الفصل الأول

الأديان على العموم

كما أنه يمكن أن يُقَدَّر بين الظلمات ما هو أقل كثافة، وكما أنه يمكن أن يقدر بين الهوات ما هو أقل عمقًا، يمكن أن يُبحث بين الأديان الباطلة ما هو أكثر ملاءمة لخير المجتمع، بين هذه الأديان التي يمكن أن تؤدي إلى سعادة الناس أكثر من سواها في هذه الحياة الدنيا وإن لم تهدف إلى جلبهم إلى سعادة الحياة الآخرة.

ولا أبحث، إذن، في مختلف أديان العالم إلا من حيث الخير الذي يُستَخلص منها في الأحوال المدنية، وذلك سواء علي أتكلمت عن الدين الذي يكون أصله في السماء أم تكلمت عن الأديان التي يكون أصلها في الأرض.

وبما أنني لست عالمًا لاهوتيًّا في هذا السِّفر، بل كاتب سياسي، فإن من الممكن أن يكون فيه من الأمور ما هو غير صحيح تمامًا في غير طراز إنساني من التفكير، وذلك مع عدم نظر إلى هذه الأمور من حيث صلتها بالحقائق العليا.

وأما من حيث الدين القَيِّم فإن من قلة الإنصاف أن يُرى أنني لم أزعم قط عدم صُنعي ما تُترك به مصالح الدين للمصالح السياسية، بل جمع ما بينهما، فالواقع أن جمع ما بينهما يستلزم معرفتهما.

ولا ريب في أن الدين النصراني الذي يأمر الناس بالتَّحَابِّ يبغي أن يكون لكل شعب أصلح القوانين السياسية والقوانين المدنية، وذلك لأنها تجيء بعده في كونها خير ما يستطيع الناس أن يُعطوه ويأخذوه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤