الفصل الثاني

يوجد في بلاد الجنوب تفاوت طبيعي بين الجنسين

يكون النساء في الأقاليم الحارة بالغات١ في الثامنة والتاسعة والعاشرة من سنيهن، وهكذا تسير الطفولة والزواج معًا فيها، ويشيب النساء في العشرين من عمرهن، ولذا لا يجتمع العقل والجمال فيهن مطلقًا، ومتى تطلب الجمال أن يكون السلطان له صدَّه العقل عن ذلك، ومتى أمكن العقل نيل ذلك عاد الجمال غير موجود، ويجب أن يكون النساء تابعات؛ وذلك لأن العقل لا يستطيع أن يجعل لهن سلطانًا مطلقًا في مشيبهن لم ينعم الجمال عليهن به في شبابهن، ولذلك يكون من الأمور البسيطة جدًّا أن يترك الرجل امرأته، عند عدم معارضة الدين، لينال امرأة أخرى، وأن يُصار إلى تعدد الزوجات.

وفي البلاد المعتدلة، حيث تكون ملاحات النساء أحسن حفظًا لنفسها، وحيث يتأخر بلوغهن، وحيث يصبحن ذوات أولاد في سن أكثر تقدمًا، يتبع مشيب أزواجهن مشيبهن من بعض الوجوه، وبما أنهن يكن أكبر عقلًا وأعظم معرفة حين زواجهن عن تقدم في السن، فإن من الطبيعي أن يُقبل نوع من المساواة بين الجنسين ومن ثم قانون الاقتصار على امرأة واحدة.

وفي البلاد الباردة يؤدي استعمال المشروبات القوية عن ضرورة تقريبًا إلى إفراط الرجال، ولذا تفضلهم النساء عقلًا عن اعتدال طبيعي لما يجب عليهن من الاحتراز.

ولم تضع الطبيعة التي ميزت الرجال بالقوة والعقل حدًّا لسلطانهم غير حد هذه القوة وهذا العقل، وقد أنعمت على النساء بالملاحات وأرادت أن يقف نفوذهن عند هذه الملاحات، بيد أن هذه الملاحات لا تكون في البلاد الحارة إلا في بدء الأمر، لا في أثناء حياتهن مطلقًا.

وهكذا يناسب القانون الذي لا يبيح غير الزواج بامرأة واحدة طبيعة إقليم أوروبة أكثر من أن يناسب طبيعة إقليم آسية، وهذا من الأسباب التي وجد الإسلام بها سهولة كبيرة في الاستقرار بآسية وصعوبة عظيمة في الانتشار بأوروبة، وهذا من الأسباب التي بقيت النصرانية بها في أوروبة وانهارت بها في آسية، والتي تقدم المسلمون بها في الصين كثيرًا والتي تقدم النصارى بها في الصين قليلًا، فالعوامل البشرية تتبع، دائمًا، هذا السبب الأعلى الذي يفعل كل ما يريد وينتفع بكل ما يريد.

ومن الأسباب الخاصة بڨلانتينيان٢ ما جعله يبيح تعدد الزوجات في الإمبراطورية، فهذا القانون الثقيل في أقاليمنا قد أُزيل٣ من قبل تيودوز وأركاديوس وهنوريوس.

هوامش

(١) تزوج محمد خديجة في الخامسة من سنيها، وبنى عليها في الثامن من عمرها، ويكون البنات في بلاد العرب والهند الحارة بالغات في الثامنة من سنيهن، ويضعن في السنة القابلة، بريدو، حياة محمد، وترى في ممالك الجزائر نساء يلدن في التاسع والعاشر والحادي عشر من أعمارهن، لوجيه دوتاسيس، تاريخ مملكة الجزائر، صفحة ٦١ [كانت السيدة خديجة في الأربعين من عمرها حينما تزوجها السيد الرسول، وأما السيدة عائشة فهي التي تزوجها صغيرة (م)].
(٢) انظر إلى جورنانديس De regno et tempor, success وإلى المؤرخين الكنسيين.
(٣) انظر إلى القانون ٧ من مجموعة De Idœis et cœlicolis، وإلى الملحق ١٨، فصل ٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤