الفصل العاشر

الصِّرافة

تؤدي وفرة النقود وندرتها النسبيتان في مختلف البلدان إلى ما يُسمى الصرافة.

والصرافة تثبيت لقيمة النقود الحاضرة والعابرة.

والفضة، معدنًا، ذات قيمة كجميع السلع الأخرى، ولها، أيضًا، قيمة تأتي من إمكانها أن تصير رمزًا لسلع أخرى، وهي لو كانت سلعة بسيطة لم يُشك في أنها تخسر كثيرًا من قيمتها.

والفضة، نقدًا، ذات قيمة يمكن الأمير أن يقررها من بعض الوجوه ولا يمكنه أن يقررها من وجوه أخرى.

ويجعل الأمير نسبة بين مقدار من الفضة معدنًا وعين المقدار نقدًا، ويقرر الأمير ما بين مختلف المعادن المستعملة نقدًا من النسبة، ويعيِّن الأمير وزن كل قطعة من النقد وعِياره، ثم يعطي الأمير كل قطعة تلك القيمة الخيالية التي تكلمت عنها، والقيمة الحقيقية ما أسمِّي بها قيمة النقد من حيث هذه الوجوه الأربعة، وذلك لإمكان تثبيتها بقانون.

ولنقود كل دولة قيمة نسبية زيادة على ذلك، وذلك ضِمن معنى قياسها بنقود البلدان الأخرى، وهذه القيمة النسبية هي ما وضعته الصرافة، وتتوقف هذه القيمة على القيمة الحقيقية كثيرًا، وهي تُعَيَّن بأعم تقدير من التجار، وهي لا يمكن أن تكون بمرسوم الأمير، وذلك لأنها تختلف بلا انقطاع وتخضع لألفِ حال.

ويقتدي مختلف الأمم، في تعيين القيمة النسبية، بأكثرها حيازة نقود، فهذه الأمة إذا ما كان عندها من النقود ما يَعدل ما عند جميع الأمم الأخرى معًا وَجَب على كل واحدة من هذه أن تذهب لتقيس نفسها بها، وهذا ما يؤدي إلى اقتداء كل منها بالأخرى تقريبًا كقياسها نفسها بالأمة الأكثر اعتبارًا.

وهولندة١ هي الأمة التي نتكلم عنها في حال العالَم الحاضرة، فلنبحث في الصرافة بالنسبة إليها.

يوجد في هولندة نقد يُسمى فلورين، ويساوي الفلُورينُ عشرين فَلْسًا أو أربعين نصف فَلْس، أو غرُويًا، ولنُبسط الآراء بأن نتمثل عدم وجود فلَورينات في هولندة مطلقًا وأنه لا يوجد فيها غير غرُويات، فالرجل الذي يكون عنده ألف فلورين يكون عنده أربعون ألف غرُو، وهلمَّ جرًّا، والواقع أن الصرافة مع هولندة تقوم على معرفة مقدار ما تساويه من غرُويات كل قطعة من نقود البلدان الأخرى، وبما أن المعاملات في فرنسة تقوم على إيكُويات ثلاث الليرات عادة فإن الصرافة تقوم على معرفة ما يساويه إيكُو ثلاث الليرات من الغرُويات، فإذا كانت الصرافة قائمة على أربعة وخمسين ساوى إيكو ثلاث الليرات أربعة وخمسين غرُويًا، وإذا كانت الصرافة قائمة على ستين ساوى إيكو ثلاث الليرات ستين غرويًا، وإذا كان النقد نادرًا في فرنسة كَثُر ما يساويه إيكو ثلاث الليرات من الغرُويات، وإذا كان النقد فيها وافرًا قَلَّ ما يساويه إيكو ثلاث الليرات من الغرويات.

وليست هذه الندرة أو هذه الوفرة التي ينشأ عنها اختلاف الصرافة ندرة أو وفرة حقيقية، بل ندرة أو وفرة نسبية، ومن ذلك أنه إذا ما زاد احتياج فرنسة إلى مال في هولندة ولم يكن الهولنديون محتاجين إلى مالٍ في فرنسة دُعِي النقد وافرًا في فرنسة ونادرًا في هولندة، والعكس بالعكس.

ولنفترض أن الصرافة مع هولندة قائمة على أربعة وخمسين، فلو كانت فرنسة وهولندة تؤلفان مدينة واحدة لحَدَث مثل ما يحدث عندما يُعطَى إيكو واحد، فيُخرِج الفرنسي من جيبه ثلاث ليرات ويُخرج الهولندي من جيبه أربعة وخمسين غرُويًا، ولكن بما أنه يوجد بين باريس وأمستردام مسافة فإنه يجب على من يُعطيني في مقابل إيكو ليراتي الثلاث أربعة وخمسين غرويًا له في هولندة أن يُعطيني سُفْتَجَةً بقيمة أربعة وخمسين غرويًا على هولندة، والأمر هنا لا يعود أمر أربعة وخمسين غرويًا، بل أمر سُفتجة أربعة وخمسين غرويًا، وهكذا يجب، للحكم٢ في ندرة النقد أو وفرته، أن يُعرف هل يوجد في فرنسة من سفاتج الأربعة والخمسين غرُويًا المُعدَّة لفرنسة أكثر من الإيكُويات المُعدَّة لهولندة، فإذا وُجد كثير من السفاتج المعروضة من قِبل الهولنديين وقليل من الإيكويات المعروضة من قِبل الفرنسيين كان النقد نادرًا في فرنسة ووافرًا في هولندة، ووجب ارتفاع الصرافة، فأُعطَى في مقابل إيكوي أكثر من أربعة وخمسين غرويًا، وإلا لم أُعطه، والعكس بالعكس.

ويُرى أنه يتألف من مختلف عمليات الصرافة حساب دخل وخرج يجب إغلاقه دائمًا، وأن الدولة المدينة لا تُوفِّي ما عليها بالصرافة مع الأخرى أكثر من فرد يؤدي دينًا بتحويل النقد.

وأفترض أنه لا يوجد في العالم من الدول غير ثلاث: فرنسة وإسپانية وهولندة، وأن أفرادًا كثيرين من إسپانية مدينين في فرنسة بقيمة مئة ألف مَرْك فضي، وأن أفرادًا كثيرين من فرنسة مدينين في إسپانية ﺑ ١١٠٠٠٠ مرك، وأن بعض الأحوال قضى بأن يسترد كل مِن الفريقين في إسپانية وفرنسة نقده بغتةً، فما تؤدي إليه عمليات الصرافة؟ إنها تُخَلِّص كلتا الأمتين من مبلغ مئة الألف مرك مبادلة، غير أن فرنسة مدينة دائمًا بعشرة آلاف مَرْك في إسپانية، وأنه يكون لدى الإسپان دائمًا سفاتج على فرنسة بقيمة عشرة آلاف مَرك، وذلك من غير أن يكون عند فرنسة أية سُفتجة على إسپانية.

وإذا ما كانت هولندة في حال معاكسة تجاه فرنسة، فظهرت مدينة لها بفرق عشرة آلاف مرك، أمكن فرنسة أن توفي ما عليها إلى إسپانية على وجهين، وذلك بأن تعطي دائنيها في إسپانية سفاتج على مدينيها في هولندة بقيمة عشرة آلاف مرك، أو أن ترسل إلى إسپانية عشرة آلاف مرك نقدًا.

ومن ثم ترى أن الدولة إذا ما اضطُرت أن تؤدي مبلغًا من المال في بلد آخر قَضَت طبيعة الأمر بأن يتساوى عندها نقل النقد إليه أو أن تُؤخذ منها سفاتج، وتتوقف فائدة هذين الوجهين في التأدية على أحوال راهنة فقط، فيجب أن يُرى في الساعة الحاضرة من يؤدي غرويات كثيرة في هولندة، أو مالًا منقولًا نقدًا٣ أو سُفتجة على هولندة بمثل هذا المبلغ.
وإذا كان عيار النقد عينُه ووزنُه عينُه في فرنسة يُعيدان إلى عين العيار وعين الوزن في هولندة قيل إن الصرافة متعادلة، وتكافؤ الصرافة في حال النقد٤ الحاضرة يقوم على نحو أربعة وخمسين غرويًا في مقابل الإيكو الواحد، وإذا كانت الصرافة تزيد على أربعة وخمسين غرويًا قيل إنها مرتفعة، وإذا كانت دون ذلك قيل إنها منخفضة.

ولكي يُعرف في حالٍ من الصرافة: هل تَربَح الدولة أو تخسر، يجب أن يُنظر إليها كمدينة ودائنة ومشترية، فإذا كانت الصرافة دون المتعادلة خسرت الدولة كمدينة وربحت كدائنة وخسرت كمشترية وربحت كبائعة، ويُشعر جيدًا بأنها تخسر كمدينة، ومن ذلك أن فرنسة إذا كانت مدينة لهولندة بعدد من الغرويات فإن إيكوها كلما قلَّ مقابلُه غرُويات زاد احتياجها إلى إيكويات للدفع، وعلى العكس إذا كانت فرنسة دائنة بعدد من الغرويات فإنه كلما قلَّ مقابل الإيكو غرُويات زاد ما تقبضه من الإيكويات، وتَخْسَر الدولة كمشترية أيضًا، وذلك لأنه لا بد من عَين العدد من الغرويات دائمًا لاشتراء عين المقدار من السلع، فمتى انخفضت الصرافة أُعطي كل واحد من إيكويات فرنسة غرويات أقلَّ عددًا، وتربح الدولة كبائعةٍ لذات العلة، وذلك أنني إذا بعتُ سلعتي في هولندة كان لي عينُ العدد من الغرُويات التي أبيعها بها، ويكون لي في فرنسة، إذن، إيكويات كثيرة إذا ما نِلت إيكويًا واحدًا بخمسين غرويًا، أي إيكويات أكثر مما تكون لي إذا ما اضطررت إلى دفع أربعة وخمسين غرويًا في مقابل الإيكو الواحد، وعكس جميع هذا ما يصيب الدولة الأخرى، فإذا كانت هولندة مدينة بعدد من الإيكويات رَبِحت، وإذا كانت دائنة به خَسِرت، وهي إذا ما باعت خسرت، وهي إذا ما اشترت ربحت.

ويجب تتبُّع هذا مع ذلك، فإذا كانت الصرافة دون المتعادل، كأن تكون، مَثَلًا، خمسين بدلًا من أربعة وخمسين فإن الذي لا بد من حدوثه كون فرنسة التي ترسل إلى هولندة أربعة وخمسين ألف إيكو صرافة لا تبتاع من السلع إلَّا ما يقابل خمسين ألفًا، وكون هولندة، التي تُرسِل إلى فرنسة ما قيمته خمسون ألف إيكو من ناحية أخرى، تشتري منها ما يقابل أربعة وخمسين ألفًا، وهذا ما يؤدي إلى فَرق ثمانيةٍ من أربعة وخمسين، أي ما يزيد على سُبْع خُسْرًا لفرنسة، أي ما يقضي بإرسال زيادة سُبْعٍ إلى هولندة دراهم أو سلعًا كان لا يُرسَل عندما تتعادل الصرافة، وإذا ما دامت زيادة السوء عن خفض في الصرافة لمثل هذا الدَّين تدهورت فرنسة في نهاية الأمر، وأقول إن هذا ما يجب أن يكون كما يلوح، وليس عن المبدأ الذي قررتُه في موضع آخر٥ مَيْلُ الدول، دائمًا، إلى وضع نفسها في الميزان والفوز بخلاصها من الدَّين، وهكذا لا تستدين إلا بنسبة ما تستطيع أن تدفع، ولا تشتري إلا بنسبة ما تبيع، والصرافة، بعد اتخاذ المثل المذكور آنفًا، إذا ما هبطت في فرنسة من أربعة وخمسين إلى خمسين عاد الهولندي، الذي يبتاع سلعًا بألف إيكو، والذي يدفع أربعًا وخمسين غرويًا للإيكو الواحد ثمنًا لها، لا يدفع غير خمسين ألفًا ثمنًا لها عند موافقة الفرنسي على هذا، بَيْد أن سلعة فرنسة ترتفع مقدارًا فمقدارًا، ويُقسَّم الربح بين الفرنسي والهولندي، وذلك لأن التاجر إذا ما استطاع الربح سَهُل عليه أن يَقسِم ما اكتسب، ويكون هنالك، إذن، اتصال ربح بين الفرنسي والهولندي، وقُل مثل هذا عن الفرنسي الذي يبتاع سلعًا من هولندة بمبلغ أربعة وخمسين ألف غرُو والذي يدفع ألف إيكو عندما تكون الصرافة أربعة وخمسين غرُويًا في مقابل الإيكو الواحد، فهذا الفرنسي يُضطَرُّ إلى إضافة أربعة من أربعة وخمسين من الإيكويات الفرنسية اشتراء للسلع عينها، غير أن التاجر الفرنسي الذي يَشعر بما يصيبه من الخُسر يرغب في إعطاء ما هو أقل من السلعة الهولندية، ولذا يحدث اتصال خُسرٍ بين التاجر الفرنسي والتاجر الهولندي، وتضع الدولة نفسها في الميزان شيئًا فشيئًا، فلا يكون لهبوط الصرافة جميع المحاذير التي يجب أن تُخشَى.

وإذا صارت الصرافة دون المتعادل، أمكن التاجر أن يَرُد أمواله إلى البلدان الأجنبية من غير أن ينقص ثروته، وذلك لأنه يكسِب ثانية ما خَسِره عند استردادها، بيد أن الأمير الذي يُرسل إلى البلدان الأجنبية من النقد ما لا ينبغي أن يَعُود يخسَر على الدوام.

وإذا ما كَثُرت معاملات التجار في بلد ارتفعت الصرافة فيه لا محالة، وعلة هذا كثرة ما يُعقَد فيه من عهود، وكثرة ما يُبتاع فيه من سلع فتُوجه إلى البلد الأجنبي سفاتج للدفع.

وإذا ما رَكَم الأمير مالًا كثيرًا في دولته أمكنت ندرة المال فيها حقيقة، ووفرتها فيها نسبيًّا، ومن ذلك أن هذه الدولة إذا ما وجب عليها أن تدفع كثيرًا من ثمن السلع في البلد الأجنبي في الوقت نفسه هبطت الصرافة وإن ندر النقد.

والصرافة في كل مكان تميل، دائمًا، إلى الظهور على نسبة، وهذا ما تقتضيه طبيعة الأمر نفسه، فإذا كانت صرافة إيرلندة على إنكلترة دون المتعادل، وإذا كانت صرافة إنكلترة على هولندة دون المتعادل أيضًا، كانت صرافة إيرلندة على هولندة هابطة أيضًا، وذلك على نسبة صِرافة إيرلندة على إنكلترة وصرافة إنكلترة على هولندة، وذلك لأن الهولندي الذي يستطيع أن يأتي بأمواله من إيرلندة على وجه غير مباشر، أي بواسطة إنكلترة، لا يريد أن يدفع ما هو أغلى ليأتي بها على وجهٍ مباشر، وأقول إن هذا هو ما يجب أن يكون هكذا، ولكن هذا ليس، مع ذلك، صحيحًا هكذا، ففي كل وقت يوجد من الأحوال ما تختلف به هذه الأمور، وما بين الربح الذي يُنال من مكان، أو من مكان آخر، من فَرق يتجلى به دهاء الصيارفة أو حِذقهم الخاص الذي ليس موضوع بحث هنا مطلقًا.

وإذا ما رفعت الدولة نقدها، كأن تُطلِق اسم ست ليرات أو اسم إيكُويَين على ما كانت تسميه ثلاث ليرات أو إيكُويًا، فإن هذه التسمية الجديدة التي لا تضيف شيئًا حقيقيًّا على الإيكو مما لا ينبغي أن يُنِيل غرُويًا واحدًا زيادة في الصرافة، فلا يجوز أن ينال في مقابل الإيكويين الجديدين غير عين المقدار من الغرويات التي كانت تُقبض في مقابل الإيكو السابق، وإذا كان هذا لا يقع فإنه لا يكون نتيجة تحديد السعر بنفسه، بل نتيجة ما يؤدي إليه هذا التسعير كأمر جديد ونتيجة ما ينطوي عليه من مفاجأة، فالصرافة تُناط بالأمور المبدوءة، وهي لا تستقيم إلا بعد مرور بعض الوقت.

وإذا كانت الدولة لا ترفع نقدها بقانون فقط، فأمرت بصهر آخر جديد لكي تجعل من النقد القوي نقدًا ضعيفًا، فإن الذي يحدث في أثناء العملية وجود نقدين: النقد القوي القديم، والنقد الضعيف الجديد، وبما أن النقد القوي يكون قد مُنع ولا يُقبل في غير دار الضرب، وبما أنه يلزم دفع السفاتج الجديدة بنقود جديدة، فإن الصرافة يجب أن تُنَظَّم على حسب النقد الجديد كما يَظهر، وإذا كان الإضعاف في فرنسة بنسبة النصف مثلًا، وكان إيكو ثلاث الليرات القديم يعطي ستين غرويًا في هولندة، لم يجب أن يعطي الإيكو الجديد غير ثلاثين غرويًا، وتلوح، من ناحية أخرى، ضرورة انتظام الصرافة على حسب قيمة النقد القديم، وذلك لأن الصَّيرفي المالك نقودًا والذي يأخذ سفاتج مُلزَمٌ بأن يحمل إلى دار الضرب نقودًا قديمة نَيْلًا لنقود جديدة يَلحقُه خُسر منها، ولذا تقع الصرافة بين النقد الجديد والنقد القديم، وتسقط قيمة النقد القديم، من جهة، وذلك لوجود نقد جديد في التجارة، ولأن الصيرفي لا يستطيع أن يتشدد لما تقضي المصلحة عليه بإخراج النقد القديم من صُندوقه حالًا استثمارًا له وقيامًا بما عليه أن يَدفع، وترتفع قيمة النقد الجديد من جهة أخرى، وذلك لأن الصيرفي بما يكون لديه من النقد الجديد، يكون قادرًا على نيل نقد قديم مع ربح عظيم كما نُبين ذلك، ولذا تقع الصرافة بين النقد الجديد والنقد القديم كما قلتُ، وحينئذ يكون للصيارفة نفع من إخراج نقد الدولة القديم، وذلك لما ينالونه بهذا من ذات الكسب الذي تعطيه صرافة منظمة على النقد القديم، أي كثير من غرويات في هولندة، ولأن لهم عَودًا إلى الصرافة المنظمة بين النقد القديم والنقد الجديد، أي التي هي أكثر هبوطًا، وهذا ما يُنيل كثيرًا من الإيكويات في فرنسة.

وأفترض أن ثلاث ليرات من النقد القديم تعطِي خمسة وأربعين غرويًا بالصرافة الحاضرة، وأن هذا الإيكو يعطي ستين غرويًا إذا ما نُقل إلى هولندة، غير أنه يُنال إيكو ثلاث ليرات في فرنسة بسفتجة خمسة وأربعين غرويًا، أي إيكو يعطي ستين غرويًا أيضًا إذا ما كان من النوع القديم ونُقِل إلى هولندة، ولذا يخرج جميع النقد القديم من الدولة التي تقوم بالصَّهْر، والصيارفة هم الذين يستفيدون من هذا.

وتقضي الضرورة بأن تُصنع عملية أخرى لمعالجة ذلك، وذلك أن تُرسِل الدولة، التي تقوم بالصهر، مقدارًا كبيرًا من النقد القديم إلى الأمة الناظمة للصرافة، وذلك أنها إذ تنال اعتبارًا فإنها ترفع الصرافة إلى الحد الذي يُنال عنده، مع قليل شيء، غرويات بصرافة إيكو ثلاث الليرات بمقدار ما يُنال بإخراج إيكو ثلاث الليرات القديم خارج البلاد. وقد قلت: مع قليل شيء، لأن الربح إذا كان زهيدًا لم يحاوَل إخراج النقد قط بسبب نفقات النقل ومخاطر المصادرة.

ومن الملائم إبداء فكرة واضحة عن هذا، فالسيد برْنارْد، أو صيرفي آخر أرادت الدولة استخدامه، عَرَض سفاتجه على هولندة وأعطاها بما هو أعلى من الصرافة الحاضرة بواحد أو اثنين أو ثلاثة من الغرويات، وأوجب وجود خميرة في البلدان الأجنبية بما نقله إليها من نقود قديمة باستمرار، وأدى بهذا، إذن، إلى رفع الصرافة إلى النقطة التي تكلمنا عنها، ومع ذلك فإن ما أعطاه من سفاتجه أسفر عن قبضه على جميع النقود الجديدة، وعن حملة الصيارفة الآخرين، الملتزمين بالدفع، على حمل نقودهم القديمة إلى دار الضرب، ثم بما أنه أصبح صاحبًا لجميع النقد مقدارًا فمقدارًا فإنه ألزم الصيارفة الآخرين بدورهم أن يعطوه سفاتج عالية الصرافة كثيرًا، وما ناله من ربح في النهاية عوضه من معظم خسارة البُداءة.

ويُشعَر في أثناء جميع هذه العملية بأن على الدولة أن تعاني أزمة شديدة، فالنقد يصير فيها نادرًا جدًّا، وذلك: (١) لأنه يجب منع معظمه؛ (٢) لأنه يجب نقل قسم منه إلى البلدان الأجنبية؛ (٣) لأن جميع الناس يَشُدُّون عليه، فلا يريدون أن يَدعوا للأمير ربحًا يأملون أن ينالوه، ومن الخطَر أن تُصنَع تلك العملية ببطوء، ومن الخطر أن تُصنع بسرعة، وإذا كان الربح المفترض مفرطًا زادت المحاذير بهذا المقدار.

وقد رُئي فيما تقدم أن الصرافة إذا كانت دون النقد قيمة وُجد ربح في إخراج النقد، وإذا كانت فوق النقد قيمة وُجد ربح في إعادته.

ولكن توجد حال يكون فيها ربح من إخراج النقد وإن كانت الصرافة متعادلة، وذلك عندما يُرسَل إلى البلدان الأجنبية رَشْمًا أو صهرًا له ثانية، وهو إذا ما عاد ظُفِر بفائدة دار الضرب سواء آستُعمل في البلاد أم أُخِذت سفاتج على الأجنبي.

وإذا حدث أن أُنشئت في دولة شركة ذات أسهم كثيرة إلى الغاية، وأن رُفعت هذه الأسهم في بضعة أشهر من الزمن عشرين مرة أو خمسًا وعشرين مرة زيادة على قيمة الشراء الأول، وأن أسست هذه الدول مصرفًا ذا أوراق مالية تقوم مقام النقد، وأن صارت قيمة هذه الأوراق النقدية عظيمة مطابقة لقيمة الأسهم النقدية (هذا هو نظام مسيولو)، فإن من طبيعة الأمر أن تتلاشى تلك الأسهم والأوراق النقدية على الوجه الذي وُضعت به، وما كان ليُمكن أن تُرفع الأسهم عشرين أو خمسًا وعشرين مرة إلى ما هو أعلى من قيمتها الأولى من غير أن يُمنح كثير من الناس وسيلة نَيل ثروات واسعة وَرَقًا، وذلك أن كلًّا يحاول تأمين ثروته، وذلك أن الصرافة إذ تُقدم أسهل الطرق لتغيير طبيعة الثروة أو نقلها حيث يُراد فإن الواحد يودِع قسمًا من أوراقه بلا انقطاع لدى الأمة الناظمة للصرافة، ويؤدي التصميم الدائم على الإيداع في البلاد الأجنبية إلى خفض الصرافة، ولنفترض أن معدل الصرافة، منذ زمن ذلك النظام، أربعون غرويًا لكل إيكو، وذلك من حيث النسبة بين العيار ووزن النقد الفضي، فلما أصبح الورق الذي لا يحصَى نقدًا عاد لا يُعطَى غير تسعة وثلاثين غرويًا عن كل إيكو، ثم ثمانية وثلاثين، ثم سبعة وثلاثين، إلخ، وقد بلغ هذا من الذهاب إلى بعيد ما عاد لا يعطَى معه غير ثمانية غرويات، ثم عادت الصرافة غير موجودة في نهاية الأمر.

وهذه هي الصرافة التي كان عليها في فرنسة أن تنظم ما بين الفضة والورق من النسبة في تلك الحال، وأفترض، بعد النظر إلى وزن الفضة وعيارها، أن إيكو ثلاث الليرات الفضي ساوى أربعين غرويًا، وأن الصرافة، إذ قامت على الورق، لم يساوِ إيكو ثلاث الليرات الورقي غير ثمانية غرويات فكان الفرق أربعة أخماس، ولذا كان إيكو ثلاث الليرات الورقي أقل من إيكو ثلاث الليرات الفضي بأربعة أخماس.

هوامش

(١) ينظم الهولنديون جميع صرافة أوربة تقريبًا بنوع من الشورى بينهم، وذلك وفق ما يلائم مصالحهم.
(٢) يكون النقد في البلد كثيرًا حينما يكون فيه نقد أكثر من الورق، ويكون النقد فيه قليلًا حينما يكون في البلد ورق أكثر من النقد.
(٣) بعد تنزيل نفقات النقل والضمان.
(٤) في سنة ١٧٤٤.
(٥) انظر إلى الفصل الثالث والعشرين من الباب العشرين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤