الفصل الثالث

غرق وإنقاذ

كان سقوطي من فوق السفينة قاسيًا لكنني لا أذكر حقًّا ما حدث. في البداية، غطست في المياه مسافة عشرين قدمًا تقريبًا، لكنني سباح ماهر، لذلك لم يخفني ذلك الأمر. صعدت مرة أخرى على سطح المياه، لكن عندما نظرت حولي في الظلام، رأيت شيئًا مظلمًا يختفي ناحية الشرق، كانت أنوار ذلك الشيء تنزوي ببطء. لقد كانت السفينة! أنا ضائع الآن!

صرخت وأنا أسبح تجاه السفينة: «النجدة! النجدة!»

التصقت ملابسي بجسدي ومنعتني من التحرك. كنت أغرق! كنت أختنق!

«النجدة!»

كانت تلك صيحتي الأخيرة. امتلأ فمي بالماء وكافحت كي أظل فوق سطح الماء، وفجأة امتدت يد قوية وجذبتني من ملابسي وشعرت بنفسي أنجذب نحو السطح. بعد ذلك سمعت بوضوح شديد هذه الكلمات تهمس في أذني: «سيدي، إذا أمكنك أن تتكئ على كتفي فستتمكن من السباحة بسهولة أكثر.»

أمسكت بيد كونسيل.

سألته وأنا لا أدري أين أنا: «هل هذا أنت؟»

أجاب كونسيل: «أجل، أنا في انتظار أوامرك.»

«أعتقد أن كلينا سقط في المياه.»

أجاب كونسيل: «كلا، لكن بما أنك سيدي، قفزت وراءك.»

كان من الصعب عليَّ تصديق أنه قفز بالفعل خلفي في المياه. لكنه كان صديقًا وفيًّا.

سألته: «وماذا عن السفينة؟»

أجاب كونسيل: «السفينة؟ لا أعتقد أنه يجب عليك أن تعتمد عليها في نجدتنا. فعندما قفزت إلى الماء، سمعت الرجال عند عجلة القيادة يقولون إن مروحة الدفع والدفة تحطمتا.»

«تحطمتا؟»

«أجل، حطمهما الوحش بأسنانه، وهذا هو الضرر الوحيد الذي لحق بسفينة أبراهام لينكولن، لكن السفينة ابتعدت الآن، لا يمكننا لفت انتباهها.»

قلت لنفسي: «إذن نحن تائهون.»

قال كونسيل: «ربما، لكن لا يزال أمامنا عدة ساعات، يمكننا فعل الكثير في ذلك الوقت.»

أعطاني موقف كونسيل الذي لا يخلو من القلق بصيصًا من الأمل. إلا أن ثقل ملابسي جعلتني أفكر أنني لن أستطيع السباحة مسافة كبيرة.

سألني كونسيل: «هل تحب أن أمزق ثيابك؟» وبعد أن استأذنني، استخدم سكينًا لتمزيق ملابسي من أعلى إلى أسفل. وعندما بدأت السباحة، انخلعت الثياب بسهولة، وفعلت الأمر نفسه معه، وواصلنا السباحة معًا.

لكن كان موقفنا مفزعًا، ربما لم يلحظ أحد أننا مفقودون. مع ذلك كانت أفضل آمالنا أن نواصل السباحة في اتجاه السفينة. حل منتصف الليل، ربما مع بزوغ ضوء النهار سنكون على مقربة كافية منهم ليرونا.

أصابني الإعياء فجأة، لم يعد باستطاعتي السباحة. رأينا السفينة، لكنها كانت لا تزال تبعد عنا مسافة خمسة أميال. صرخنا في الهواء، رغم استحالة سماعنا.

أصغينا السمع، ربما يكون صوت صفير في أذني، لكن بدا لي أن هناك صيحة تجيبنا.

تمتمت: «هل سمعت هذا؟»

«أجل! أجل!»

صاح كونسيل في ذعر مرة أخرى.

لكن هذه المرة لم أكن مخطئًا! أجاب صوت بشريّ صيحاتنا! هل كان هذا صوت شخص آخر ترك في منتصف المحيط؟ أم أن هناك قاربًا تابعًا للسفينة يحاول العثور علينا في الظلام؟

صاح كونسيل مرة أخيرة، ثم تراجع في المياه مرة أخرى وهو يشعر بالإرهاق.

«ماذا رأيت؟»

قال في نبرة انهزامية: «رأيت ….»

ماذا رأى؟ الوحش؟ ماذا عن الصوت؟ لقد سمعته بصعوبة. لقد أنهكت قواي، وتيبست أصابعي، وارتخى فمي وانفتح، ودخل الماء المالح إليه، تملكت البرودة من جسدي. رفعت رأسي للمرة الأخيرة، ثم غرقت في المياه.

اصطدم بي شيء صلب في تلك اللحظة بالضبط، تشبثت به وشعرت وكأنني أنجذب إلى أعلى، شعرت بنفسي على سطح المياه، وفي تلك اللحظة غبت عن الوعي.

استعدت الوعي على تدليك كونسيل السريع لجسدي، فتحت عيني جزئيًّا.

تمتمت: «كونسيل! ماذا تريد؟»

حينها، انحسر ضوء القمر في الأفق. وفي وهج القمر، رأيت وجهًا غير وجه كونسيل، تعرفت على هذا الوجه في الحال.

صحت: «نيد! هل سقطتَ في المياه بفعل اهتزاز السفينة القوي.»

«أجل يا بروفيسور، لكنني كنت محظوظًا، فقد عثرت على جزيرة.»

قلت: «جزيرة؟»

«حسنًا، تحريًا للدقة أعتقد أنني هبطت فوق كركدن البحر العملاق.»

سألت في حيرة شديدة: «ماذا تقصد؟»

«لقد ألقيت الرمح بالفعل، لكنه لم يثقب القشرة الخارجية، في واقع الأمر انثنى الرمح.»

سألته: «لماذا يا نيد، لماذا؟»

«لأنه يا بروفيسور، الحيوان البحري مصنوع من الحديد.»

أدخلت كلمات نيد العديد من الأفكار في ذهني، تسلقت إلى قمة الشيء الذي نجلس فوقه وركلته بقدمي، كان جسم ذلك الشيء صلبًا، لا يشبه الجسم الخارجي لمعظم الحيوانات البحرية. لكن هل يمكن أن يكون من الزواحف، كالسلحفاة أو التمساح الأمريكي؟

كلا، كان ذلك الشيء من صنع الإنسان، كان أملس ومصنوعًا من الفولاذ. من الواضح أننا نرقد فوق ظهر شيء كمركب على شكل سمكة ضخمة من الفولاذ.

في ذلك الوقت علا صوت خرير في مؤخرة الشيء الغريب، وبدأ يتحرك، لم يكن لدينا متسع من الوقت لإحكام قبضتنا بالجزء العلوي الذي نتأ مسافة سبعة أقدام خارج المياه.

قال نيد: «ما دامت تمشي في خط مستقيم فسنكون بخير، لكن إذا قررت أن تغوص في المياه، فسينتهي أمرنا.»

ركل نيد الفولاذ الذي كنا نقف عليه، وقال «افتح الباب أيها الوحش.» مرت دقيقة حتى استوعبت أن صديقي يريد الدخول، كان المركب الذي نجلس فوقه يغوص ببطء.

لحسن حظنا توقف المركب عن النزول داخل المياه، وفجأة سمعنا صوتًا كقرع المعدن قادمًا من داخل المركب. تحركت دائرة معدنية وظهر رجل، أطلق الرجل صرخة غريبة واختفى. وبعد مرور بضع دقائق، ظهر ثمانية رجال أقوياء، ولوحوا بأيديهم إشارة لنا للقدوم إلى داخل المركب، امتثلنا للأمر ونحن لا ندري ماذا علينا أن نتوقع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤