الفصل الخامس عشر

كيف خسرت رومة حريتها بغتة في دولة الجمهورية المزدهرة

طلب العوام في أثناء اضطرام النزاع بينهم وبين الأشراف، وضع قوانين ثابتة لكيلا تصدر الأحكام عن إرادة تابعة لهواها أو عن سلطة مرادية، ويذعن السِّنات لذلك بعد مقاومات كثيرة، ويعين عشرة حكام لوضع هذه القوانين، وترى ضرورة منحهم سلطانًا كبيرًا لما يجب عليهم من وضع قوانين لأحزاب متنافرة تقريبًا، ويمسك عن تعيين جميع الحكام، وينتخب هؤلاء في مجالس الشعب المعروفة بالكوميس مديرين وحيدين للجمهورية، ويتقمصون القنصلية وسلطة المحاماة عن الشعب، وتمنحهم إحدى السلطتين حق جمع السِّنات، وتمنحهم الأخرى حق جمع الشعب، ولكنهم لم يجمعوا هذا ولا ذلك، وعشرة رجال في الجمهورية فقط هم الذين صارت لهم جميع السلطة الاشتراعية وجميع السلطة التنفيذية وجميع سلطة القضاء، فرئيت رومة خاضعة لطغيان كبغي تاركن، ولما كان تاركن يزاول مظالمه كانت رومة ساخطة على السلطة التي اغتصبها، ولما زاول الحكام العشرة مظالمهم بهتت رومة من السلطة التي منحتهم إياها.

ولكن ماذا كان نظام البغي الذي أنتجه أناس لم ينالوا السلطة السياسية والعسكرية إلا عن معرفة بالأمور المدنية، والذين كانوا في مثل أحوال تلك الأزمنة محتاجين إلى جبن الأهلين في الداخل ليتركوا حاكمين وإلى جرأتهم في الخارج ليكونوا عنها مدافعين؟

وما كان من منظر موت ڨرجيني التي ذبحها أبوها عن حياء وحرية أدى إلى زوال سلطة الحكام العشرة، وذلك أن كل واحد وجد أنه حر؛ لأنه رأى أنه مهان؛ أي: أن جميع الناس غدوا أبناء وطن؛ لأن كل واحد منهم أبصر أنه أب، وقد عاد السِّنات والشعب إلى حرية كانت قد سلمت إلى طغاة مثيرين للسخرية.

وكان الشعب الروماني يهيج بالمناظر أكثر من غيره، فمنظر جسم لوكريس الدامي أدى إلى انتهاء الملكية، وأسفر منظر المدين الذي ظهر مثخنًا بالجروح في الميدان عن تغيير شكل الجمهورية، وأوجب منظر ڨرجيني طرد الحكام العشرة، واقتضى الحكم على منليوس حجب منظر الكاپيتول عن الشعب، وأعادت حلة قيصر الدامية رومة إلى العبودية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤