الحكومة الجمهورية والقوانين الخاصة بالديموقراطية
إذا كانت السلطة ذات السيادة في الجمهورية قبضة الشعب جملة سُمي هذا ديموقراطية، وإذا كانت السلطة ذات السيادة قبضة فريق من الشعب سُمي هذا أريستوقراطية.
والشعب في الديموقراطية هو المليك من بعض الوجوه، وهو المرءوس من وجوه أخرى.
ولا يمكن أن يكون مليكًا إلا بأصواته التي هي عزائمه، وإرادة السيد هي السيد نفسه، ولذا تكون القوانين التي تقرر حق التصويت أساسية في هذه الحكومة، والواقع أن من المهم، أيضًا، أن تنظم في هذه الحكومة كيفية التصويت ومن يصوت ولمن يصوت وعلام يصوت، وأن يعرف في الملكية من هو الملك والوجه الذي يجب أن يحكم به.
وعلى صاحب السلطة العليا، الشعب، أن يصنع بنفسه كل ما يحسن صنعه، وعليه أن يصنع بواسطة وزرائه ما لا يحسن صنعه.
ولا يكون وزراؤه له مطلقًا؛ إذ لم يعينهم، ويكون تعيين الشعب لوزرائه؛ أي: لحكامه، مبدأ أساسيًّا لدى هذه الحكومة إذن.
ويحتاج كالملوك، حتى أكثر من الملوك، أن يقاد من قبل مجلس أو سِنَات، ويجب على الشعب أن ينتخب أعضاء هذا المجلس حتى يثق بهم، وذلك بأن يختارهم بنفسه كما في أثينة، أو بواسطة من ينصب من الحكام لانتخابهم كما كان يقع في رومة أحيانًا.
والشعب يُورث العجب في اختيار مَن يجب أن يُفوِّض إليهم قسمًا من سلطته، وليس عليه أن يقوم بغير أشياء لا يمكن أن يجهلها وبغير أمور تقع تحت إدراكه، فالشعب يعرف جيدًا أن رجلًا ما كان في الحرب غالبًا، وأنه نال هذا الفوز أو ذلك الفوز، فيكون الشعب، إذن، عظيم القدرة على انتخاب قائد، والشعب يعلم أن قاضيًا ما مواظب، وأن كثيرًا من الناس ينصرفون من محكمته راضين عنه، وأنه لم يدن بالارتشاء، فيكون لدى الشعب من القدرة، إذن، ما يكفي لانتخاب قاضٍ، والشعب يقف نظره جاه أحد أبناء الوطن أو غناه، فيكفي هذا لاختيار ناظر للأبنية والملاعب، وجميع هذه الأشياء هي أمور يطلع عليها الشعب في الميدان العام أحسن من اطلاع ملك عليها في قصره، ولكن أيعرف إدارة عمل وتبين المواقع والفرص والأوقات المناسبة للانتفاع بها؟ كلا، إنه لا يعرف ذلك.
ومن كان في شك من قدرة الشعب الفطرية على تمييز المزية فما عليه إلا أن يُلقي نظره على اتصال سلسلة الاختيار العجيب الذي قام به الأثينيون والرومان، وهذا ما لا يُعزى إلى المصادفة لا ريب.
وكما أن معظم الأهلين، الذين لديهم من الأهلية ما يكفي للانتخاب، ليس لديهم من الأهلية ما يكفي ليكونوا منتخبين، لم يكن الشعب، الذي عنده من القدرة ما يقدر به إدارة الآخرين، أهلًا للإدارة بنفسه.
ويجب أن تسير الأمور، ويجب أن تكون على شيء من الحركة غير بالغ البطء ولا السرعة، ولكن الشعب يكون كثير الحركة أو قليلها على الدوام، فما يحدث أحيانًا أن يقلب كل شيء بمئة ألف ذراع، ومما يحدث أحيانًا ألا يسير بمئة ألف قدم إلا كالحشرات.
وفي الدولة الشعبية تقسم الأمة إلى بعض الطبقات، وفي الوجه الذي تم به هذا التقسيم امتاز عظمة المشترعين، وعلى ذلك توقف دوام الديموقراطية وازدهارها في كل حين.
وبما أن تقسيم من لهم حق التصويت قانون أساسي في الجمهورية فإن طريقة ممارسة هذا التصويت قانون أساسي آخر.
والتصويت بالقرعة من طبيعة الديموقراطية، والتصويت بالاختيار من طبيعة الأريستوقراطية.
والقرعة هي طريقة انتخاب لا تغم أحدًا، فهي تدع لكل مواطن أملًا معقولًا في خدمة وطنه.
ولكن بما أنها ناقصة بنفسها غالى المشترعون في تنظيمها وتقويمها.
وفي أثينة سن سولون مبدأ التعيين بالاختيار لجميع المناصب العسكرية، ومبدأ الانتخاب بالقرعة لمناصب السِّنات والقضاء.
وقد أراد أن تكون بالاختيار مناصب الحكام التي تستلزم نفقة عظيمة، وأن تُمنح الأخرى بالقرعة.
وفي السِّنات تكون المكيدة خطرة، وتكون خطرة في هيئة الأشراف، وهي لا تكون كذلك في الشعب الذي تقضي طبيعته أن يسير عن عاطفة، ويهيج الشعب في الدول التي لا نصيب له في حكومتها مطلقًا من أجل ممثل، كما يصنع في الأمور، وتكون آفة الجمهورية في خلوها من المكايد، ويكون هذا عند إفساد الشعب بالمال، وذلك أنه يغدو فاتر الدم كَلِفًا بالمال غير كَلِفٍ بالأمور غير مبالٍ بالحكومة وما يعرض فيها منتظرًا أجرته هادئًا.