كيف يجب أن تلائم القوانين مبدأ الحكومة في الأريستوقراطية
إذا كان الشعب في الأريستوقراطية صالحًا فإنه يتمتع فيها بسعادة الحكومة الشعبية تقريبًا وتصبح الدولة قوية، ولكن بما أن من النادر أن يوجد كثير فضيلة حيث تكون ثروات الناس متفاوتة جدًّا فإن من الواجب أن تؤدي القوانين إلى روح اعتدال ما استطاعت، وأن تحاول إعادة تلك المساواة التي ينزعها نظام الدولة لا محالة.
وروح الاعتدال هي ما تُسمى الفضيلة في الأريستوقراطية حيث تقوم مقام المساواة في الحكومة الشعبية.
ولكل حكومة طبيعتها ومبدؤها، ولذا ليس من الواجب أن تكتسب الأريستوقراطية طبيعة الملكية ومبدأها، ويحدث هذا إذا ما كان للأشراف بعض الامتيازات الشخصية والخاصة يمتازون بها مما عند هيئتهم، ويجب أن تكون الامتيازات للسِّنات والاحترام الخالص لأعضائه.
ويوجد مصدران رئيسان لما يقع في الدول الأريستوقراطية من فساد، وهما ما بين الحاكمين والمحكوم فيهم من تفاوت متناه، وما بين مختلف أعضاء الهيئة الحاكمة من تفاوت متناه أيضًا، وينشأ عن هذين التفاوتين من الأحقاد والحسد ما يجب على القوانين أن تتلافاه أو أن تقفه.
ومن المبادئ الأساسية أن يقال: إن ما يوزع على الشعب يكون ذا نتيجة حسنة في الحكومة الأريستوقراطية بنسبة ما له من نتائج سيئة في الديموقراطية، فهذا يوجب ضياع روح المواطن، وذاك يعيده إليها.
وإذا لم يوزع الدخل على الشعب وجب أن يرى الشعب حسن إدارة الدخل؛ وذلك لأن إراءته ذلك ينطوي على إمتاعه به من بعض الوجوه، فما كان يمد في البندقية من سلسلة ذهبية، وما كان يؤتى به من ثروات إلى رومة في مواكب النصر، وما كان يحفظ في معبد ساتورن من كنوز، أشياء كانت تعد أموال الشعب حقًّا.
ومن الأمور الجوهرية على الخصوص ألا تُجبى الضرائب من قبل الأشراف في الأريستوقراطية، وكانت الطبقة الأولى في رومة لا تتدخل في ذلك مطلقًا، وقد عُهد إلى الطبقة الثانية في ذلك، حتى إنه كان لهذا محاذير عظيمة فيما بعد، وتجد جميع الأفراد تابعين لهوى أصحاب الأمور في الأريستوقراطية حيث يجبي الأشراف الضرائب، وذلك لعدم وجود محكمة عالية تؤدبهم، وكان من يفوض إليه منهم أن يزيل كل سوء استعمال يؤثر أن يتمتع بسوء الاستعمال، وهنالك يغدو الأشراف كأمراء الدول المستبدة الذين يصادرون أموال من يريدون.
ولا يلبث ما يجتنى هنالك من فوائد أن يعد تراثًا يبسط الشح نطاقه كما يهوى، فتُحط الدساكر ويصير الدخل العام إلى العدم، ومن ثم يئول بعض الدول، من غير انكسار ملحوظ، إلى وهن يدهش منه الجيران ويحار منه حتى أبناء الوطن.
ويجب على القوانين أن تحظر عليهم التجارة أيضًا، فالتجار الثقات كثيرًا يأتون ضروب الاحتكار، والتجارة هي مهنة أناس متساوين، وأشد الدول المستبدة بؤسًا هي التي يكون الأمير فها تاجرًا.
ويجب على القوانين أن تتخذ أشد الوسائل تأثيرًا ليقر الأشراف بحقوق الشعب، وهي إذا لم تقم محاميًا عن الشعب وجب أن تكون محامية عنه بنفسها.
وكل ملاذ ضد تنفيذ القوانين يقضي على الأريستوقراطية، والطغيان قريب من ذلك.
وفي الأريستوقراطية يوجد أمران مضران، وهما: فقر الأشراف المتناهي وثراؤهم المفرط، ويجب لتلافي فقرهم، خاصة، أن يحملوا على دفع ديونهم باكرًا، ويجب لتخفيف غناهم أن تتخذ تدابير رشيدة غير محسوسة، لا أن يصار إلى المصادرة، ولا إلى قوانين أرضية، ولا إلى إلغاء للديون؛ أي: ألا يصار إلى أمور تؤدي إلى شرور لا حد لها.
ومتى ساوت القوانين بين الأسر بقي لها أن تحفظ ما بينها من اتحاد، ويجب أن يُقضى فيما بينها من خصومات سريعًا، وإن لم يفعل هذا تحول ما بين الأفراد من خصام إلى خصام بين الأسر، ويمكن المحكمين أن ينجزوا القضايا أو يحولوا دون وقوعها.
ثم لا ينبغي للقوانين، مطلقًا، أن تؤيد ما يوجبه الزهو من الفروق بين الأسر عن حجة كونها أعظم شرفًا أو أكثر قدمًا، ويجب أن يعد هذا من تُرَّهات الأفراد.
وليس على المرء إلا أن ينظر إلى إسپارطة ليرى كيف عرف الحكام الخمسة أن يقهروا خور الملوك والكبراء والشعب.