الفصل الثالث والعشرون

رأي عامٌّ عن كتاب قيام المملكة الفرنسية في بلاد الغول للشَّمَّاس دُوبُوس

يصلح — قبل ختم هذا الباب — أن أدرس كتاب الشماس دوبوس بعضَ الدرس؛ وذلك لما بين أفكاري وأفكاره من تباين دائم، فهو إذا كان قد وجد الحقيقة كنتُ غير واجد لها.

وقد أضلَّ ذلك الكتاب أناسًا كثيرين؛ وذلك لتأليفه بكثير من المهارة، وذلك لما يُفْتَرض فيه — دائمًا — ما هو موضع بحث؛ وذلك لأن الأدلة كلما أعوزته فيه زيدت الاحتمالات فيه، وذلك لأن ما لا يُحصَى من الحَدْس عُرِضَ كمبدأ فاستُنبطت منه حدسيات أخرى، فينسى القارئ أنه شكَّ حتى يبدأ بالاعتقاد، وبما أن ما لا حدَّ له من الفقه قد استُعمل بجانب المنهاج، لا في المنهاج، فإن الذهن قد أُلهيَ بلواحق من غير عناية بالمبدأ، ثم إن كثيرًا من المباحل لا تسمح بأن يُتَمَثَّل أنه لم يوجد شيء، فطول السياحة يحمل على اعتقاد الوصول في نهاية الأمر.

ولكن البحث إذا ما أُحسن وُجِدَ تمثالٌ عظيم ذو رجلين من فخَّار، وليس التمثال عظيمًا إلا لأن الرجلين من طين، ولو كان لمنهاج الشماس دوبوس أسس صالحة ما اضطُرَّ إلى وضع ثلاثة مجلدات مطولة لإثباته، وكان له وجود كل شيء في موضوعه، ولا ضرورة لقصد كل ناحية بحثًا عما هو بعيد من ذلك كثيرًا، فالعقل نفسه كفيل بوضع هذه الحقيقة في سلسلة الحقائق الأخرى، وكان تاريخنا وقوانيننا يقولان له: «لا تجهد نفسك بهذا المقدار، فنحن نعترف لك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤