الفصل العاشر

كنوز البحار

وصلنا الآن إلى الجزء الثاني من رحلتنا في أعماق البحار. انتهى الجزء الأول بالمشهد المؤثر في مقبرة الشعب المرجانية. في الرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني عام ١٨٦٨ صعدت إلى السطح وشاهدت ربانًا يقيس ارتفاع الشمس.

كنا نستكشف مياه المحيط الهندي، قد يشعر الشخص العادي بالملل من هذه الرحلة، وقد تبدو الساعات طويلة له، لكن السير يوميًّا على سطح الغواصة، ومشهد المياه الغنية، والكتب بالمكتبة والسجل اليومي للمناظر الطبيعية كان هو النعيم في نظري، فقد شغلت هذه الأمور وقتي بالكامل ولم يكن هناك دقيقة واحدة أشعر فيها بالضجر.

على مدار الأسابيع القليلة التالية، سرتني رؤية الحياة تحت سطح المياه والطيور على امتداد سطح المحيط، لاحظ القبطان نيمو ابتهاجي وقدم إليّ دعوة.

«هذه جزيرة سيلان، وهي تشتهر بمصايد اللؤلؤ. هل تود زيارة إحداها يا سيد آروناكس؟»

«بالطبع يا قبطان.»

سألني: «بالمناسبة، ألا تخشى أسماك القرش؟»

صحت: «أسماك القرش!»

«أجل، أسماك القرش … أتخشاها؟»

قلت في صدق: «حسنًا يا قبطان، أنا لست معتادًا عليها.»

قال القبطان: «نحن معتادون عليها، ومع الوقت ستعتاد عليها أنت أيضًا، مع ذلك سنكون مسلحين، فمن الممكن أن نرغب في اصطيادها، انتظر حتى الغد يا سيدي، واستعد للمغادرة باكرًا.»

تركني القبطان نيمو وتلك الفكرة تدور في ذهني، استسلمت للخوف من تهديد أسماك القرش، لا شك أن القبطان الماهر لن يضعنا في أي موقف يعرضنا للخطر. أليس كذلك؟

دخل نيد وكونسيل في غضون بضع دقائق، فقد علما بالفعل عن زيارة غد وشعرا بالحماسة، فكرت في أنهما يتمتعان بشجاعة كبيرة لعدم ذكرهما أسماك القرش.

قال نيد: «قبل أن نذهب، أود أن أسألك عن اللؤلؤ، ما هو اللؤلؤ على وجه التحديد؟»

استغربت لسؤال نيد عن اللؤلؤ قبل أن يسأل عن أسماك القرش، لكنني على أي حال أجبته.

بادرت بقول: «اللؤلؤ هو ما ينمو داخل المحار.» ثم أسهبت في شرح التفاصيل التي أظن أنه لم يهتم لأمر العديد منها. عندما رأيت أنه لن يتحدث عن موضوع أسماك القرش، قررت أن أتحدث عنه بنفسي.

قلت وأنا أحاول تقليد نبرة القبطان نيمو التي تنم عن عدم اكتراث: «بالمناسبة، هل تخشى أسماك القرش، يا نيد الشجاع؟»

أجاب: «بالطبع لا، إن وظيفتي في الحياة هي صائد حيتان بالرماح.»

قلت: «لكن هذا الأمر مختلف تمامًا يا صديقي.» كنت أحاول أن أجعله يرى الفارق بين الحالتين «ماذا ستفعل إذا صادفك قرش وأنت لا تبحث عنه؟»

ضحك نيد قائلًا وهو يحاول التخلص من السؤال: «سأتعامل معه حينها.» أدركت أنني لن أستطيع إثارة مخاوفه، لذا قررت أنه من الأفضل الاحتفاظ بمخاوفي لنفسي.

وفي تمام الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، انطلقنا للبحث عن اللآلئ. غادرنا في مركب، وأخذنا نجدف لنصل إلى مصايد اللآلئ.

تحدث القبطان نيمو من واقع خبرته: «في غضون شهر، ستكتظ هذه المنطقة بمراكب الصيد، وستستحق الأشياء التي سيعثرون عليها وقتهم وعناءهم.»

ارتدينا ثيابنا المطاطية واستعددنا للذهاب حيث يذهب الغواصة المتحمسون. أثناء سيرنا رأينا كنوز البحر، كانت اللآلئ رائعة الجمال! انبهرت بعددها وحجمها. صادفنا صياد هندي، كان على الأرجح رجلًا فقيرًا اضطر إلى استغلال وقته في البحث عن أي لآلئ يمكنه العثور عليها، لكن لم يلحظنا الغواص. راقبنا في اهتمام نزول الرجل فجأة إلى قاع البحر، وأخذ يحرك يده اليمنى في ذعر محاولًا الصعود إلى سطح المياه، فهمت سبب خوفه، كان هناك سمكة قرش هائلة الحجم تأتي في اتجاهه، كانت عينا السمكة تشتعل غضبًا وفمها مفتوح، وقفت بلا حراك من الفزع.

التف جسد سمكة القرش استعدادًا لمهاجمة الرجل الهندي، رأيت القبطان نيمو يرتفع في المياه فجأة، ويجهز سكينه ويتوجه مباشرة نحو الحيوان المفترس، وفي اللحظة التي كان ينقض فيها القرش على الرجل لقسمه نصفين بفكه، لاحظت السمكة القرش عدوها الجديد.

بدأت المعركة، غرز القبطان سكينه في جانب القرش، رأيته يتألم، لكنه كان ضخمًا، لن يقضي عليه جرح واحد. تعارك الاثنان، رأيت القبطان نيمو يتقهقر من الإعياء، فمعركته ضد هذا الحيوان الضخم صعبة للغاية حتى لقبطان مثله. سقط القبطان على الأرض، فتح القرش فكه على آخره، كان من الممكن أن ينتهي كل شيء لمحب البحار، لكن نيد اندفع في اتجاه القرش وفي يده رمح وغرس رأسه الحاد في القرش، انتهت المعركة.

قضينا الدقائق القليلة التالية في محاولة إفاقة الرجل الهندي، بدأ الرجل يستعيد وعيه بنجاح، فتح عينيه، ظهرت مشاعر الذعر على وجهه لدى رؤيته أربعة رجال ينحنون فوقه. وقف ولا يزال مرتبكًا مما حدث.

عندما علم القبطان أن الرجل استعاد وعيه، أخرج من جيبه صرة من اللآلئ ووضعها في يد الرجل. قبل الرجل هذا الكنز الصغير، هدية من ملك البحار لصياد فقير، بيد مرتجفة. اتضح من نظرات الرجل الحائرة أنه لا يميز نوع المخلوقات التي يدين لها بالمال وبحياته.

سار الموكب فوق الأمواج في طريق العودة، وبعد بضع دقائق من مغادرتنا، رأينا جثة القرش طافية فوق المياه، لقد حالفنا الحظ جميعًا لنجاتنا من الموت.

أدركت شيئين من هذه التجربة، أولهما أن القبطان نيمو رجل شجاع، الشيء الثاني أن هذا القبطان الطيب يهتم حقًّا بالبشر، إن هذا الرجل مليء بالمفاجآت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤