كيف يختلف الناس في مختلف الأقاليم
وتؤدي قوة نسائج شعوب الشمال إلى استخلاص أغلظ السوائل من الأغذية، وينشأ عن هذا أمران وهما: أن أجزاء الكَيْلُوس، أو اللِّنْفا، أصلح لتُطَبَّقَ، بسطحها الواسع، على النسائج وعلى تغذيتها، وأنها أقل صلاحًا لتمنح السائل العصبي، بغلظها، بعض اللطافة، ولذلك يكون لدى هذه الشعوب أبدان كبيرة ونشاط قليل.
ويسفر كل واحد من الأعصاب التي تنتهي إلى نسيج جلدنا من كل جهة عن حزمة من الأعصاب، وليس جميع العصب هو الذي يهز عادة، بل جزء منه صغير إلى الغاية، وفي البلدان الحارة، حيث نسيج الجلد رخو، تكون أطراف الأعصاب متفتحة معرضة لأقل عمل من أقل الأمور، وفي البلدان الباردة يكون نسيج الجلد متكمشًا والحلم متقبضة واللمم الصغيرة متخلعة فلا ينتقل الإحساس إلى الدماغ إلا إذا كان قويًا جدًّا وبجميع العصب معًا، ولكن الخيال والذوق والعاطفة والنشاط أمور تتوقف على ما لا يُحصى من الإحساسات الصغيرة.
وقد أنعمت النظر في النسيج الخارجي للسان ضائن، وذلك في المكان الذي يظهر بالنظر المجرد أنه مستور بحلم، فأبصرت بالمجهر على هذه الحلم شعيرات صغيرة أو نوعًا من الزغب، وكان يوجد بين الحلم أهرام تؤلف من الطرف مثل مناقيش صغيرة، ويحتمل كثيرًا أن تكون هذه الأهرام عضو الذوق الرئيس.
وقد جمدت نصف هذا اللسان فوجدت بالنظر المجرد أن الحلم صغرت كثيرًا، حتى إنني وجدت بعض صفوف الحلم غاصت في غلافها، وقد فحصت النسيج من ذلك بالمجهر فعدت لا أبصر أهرامًا، وكلما كان اللسان يحل كانت الحلم تبرز فترى بالعين المجردة وكانت اللمم الصغيرة تبدأ بالظهور ثانية.
وتؤيد هذه الملاحظة ما قلته، وذلك أن اللمم العصبية في البلاد الباردة أقل تفتحًا، فهي تغوص في غلفها حيث تكون في حمى من الأشياء الخارجية، وتكون الإحساسات، إذن، أقل نشاطًا.
ويكون في البلاد الباردة قليل إحساس نحو الملاذ، ويكون هذا الإحساس أعظم من ذلك في البلاد المعتدلة، وهو يبلغ الغاية في البلاد الحارة، وكما أنه يفرق بين الأقاليم بدرجات العرض يُفرق بينها بدرجات الإحساس أيضًا، ومن ذلك أنني شاهدت أُپرات إنكلترة وإيطالية، والروايات هي هي، والممثلون هم هم، غير أنه كان للموسيقا الواحدة من اختلاف التأثير في كل من الأمتين ما كنت ترى معه أن إحداهما من الهدوء البالغ والأخرى من الخفة البالغة ما لا يتصوره العقل كما يلوح.
وقل مثل هذا عن الألم، فالألم يثار فينا بتمزق بعض نسائج جسمنا، وقضى صانع الطبيعة بأن يزيد هذا الألم كلما عظم الزعج، ومن الواضح في الواقع أن أجسام شعوب الشمال الكبيرة ونسائجهم الغليظة أقل استعدادًا للانزعاج من نسائج شعوب البلاد الحارة الدقيقة، ولذا تكون النفس هناك أقل تقبلًا للألم، فيجب سلخ الروسي حتى يحقن بإحساس.
وما في البلاد الحارة من دقة إحساس الأعضاء هذه يجعل النفس هائجة جدًّا بكل ما له علاقة باتصال الجنسين، وكل شيء يؤدي إلى هذا الغرض.
ولا تكاد طبيعة الحب في أقاليم الشمال تكون من القوة ما تصبح معه على شيء كبير من الإحساس، ويصبح الحب، المصحوب بألف لاحقة، في البلاد المعتدلة لذيذًا بأمور تلوح أنها بعينه في البداءة، ولما تكنه، ويُحب الحب لنفسه في البلاد الأكثر حرارة، فهو سبب السعادة الوحيد، وهو الحياة.
وفي بلاد الجنوب آلة لطيفة ضعيفة، ولكن مع إحساس، تسلم نفسها إلى حب يولد في سراي ويهدأ بلا انقطاع، أو إلى حب يدعُ النساء لأعظم حرية فيكون عرضة لألف كدر، وفي بلاد الشمال آلة سليمة حسنة الجهاز، ولكن مع ثقل، تجد ملاذها في كل ما يمكن أن يرد النفوس إلى الحركة، كالصيد والرحلات والحرب والخمر، وفي أقاليم الشمال شعوب ذات معايب قليلة وفضائل كافية وكثير من الإخلاص والحرية، واقتربوا من بلاد الجنوب تروا أنكم تبتعدون حتى عن الأخلاق، فالأهواء الحادة تُكثر الجرائم، وكلٌّ يحاول أن يأخذ على الآخرين جميع المنافع التي قد تعين على هذه الأهواء نفسها، وترون في البلاد المعتدلة شعوبًا متقلبة في أوضاعها، وفي رذائلها وفضائلها، فليس للإقليم صفة معينة بدرجة الكفاية حتى تُثبتها نفسها.