الفصل الثالث

نفس منظر الفصل الثاني

المشهد الأول

(هانم – ثم عفيفي)
هانم (تدخل حاملة قلة وتضعها بجوار الشباك) : على الله تبرد، دي الدنيا حر قوي.
عفيفي (داخلًا) : إنتي هنا يا هانم؟
هانم : عفيفي! وازاي تسيب ضيفك فوق؟
عفيفي : هاتي بوسة قبله.
هانم : يا سلام! (تتدلل، ولكن عفيفي يأخذها بين ذراعَيه ويقبِّلها) لكن بس قول لي سيبت فرحات بيه فوق ليه؟
عفيفي : هو أنا سيبته لوحده! دا قاعد مع أمي؛ حماته.
هانم : يمكن قلق.
عفيفي : دول قاعدين يحكوا لبعض حكايات، ومتفرفشين خالص، بس كنت عاوز أشوفك عشان مسألة صغيرة ومكسوف قوي أقولها لك.
هانم : تنكسف مني يا عفيفي. إخص عليك. ما كانش عشمي فيك.
عفيفي : لا. ماهي المسألة اتكررت، وخايف تفتكري فيَّ حاجة بطَّالة.
هانم : قل لي بقى إيه!
عفيفي : اسكتي يا شيخة. أنا موش عارف امتى احرَّم التيرو ده.
هانم : إنت خسرت فيه؟
عفيفي : والله أنا مكسوف أقول لك إني خسرت، واني ما بقاش معايا لا ابيض ولا اسود، واديني عاوز اخرُج مع فرحات في ساعة المغربية دي، وموش عارف أعمل إيه؟ وانتي تعرفي كمان من يوم مسألة صاحبي اللي قعد يطالبني بالريال اللي كنت استلفته منه ما بقيتش قادر إني استلف من حد أبدًا، خصوصًا واني عارف إنك قبضت الماهية النهارده.
هانم : وعاوز كام يا روحي؟
عفيفي : ولو شلن. أنا ما معيش العمى.
هانم : طب هات قبله كمان بوسة.
عفيفي : خدي يا روحي (يقبِّلها).
هانم : خد يا سيدي خد. دنا كلي لك. فلوسي وروحي وجسمي وعقلي. دا انت سيدي، وحياة النبي إنت سيدي.
عفيفي : الله يبارك لي فيكي يا هانم، والله مافيش حد في البيت بيفرج ضيقتي غيرك.
هانم : دا انت يا سيدي الخير والبركة.
عفيفي : بس أنا خايف قوي يا هانم الراجل ما يرضاش يجوِّز اختي لفرحات بيه.
هانم : يا عفيفي. أنا سمعت حاجة غريبة قوي. قال إنت عاوز تجوِّز فرحات لاختك قال علشان يسعى لك في جوازة بنت واحد بيه!
عفيفي : دا كلام فارغ. مين اللي قال كدة؟
هانم : العصفور.
عفيفي (بغضب) : إنتي بتقولي لي كدة علشان أم خمسة اللي اديتهالي ولا إيه؟
هانم : إخص عليك يا عفوفة. أنا خايفة يا روحي تسيبني وتنساني.
عفيفي : أنا أسيبك؟ برضو كدة! هو أنا مانيش ابن أصل ولَّا إيه، خدي يا ستي أم خمسة بتاعتك خدي (يمد يده بالخمسة قروش).
هانم (تدفع يده إلى جيبه) : والله العظيم لتاخدها. إخص عليك! بقى يعني بتعمل كدة عشان بحبك وخايفة عليك؟
عفيفي : خايفة عليَّ يعني تقومي تهينيني. دا يصح؟
هانم : خد يا عفوفة. خد يا حبيبي.
عفيفي : ماخدش أم خمسة أبدًا.
هانم : ليه بس؟
عفيفي : أنا حلفت إني ماخدش أم خمسة. إذا كانت عشرة صاغ معلهش.
هانم : طيب خد يا سيدي خد (تناوله خمسة قروش أخرى).
عفيفي : مرسي. يلا بقى روحي شوفي الكلاب أحسن يكونوا جعانين ولَّا عطشانين، ولما أطلع أنا كمان أقابل نسيبي العزيز (يخرجان).

المشهد الثاني

(جميلة – بليغ)

(خارج المنزل وراء الشباك المطل على الحارة.)

(تدخل جميلة بعد قليل، وتغلق الباب وراءها، ثم تقف بجوار الشباك المطل على الحارة ملتفتة من حين لآخر إلى الباب المغلق.)

جميلة : يا ساتر يا رب! أهو الميعاد قرب. بس ما يجيش حد علينا. يا رب جعلت أموري بين إيديك.
بليغ (يُسمَع صوت بليغ من وراء الشباك) : جميلة أديني جيت في الميعاد.
جميلة : بشويش. بشويش خالص أحسن حد يسمعنا. أمي وابويا واخويا والجدع اللي اسمه فرحات قاعدين فوق، وبعدين ما يحصلش طيب.
بليغ : أنا مسرور خالص اللي شفتك النهارده. يا حبيبتي إنتي ما تقدريش تقدَّري قد إيه أنا مبسوط. دي الساعة دي اللي بتمناها طول عمري.
جميلة : وأنا كمان يا حبيبي ما أقدرش أقولك اللي بحس بيه في قلبي من الحب والفرح. ربنا يعلم قد إيه أنا بفكر فيك ليلي ونهاري. إنت يا حبيبي دايمًا قدام عيني في كل حتة. إن أكلت ولَّا شربت اقعد أفتكر فيك، وان نمت ألاقي طيفك في المنام. إنت حياتي. إنت وجودي. إنت الدنيا كلها باللي فيها من هَنا وسرور.
بليغ : أنا موش قادر أعبَّر عن فرحي. أديني قلت اللي أنا عاوزه. الحمد لله يا جميلة اللي بتحبيني للدرجة دي. الحمد لله يا ستي. الحمد لله يا حبيبتي.
جميلة : لكن إنت لابس اسود في اسود ليه؟
بليغ : إنتي ما بلغكيش الخبر؟
جميلة : لا.
بليغ : عمي مات امبارح، ودفناه النهارده الصبح.
جميلة : مسكين يا بليغ! موش كفاية إنك بتشوف الذل في حبي، لما كمان ربنا يبليك بموت عمك.
بليغ : واعمل إيه يا ستي؟ أعمل إيه؟ لكن موت عمي ده فيه الحزن والسرور.
جميلة : الحزن والسرور؟ وازاي بقى؟
بليغ : لأنه مات ولا سابشي عيال، وانا اللي ورثته، وبقى عندي ميت فدان وربعمية (٤٠٠) جنيه في البنك، وبالطبع رايح أقدر أجوِّزك غصب عن عنين أمك وأخوك.
جميلة : صحيح يا بليغ رايح تقدر تجوزني؟ يعني أمي ترضى؟
بليغ : ما ترضاش ليه إذا كنت رايح أدفع مهر أكبر من فرحات؟ وإذا حبيت كمان اكتب لها كام فدان باسمها.
جميلة : يا حبيبي يا بليغ، يا حبيبي. الفرح جالنا يا روحي. الحمد لله.
بليغ : ماهو اللي يصبر يا حبيبتي ينال مراده.
جميلة : حقة يا بليغ ياما شفنا من أخويا وأمي. دوقنا المر يا حبيبي. لكن أهو ربنا فرجها وزي ما بيقول المثل: «اصبر تنول المرام.»
بليغ : موش كدة! دنا كنت أقعد أبكي طول الليل، وبالنهار أروح الديوان وما اعرفش أشتغل، وكفاية الإهانات اللي أخدتها من أخوك وأمك هنا في بيتك. لكن استحملت كل ده عشان خاطر عيونك. عيونك السود، وأهو ربنا فرجها، وزي ما قلتي: «اصبر تنول المرام.»
جميلة : ويا ترى أبويا يعرف المسألة؟
بليغ : أمال! وشيَّع الجنازة النهارده الصبح معايا.
جميلة : ورايح يكلم أمي واخويا؟
بليغ : أمال! لكن أنا رتبت له المسألة، ونصحته بأنه ينتهز الفرص أحسن بعدين نخسر كل حاجة، ونخرج من المولد بلا حمص.
جميلة : عملت طيب يا حبيبي.
بليغ : هاتي إيدك لما أبوسها (تعطيه يدها فيقبِّلها، ثم يقبِّلها من خدها فتعانِقه، ويمكثان هنيهة، ثم يسمعان صوتَ عفيفي من الحوش فيقفان).
عفيفي (من الخارج) : ياللا بنا نقعد في المندرة شوية قبل ما نخرج.
فرحات : أنا مستعجل شوية.
عفيفي : بس اسمع الكلام.
جميلة : اجري يا بليغ اجري بالمشوار. دا عفيفي وفرحات.
بليغ : وحتعملي إيه؟
جميلة (بعد تردد) : موش حاقدر أطلع أحسن بعدين أقابلهم في الباب. أقول لك. حستخبى ورا الستارة دي.
بليغ : طب هاتي بوسة قبل ما روح.
جميلة : خد. دانت طمَّاع (يذهب وتدخل خلف الستارة).

المشهد الثالث

(جميلة (خلف الستار) – فرحات – عفيفي – ثم خليفة)
عفيفي : ادخل يا عم ادخل. دهده! اللمبة موش مولعة. يا هانم. يا خليفة، يا خليفة (يصفق).
خليفة (من الخارج) : نعم.
عفيفي : إنت يا راجل ما ولعتش اللمبة؟
خليفة (داخلًا) : ماهو بلا قافية ما كونتش عارف إنك حتقعد شوية في المندرة.
عفيفي : اخلص قوام.
خليفة (يبحث في ملابسه) : مانيش لاقي كبريت.
عفيفي : جاتك داهية في وشك (يناوله علبة كبريت يُخرِجها من جيبه، فيُشعِل خليفة اللمبة، ثم يخرج).
فرحات : إنت دايمًا قاسي على الراجل المسكين ده!
عفيفي : ما تقولشي كدة يا شيخ. جاته سكين. تعرف دك النهار عمل إيه بعد ما طلعنا فوق؟ دخل آل يعزي عبد الستار ويحضنه ويبوسه.
فرحات : معناها الراجل ده ضدنا؟
عفيفي : أمال.
فرحات : يعني لازم أديله أنا راخر فوق دماغه بعد ما اجوز أختك.
عفيفي : وقبل ما تجوزها كمان. من دلوقت ما عليك إلا إنك تسفخ له.
فرحات : وانا خير المسفخين يا سيدي. لكن بس قول لي، أبوك ده موش عاوز يجوِّزني لبنته ليه؟ ما يمكنشي يعني نعمل حيلة عليه ونخليه يرضى.
عفيفي : أبويا دا من الجماعة اللي ما يجوش إلا بالشدة، فما تخافشي منه.
فرحات : أديك عارف، إن ما كونتش تجوزني أختك، عمرك ما انت مجوِّز بنت عزيز بيه.
عفيفي : ويعني عزيز بيه حيرضى يديني بنته؟
فرحات : عزيز بيه! دا راجل مغفل. موش زي أبوك راجل واعي. دنا امبارح لعبت عليه حتة ملعوب من الدرجة الأولى.
عفيفي : إزاي بقى؟
فرحات : تعرف ورق الإعلانات اللي زي ورق البنكنوت؟
عفيفي : آه.
فرحات : خليته صرف لي منهم ورقة بعشرة جنيه، واديته الورقة؟
عفيفي : يا شيخ!
فرحات : وحياة راس أبوك. نتشت منه العشرة جنيه، واديته الورقة.
عفيفي : وبعدين لما يعرفها؟
فرحات : يستحيل؛ لأنه دايمًا يحوش الورق أبو عشرة جنيه.
عفيفي : ولما يعرفوها في البنك؟
فرحات : هوَّ بيودِّي فلوسه البنك؟! لا يا شيخ دا بيحوِّشهم في البيت عنده. دنا عملتها فيه يجي خمس ست مرات.
عفيفي : والله خايف عليك يا شيخ لتقع.
فرحات : لا، والله خايف عليك إنك ما تجوِّزشي بنته.
عفيفي : إزاي بقى؟
فرحات : عشان إن ابوك بيستحكم في إرادتك.
عفيفي : وان كان بكرة الصبح يكتب الكتاب؟
فرحات : يكون بكرة المغرب كتب كتابك على بنت عزيز بيه.
عفيفي : وهْو كذلك.
فرحات : تعرف يا عفيفي، أنا كنت عاوز أجوِّز بنت عزيز بيه، ولكن فضَّلتك عني؛ لأنك صاحبي وحبيبي من زمان، وكمان عشان سبب تاني.
عفيفي : وإيه هو السبب ده؟
فرحات : السبب إني، ولا مؤاخذة يعني في الكلمة دي، أحب أختك كتير، والله يا أخي إني احبها من يوم ما شفتها من أول مرة.
عفيفي : وامتى حصل ده؟
فرحات : من مدة شهرين. كنت جيت أزورك زي العادة، وكانت هي داخلة مع الست الوالدة. فلما شفتها ارتعش قلبي، وحبيتها حب طاهر شريف، وعشان كدة طلبت إيدها منك، وهو دا السبب اللي خلَّاني ما خدتش بنت عزيز بيه بعد ما كنا حنتفق خلاص. فاعتقد يا أخي إن عزيز بيه راجل تمام، وان بيته بيت أدب.
عفيفي : مؤكد، والدليل إنك كنت عاوز تجوِّز بنته.
فرحات : وأنا حتى سمعت إن في نيته إنه يشتري أوتومبيل.
عفيفي : يا سلام!
فرحات : بالطبع بكرة تتفسح في الأوتومبيل مع الست.
عفيفي : طبعًا. يوم أروح الجزيرة، ويوم أروح شبرا، ويوم مصر الجديدة، ويوم العباسية. دي حتبقى عيشة نغنغة قوي.
فرحات : وكمان زي ما قلت لك، الراجل عزيز بيه راجل مغفل وتقدر كل يوم والتاني تضحك عليه، وتاخد لك منه كام قرش.
عفيفي : تعرف بعد ما اعمل كدة واحوش كام قرش، أعمل بهم إيه؟
فرحات : تشتري لك كام فدان.
عفيفي : لا يا شيخ. أألِّف جوق، واشتغل في التمثيل بحق وحقيق.
فرحات : صحيح دنا نسيت. دانت مشهور قوي في التمثيل.
عفيفي : موش قوي.
فرحات : موش قوي إزاي؟ دنا يا شيخ بسمع في القهوة ومن أصحابي اسمك تقولشي سلامة حجازي التاني.
عفيفي : دا بس من لطفك.
فرحات : لا لا يا أخي. الحق إنت مشهور قوي خصوصًا في نوع المحزن.
عفيفي : لا، والكوميدي كمان، وطالع في مخي إني أألِّف روايات كمان.
فرحات : عشان ما تكسب من وراها؟
عفيفي : لا يا شيخ (بشكل تمثيلي) بل في سبيل الفن الذي نخدمه طول الدهر.
فرحات : شيء جميل. أهو دا المنتظر فيك.
عفيفي : وموش بس رايح أألِّف جوق، لا وأنا برضو إن شاء الله لما أحوش كام قرش من ورا قفا عزيز بيه، راح افتح جورنال.
فرحات : جورنال؟
عفيفي : أمال. جورنال برضو أجعله في سبيل الفن.
فرحات : دا انت ظاهر لي إنك من الشبان اللي تفتخر بيهم الشبيبة.
عفيفي : دا بس من ذوقك وظرفك وأدبك.
فرحات : والله لا يا سي عفيفي إنت الحق مشهور قوي بين الناس. تعرف امبارح لما كنا ماشيين في السكة، كانوا بيقولوا إيه الاتنين الأفندية اللي كانوا ماشيين ورانا؟
عفيفي : لا ما سمعتش.
فرحات : واحد منهم قال للتاني: ما تعرفشي مين دول؟! آم التاني قال له: لا. آم قال الأول: دا عفيفي بيك الممثل الهائل العبقري، أستاذ فن التمثيل من غواة العاصمة. والتاني قال: دا فرحات بيه الشاعر الهائل الذي طفق الخافقين ذكره وصار بين الأنام خبره وأمره.
عفيفي : صحيح يا فرحات بيه إنت شاعر هائل، وصحيح بكرة تبقى أحسن من امرئ القيس تمام. دانا يا شيخ لما قريت القصيدة اللي نشرتها في «الكوكب» بقيت من سروري مدهوش مانيش عارف أعمل إيه.
فرحات : دا برضو من ذوقك ولطفك.
عفيفي : إنت ما تحبش دايمًا تفتخر. التواضع شيمة الكبراء، وانتم من النبلاء.
فرحات : يا سلام! (ينظر إلى ساعته) ياللا بنا بقى أحسن الوقت راح.
عفيفي : والله يا فرحات إنت مشهور خالص، وانا ازاي نسيت المسألة دي؟!
فرحات : تعرف لو كان معايا جورنال «الكوكب» لكنت وريتك القصيدة اللي ابتدأتها بالغزل وانتهيت فيها بالمدح والفخر.
عفيفي : دنا كل يوم باقرا ديوانك يا شيخ.
فرحات : دا ما بقاش فاضل منه ولا نسخة.
عفيفي : بالطبع.
فرحات : أما مسألة الديوان دي غريبة قوي. دنا مرة بعتُّه لواحد بيه آم مارضيش ياخده، والله وحياتك وبعتِّ له جواب سبيت له فيه تمام.
عفيفي : عملت طيب.
فرحات : وتاني يوم واكتب لك مقالة في جورنال «الكوكب» لعنت لك فيها خاشه.
عفيفي : برافو. برافو.
فرحات : نعمل إيه يا فندم في الناس دي اللي ما بتفهمش؟
عفيفي : أهو ما ينفعش معاهم إلا كدة.
فرحات : معلوم.
عفيفي : تعرف بكرة لما أعمل الجورنال لازم أعمل زيك في البهوات اللي راح يردوه. أطلَّع دينهم. أفضل أسب فيهم في الجورنال لما أقول بس.
فرحات : وأنا معاك يا بطل. بس ياللا بنا نخرج أحسن الوقت راح.
عفيفي : أنا كمان طالع معاك في مشوار صغير قوي، وبعدين رايح أرجع.
فرحات : وهو كذلك.
عفيفي : رايح أرجع حالًا علشان ألعب لك ملعوبي، وتبقى المسألة تمام.
فرحات : شيء جميل، ياللا بنا ياللا (يخرجان).

المشهد الرابع

(جميلة – ثم خليفة)

(جميلة تخرج من مخبئها، وهي صفراء الوجه، وتجلس على كرسي وتبكي.)

خليفة (داخلًا) : ست جميلة هنا؟ دنا كنت داخل أطفي اللمبة، طيب وبلا قافية كنتي فين!
جميلة : كنت فين؟! اسكت يا خليفة اسكت.
خليفة : بتعيطي؟ إزاي؟ ست الكل بتعيط! ليه يا ستي؟ ما تقطعيش قلبي ياختي. إنتي نسيتي إني زي أبوكي. موش أنا اللي مربيكي؟
جميلة : اسكت. اسكت. ماكنتش أظن كدة يا خليفة.
خليفة : بلا قافية، وإيه اللي جرى بس؟
جميلة : كنت في المندرة هنا، وبعدين جيت اخرُج قمت لقيت عفيفي وفرحات جايين. قمت استخبيت ورا الستارة، وبعدين سمعت اللي قالوه. آه يا خليفة لو كنت سامع! آه لو كنت سامع!
خليفة : عارف عارف اللي قالوه.
جميلة : إزاي؟
خليفة : سمعتي إنتي إيه؟
جميلة : ما كنتش أظن إن أخويا واحد ساقط بالشكل ده. عاوز يبيعني ويشتريني. عاوز يبيعني لراجل نصَّاب بينصب على الناس.
خليفة : إخص عليك يا عفيفي! أما إنك بلا قافية واد ابن كلب صحيح.
جميلة : مسكين أبويا يا خليفة، والنبي مسكين. مسكين خالص. أنا عارفة ليه ربنا وقَّعه في إيد الجماعة دول.
خليفة : ربك معاكي يا بنتي، واللي ربنا معاه ما يخسرشي أبدًا.
جميلة (تهمُّ واقفة) : تعرف يا خليفة لو قاموا كلهم وجم يموتوني يستحيل أجوِّز فرحات أبدًا. سامع … لكن خليك معانا. مسكين أبويا وقلبه زي الريشة تنفخه يطير.
خليفة (يضحك) : ماهو بلا قافية ماحدش يعرفه غيري.
جميلة : إيدك على إيدي يا خليفة.
خليفة : ما تخافيش.

المشهد الخامس

(جميلة – خليفة – نفوسة – ثم عبد الستار)
نفوسة : ديهده يا سي خليفة! قاعد تضرب محدت مع جميلة في المندرة ومولع اللمبة. مانتش عارف إن الجاز غالي. هو جرى لك إيه في عقلك يا راجل؟
جميلة : يامَّا دا كان أخويا وفرحات أفندي هنا.
نفوسة : فرحات بيه خطيبك؟
جميلة : خطيبي؟! فشر.
نفوسة : فشر! إنتي اتخبطي في عقلك يا بنت؟!
خليفة : بقى هو يا ست أم عفيفي بلا قافية دايمًا كدة مانتش عاوزة حد يقول بم.
نفوسة : وانت مالك يا راجل! اخرج برة. روح شوف شغلك.
خليفة : وحياة النبي حرام عليك يا ست أم عفيفي.
جميلة : معلوم حرام عليك. تجوِّزيني الراجل النصاب.
نفوسة : مين يا بنت اللي فتَّح عينك، وخلَّاكي تتكلمي الكلام ده.
خليفة : يا ست أم عفيفي هدِّي أخلاقك.
نفوسة : وحياة النبي إن كنت موش حتخرج حالًا …
عبد الستار (داخلًا) : جرى إيه؟ الزعيق ده ليه؟
نفوسة : إنت كمان عاوز لك علقة ولَّا إيه؟ إنت نسيت اللي عملته امبارح.
عبد الستار : موش قصدي. بس شايفك كدة زعلانة وعمالة تزعقي زي اللي عليها زار.
نفوسة : ما ازعقشي إزاي لما أشوف البنت اللي لسة زي الكتكوت اللي ما طلعتشي من البيضة عمَّالة تفتح في عينيها، وتقول لي آل فشر إنها تجوِّز فرحات بيه.
عبد الستار : إنتي قلتي كدة يا جميلة؟
جميلة : معلوم قلت كدة، وأقول كمان كدة طول ماني شايفة إن أخويا عاوز يبيعني للراجل ده.
عبد الستار : إزاي ده؟
جميلة : أنا شفت بعيني وسمعت بودني ماحدش قال لي.
نفوسة : شفت بعينك إيه يادلعدي؟
عبد الستار : إيه يا جميلة اللي شفتيه؟
جميلة : معلوم شفت بعيني. كنت هنا في الأودة، وبعدين دخل عليَّ أخويا وفرحات. قمت استخبيت ورا الستارة، وسمعت كل اللي قالوه.
نفوسة : وقالوا إيه يا روحي؟
جميلة : قعد فرحات يقول لاخويا إن ما جوِّزنيش له مش حيجوِّزه لبنت واحد اسمه عزيز بك.
عبد الستار : ماهو الكلام ده اللي كنت بقوله.
نفوسة : موش تستنى يا راجل!
عبد الستار : حاضر أديني استنيت.
نفوسة : وبعدين يا جميلة؟
جميلة : وقعد فرحات يقول لعفيفي إنه نصب على عزيز بيه وادَّاله ورقة من نوع الإعلانات زي ورق البنكنوت، وأخد منه عشرة جنيه فكة. سامعة يامَّا؟ أنا أبدًا ما أجوزشي راجل نصاب زي ده، وأظن يامَّا إنك ما ترضيش إنتي كمان.
عبد الستار : خصوصًا بعد ما تعرف أمك الحالة الجديدة اللي حتحصل لبليغ أفندي.
نفوسة : حالة إيه يا سي عبد الستار؟
عبد الستار : بليغ أفندي بقى صاحب ثروة.
نفوسة (مندهشة) : وازاي بقى؟
عبد الستار : عمه مات امبارح.
نفوسة : وعمه دا مين في البلد يا عبده؟
خليفة : بلا قافية راجل مشهور قوي.
نفوسة : موش تسكت يا راجل وتنسد.
عبد الستار : سبحان الله يا خليفة جرى إيه؟ (لنفوسة) دا عمه راجل عنده ميت فدان ويجي ٤٠٠ جنيه في البنك، ومالوش حد يورثه غير بليغ.
نفوسة : صحيح يا عبده الكلام اللي بتقوله؟
عبد الستار : وحياة راس أبويا كلام جد.
نفوسة : ويعني صبح بليغ أغنى من فرحات؟
عبد الستار : يا شيخة اعقلي واعرفي إن فرحات دا راجل بطال، ولا حلتوش حاجة أبدًا.
جميلة : وحياتك يامَّا إنه راجل بطال.
خليفة : والله العظيم دا بلا قافية راجل ما يساويش بصلة.
نفوسة : إنت موش حتنسد يا راجل؟
عبد الستار : ده من بتوع الأزبكية اللي يمشوا ورا أولاد الذوات.
نفوسة : وبليغ بقى غني قوي؟
عبد الستار : خمسين جنيه شهري، وموش ناوي يعمل الزفة بالطبل البلدي زي فرحات، لا أبدًا؛ بالمزيكة الميري.
خليفة : دا بلا قافية مافيش زيه في البلد أبدًا.
نفوسة : طب ياخويا وعمه مات صحيح؟
عبد الستار : ودفنته النهارده الصبح.
نفوسة (تحتد) : بنت يا جميلة مانتيش مجوزة إلا بليغ.
عبد الستار : الله يخليكي لينا يام عفيفي، ولَّا إنتي صحيح أم حنونة ما تمشيش إلا ورا الخير لبنتك. الله يخليكي يام عفيفي.
خليفة : الله يطول عمرك يا ست، وبلا قافية الله يزيدك من نعيمه.
نفوسة : بس قول لي يا عبده. أعمل إيه في الواد عفيفي لو طلع خلقه؟
عبد الستار : صحيح يام عفيفي. أقول لك، طلعي إنتي كمان خلقك عليه، ووريني كدة همتك معاه.
نفوسة : وإن زعق فيَّ وخضني؟
عبد الستار : ما شاء الله تخافي من طفل صغيَّر زي ده؟! إنتي نسيتي إنك مشهورة بالبأس والإقدام، وان ليَّ ثقة كبيرة فيكي؟ ورايح أسيب لك هذه المسألة دي تعملي فيها اللي انتي عاوزاه.
خليفة : بلا قافية ما تيجوا نحط إيدينا في إيدين بعض. إنتم نسيتم إن الكترة تغلب الشجاعة.
نفوسة : صحيح الكترة تغلب الشجاعة، والله صدقت في كدة يا مضروب على قلبك.
عبد الستار : ودلوقت حيث إني أصبحت مطمئن البال، وحيث إني اصطلحت مع زوجتي المحبوبة، أما أطلع لحد الفكهاني أشتري لكم حاجة.
نفوسة : أنا نفسي في اليوسففندي.
عبد الستار : أيوة، والله أنا كمان نفسي فيه. لازم أروح أجيب لك منه.
نفوسة : وليه تتعب روحك ما تدي للبغل يروح يشتري؟
خليفة : لا يا ستي ما اقدرش أخرج. بلا قافية لسة ما كنستش للكلاب.
عبد الستار : معلش يا خليفة. روح اكنس لهم. خصوصًا واننا موش عاوزين نزعل عفيفي الليلة دي. أديني راحي أنا وبعد شوية إن شاء الله أكون عندكم (يقترب من زوجته) أما اخُدلي بوسة بقى، دي ليلة الهنا دي (يقبِّلها ويخرج).

المشهد السادس

(الحاضرون ما عدا عبد الستار)
نفوسة : شوفي يا بنتي الواد عفيفي ما يختشيش على عرضه يعمل كدة، والنبي ما كنتش أبدًا أظن إن قلبه أسود.
جميلة : أنا ما كانشي عشمي فيه كدة أبدًا يامَّا.
خليفة : شوفي أما أقول لك يا ست أم عفيفي. بقى الحقيقة إن عفيفي موش واد بطال، لكن دا بس فرحات ضحك عليه، وفرحات ده استعنت عليه بصباغ الليمون واد ابن كلب مرازي من اللي يقتلوا في الضهر ولا يخافوش.
نفوسة : إنت يا خليفة بتداخل في اللي مالكش فيه ليه؟ موش تروح تكنس للكلاب.
خليفة : إحنا بلا قافية موش قلنا الكترة تغلب الشجاعة.
نفوسة : وحياة أبوك يا سي خليفة تريحنا شوية ولا تدَّخَّلشي في أمور العيلة.
خليفة : حاضر بس بلا قافية …
نفوسة (مقاطِعة) : بلا قافية بلا زفت مسيَّح فوق دماغك. اخرج بقى.
خليفة : حاضر (يخرج).

المشهد السابع

(نفوسة – جميلة)
نفوسة : اوعي يا حبيبتي يا بنتي يخطر ببالك إني أجوِّزك الواد بتاع الأزبكية ده. أبدًا خصوصًا وان جوزك بليغ بيه بكرة يبسطك ويشوف كيفك. يجيب لك فرد الرز وأردب القمح والفراخ والحمام واللحم كل يوم ست أرطال وينغنغك خالص. موش بتقولوا إنه ورث؟ موش كدة ولَّا إيه يا جميلة؟
جميلة : أنا عارفة يامَّا. أبويا بيقول كدة، ولازم يكون صادق وبكرة نشوف.
نفوسة : معلوم. بكرة نشوف الخير والسعد على إيدين بليغ … ربنا يخليك يا بليغ، ويطوِّل عمرك، ويزيد في خيرك، ويصبحك أغنى الأغنيا، ويديك المراتب العليا يا بليغ يا جوز بنتي، خد من قلبي وصر.

المشهد الثامن

(نفوسة – جميلة – عفيفي)
عفيفي (داخلًا) : بليغ جوز بنتك! يعني إيه الكلام ده يا ست نفوسة؟!
نفوسة : دي دعوة صالحة يابني.
عفيفي : عاوزة تجوِّزي بنتك لبليغ؟
نفوسة : دا قال يابني عمه مات وورث فيه.
عفيفي (يصرخ) : إيه الكلام الفارغ ده اللي مالوش أصل ولا فصل. لازم جميلة تجَّوِّز فرحات.
جميلة (تصرخ) : يستحيل إني أجَّوِّزه. سامع كلامي؟ أنا مانيش تحت أمر حد.
عفيفي : بقولك إنك رايحة تجَّوِّزيه غصب عن عينك وعين أبوكي وامك.
جميلة : أبدًا ما اجَّوِّزوش. إنت فاهم إني مانيش عارفة اللي كنت بتقوله في المندرة هنا لما دخلت معاه. أنا كنت مستخبية ورا الستارة دي، وسمعت كل حاجة. برضو يصح ياخويا إنك تجوِّزني لراجل نصَّاب؟
عفيفي : نصَّاب؟
جميلة : أيوة نصَّاب. إنت نسيت قصة عزيز بيه ولَّا إيه؟
عفيفي (متضايقًا) : اخرجي.
نفوسة : يابني هدي أخلاقك.
عفيفي (صارخًا) : اخرجي إنتي كمان يا ولية أحسن بعدين ما يحصلش طيب.
نفوسة : بس يابني قلبي عليك.
عفيفي : اللي قلبه عليَّ يسمع كلامي. موش يبجح لي زي البنت الصغيَّرة دي.
جميلة : أنا موش ببجح لحد، أنا موش عاوزة اجوِّز اللي يخيِّب بختي. سامع ولَّا لأ؟
عفيفي (مهدِّدًا) : وانتي حتسكتي ولَّا لأ؟
جميلة : أنا موش حاسكت بس. أديني سايبالك المندرة وطالعة في أودتي عشان ما سمعش كلامك ولا اشوف وشك.
عفيفي (دافعًا إياها إلى الباب) : برة ياللا برة اطلعي. أما بنت صحيح قليلة الأدب ياللا (تخرج جميلة).

المشهد التاسع

(عفيفي – نفوسة)
عفيفي : كويس قوي يامَّا. كويس خالص. دا شيء جميل جدًّا.
نفوسة : ماهو يابني بس …
عفيفي : بس إيه، وبتاع إيه … دانتو كلكم ما بقاش في وشكم دم، وحضرتك كمان اللي بنقول … إنها عاقلة وتفهم كل حاجة لقيتك من اللي بينضحك عليهم. بقى يا شيخة ما تختشيش على شيبتك إن واحد أهبل زي أبويا يضحك عليكي.
نفوسة : ده بيقول يابني إن فرحات قال من الجماعة اللي استغفر الله العظيم كدة وكدة، وبيقول إن بليغ ورث في عمه، وحيعمل لجميلة زفة بالمزيكة الميري.
عفيفي (يضحك) : ما شاء الله. ما شاء الله. بقى يصح برضو إنك تسمعي كلام الراجل اللي ماعندوش أدب ولا تربية. إنتي نسيتي أعماله مع هانم؟
نفوسة : يابني يمكن سمعت غلط.
عفيفي : وان كنت تشوفي بعينك؟
نفوسة : أصدقك يابني في كل حاجة.
عفيفي : وتجوِّزي فرحات لجميلة؟
نفوسة : طبعًا.
عفيفي (يصفق بيديه) : يا هانم. يا هانم.
هانم (من الخارج) : نعم.
عفيفي (لنفوسة) : تعالي هنا، هو أبويا فين؟
نفوسة : راح يشتري فاكهة وجاي.
عفيفي : يعني جاي قوام؟
نفوسة : حالًا.

المشهد العاشر

(عفيفي – نفوسة – هانم)
هانم (داخلة) : نعم يا سيدي.
عفيفي : شوفي يا هانم العجايب. عمركيش سمعتي في حياتك إن واحدة ست من كرام الستات زي أمي تسمع كلام واحد بتاع نسوان زي أبويا؟
هانم : واحدة زي ستي تسمع كلام واحد زي سيدي؟ ومين يقول الكلام ده؟
عفيفي : أنا!
هانم : لا يا سيدي لا. لا سمح الله. ما تقولشي كدة. إنت بتحلم ولَّا إيه؟
عفيفي : وحياة راس أبويا يا هانم. أنا اللي باقول الكلام ده.
هانم : يا سي عفيفي ما تقولشي كدة. أحسن الناس تقول عليك إنك بعيد الشر مجنون ولَّا عبيط.
عفيفي : أهو دا اللي حصل يا هانم. قال ستك العاقلة دي تقول وتصدق كمان أن بليغ قال عمه مات وورث فيه، وقال حيعمل زفة بالمزيكة الميري لجميلة.
هانم : ستي قالت الكلام ده؟ ستي يطلع من بقها الشريف الكلام ده. ستي ينطق لسانها الحلو اللي زي السكر بحاجة زي دي؟ أنا ما اصدقش.
عفيفي : وان كان كدة يا هانم؟
هانم : ما اصدقشي أبدًا … من حق يا ستي حصل كدة؟
نفوسة : أنا عارفة يا هانم أهو سيدك عبد الستار اللي كان بيقول كدة.
هانم : وهو يا ستي يصح إنك تسمعي كلام سيدي؟ هو دا يصح؟
عفيفي : وقال يا هانم موش مصدقة إن ابويا بتاع نسوان.
هانم (تضحك ضحكة نسائية) : موش بتاع نسوان؟ (تضحك) والله مسكينة يا ستي، والنبي مسكينة.
نفوسة : بتقولي إيه يا هانم!
هانم : ما بقولشي حاجة كبيرة. بس إن سيدي عبد الستار له قلب رقيق قوي ما يستحملشي نار الحب.
نفوسة : بتقولي إيه يا بت؟
هانم : باقول اللي قلته يا ستي، والنبي يا ستي إنتي صحيح مسكينة، مستأمناه، ومانتيش عارفة إيه اللي بيعمله في السر. دا له حكايات وقصص تملا كتب ودفاتر، ولا قصة عنتر وأبو زيد.
عفيفي : احكيها يا هانم احكيها.
هانم : تعرفي بياعة الطورشي اللي بتقعد على راس الشارع؟
نفوسة : آه!
هانم : وتعرفي بتاعة الترمس اللي بتفوت ساعة الضهرية؟
نفوسة : آه!
هانم : وتعرفي مرات السقا اللي بتجيب المية؟
نفوسة : آه!
هانم : وتعرفي أم حسين اللي عملت صحبتك قوي؟
نفوسة : آه! المرة العفشة المعفنة اللي ما تساويش مليم خردة.
هانم : هي بعينها، وتعرفي كعب الخير جارية الجيران؟
نفوسة : السودة الكودة اللي بتخوف العيال في السكة.
هانم : بعينها يا ستي، وتعرفي المرة الصعيدية الزبالة اللي بتشيل القرف فوق دماغها؟
نفوسة : أجرن ريحتك يا سي عبد الستار ما كانتش تنطاق.
هانم : وتعرفي … وتعرفي … أقول إيه واعيد إيه ما هم كتير قوي.
نفوسة : وفيه غيرهم كمان؟
هانم : كمان وكمان، وانتي عاملة زي الشيخة. تقوليشي يا ستي بلا قافية كنتي خارصة وعامية؟
نفوسة : أديني رايحة أفتح واسمع، والله ماهو خالص من إيدي أبدًا. قولي إيه اللي عمله معاكي إنتي؟
هانم : أنا ماليش ذنب أبدًا … وتعرفي يا ستي إن ما كنتش حمرت له عيني دا كان لا سمح الله عمل …!
نفوسة : مسكينة يا هانم، وانا اللي ظلمتك يا بنتي، وكنت عاوزة أطردك.
هانم : ماهو دايمًا كدة البريء مظلوم يا ستي.
عفيفي : شوفي يا هانم. أنا شايف إن ستك برضو موش مصدقة تمام، وعشان تقنعيها عاوزين إنها تستخبى ورا الستارة معايا، وانتي تقعدي تغازليه عشان تشوف الست بعينها اللي موش عاوزة تصدقه.
هانم : بس ما تزعليش يا ستي لو كنت اتعدى الحدود شوية.
نفوسة : أبدًا. اعملي اللي إنتي عاوزاه عشان أشوف ابن الهرمة ده بيخوني إزاي!
هانم : طيب، والله يا ستي لأوريك بعينك حاجات ما تشوفيهاش ولا في التياترو، وبعدها تبقي تعملي اللي انتي عاوزاه.
نفوسة : وأنا أخرق عينه، وانتف دقنه، وانزل عليه بالشبشب لما أقول بس.
عفيفي : وبعدها ما تصدقيش أبدًا كلامه.
نفوسة : أصدق كلامه بعد اللي حاشوفه. أبدًا. أبدًا وحياتك عندي يا عفوفة.
عفيفي : الحمد لله. الحمد لله. هوس أنا سامع حس رجليه في الحوش. ياللا يامَّا ورا الستارة ياللا (يختفي وراء الستارة ومعه نفوسة).

المشهد الحادي عشر

(عبد الستار (داخلًا) – هانم (واقفة في ركن تصلح شعرها) – عفيفي (خلف الستار مع نفوسة))
عبد الستار : ديهده؟ ماحدش في الأودة ولَّا إيه؟ الجماعة طلعوا فوق (يضع اليوسف أفندي على الطاولة) أما استريح شوية … (يرى هانم) إنتي هنا يا بنت بتعملي إيه؟
هانم : ولا حاجة. كان بدي أطفي اللمبة واطلع.
عبد الستار : ستِّك فوق؟
هانم : أيوة فوق.
عبد الستار : وجميلة؟
هانم : في أودتها.
عبد الستار : وعفيفي رجع؟ كان بيقول حيرجع قوام.
هانم : لأ. لسة ما رجعش.
عبد الستار : ويا ترى حيغيب؟
هانم : كان بيقول كدة.
عبد الستار : بقى كان بيضحك علينا؟!
هانم : يمكن. دا إيه يا سيدي ده اللي اشتريته.
عبد الستار : دا يوسف أفندي للمتلومة نفوسة (تطل نفوسة برأسها فيُرجِعها عفيفي).
هانم : أَخُدْش يوسافندية؟
عبد الستار : بلاش دلع. يكفي اللي جرى منك النوبة اللي فاتت.
هانم : هو أنا عملت حاجة كبيرة؟ موش إنت الحق عليك.
عبد الستار : عليَّ برضو؟ دانتي اللي فضحتيني.
هانم : وانا كنت قلت لعفيفي يقف ورا الباب.
عبد الستار : لأ أنا اللي قلت له.
هانم (تقترب منه بدلال) : النبي يا سيدي اديني يوسافندية.
عبد الستار : لا. لا يا ستي. كفاية. حد عارف. دي الحيطان لها ودان.
هانم : النبي يا سيدي اديني يوسافندية.
عبد الستار (ينظر حواليه) : أقولك. خلي المسألة بيع وشرا. اليوسافندية ببوسة ولا عنهاش كلت المتلومة نفوسة (تظهر دماغ نفوسة فيُرجِعها عفيفي).
هانم : أقولك يا سيدي ما دام بتقول إن المسألة بيع وشرا. خلِّي اليوسافنديتين ببوسة.
عبد الستار : أبدًا. أبدًا.
هانم (تقبِّله فجأة) : وتقول إيه في البوسة دي؟
عبد الستار : زي الشهد … أقولك الأربع يوسافنديات ببوسة (يناولها أربع يوسافنديات ويقبِّلها).
نفوسة : يابن الكلب.
عفيفي : استني شوية. إن الله مع الصابرين.
هانم : نفسي في بوسة كمان.
عبد الستار : وأنا يعني اللي ما نفسيش في بوسة (تقبِّله ويقبِّلها).
نفوسة (تظهر قليلًا) : يا دقن تعيتع.
عفيفي : استني (يختفيان).
عبد الستار (مفزوعًا) : مين اللي بيتكلم يا بنت يا هانم.
هانم : سبحان الله يا سيدي! هو الشارع يخلى من الناس؟
عبد الستار : صحيح يا هانم يمكن الغفير عمَّال يتحدت مع العسكري.
هانم : هو كدة برضو. أنا موش عارفة يا سيدي إنت ليه حلو كدة النهارده؟!
عبد الستار : وانا مانيش عارف ليه إنتي راضية عني؟! لكن بقى الكام بوسة دول ما يكفونيش.
هانم : يعني نفسك في حاجة تانية؟
عبد الستار : بالطبع.
هانم : لا. شوف أما أقولك بقى. إنت راجل بتاع نسوان، وانا ما اقدرشي على كدة.
عبد الستار : ومين قال لك إني بتاع نسوان؟
هانم : وهو حد يقدر يشوف عنيك ولا يقعش فيهم؟
عبد الستار : وماله يعني إذا كانت عيني حلوة قوي؟
هانم : ولا حاجة. لكن عوزاك تنسى بياعة الطرشي وبياعة الترمس وكعب الخير وام حسين و…
عبد الستار : وام ملين نسيتيها ليه، ومراة عمك الحاج بدوي، وست الدار البنت الخدَّامة اللي كانت قبلك هنا، وغيرها وغيرها.
هانم (تحاول نفوسة الخروجَ فيمنعها عفيفي) : ومين كمان وحياة ربنا؟
عبد الستار : دنا لو قعدت أعِدِّلك ما اخلص، وستك نفوسة (يضحك) تبقى قاعدة في أودتها ماهياش عارفة إيه اللي بيحصل فوق دماغها في الطقيسي (يضحك).
نفوسة (تظهر وتقول) : والله لأوريك يابن الكلب.
عفيفي (يُدخِلها) : اصبري عشان تشوفي اللي جاي.
عبد الستار : مين اللي بيتحدت يا بنت؟
هانم : فتِّش في الأودة.
عبد الستار (يلتفت حواليه) : مافيش حد.
هانم : إنت جرى لك إيه يا سيدي لا سمح الله. تعالى اقعد جنبي وياللا نتكلم سوا زي قبله عشان بدي أطلب منك حاجة.
عبد الستار : ماهي ستك نفوسة دي حمارة من الدرجة الأولى. تعرف تنهق تمام، لكن الأسرار اللي بعملها عمرها ما تعرفها.
هانم : صحيح ستي مغفلة.
عبد الستار : قوي يا هانم. قوي خالص. لكن بقى يعني إحنا قلنا إن البوس ما يكفيش.
هانم : احلف لي قبله إنك ما تعرفش بقى حد من النسوان دول، وانك نسيتهم خالص.
عبد الستار : وحياة أبوك خلاص. مافيش بيني وبينهم علاقة أبدًا.
هانم : كمان عاوزة تحلف لي على حاجة تانية، وبعدها …
عبد الستار : وإيه الحاجة دي كمان؟
هانم : بس ما اقدرشي أقولها لك أحسن تزعل.
عبد الستار : مسألة فيها فلوس؟
هانم : سيبنا من سيرة الفلوس.
عبد الستار : إذا كان حاجة مالهاش دعوة بالفلوس أحلف لك زي ما انتي عاوزة.
هانم : عاوزة تحلف لي إنك يا تطلق ستي نفوسة وتجَّوِّزني بدالها، يا ما تنمش معها في سرير أبدًا. يعني تبقى جوزها كدة وكدة.
عبد الستار : قصدك يعني إني ما …
هانم (مقاطِعة) : أيوة. فهمت؟
عبد الستار : فهمت قوي، ودي حاجة بسيطة. أما الطلاق صعب. إنتي نسيتي إنها أم أولادي.
هانم : طيب. ياللا احلف.
عبد الستار : أقسم لك بالله والأنبيا والأوليا إني …
نفوسة (مندفعة صارخة) : إنك راجل دون قليل الأصل … ابن كلب حمار عرة خالص. تستاهل ضرب الشبشب (تتناول شبشبها وتنهال ضربًا عليه).
عبد الستار : عيب يا نفوسة عيب. جاي يا ناس جاي (عفيفي يضحك من بعيد) الحقوني.
نفوسة (مستمرة في ضربه) : اخرص يا راجل ياللي مافيش في وشك دم. يا خاين ستك. ستك. ستك اللي لحم كتافك من خيرها … ستك اللي علِّمتك النضافة. ستك اللي لبِّستك البدلة والبنطلون. خد خد (تضربه).
عبد الستار : جاي. جاي يا ناس. الحقني يا عفيفي. أنا أبوك يابني. الله ينعل أبوك، وابو اللي جابوك يابن الكلب. يا خليفة يا خليفة (يدخل خليفة).

المشهد الثاني عشر

(الحاضرون – خليفة)
خليفة : الله. الله. عيب يا ست نفوسة عيب. دا بلا قافية جوزك.
عفيفي : اوعى يا راجل. موش شغلك.
نفوسة (تكف عن الضرب وتلتفت لخليفة) : وحياة النبي يا راجل إن ما سكت لأقرم ظورك.
خليفة : ماهو بلا قافية ما يصحش كدة أبدًا. دا جوزك وابو أولادك. يصح إنكم تضربوه؟ كلكم على واحد.
هانم : يا محلاك يا عم خليفة وانت زعلان وغضبان!
عبد الستار : دي بهدلة مافيش مثيلها. عم خليفة. تعالى جنبي هنا، ولا تنساش إن الكترة تغلب الشجاعة. إيدي على إيدك.
خليفة : معلوم، أشوفك كدة واسكت؟ أبدًا. هو انت بلا قافية موش سيدي؟
نفوسة : إنت يظهر يا سي خليفة نفسك في الشبشب.
عفيفي : اسمعي يا امي. اسمعي شوية. بقى أبويا ضحك عليكي، وقعد يذم لك في فرحات لما مارضتيش تجوِّزيه بنتك، وعشان كدة لازم نحبسه الليلة دي هنا في المندرة. نخليه ينام لوحده على الحصيرة. رأيك إيه؟
نفوسة : تمام. يسلم بقَّك يا عفوفة يا حيلتي من الدنيا.
عبد الستار : تحبسوني لوحدي هنا؟ يستحيل. خليفة إيدك معايا.
خليفة : يستحيل تحبسوا سيدي هنا. هو بلا قافية كان كلب ولَّا إيه؟
عفيفي : وحضرتك حتنحبس كمان عشان ما تجيش تبوسه وتحضنه وتفتح له الباب.
هانم : وحتحبس التستوس دا فين؟
عفيفي : في الكنيف.
عبد الستار : يستحيل تحبسوا خدامي. هو كان كلب ولَّا إيه؟
عفيفي : وان حبسته وحبستك يا سي عبده؟ (لخليفة) قدامي ياللا قدامي.
خليفة : أما اشوف (يتأهَّب للدفاع).
عفيفي : قدامي ياللا امشي ع الكنيف (يجذبه بقوة بينما هانم تشده من دقنه).
خليفة (مستنجدًا بعبد الستار) : يا سيدي الحقني. إنت نسيت إن الكترة تغلب الشجاعة.
عبد الستار (يهم بمساعدته فيجد نفوسة ماسكة الشبشب) : أعمل إيه يا خليفة الشبشب واقف قدامي (يخرج عفيفي وهانم وهما يشدان خليفة، وخليفة يستنجد).

المشهد الثالث عشر

(نفوسة – عبد الستار – هانم – عفيفي)
نفوسة (واقفة أمامه) : أهه. إن رحت كدة ولَّا كدة مافيش غير الشبشب.
عبد الستار : يا وقعتك السودا يا عبد الستار.
نفوسة : أما انت راجل ندل صحيح. وسخ. عِفِش. بتاع ترمس وطرشي وجواري سود.
عبد الستار : دنا كنت بهزر يا نفوسة (يسمع صراخ خليفة) يا وقعتك السودا يا خليفة.
نفوسة : بتهزر، وكمان بتضحك عليَّ. بكرة جميلة تجَّوِّز فرحات غصب عن عينيك.
عبد الستار : يستحيل.
عفيفي (داخلًا) : إيه هو اللي يستحيل؟
عبد الستار : مافيش حاجة.
نفوسة : عملت إيه في البغل دكهه؟
عفيفي : حبسته في الكنيف عشان ما يجيش يآنس سي عبد الستار.
هانم : مسكين قعد يعوي زي الكلب.
عفيفي : أما حضرتك. محبوس طول الليل في الأودة هنا.
عبد الستار : حاضر.
هانم : ليلة سعيدة يا سيدي. إن شاء الله تنام بخير.
عبد الستار : حاضر.
نفوسة : ياللا يا عفوفة.
عبد الستار (مستعطفًا) : حرام عليكم أنا راجل كبير، وان نمت هنا للصبح يجي لي برد وتبقى عبارة. ارحموني يا ناس.
نفوسة : ارجع ورا. هات المفتاح يا عفيفي.
عفيفي : خدي يامَّا.
عبد الستار : يستحيل (يحاول الخروج فيمنعونه، ويخرجون ويقفلون الباب بالمفتاح فيرجع مدحورًا).

المشهد الرابع عشر

(عبد الستار (منفردًا) – ثم الشاويش من الشارع)
عبد الستار : الله؟ دول سكُّوا من حق وحقيق! يا جماعة بتهزروا ولَّا جد؟ (يحاول فتح الباب فيجده موصدًا) الله الله الله! دول حبسوني صحيح! يا ولاد الحرام! دنا وقعت في كبشة غجر. افتحوا الباب أحسن والله العظيم والجلشاني والدرديري والشيخ الأربعين لاعمل فيكم بعدين اللي ما يُعمل. الله يا جماعة! افتحوا! الله يا ناس افتحوا ديهده. ربنا يبتليكي إنتي وابنك بالحصبة والاسبانيولي يا نفوسة يا قرشانة يامُّ عفيفي. ربنا يخيب أملك. الله لا يورِّيك خير في حياتَك يابني يا عفيفي. سكوا الباب عليك يا عبده … مسكين يا عبده (يتهيج) لكن يستحيل يجوِّزوا جميلة لفرحات (يصرخ في وسط الغرفة) سامعين ما تجَّوِّزش فرحات. سامعين. ما تجَّوِّزش فرحات. يستحيل. ما تجَّوِّزش فرحات (يذهب ويصرخ في خرم الباب) يستحيل تجَّوِّز فرحات. سامعين ما تجَّوِّزشي فرحات (يذهب للشباك ويصرخ) يستحيل تجَّوِّز فرحات.
الشاويش (من الحارة) : بتزعَّج كدة ليه يا راجل؟
عبد الستار : ومين إنت كمان؟
الشاويش : باجول لك ما تزعجشي وتجلج الأمن العام.
عبد الستار : مين إنت؟ اخلص.
الشاويش : شاويش النجطة. باجول لك ما تزعجش.
عبد الستار : حاضر (يذهب ويجلس على كرسي في وسط الغرفة، ثم يقول بصوت فيه بكاء) لا ما تجَّوِّزش. يستحيل تجَّوِّزه (يبكي).
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤