الفصل الثالث عشر

ماذا كانت تكاليف الرومان والغُوليين في نظام الفرنج الملكي؟

يمكنني أن أبحث في هل الرومانُ والغوليون المغلوبون داوموا على دفع التكاليف التي كانوا خاضعين لها أيام الأباطرة، ولكنني إذ أود الإسراع أكتفي بقولي إنهم إذا ما دَفَعوها في بدء الأمر أُعفُوا منها حالًا، وإن هذه التكاليف تحوَّلَت إلى خدمة عسكرية، وأعترف بأنني لا أفهم مطلقًا كيف أن الفرنج كانوا في بدء الأمر كثيري الإيلاف للتكاليف فابتعدوا عنها كثيرًا من فَوْرهم.

وللويسَ الحليم مرسوم١ يوضح لنا جيدًا ما الحال التي كان الرجال الأحرار عليها في عهد الفرنج الملكي، فقد فرَّ بعض عصابات٢ القوط والإيبر من ضغط العرب فقُبِلَت في أرَضي لويس، ومن شأن العهد الذي عُقِدَ معهم أن يقصدوا الجيش مع كُونْتِهِم كالأحرار من الرجال الآخرين، وأن يصبحوا حرسًا وعَسَسًا تحت إمرة الكونت ذاته إذا ما زحفوا،٣ وأن يعطوا رسل الملك٤ والسفراء الذين يذهبون من بلاطه أو يسيرون نحوه خيلًا وعجلًا للعربات، وألا يُكرَهوا على تأدية تكاليف أخرى عدا ذلك، وأن يعامَلوا كالرجال الأحرار الآخرين.
ولا يمكن أن يقال إن هذه عادات جديدة انتُحِلت في أوائل الجيل الثاني، فلا بدَّ من أن يكون هذا أمرًا خاصًّا بأواسط الجيل الأول أو أواخره على الأقل، ومما قيل بصراحة في مرسوم مَلَكي٥ لسنة ٨٦٤ أن من العادات القديمة قيامَ الرجال الأحرار بالخدمة العسكرية وتأديتَهم ما تكلمنا عنه من خيل وعربات فضلًا عن ذلك؛ أي إنجازهم تكاليف خاصة بهم، فمن كان يتصرف في إقطاعات كان يُعفَى منها كما أُثبِت ذلك فيما بعد.
وليس ذلك كلَّ ما في الأمر، فقد كان يوجد نظامٌ٦ لا يبيح إلزام هؤلاء الرجال الأحرار بالضرائب، وكان يُحمَل على السَّيْر إلى الحرب دائمًا مَنْ يملك أربعة منازل٧ حقلية، وكان يُضَاف إلى رجل حرٍّ يملك منزلًا حقليًّا واحدًا من لا يملك غير ثلاثة منازل حقلية، فيدفع صاحب المنزل الحقلي الواحد ربع النفقات ويبقى في منزله الحقلي، وكذلك يُضَاف كل من الرجلين الحريْن الصاحب كلٌّ منهما لمنزلين حقليين إلى الآخر، فيدفع من يبقى منهما نصف النفقات لمن يسير.
وزد على ذلك حيازتنا ما لا يُحصَى من المراسيم التي تُنْعِم بامتيازات الإقطاعات على ما يتصرف فيه رجال أحرار من الأرَضين والأقضية فأُكثِرُ من الكلام٨ عنه فيما بعد، وتُعْفَى هذه الأرَضُون من جميع التكاليف التي كان يطالبها بها الكونتات وغيرهم من عمال الملك، وبما أن جميع هذه التكاليف تُحصَى على الخصوص وليس الخراج موضعَ بحثٍ، فإن من الواضح أنه كان لا يُجْبَى من ذلك شيء.

وكان من السهل سقوط التكاليف الرومانية في نظام الفرنج الملكي، فقد كانت هذه صنعة بالغة التعقيد غير داخلة ضمن أفكار تلك الشعوب البسيطة ولا ضمن خطتها، ولو كان التتر يغمرون أوربة في الوقت الحاضر لوجب من المعاملات ما يجعلهم يسمعون من هو ماليٌّ بيننا.

ويتكلم مؤلف «حياة لويس الحليم»٩ المشكوك فيه عمن نَصَبه شارلُمان في أكيتانية من كونتات أمة الفرنج وموظفيها فيقول إنه أعطاهم حراسة الحدود والسلطة العسكرية ووكالة ممتلكات التاج، ويدل هذا على دخل الأمير في الجيل الثاني، أجلْ، قد احتفظ بممتلكات كان يستغلُّها بواسطة عبيده، غير أن التوقيتات والجِزْيات وغيرهما من الضرائب المُجْبَاة منذ عهد الأباطرة عن الشخص أو عن أموال الرجال الأحرار قد تحولت إلى إلزامٍ بحفظ الحدود أو الذهاب إلى الحرب.
ويُرى في التاريخ نفسه١٠ أن لويس الحليم قابل أباه في ألمانية فسأله هذا الأمير كيف يكون بالغًا هذا الفقر مع أنه ملك فأجابه لويس أنه ليس ملكًا بغير الاسم وأن السنيورات يُمسِكون جميع ممتلكاته تقريبًا، ويُرَى فيه أن شارلمان خشي أن يخسر هذا الأميرُ الشاب مودَّتهم، إذا ما استردَّ بنفسه ما كان قد أنعم به من غير رويَّة، فأرسل وكلاءَ لإصلاح الأمور.
وكتب الأساقفة إلى أخي شارل الأصلع، لويس،١١ يقولون له: «اعتنوا بأَرَضِيكم لكيلا تُضْطَرُّوا إلى السَّفَر الدائم بواسطة منازل رجال الدين وإتعاب فدَّاديهم بعَرَبات، واصنعوا الشيء الذي يكون عندكم ما به تعيشون وتستقبلون الوفود» ومن الواضح أن كان دَخْلُ الملوك يقوم على ممتلكاتهم١٢ في ذلك الحين.

هوامش

(١) لسنة ٨١٥، فصل ١، وهذا ما هو ملائم لمرسوم شارل الأصلع لسنة ٨٤٤، المادة ١ و٢.
(٢) المصدر نفسه Pro Hispanis in partibus Aquitaniœ, Septimaniœ et Provinciœ consistentibus.
(٣) المصدر نفسه Excubias et explorationes quas wactas dicunt.
(٤) لم يكونوا ملزمين بدفع شيء من ذلك إلى الكونت، المصدر نفسه، المادة ٥.
(٥) Ut pagenses Franci, qui caballos habent, cum suis comitibus in hostem pergant كان محظورًا على الكونتات أن يحرموهم خيلهم ut hostem facere, et debitos paraveredos secundum antiquam consuetudinem exsolvere possint طبعة بيست، فى بالوز، صفحة ١٨٦.
(٦) مرسوم شارلمان لسنة ٨١٢، فصل ١، طبعة بيست لسنة ٨٦٤، مادة ٢٧.
(٧) Quantuor mansos ويلوح لي أن الذي كان يدعى mansus هو قطعة أرض مرتبطة في مزرعة كانت تشتمل على عبيد، كما يشهد بذلك مرسوم سنة ٨٥٣، apud Slyvacum باب ١٤، ضد من كانوا يطردون العبيد من مزرعتهم.
(٨) انظر إلى الفصل العشرين من هذا الباب.
(٩) في دوشن، جزء ٢، صفحة ٢٨٧.
(١٠) المصدر نفسه، صفحة ٨٩.
(١١) انظر إلى المرسوم الملكي لسنة ٨٥٨، مادة ١٤.
(١٢) كانوا يجبون بعض الضرائب عن الأنهار إذا ما وُجِدَ جسر أو معبر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤