الفصل الثاني

روح التجارة

نتيجة التجارة الطبيعية هو أن يؤدَّى إلى السَّلْم، فإذا ما تعاملت أُمَّتَان تَبِعَت كلٌّ منهما الأخرى مقابَلةً، وذلك أنه إذا كان من مصلحة إحداهما أن تشتري كان من مصلحة الأخرى أن تبيع، وأن جميع الاتحادات قامت على مُتَبَادل الاحتياجات.

ولكن روح التجارة إذا كانت توحِّد بين الأمم لم تُوحِّد بين الأفراد على هذا الوجه، فما نرى في البلاد١ التي لم يُتَظَاهَر فيها بغير روح التجارة أنه يُتَاجَر بجميع الأعمال الإنسانية وبجميع الفضائل الخُلُقية، فأصغر ما تقتضيه الإنسانية من الأمور يُصنَع هنالك، أو يُعطَى هنالك، من أجلِ المال.

ومما تؤدي إليه روح التجارة في الناس شعور بالعدل تام، مناقض لقَطْع الطرق من ناحية، ومناقض من ناحية أخرى لتلك الفضائل الخُلُقية التي تَحوُلُ، دائمًا، دون جِدَال الإنسان حَوْلَ مصالحه جدالًا عنيفًا، حَولَ هذه المصالح التي يمكن إهمالها في سبيل مصالح الآخرين.

وعلى العكس يؤدي الزهد التام في التجارة إلى قَطع السابلةِ الذي يَعُدُّه أرسطو من أوجه الكَسْب، وليست روح ذلك مناقضة لبعض الفضائل الخُلُقية مطلقًا، ومن ذلك كون القِرَى، النادر جدًّا في البلدان التجارية، موجودًا بين الشعوب القاطعة للطرق بما يثير العجب.

ويروي تاسِيتُ أن من الفضائح لدى الجِرمان إغلاقَ الرجل منزله دون أي رجلٍ كان، معروفًا كان هذا الرجل أو مجهولًا، فمن قام٢ بالقِرَى نحو غريب ذهب ليُرِيَه منزلًا آخر حيث يُقام به أيضًا فيُقْبَل بمثل ذلك اللُّطف أيضًا، بيد أن الجِرمان لما أقاموا ممالك صار القِرَى عندهم أمرًا ثقيلًا، ويظهر هذا من قانونين في مجموعة البورغون القانونية،٣ فأما أحدهما فيفرض عقوبة على كل واحد من البرابرة يَدُل غريبًا على منزل روماني، وأما الآخر فيقضي بأن يعوَّض كلُّ مَن يَقرِى غريبًا من قِبَل الأهلين، فيدفع كل واحد منهم نصيبًا.

هوامش

(١) هولندة.
(٢) Et qui modo hospes fuerat, monstrator hospitii. De moribus Germ، فصل ٢١ وانظر أيضًا إلى قيصر، حرب الغوليين، باب ٦، فصل ٢١.
(٣) فصل ٣٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤