المعابد
يسكن جميع الشعوب المتمدنة بيوتًا تقريبًا، ومن هنا جاءت، بحكم الطبيعة، فكرة إنشاء بيت الله يمكنها أن تَعبُده فيه فتبحث عنه في مخاوفها وآمالها.
والواقع أنه لا يوجد شيء أدعى إلى سُلوان الناس من موضع يجدون الألوهية فيه بالغة القُرب وحيث يتكلمون معًا عن ضعفهم وبؤسهم.
غير أن هذه الفكرة الطبيعية إلى الغاية لا تَرِدُ غير الشعوب التي تزرع الأرضين، ولا يُرَى إنشاء معبد عند من لا يوجد عندهم بيوت.
ويقلُّ ارتباط الشعوب التي لا معابد لها في دينها، وهذا هو سبب تسامح التتر في كل زمن، وسبب عدم تردد شعوب البرابرة التي قهرت الإمبراطورية الرومانية في اعتناق النصرانية، وسبب قلة تعلُّق هَمَج أمريكة بدينهم، وسبب غيرتهم العظيمة لديننا منذ حَمَلهم مُبَشِّرُونا على إنشاء كنائس في الپَراغْوَاي.
وبما أن الألوهية مَوْئل للبائسين، وبما أنه لا يوجد من الناس من هم أكثر بؤسًا من المجرمين، فإنه وُجِد، بحكم الطبيعة، ما يحمل على اعتقاد كونِ المعابد ملجأً لهم، وبَدَت هذه الفكرة أقربَ إلى الطبيعة عند الأغارقة الذين كان يلوح أن القَتَلة المطرودين من مُدُنهم ومن مواجهة الناس بينهم عادوا لا يكون لهم من البيوت غير المعابد ولا من الحماة غير الآلهة.
وكان هذا لا يَعنِي غير القتلة خطأ في البُداءة، بيد أنه سُقِط في تناقض فظيع عندما اشتمل أولئك على أعظم المجرمين، فإذا ما أذنبوا نحو الناس كان من الأَوْلَى عَدُّهم مذنبين نحو الآلهة.