السعادة والصفاء. داين. ياٱبن ستار منستر: حذار أن تكون قد نقضت عهدي، فتكون بذلك قد وصمت أسرتك بعار لا يمحى. (تفكر) ولكن كيف ذلك؟ أي ذنب جنت تلك المسكينة، إذا كان قد أوقعها سوء حظها في حبه وكان ذلك منذ عهد طويل؟ أترضى مكارمي أن أفرق بين عاشقين تعاهدا في الحب والوفاء؟ أنا التي أوقفت حياتي على البر والإحسان. كلا! (بشفقة) أأسبب المصائب لفتاة تعسة منكودة الطالع، جرعها الدهر مر عذابه، ورماها بسهم نقمته وغضبه؟ أفقدها أمها رضيعة، واختطف أباها فجأة، وسلب مالها ونعيمها، وطردها شريدة من عشها الهادئ. كل ذلك بغير ذنب جنت. أيليق بي أن أنتزع منها آخر أمل لها في تلك الحياة المحزنة؟ وإذا كانت قد أحبته وأحبها. فمن الظلم أن افرق بينهما. (بشهامة) أيتها الفتاة، قري عينًا فسأزفه إليك بيدي إن كان هذا متمناك. ليرا لقد أحببتك لأول نظرة، فمن الشرف والمروءة أن يظل حبي لك كما هو. ليرا.
شارل (يدخل وينحني) : الطبيب يامولاتي.
الليدى : ليدخل. (يخرج شارل).
الطبيب (يدخل مبتسمًا وفي يده ورقة صغيرة كتب فيها ما سمعه من ليرا) : لقد علمت كل شيء. الفتاة في إغماء طويل، وهي تهذى فتذكر ألفاظًا لا دخل لها في الموضوع، لقد سمعتها تلفظ أماه، مسكين أنت ياوالدي، رحماك يا مستر دجارفن. تنح عني يا بارل، هون عليك يا جرفث، إني أكاد أختنق، ترى أين أجدك أيها النائي عني؟ (يقرأ هذا في ورقة) وتغمغم فيما بين ذلك ألفاظًا غريبة، فعلمت أن هذه الفتاة قد أصابها الدهر بضربة قطعت نياط قلبها، فهي في بؤس لا غرام، لأن الفاظها هذه تشف عن آلام نفسانية، وهياج عصبي شديد، وظهر لي أنها قروية لم تطأ قدمها القصور قبل اليوم، فكثرة الأضواء واختلاف ألوانها وشدة السرور بعد نهاية الحزن، كل ذلك سبب لها الهياج الدموي الشديد، فهي بريئة من حب اللورد، كما أنه بريء من حبها، إذ لا علاقة بين لورد عظيم وفتاة قروية مسكينة، فاصرفي ما عندك يا مولاتي واعتقدي في براءتها.
الليدى : لقد اقتنعت الآن، هل أمرت لها بالدواء؟
الطبيب : نعم وأعطيت التعليمات الكافية إلى خادمتها.
الليدى : واللورد أتتركه بغير عناية؟
الطبيب : وهل يليق ذلك؟ إن دواءه النوم، فمتى أغمض جفنه ساعة، حصل على تمام الشفاء، ولكن ذلك لا يمنع أن اعوده الان.
الليدى : حسنًا، إني أقدم لك شكري لجليل خدمتك.
الطبيب (ينحني) : لا شكر على واجب (يخرج).
الليدى (لنفسها) : إن الحوادث التي صادفتني اليوم لخليقة بالإعجاب.
شارل (يدخل وينحني) : لقد نام هادئًا يامولاتي.
الليدى : هل كان يهذى في نومه؟
شارل : كان مضطربًا يغمغم ألفاظًا ما فهمت منها شيئًا.
الليدى : ومولاتك الجديدة، هل زرت مخدعها؟
شارل : كلا يامولاتي.
الليدى : اذهب فادع مسر ليزلي إلى هنا (يخرج) لابدَّ أن تكون ليزلي قد علمت منها أكثر من الجميع.
الإيرل (يدخل) : أتأذن لي حضرة الليدى بالدخول؟ (بابتسام).
الليدى (تقف) : أهلا بك يا حضرة الإيرلال المحترم.
الإيرل (بسرور) : لقد شغلته مدة طويلة، ولكنه غافلني. تركني أمعن النظر في موضوع هام وهرب (يضحك) لا بأس، سأعوِّده شيئًا فشيئًا (يجلس وتجلس الليدى) حالما تركني وخرج، سمعت جلبة وضوضاء سكت على أثرها صوت المعزف، ثم ساد سكون غريب … في القصر. فهل هذا صحيح، أم كنت واهمًا؟
الليدى : نعم حدث ذلك، إثر مصاب ألم بالقصر ومن فيه.
الإيرل (بدهشة) : إثر مصاب؟ وماهو؟
الليدى : أجل. لقد خرج اللورد من غرفة المكتب إلى البهو، فألفانا في شبه احتفال بتشريفكم وكانت الوصيفة الجديدة وصلت القصر منذ أكثر من ساعة، فما توسط البهو، ونظر إليها، حتى سقط في إغماء.
الإيرل (باضطراب) : داين؟ ولدي؟ يغمى عليه لرؤية خادمة؟ ما معنى ذلك؟ إنك بلا شك واهمة يا حضرة الليدى.
الليدى : ومن غريب الإتفاق أن هذه الفتاة ما إن وقع بصرها عليه حتى سقطت مغمى عليها أيضًا! فماذا ترى في هذا الإتفاق المدهش؟
الإيرل (بغرابة) : وأيضًا الفتاة؟ إن هذا لغريب إذًا، كيف اتفق ذلك؟ وماذا قال الطبيب؟
الليدى : لقد اهتم بهما اهتمامًا عظيمًا. ولشدة دربته أسند إغماء اللورد إلى كثرة عمله العقلي وشدة الضوء والتدخين، وأسند إغماء الفتاة إلى سرورها الفجائي بعد حزنها العظيم، وإلى الإنقلاب الذى شمل حياتها المضطربة، فأخرجها من حقارة الأكواخ إلى جلال القصور.
الإيرل : نعم الطبيب. لقد أجاد التعليل. وأين داين الآن؟
الليدى : في مخدعه ينام نومًا هادئًا. فاطمئن عليه. ولقد أفهمني الطبيب أن دواءه النوم.
الإيرل (يقف) : يجب أن أراه.
الليدى : إنه سيفيق بعد ساعة، فمن الحكمة أن ننتظر حسب أمر الطبيب.
الإيرل : سأراه بعيني فقط، ولن أكون سببًا في إقلاق راحته. فهل لك أن ترافقيني يا عزيزتي؟
الليدى (تقف) : سألحق بك متى حضرت مسز ليزلي، لأني أرسلت في طلبها الآن. (يخرج الإيرل. لنفسها) إنه شديد المحبة لولده، ويهمه ألا يكون اللورد عاشقًا.
شارل (يدخل وينحني) : مسز ليزلي يامولاتي. (تدخل ليزلي).
الليدى : كيف حالها الآن، ياعزيزتي ليزلي؟
ليزلى : لقد تحسنت، بيد أن إغمائها الطويل جعلها تتفوه في هذيانها، بما يصدع الأفئدة حزنًا عليها.
الليدى : وما رأيك في هذا الإتفاق المدهش؟
ليزلى : إن رأي يعزز رأى الطبيب، يا حضرة الليدى. وأنا أثق من براءتها وثوقي من نفسي..
الليدى : لقد آليت على نفسي ألا أكون حجر عثرة في سبيل هنائها، إذا صح ظني.
ليزلى : إنك أسمى من أن تنغصي حياة فتاة مسكينة. إنها احتمت بنا، فمن المروءة ألا نتخلى عنها في آونة الشدة، وفوق ذلك فإنَّ قلبي يحدثني أنها بريئة.
الليدى : لقد اقتعت برأى الطبيب.
ليزلى : ومولاي اللورد، كيف هو الان؟
الليدى : انه بخير. ولقد أقر الطبيب أن علاجه النوم. ومنذ برهة خرج حضرة الإيرل من هنا ليعوده، ووعدته أن ألحق به. فاذهبي أنت للعناية بليرا.
ليزلى : سأقوم بواجب المروءة خير قيام. (تخرج).
الليدى (لنفسها) : سوف ينكشف الغطاء، ولكني لن أنقض عهدًا نطقت به. إني أعتقد في قدرة الله. داين، لورد ارمتايدج! كن كما تحب أن تكون. إني وهبتك مالي ونفسي، فإن أحببت كنت لك قرينة صادقة، وإن أبيت كنت لك صديقة مخلصة. وأنت أيتها الفتاة المسكينة، لا يخفك انتقامي. إني سأكون لك درعًا متينة. تدرأ عنك الأذى، وتقيك شر حوادث الدهر. فكوني هادئة مطمئنة، واستقبلي السعادة والهناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤