عامل التمسك بمختلف الأديان
لا تُقدِّم أديان العالم المختلفة إلى مَن يمارسونها عوامل متساوية في التمسك بها، وإنما يتوقف هذا كثيرًا على وجه موافقتها لطراز تفكير الناس وشعورهم.
ونميل إلى الوثنية كثيرًا، ومع ذلك لسنا كثيري الارتباط في الأديان الوثنية، ولا نميل إلى الأفكار الروحانية مطلقًا، ومع ذلك نرتبط كثيرًا في الأديان التي تحملنا على عبادة كائن روحاني، ومن المشاعر المُوَفَّقة ذلك الشعور الذي يأتي، قِسمًا، من الانشراح الذي نجده في أنفسنا، من كوننا على شيء من الإدراك نختار به دينًا يُنَزِّه الألوهية عن هوانٍ كانت الأديان الأخرى قد وضعتها فيه، ونعد الوثنية دين الأمم الغليظة، ونَعد الدين الذي يتخذ الكائن الروحي موضوعًا له دين الأمم المنورة.
وإذا ما استطعنا أن نَقْرِن بالكائن الروحي الأعلى الذي تقوم عليه العقيدة أفكارًا محسوسة تدخل في العبادة عَظُم تمسُكُنا بالدين، وذلك لأن الأسباب التي تكلمنا عنها تكون قد اقترنت بميلنا الطبيعي إلى الأشياء المحسوسة، وكذلك ترى الكاثوليك، الذين هم أشد تمسكًا من الپروتستان بهذا النوع من العبادة، أكثر تعلقًا بمذهبهم، وأعظم غَيْرةً في نشره، من تعلُّق الپروتستان بمذهبهم وغيرتهم في نشره.
ونَزِيد تعلُّقًا بدين روحي عندما يُنعِم علينا هذا الدين، أيضًا، بمبدأ خيار أوجبته الألوهية وتمييز بين من يمارسونه ومن لم يمارسونه، ولا يكون أتباع محمد مسلمين صالحين لو لم توجد، من ناحية، شعوب وثنية تحملهم على التفكير في كونهم منتقمين لوحدانية الله، ولو لم يوجد، من ناحية أخرى، نصارى حَمْلًا لهم على الإيمان بأنهم محل تفضيله.
ولا بد للدين من أن يكون ذا أدب خالص حتى يربط الناس به، ومن هُم شُطَّار تفصيلًا هم صُلَّاحٌ إجمالًا، وهم يحبون الأدب، ولو لم أُعالج موضوعًا بالغ الخطر كهذا الموضوع لقلت إن هذا يشاهَد على المسارح بما يثير العجب، فمن المؤكد أن يُراق الشعب بالمشاعر التي تُقرُّها الأخلاق، ومن المؤكد أن يُصدَم بالمشاعر التي ترفِضُها الأخلاق.
ومتى كانت العبادة الخارجية على شيء عظيم من الأبهة بهرتنا وزادتنا ارتباطًا في الدين، ويؤثِّر ثراء المعابد والإكليروس فينا كثيرًا، وهكذا فإن بؤس الشعوب يربطها بهذا الدين الذي اتُّخذ ذريعة لمن أوجبوا بؤسها.