الفصل الثاني

كيف أُصلِحت الحكومة المدنية؟

رأينا الأمة تُبدي — حتى الآن — شواهدَ خِفَّة وعدم صبر حول اختيار سادتها وسلوكهم، ورأيناها تسوِّي ما بين سادتها من خلاف، وتفرض عليهم واجب الصلح، ولكن الأمة صنعت الآن ما كان لا يُرَى، فقد ألقت نظرًا على وضعها الحاضر، ودرست قوانينها باعتدال دم، وتداركت نقصها ووَقَفَت العنفَ ونظَّمت السلطة.

وما اتفق لفريديغُونْد وبرُونْهُول من وصايات على العرش رجوليةٍ جريئةٍ ماجنة كان أقل بَهْتًا لهذه الأمة من إنذارها، وما صدر عن فريديغوند من خبائث دافعت عنه بخبائثها ذاتها، فسوَّغت السم والقتل بالسم والقتل، وقد سارت على وجهٍ كانت به مظالمها خاصة أكثر من أن تكون عامة، وقد أتت فريديغوند كثير شرور، وقد كانت برونهول أكثر إخافة بها، ولم تكتف الأمة في هذه الأزمة بوضع النظام في الحكومة الإقطاعية، فقد أرادت توطيد حكومتها المدنية أيضًا؛ وذلك لأن هذه الحكومة كانت أكثر فسادًا من الأخرى، وكان خطر هذا الفساد على قدر قِدَمه، وكان سوء الأخلاق أدعى إلى هذا الفساد من سوء استعمال القوانين كما يظهر.

ويدلنا تاريخ غريغوار التوري وغيرُه من الآثار على أمة جافية بربرية من ناحية وعلى ملوك لم يكونوا أقلَّ منها في ذلك من ناحية أخرى، وقد كان هؤلاء الملوك قَتَلَةً ظَلَمَة قساة؛ لأن جميع الأمة كانت هكذا، وإذا كانت النصرانية قد بدت ملطِّفة لهم فلما تُلْقِيه من هول في قلوب المجرمين، وقد دافعت الكنيسة عن نفسها تجاههم بخوارق قدِّيسيها وعجائبهم، ولم يكن الملوك مدنِّسي القدسيات؛ لأنهم كانوا يخشون عقوبات التدنيس، ولكن الملوك قد اقترفوا جميع أنواع الجرائم والمظالم عن غضب أو عن عمد مع ذلك؛ لأن هذا الجرائم والمظالم كانت لا تُظْهِر لهم يد الله الرقيب، وكان الفرنج يحتملون ملوكًا قتلة؛ لأنهم أنفسَهم كانوا قتلة كما قلت، وهم كانوا لا يتأثَّرون من مظالم ملوكهم ونِهابِهم؛ لأنهم كانوا ظالمين نهَّابين مثلهم. أجلْ، كان يوجد كثير من القوانين الموضوعة، غير أن الملوك كانوا يجعلونها غير مُجْدِية برسائل ناقضة،١  (Preceptions) هادمة لهذه القوانين؛ أي كان هذا كإرادات أباطرة الرومان تقريبًا، سواءٌ أكان الملوك قد أخذوا عنهم هذه العادة أم استنبطوها من طبيعتهم، ومما يُرَى في غريغوار التوري أنهم كانوا يقومون بأعمال القتل عمدًا، وأنهم كانوا يقتلون المتَّهمين الذين لم يُسْمَعوا، وأنهم كانوا يصدرون رسائل ناقضة وضعًا لأنكحة محرمة،٢ أو نقلًا لمواريث، أو نزعًا لحقوق الأقرباء، أو تزوُّجًا براهبات، والواقعُ أنهم كانوا لا يضعون قوانين من تلقاء أنفسهم، وإنما كانوا يعطِّلون العمل بما كان قد وضِع منها.
وقوَّم مرسوم كلوتير جميع الشكاوى، فصار لا يُحكَم على أحد قبل أن يُسمع،٣ وحُقَّ للأقرباء أن يرِثُوا — دائمًا — وفق الترتيب المنصوص عليه في القانون،٤ وغدت باطلة كلُّ رسالة ناقضة تزوُّجًا ببنات أو أيامَى أو راهبات، فيُجَازَى بشدة كل من ينالها ويستعملها،٥ وقد كنا نعلم بما هو أدق من هذا ما نصَّ عليه هذا المرسوم حول الرسائل الناقضة لو لم تندثر المادة ١٣ والمادتان اللتان تليانها مع الزمن، فليس لدينا غير الكلمات الأولى من المادة ١٣ التي تأمر بمراعاة الرسائل الناقضة، وهذا ما لا يطابق الرسائلَ الناقضة التي ألغاها بذات القانون، ولدينا نظام آخر عن هذا الأمير٦ يلائم مرسومه ويُصلِح جميع مفاسد الرسائل الناقضة تمامًا.
حقًّا أن مسيو بالوز وجد هذا النظام بلا تاريخ واسمٍ للمكان الذي صدر فيه فعزاه إلى كلوتير الأول، فهو قد صَدَرَ عن كلوتير الثاني، ولديَّ ثلاثة أسباب في ذلك:
  • (١)
    لقد نُصَّ فيه على أن الملك يُبْقِي البراءات التي مُنِحَتْها الكنائسُ من قِبَل أبيه وجدِّه،٧ فأي البراءات كان يُمْكِن أن يُنْعِم بها على الكنائس جد كلوتير الأول — شِلْدِريك — الذي لم يكن نصرانيًّا، والذي كان يعيش قبل تأسيس المملكة؟ غير أن هذا المرسوم إذا ما عُزِي إلى كلوتير الثاني وجد كلوتير الأول جدًّا له، وُجِدَ هذا الجدُّ الذي قدَّم إلى الكنائس أَعطيةً عظيمةً تكفيرًا عن قتل ابنه كرَامْن الذي أمر بحرقه مع زوجه وأولاده.
  • (٢)
    لقد بقيت المفاسد التي أصلحها هذا النظام بعد كلوتير الأول، حتى إنها بلغت حدَّها في ضعف عهد غونتران، وفي جور عهد شلبريك وفي وصايات فريديغوند وبرونهول الممقوتة، والواقع كيف كانت الأمة تستطيع احتمال فظائع محرمة من غير أن ترفع عقيرتها عند رجوع هذه الفظائع باستمرار؟ وكيف لا تَصْنَع الآن ما صنعت حينما عاد شلبريك الثاني٨ إلى سابق مظالمه فحملتْه على الأمر بأن يُتَّبَع القانون والعادات في الأحكام كما كان يُصْنَع سابقًا؟٩
  • (٣)

    ثم لم يكن هذا النظام الذي وُضِع لتقويم المظالم ليخُصَّ كلوتير الأول ما خلت المملكة من الشكاوى في عهده من هذه الناحية، وما توطَّد سلطانه كثيرًا في الزمن الذي جُعِل فيه هذا النظام، وذلك بدلًا من ملاءمته الحوادث التي نشأت في عهد كلوتير الثاني فأدَّت إلى ثورة عن حال المملكة السياسي، فيجب تنوير التاريخ بالقوانين وتنوير القوانين بالتاريخ.

هوامش

(١) كانت هذه أوامر يرسلها الملك إلى القضاة ليأتوا أو ليحتملوا أعمالًا مخالفة للقانون.
(٢) انظر إلى غريغوار التوري، باب ٤، صفحة ٢٢٧، ويطفح التاريخ والمراسيم بذلك، ويظهر اتساع سوء الاستعمال هذا — على الخصوص — في مرسوم كلوتير الثاني، لسنة ٦١٥، الذي وضع لإصلاحه، انظر إلى المراسيم القديمة، طبعة بالوز، جزء ١، صفحة ٢٢.
(٣) المادة ٢٢.
(٤) المصدر نفسه، المادة ٦.
(٥) المصدر نفسه، المادة ١٨.
(٦) في طبعة المراسيم القديمة لبالوز، جزء ١، صفحة ٧.
(٧) تكلمت في الباب السابق، فصل ٢١، عن هذه البراءات التي كانت امتيازات لحقوق العدالة، والتي كانت تشتمل على منع القضاة الملكيين من القيام بأية وظيفة في المكان، والتي كانت تعدل إنشاء إقطاعة أو وراثتها.
(٨) بدأ عهده حوالي سنة ٦٧٠.
(٩) انظر إلى «حياة القديس ليجه».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤