مطابقة ما بين قوة الدين وقوة القوانين المدنية
بما أن على الدين والقوانين المدنية أن يهدفا إلى جعل الناس مواطنين صالحين مبدئيًّا فإنه يُرى أن أحدهما إذا ما ابتعد عن هذا الهدف وجب على الآخر أن يميل إليه أكثر من قبل، وأن الدين كلما قَلَّ رَدعه وجب على القوانين المدنية أن تزيد زجرًا.
وهكذا، إذ عَطِل الدين السائد لليابان من أية عقيدة تقريبًا ولم يَعرِض جنة أو نارًا مطلقًا فإن القوانين التي رُئي أن تتلافى ذلك هي من شدة الوضع ودقة التنفيذ ما هو غير اعتيادي.
وإذا ما قال الدين بعقيدة الوجوب في الأعمال البشرية وجب أن تكون العقوبات أعظم شدة وأن تكون الضابطة أكثر حَذَرًا حتى يُحَدَّد بهذه العوامل أمر الناس الملقاة حبالهم على غواربهم من غير ذلك، ولكن الأمر يكون خلاف ذلك إذا ما وَضع الدين عقيدة الحرية.
وتنشأ عقيدة جبرية الإسلام على تثاقل النفس، وينشأ تثاقل النفس عن عقيدة هذه الجبرية، وقد قيل إن هذا في اللوح المحفوظ، فيجب أن يُظَلَّ في سكون إذن، وفي حال كهذه يجب أن يُحَثُّ بالقوانين من هم نِيام في الدين.
وإذا ما استنكر الدين أمورًا يجب أن تبيحها القوانين المدنية كان من الخَطر ألا تُبيح القوانين المدنية من ناحيتها أمورًا يجب أن يستنكرها الدين، ومن هذه الأمور واحد يدل، دائمًا، على نقص انسجام وملاءمة في الأفكار يتناول الآخر.
وفكرة مكان للثواب تقتضي فكرة مكان للعقوبات بحكم الضرورة، ومتى أُمِلَ في أحدهما من غير أن يُخشى الآخر عاد لا يكون للقوانين المدنية قوةٌ، ومن يعتقد وجود ثواب مضمون في الحياة الآخرة يتفلَّت من المشترع، ويستخف بالموت كثيرًا، وأية وسيلة تزجر القوانين بها رجلًا يعتقد أن أعظم عقوبة يمكن الحكام أن يفرضوها عليه لا تنتهي حينًا إلا لتبدأ سعادته؟