الفصل الحادي والعشرون

قوانين الرومان لتكثير النوع

حاولت قوانين رومة القديمة، كثيرًا، أن تحمل الأهلين على الزواج، ووَضَع السِّنات والشعب نُظمًا فوق ذلك في الغالب، كما قال أغسطس في خُطبته التي رواها دِيُون.١
ولم يستطع دِنِي دَلِيكارْنَاس٢ أن يُصَدِّق أنه لم يبقَ بعد هلاك اﻟ ٣٠٥ فابيٍّ، الذين أبادهم الڨيئيُّون، غير ولد من هذا النسل، وذلك لأن القانون القديم الذي يأمر كل مواطن بالزواج وبتربية جميع أولاده كان معمولًا به٣ آنئذ.
وكان للرقباء، فضلًا عن القوانين، عَيْن على الأنكحة، فكانوا يَدْعُون٤ إليها وَفق احتياجات الجمهورية مُخجلين مُرْهِبين.
وقد ساعدت الأخلاق، التي أخذت تَفْسُد، على تنفير الأهلين من الزواج الذي لا ينطوي على غير مشاقَّ للذين عادوا لا يشعرون بملاذ الطهر، وتلك هي روح هذه الخطبة٥ التي وجهها مِتِلُّوس نُومِيدِيكُوس إلى الشعب في أثناء رقابته، «فلو أمكن ألا يكون عندنا نساء مطلقًا لنَجَونا من هذا الداء، ولكن بما أن الطبيعة قضت بألا تُقضَى حياة سعادة معهن، وبعدم البقاء من غيرهن، فإن من الواجب أن نُعنَى بحفظنا أكثر مما بأوطارنا العابرة».
وقضى الفساد على الرقابة التي أنشئت للقضاء على فساد الأخلاق، فلما عَمَّ هذا الفساد عادت الرقابة غير ذات قوة.٦
وما وقع من فِتن أهلية وحكومات ثلاثية ومن اعتقالات وإبعادات أضعَف رومة أكثر مما أضعفتها أية حرب قامت بها حتى ذلك الحين، فقد بَقِيَ قليل من الأهلين،٧ ولم تكن الأغلبية متزوجة، وأراد قيصر وأغسطس تدارك هذا الضرر الأخير فأعادا الرقابة وأرادا٨ أن يكونا رقيبين أيضًا، ووَضَعا نُظُمًا كثيرة، فأنعم قيصر٩ بجوائز على مَن هم ذوو ولدٍ كثير، وحَظَر١٠ على النساء اللائي لم يَبْلُغْنَ الخامسة والأربعين من سِنِيهنَّ، ولم يكن لهن زوج ولا ولد، أن يَلْبَسْن جواهر وأن يتخذن هوادج، أي انتحل مِنهاجًا رائعًا في مهاجمة العزوبة بالزهو، وبدت قوانين أغسطس١١ أكثر ضغطًا، فقد فرض١٢ عقوبات جديدة على من لم يتزوجوا وزاد جوائز مَن تزوجوا ومن هم ذوو ولد، ودعا تاسيت هذه القوانين باليُولْيَانية،١٣ ويدل الظاهر على أن النظم القديمة التي وضعها السِّنات والشعب والرُّقباء صُهِرَت فيها.
ووجد قانون أغسطس ألف عائق، فلما مضى على وضعه أربع وثلاثون١٤ سنةً طالبه فرسان الرومان بإلغائه، وقد أمر بوضع المتزوجين في ناحية ووضع الآخرين في ناحية أخرى، فظهر هؤلاء الأخيرون أكثر عددًا، وهذا ما حار منه الأهلون ودُهِشوا. واسمع ما خاطبهم به أغسطس مع رصانة قدماء الرقباء:١٥

تنزِع الأمراض والحروب كثيرًا من الأهلين، فما يُصبح حال المدينة إذا عاد الناس لا يعقدون زواجات؟ لا تقوم المدينة على البيوت، ولا على الأروقة والميادين، فالرجال هم الذين يصنعون المدينة، ولن تَرَوا، كما في الأقاصيص، خروج رجال من تحت الأرض ليُعْنَوا بأموركم، ولا تَبْقَوْن في العُزُوبة لتعيشوا وحدَكم، فلكل واحد منكم رفيقات مائدته وفراشه، ولا تبحثون عن غير السكون في فِسْقكم، أو تذكرون هنا مِثَال عذارى ڨِسْتَا؟ إذن يجب أن تَجَازَوا مثلهن إذا لم تحافظوا على فروض الطُّهر، أنتم مواطنون أردياءُ أيضًا، سواء عليكم آقْتَدَى بكم جميع الناس أم لم يقتدِ أحد بكم، دوام الجمهورية غَرَضِي الوحيد، فزِدْتُ عقوبات من لم يمتثلوا قط، وأما من حيث الجوائز فهي من الوفرة ما لا أعرف معه فوز الفضيلة بما هو أعظم منها حتى الآن، ومن الجوائز الزهيدة ما يَحْفِزُ ألفَ رجل إلى تعريض حياتهم للخطر، وهذه الجوائز لا تُغْرِيكم باتخاذ زوجةٍ وتغذيةِ أولاد؟

وقد أنعم بالقانون الذي دُعِيَ باسمه يُولْيا، وپاپيا پُوپَّا الذي هو من اسم القناصل١٦ لقسم من تلك السنة، وكان يظهر عِظَم الضرر في انتخابهم أيضًا، فقد رُوِي ديُون١٧ لنا أنهم لم يكونوا متزوجين قط، ولم يكن لهم أولاد قطُّ.
وظهر قانون أغسطس هذا، في الحقيقة، مجموعة قوانين ومُدَوَّنَة مرتبة لجميع الأنظمة التي يمكن وضعها حول هذا الموضوع، وصُهِرَت القوانين اليُولْيَانية١٨ في هذا القانون فمُنِحَت قوة أعظم من قبل، وهي من وَفرة المقاصد وكثرة التأثير في كثير من الأمور ما يؤلَّف منها معه أروع قسم من قوانين الرومان المدنية.
وتجِدُ١٩ قطعها منثورة في مقتطفات أُلْپيان الثمينة، وفي قوانين الدِّيجِسْت المستخلصة من المؤلفين الذين كتبوا حَول القوانين الپاپْيَانية، وفي المؤرخين وغيرهم من المؤلفين الذين ذكروها، وفي المجموعة التِّيُودُوزية التي ألغتها، وفي الآباء الذين عابوها بغَيْرةٍ يُحمدون عليها، لا ريب، من أجل أمور الحياة الأخرى، ولكن مع قليل معرفة بأمور الحياة الدنيا.
وكان لهذه القوانين مطالب كثيرة، ويُعرَف منها خمسة وثلاثون٢٠ ولكنني، إذ أذهب إلى موضوعي تَوًّا جُهْدَ المستطيع، أبدأ بالمطلب الذي يقول أُولُوجِل٢١ إنه السابع، والذي هو خاص بما يَمْنَح هذا القانون من المكارم والجوائز.
كان الرومان الذين خرجوا من المدن اللاتينية في الغالب، من هذه المدن التي كانت مستعمرات إسپارطية،٢٢ والذين اقتبسوا من هذه المدن٢٣ قسمًا من قوانينهم أيضًا، يحملون للمَشِيب، كما حمل الإسپارطيون، ذلك الاحترام الموجب لضروب التكريم والوجاهة، فلما أعوز الجمهورية مواطنون مُنِح النكاح وعدد الأولاد من الامتيازات ما كانت تُمْنَحُه السن،٢٤ ومن الامتيازات ما وُقف على الزواج وحدَه مستقلًا عن الأولاد الذين يمكن أن يُسفِر عنهم، وهذا ما سُمي حقوق الأزواج، ومن الامتيازات ما أُنعم به على ذوي الأولاد، ما أُنعم بمعظمه على مَن كان لهم ثلاثة أولاد، ولا ينبغي خلط ما بين هذه الأمور الثلاثة، وكان يوجد من هذه الامتيازات ما يتمتع به الأزواج، دائمًا، كالمكان الخاص في المَلعب،٢٥ وكان منها ما لا يتمتعون به عند وجود من هم ذوو أولاد، أو عند وجود من هُم أكثر منهم ولدًا فينزعونه منهم.
وكانت هذه الامتيازات واسعة جدًّا، وكان الأزواج الذين لهم أكبر عدد من الأولاد مُفضَّلين٢٦ دائمًا، سواء أفي طلب المكارم أم في ممارسة هذه المكارم، وكان القنصل الأكثر ولدًا أول من يتناول الفؤوس،٢٧ وكان له اختيار ما يتولاه من الولايات،٢٨ وكان عضو السِّنات الأكثر ولدًا أول٢٩ من يقيَّد في جدول أعضاء السِّنات، وكان أول من يبدي رأيه لهذا المجلس، وكان يمكن الوصول إلى الحاكمية قبل السن المقررة، لأن كل ولد يغني عن سنة،٣٠ وكان الرجل ذو الأولاد الثلاثة في رومة يُعفَى من جميع التكاليف الشخصية،٣١ وكان النساء الحرائر اللائي لهن ثلاثة أولاد والعتائق اللائي لهن أربعة أولاد يخرجن٣٢ من هذه الوصاية الدائمة التي تُقَيِّدُهن٣٣ قوانين رومة القديمة بها.
وإذا كانت توجد جوائز كانت توجد عقوبات٣٤ أيضًا، فمَن لم يكن متزوجًا قط لم يستطع قبض شيء من وصية الغرباء،٣٥ ومن كان متزوجًا ولم يكن ذا ولد لم يقبض غير النصف٣٦ منها، فالرومان، كما قال پلُوتَارك،٣٧ كانوا يتزوجون ليكونوا وارثين، لا ليكون لهم وارثون.
وكان القانون يُحدِّد ما يمكن الزوج والمرأة أن ينالاه من المنافع بالوصية، فكان يمكنهما نَيْل كل شيء٣٨ إذا كان لهما ولد، فإذا لم يكن لهما ولد أمكنهما أخذ عُشر الميراث بسبب الزواج، وإذا كان لهما ولد من زواج آخر أمكنهما نيل عُشْر عن كل ولد.
وإذا غاب الزوج٣٩ عن زوجته لسبب آخر غير أمور الجمهورية لم يستطع أن يكون وارثًا لها.
وكان القانون يمنح من يظل حيًّا من الزوجين بعد موت أحدهما سنتين٤٠ للزواج ثانية، وكان يَمنَح سنة ونصف سنة للزواج ثانية بعد الطلاق، وكان الآباء، الذين لا يريدون تزويج أولادهم أو منح بناتهم مهرًا، يُكرَهون على هذا من قِبَل الحكام.٤١
وما كانت الخِطبة لتُمكن إذا ما وجب تأجيل الزواج أكثر من عامين،٤٢ وبما أنه كان لا يمكن الزواج بابنة قبل بلوغها الثانية عشرة من سنيها لم تمكن خِطبتها قبل العاشر من عمرها، فما كان القانون ليريد إمكان التمتع بامتيازات المتزوجين على غير جدوى٤٣ وبحجة الخطبة.
وكان من المحظور على الرجل البالغ ستين سنة٤٤ أن يتزوج امرأة في الخمسين من عمرها، وذلك بما أن المتزوجين مُنحوا امتيازات عظيمة لم يُرِد القانون أن توجد زواجات غير مجدية، ولذات العِلة نص مرسوم السنات الكَلْڨِيزيُّ٤٥ على جَنَف زواج امرأة تزيد سِنُّها على خمسين سنة برجل يقل عمره عن ستين عامًا، فلا تتزوج المرأة البالغة خمسين عامًا من غير أن تُعَرَّض لعقوبات هذه القوانين، وزاد٤٦ طِيبِرْيُوس القانون الپاپْيَاني شدة، فحرَّم على الرجل البالغ عمره ستين عامًا أن يتزوج امرأة تقل سِنها عن خمسين سنة، فلا يتزوج ابن الستين سنة، في حال، من غير أن يستوجب العقاب، غير أن كلُودْيُوس٤٧ ألغى ما وُضِع في عهد طِيبريُوس من هذه الناحية.

وكانت جميع هذه التدابير أكثر ملاءمة لإقليم إيطالية من ملاءمتها إقليم الشمال حيث يكون ابن الستين سنة ذا قوة وحيث تكون بنات الخمسين سنة غير عَوَاقر على العموم.

وأراد أغسطس ألا يُحصَر ضِمن ما قد يقع من خيار فأباح لجميع الأحرار الذين ليسوا من أعضاء السنات٤٨ أن يتزوجوا عتائق،٤٩ وكان القانون الپاپياني يحظر على أعضاء السنات تزوُّج النساء اللائي كن قد أُعتِقن٥٠ أو كن قد نُشئن على الملعب، وكان قد حُظِر على الأحرار، منذ زمن أُلپيان،٥١ أن يتزوجوا نساء قَضَيْن حياة سوءٍ أو اعْتَلَيْن الملعب أو دِنَّ بحكم عام، ووجب أن تكون بعض مراسيم السِّنات هي التي أمرت بهذا، ولم يُوضَع مثل هذه القوانين منذ زمن الجمهورية، وذلك لأن الرُّقباء كانوا يقومون من هذه الناحية ما يظهر من خَلَل ويحولون دون حدوثه.
وقسطنطين٥٢ حين وضع قانونًا محتويًا ما احتواه القانون الپاپياني من حَظْر، مشتملًا على من كانوا ذوي مقام عظيم في الدولة، فضلًا عن أعضاء السنات، مستقلًا عن الرَّعاع، يكون قد تألَّف بعمله حق ذلك الزمن، فعاد لا يكون غير الأحرار المشتمل عليهم قانون قسطنطين مَن حُرِّم عليهم مثل تلك الزواجات، وكذلك جوستينيان٥٣ ألغى قانون قسطنطين وأباح لجميع أنواع الناس أن يَعقِدوا هذه الزواجات، فبذلك نكون قد فُزنا بحرية بالغة هذا الهُزال.
ومن الواضح أن العقوبات المفروضة على من كانوا يتزوجون خلافًا للحَظر القانوني هي عين العقوبات المفروضة على من كانوا لا يتزوجون مطلقًا، وكانت هذه الزواجات لا تمنحهم أية فائدة٥٤ مدنية، فكان المَهر٥٥ يسقط٥٦ بعد موت المرأة.
وإذ إن أغسطس قضى لبيت المال٥٧ بمواريث، ووصايا، مَن صرَّحت تلك القوانين أنهم غير أهل لها ظهرت هذه القوانين مالية أكثر منها سياسية ومدنية، وما كان من النفور من ضريبة كانت تلوح مرهِقة زاد بما صار يُبصره الواحد من تعريضه المستمر لطمع بيت المال، فحمل هذا على تغيير هذه القوانين٥٨ في عهد طيبريوس، وعلى تقليل نيرون لجوائز وُشَاةِ الأميري،٥٩ وعلى وَقْف تَراجانَ٦٠ للَصَصِهم، وعلى تعديل سِيڨير٦١ لهذه القوانين، وعلى نظر الفقهاء إليها بعين الاشمئزاز وإهمالهم شدتها في أحكامهم.
ثم إن الأباطرة أضعفوا هذه القوانين٦٢ بما منحوه من امتيازات حَولَ حقوق الأزواج والأولاد وثلاثة الأولاد، وقد صنعوا ما هو أكثر من ذلك فأعْفَوُا الأفراد٦٣ من عقوبات هذه القوانين، غير أن القواعد التي وُضِعت للنفع العام لم تحتمل إعفاءً كما كان يَلُوح.
وكان من الصواب منح الكواهن٦٤ حقوق الأولاد لإمساك الدِّيْن إياهن ضمن عُذْرَة لازمة، وكذلك أُعطيَ٦٥ الجنود امتياز الأزواج لتعذر زواجهم، وكانت هذه عادة يتحلل بها الأباطرة من عُسر بعض القوانين المدنية، وهكذا تخلص أغسطس من شدة القانون الذي كان يحدد حق الإعتاق٦٦ ومن شدة القانون الذي كان يحدد حق الإيصاء،٦٧ ولم يكن جميع هذا غير أحوال خاصة، بيد أن الإعفاءات مُنحت بلا تحفظ بعدئذ، فعادت القاعدة لا تكون غير استثناء.
وكان بعض مذاهب الفلسفة قد أَدخل إلى الإمبراطورية روح الابتعاد عن الأمور، تلك الروح التي لم تكن لتَكسِب من هذه الجهة في زمن الجمهورية٦٨ حين كان جميع الناس يُعنَون بفنون الحرب والسَّلم، ومن ثم كانت فكرة الكمال المرتبطة في كل ما يؤدي إلى حياة نظرية، ومن ثم كان الابتعاد عن هموم الأسرة وغوائلها، وتأتي النصرانية بعد الفلسفة فتعيِّن أفكارًا لم تفعل الفلسفة غير إعدادها.

وتطبع النصرانية الفقه بطابعها، وذلك لما للإمبراطورية من صلة دائمة بالإكليروس، ويمكن أن تُبصر مجموعة تِيُودوز القانونية التي لم تكن غير جمع لقوانين الأباطرة من النصارى.

وقال أحد المادحين٦٩ لقسطنطين مُخاطبًا هذا الإمبراطور: «لم توضع قوانينك لغير تقويم العيوب وإصلاح العادات، فنزعتَ المكر من القوانين القديمة التي لم تهدف إلى غير نصب الحبائل للبساطة كما يلوح.»
والحق أن تغييرات قسطنطين تمت وَفق الأفكار الملائمة لتأسيس النصرانية، أو وفق الأفكار المقتبسة من كمالها، وعن هذا الموضوع الأول نشأت تلك القوانين التي بلغ ما منحته الأساقفة من السلطان ما عُدت معه أساس القضاء الكنسي، ومن ثم كانت تلك القوانين التي أضعفت سلطان الأب٧٠ بنزعها منه مِلك أموال أولاده، فيجب، لانتشار الدين الجديد، أن يزال فرط إطاعة الأولاد الذين يقل وَلعهم بما هو مستقر على الدوام.
وكانت القوانين التي سُنت في موضوع كمال النصرانية هي التي نزع بها، على الخصوص، عقوبات القوانين الپاپيانية،٧١ وأعفى بها غير المتزوجين من هذه العقوبات، كما أعفى منها مَن هم غير ذوي ولد من المتزوجين.
وقال مؤرخ كَنَسي:٧٢ «وُضِعت هذه القوانين كما لو كان تكاثر النوع البشري نتيجة عنايتنا، وذلك بدلًا من أن يُرى أن هذا العدد يزيد وينقص وفق الحكمة الإلهية.»

وقد أثَّرت مبادئ الدين في تكاثر النوع البشري تأثيرًا عظيمًا إلى الغاية، وذلك بتشجيعها إياه طورًا كما عند اليهود والمسلمين والغُوئيبر والصينيين، وبصدمها إياه طورًا آخر كما فعلته لدى الرومان الذين أصبحوا نصارى.

ولم يُكَفَّ، في كل مكان، عن الوعظ بالزهد الذي هو أكمل الفضائل، وذلك لأنه يمارَس بطبيعته من قِبَل أناس قليلين جدًّا.

ولم يلغِ قسطنطين، قط، تلك القوانين العُشرية التي كانت تُوسع مدى ما قد يناله الزوج والزوجة من الهبات بنسبة عدد أولادهما، وقد ألغاها تُيودوز الشاب.٧٣
وصرح جوستينيان بصحة٧٤ جميع الزواجات التي حظرتها القوانين الپاپيانية، وكانت هذه القوانين تبغي الزواج ثانية، فأنعم جوستينيان٧٥ بمنافع على من كانوا لا يتزوجون ثانية.
وما كان ليُمكن، بالقوانين القديمة، نزعُ الحق الطبيعي لكي واحد في الزواج وفي ولادة الأولاد، وهكذا كان القانون الپاپياني، عند نَيْل وصية٧٦ بشرط عدم الزواج مطلقًا، وعند تحليف٧٧ السيد عتيقه ألا يتزوج وألا يكون ذا ولد، يُبطِل٧٨ هذا الشرط وهذا القسم، ولذا فإن ما سُنَّ عندنا من شروط المحافظة على الأَيْمَة يناقض الحقوق القديمة وينحدر من نُظُم القياصرة الموضوعة وفق مبادئ الكمال.

ولا يوجد قانون ينص صراحة على إلغاء الامتيازات والإكرامات التي كان الرومان الوثنيون يحبون بها الزواجات وكثرة الأولاد، ولكن، حيث تكون الصدارة للعزوبة، لا يبقى محل لإكرام الزواج، وبما أنه كان من الممكن إلزام الجباة بالعدول عن فوائد كثيرة نتيجة إلغاء العقوبات فإنه كان يُشعَر بأن إلغاء الجوائز أيسر من ذلك.

وما كان من سبب روحاني أباح العزوبة لم يلبث أن فَرَض ضرورة العزوبة نفسها، ومعاذ الله أن أتكلم هنا ضد العزوبة التي قال بها الدين، ولكن مَن ذا الذي يستطيع السكوت عن التي أوجبها الفجور، عن هذه التي فَسَد بها الجنسان عن مشاعر طبيعية فَفَرَّا من قِرَان يجب أن يجعلهما أحسنَ حالًا ليعيشا في قِرَان يجعلهما أسوأ حالًا على الدوام؟

ومن القواعد المستنبَطة من الطبيعة تلك التي تقول إنه كلما نُقص عدد ما يمكن أن يتم من الزواجات زاد فساد ما يكون قد تم، وإنه كلما قل عدد المتزوجين قل الوفاء في الزواجات، وذلك كزيادة السرقات بزيادة السُّراق.

هوامش

(١) باب ٥٦.
(٢) باب ٢.
(٣) سنة ٢٧٧ رومانية.
(٤) انظر إلى ما صنعوا من هذه الناحية، تيتوس ليڨيوس، باب ٤٥، خلاصة تيتوس ليڨيوس، باب ٥٩، أولو جل، باب ١، فصل ٦، فالير مكسيم، باب ٢، فصل ٩.
(٥) تجدها في أولو جل، باب ١، فصل ٦.
(٦) انظر إلى ما قلته في الفصل التاسع عشر من الباب الخامس.
(٧) قام قيصر بالإحصاء بعد الحرب الأهلية فلم يجد هنالك غير ١٥٠٠٠٠ رب أسرة، خلاصة فلوروس على تيتوس ليڨيوس، العشرة الثانية عشرة.
(٨) انظر إلى ديون، باب ٤٣ وإلى إكزيفيل في أغسطس.
(٩) ديون، باب ٤٣، فصل ٢٥، سويتون، حياة قيصر، فصل ٢٠، أبيان، باب ٢، من الحرب الأهلية.
(١٠) أوزيب، في حولياته.
(١١) ديون، باب ٥٤، فصل ١٦.
(١٢) سنة ٧٣٦ رومانية.
(١٣) Juliasr ogationes, Annal باب ٣، فصل ٢٥.
(١٤) سنة ٧٦٢ رومانية، ديون، باب ٥٦، فصل ١.
(١٥) لخصت هذه الخطبة المضنية بطولها، وهي مدونة في ديون، باب ٥٦.
(١٦) Marcus Papius Mutilus et Q. Roppœus Sabinus ديون، باب ٥٦.
(١٧) ديون، باب ٥٦.
(١٨) يميز الباب الرابع عشر من مقتطفات ألبيان قانون يوليان من قانون بابيان.
(١٩) جمع جاك غودفروا ما بينها.
(٢٠) ذكر الخامس والثلاثون في القانون ١٩، ff. de ritu nuptiarum.
(٢١) باب ٢، فصل ١٥.
(٢٢) دني دليكارناس.
(٢٣) ذهب مندوبو رومة الذين أرسلوا للبحث عن القوانين اليونانية إلى أثينة والمدن الإيطالية.
(٢٤) أولوجل، باب ٢، فصل ١٥.
(٢٥) سويترن، In augusto، فصل ٤٤.
(٢٦) تاسيت، حوليات، باب ٢، فصل ٥١ Ut numerus liberorum in candidatis prœpolleret, quad lex jubebat.
(٢٧) أولوجل، باب ٢، فصل ١٥.
(٢٨) تاسيت، حوليات، باب ١٥، فصل ١٩.
(٢٩) انظر إلى القانون ٦ : ٥ ff. de decurion.
(٣٠) انظر إلى القانون ٢، ff. de minorib.
(٣١) قانون ١ : ٣ وقانون ٢ : ١، ff. de vocat. et excusat, muner.
(٣٢) نبذة من ألبيان، فصل ٢٩ : ٣.
(٣٣) بلوتارك، حياة نوما.
(٣٤) انظروا إلى مقتطفات ألبيان، في الأبواب ١٤ و١٥ و١٦ و١٧ و١٨، التي هي من روائع المختارات من الفقه الروماني القديم.
(٣٥) سوزوم، باب ١، فصل ٩، ينال من أقربائه، قوانين ألبيان فصل ١٦ : ١.
(٣٦) سوزوم، باب ١، فصل ٩، leg. Unic. de infirm. Pœnis cœlib. Et orbitat تيودوز.
(٣٧) آثار أدبية، حب الآباء للأبناء.
(٣٨) انظر إلى ما هو مفصل أكثر من هذا في مختارات ألبيان، باب ٥١، ١٦.
(٣٩) مقتطفات ألبيان باب ١٦ : ١.
(٤٠) مقتطفات ألبيان، باب ١٤، يظهر أن القوانين اليوليانية الأولى جعلت ذلك ثلاث سنين، خطبة أغسطس، في ديون، باب ٥٦، سويتون، حياة أغسطس، فصل ٣٤، ولم تمنح قوانين يوليانية أخرى غير سنة، ثم منح القانون البابياني سنتين، مقتطفات ألبيان، باب ١٤، ولم تكن هذه القوانين مستحبة لدى الشعب قط، فلطفها أغسطس وشددها على حسب الاستعداد لمعاناتها.
(٤١) هذا هو المطلب الخامس والثلاثون نمن القانون البابياني، ١٩، ff. de ritu nuptiarum.
(٤٢) انظر إلى ديون، باب ٥٤، حاشية ٧٣٦، سويتون In Octavio، فصل ٣٤.
(٤٣) انظر إلى ديون، باب ٥٤، وانظر في ديون أيضًا إلى خطبة أغسطس، باب ٥٦.
(٤٤) مقتطفات ألبيان، باب ١٦، وقانون ٢٧، مجموعة de nuptiis.
(٤٥) مقتطفات ألبيان، باب ١٦ : ٣.
(٤٦) انظر إلى سويتون، In Claudio فصل ٢٣.
(٤٧) انظر إلى سويتون، حياة كلوديوس، فصل ٢٣، ومقتطفات ألبيان، باب ١٦ : ٣.
(٤٨) ديون، باب ٥٤، مقتطفات ألبيان، باب ١٣.
(٤٩) خطبة أغسطس، في ديون، باب ٥٦.
(٥٠) مقتطفات ألبيان، فصل ١٣، وقانون ٤٤، في ff. de ritu nuptiarum، في النهاية.
(٥١) انظر إلى مقتطفات ألبيان، باب ١٣ و١٤.
(٥٢) انظر إلى القانون ١، في المجموعة de nat. bib.
(٥٣) ملحق المجموعة ١١٧.
(٥٤) قانون ٣٧ : ٧، ff. de oper, libert مقتطفات ألبيان، باب ١٦ : ٢.
(٥٥) مقتطفات، المصدر نفسه.
(٥٦) انظر إلى الفصل ١٣ من الباب ٢٦ الآتي.
(٥٧) مع استثناء بعض الأحوال، انظر إلى مقتطفات ألبيان، فصل ١٨، وإلى القانون الوحيد في المجموعة، de caduc. tollend.
(٥٨) Relatum de moderanda Papia Poppœa. تاسيت، حوليت، باب ٣ صفحة ١١٧.
(٥٩) أنزلها إلى القسم الرابع، سويتون In Merone، فصل ١٠.
(٦٠) انظر إلى تقريظ پليني.
(٦١) رد سيڨير زمن التصرفات في القانون الپاپياني إلى خمس وعشرين سنة للذكور وعشرين سنة للإناث، كما يرى ذلك من مقابلة مقتطفات ألبيان باب ٢١٦ بما قاله ترتوليان، Apologet فصل ٤.
(٦٢) تذمر الرقيب ب، سبيون، في خطبته إلى الشعب حول الأخلاق، من سوء الاستعمال الذي تسرب حول منح الابن بالتنبني مثل امتياز الابن الطبيعي، أولوجل، باب ٥، فصل ١٩.
(٦٣) انظر إلى القانون ٣١، ff. de ritu nuptiorum.
(٦٤) مَنَحْهن أغسطس، بالقانون البابياني، امتيازات الأمهات، انظر إلى ديون، باب ٥٦، وكان نوما قد منحهن امتيازات النساء ذوات الأولاد الثلاثة، وهي ألا ينصب لهن وصي مطلقًا، بلوتارك، في حياة نوما.
(٦٥) منحهم كلوديوس ذلك، ديون، باب ٦٠.
(٦٦) قانون Apud eum, ff. de manumissionib.
(٦٧) ديون، باب ٥٦.
(٦٨) انظر إلى خدم شيشرون، باب ١ حول أفكاره في هذه الروح النظرية.
(٦٩) نوزير، in panegyrico Constantini حاشية ٣٢١.
(٧٠) انظر إلى القوانين ١ و٢ و٣ من مجموعة تيودوز القانونية De bonis maternis maternique generis,etc، وإلى القانون الوحيد في ذات المجموعة، de bonis filis fanil. acquirumtur.
(٧١) القانون الوحيد، مجموعة تيودوز القانونية، De infirm. Pœn Cœlib et orbit.
(٧٢) سوزومين، باب ١، فصل ٩، صفحة ٢٧.
(٧٣) القانون ٢ و٣، من مجموعة قوانين تيودوز، de jure lip.
(٧٤) قانون سانسيموس، مجموعة قوانين de nuptiis.
(٧٥) ملحق ١٢٧، فصل ٣، الملحق ١١٨، فصل ٥.
(٧٦) قانون ٥٤ ff. de condit. Et demonst.
(٧٧) قانون ٥ : ٤ de jure patronat.
(٧٨) بولس، في أحكامه، باب ٣، فصل ٤ : ١٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤