الفصل الأول

بساطة القوانين المدنية في مختلف الحكومات

لا تحتمل الحكومة الملكية ما تحتمله الحكومة المستبدة من بساطة القوانين، فلا بد من وجود محاكم فيها، وتصدر هذه المحاكم أحكامًا يجب حفظها والاطلاع عليها ليحكم اليوم بمثل ما حكم فيه بالأمس ولتضمن بها، وتستقر، أموال الأهلين وأرواحهم كنظام الدولة نفسه.

ودقة البحث هي ما تقتضيه في الملكية إدارة العدل الذي يقرر أمر الشرف فضلًا عن الحياة والأموال، وتزيد دقة القاضي كلما زادت ذخيرته وحكم في أعظم المصالح.

ولا يعجب المرء، إذن، من اطلاعه على قواعد وقيود وتوسعات كثيرة في قوانين هذه الدول تزيد الأحوال الخاصة، وتُحدث صناعة الحق كما يلوح.

ويؤدي ما هو مستقر في الحكومة الملكية من اختلاف المقام والأصل والنسب إلى فروق في طبيعة الأموال غالبًا، ويمكن القوانين الخاصة بنظام هذه الدولة أن تزيد هذه الفروق، وهكذا تكون الأموال بيننا خارجة عن شركة الزواج أو داخلة فيها أو مكتسبة غير موروثة، وتكون مهرية وملكًا للمرأة المتزوجة تحتفظ بإدارته، وتكون تراثًا من الأب ومن الأم، وتكون منقولة منوعة، وتكون حرة أو مبدولة، وتكون أسرية أو غير ذلك، وتكون أصيلة خالصة من كل حق إقطاعي أو تكون عامية، وتكون دخلًا عقاريًّا أو قائمة بثمن، وكل نوع من الأموال خاضع لقواعد خاصة يجب اتباعها للتصرف فيها، وهذا ما ينزع البساطة أيضًا.

وصارت الإقطاعات في حكوماتنا وراثية، فقد وجب أن يكون لطبقة الأشراف بعض المال؛ أي: أن يكون للإقطاعة بعض الثبات حتى يكون صاحبها في حال يمكنه أن يخدم الأمير معها، وقد أسفر هذا عن كثير اختلاف بحكم الضرورة، ومن ذلك أن من البلدان ما لا يمكن تقسيم الإقطاعات فيه بين الإخوة، وأن من البلدان ما يمكن الإخوة الأصغرين أن يجدوا فيه عيشًا أكثر سعة.

ويمكن الملك العارف بجميع ولاياته أن يضع قوانين مختلفة أو أن يعاني عادات مختلفة، غير أن المستبد لا يعرف شيئًا، ولا يستطيع أن يدقق في أمر، فلا معدل له عن مسلك عام، وذلك أن يحكم بعنف متماثل في كل مكان، فيُسوَّى كل شيء تحت أقدامه.

وكلما زادت أحكام المحاكم في الملكية أثقل الفقه بقرارات متناقضة أحيانًا، وذلك عن كون القضاة الذين يتعاقبون يختلفون تفكيرًا، أو عن كون الدفاع عن الأمور المتماثلة يكون حسنًا تارة وسيئًا تارة أخرى، أو عما لا حد له من سوء الاستعمال الذي يتسرب في كل ما يعالجه الناس، وهذا ضرر ضروري يصلحه المشترع في الحين بعد الحين كأمر منافٍ حتى لروح الحكومات المعتدلة؛ وذلك لأنه يجب، عند الالتجاء إلى المحاكم عن اضطرار، أن يصدر هذا عن طبيعة النظام، لا عن المتناقضات وتردد القوانين.

ويجب أن توجد امتيازات في الحكومات التي توجد فيها فروق بين الأشخاص بحكم الضرورة، وهذا ما يقلل البساطة أيضًا ويؤدي إلى ألف استثناء.

ومن أقل الامتيازات عبئًا على المجتمع، ولا سيما الذي ينعم بها، هو أن يُرافع أمام محكمة دون الأخرى، وينطوي هذا على أمور جديدة؛ أي: على معرفة أيُّ المحاكم يجب أن يرافع أمامه.

وتكون شعوب الدول المستبدة في حال تختلف عن تلك، ولا أعرف حول أي أمر يمكن المشترع أن يقرر، والقاضي أن يحكم، في تلك البلاد، وينشأ عن كون الأرضين خاصة بالأمير عدم وجود قوانين مدنية عن ملكية الأرضين، وينشأ عن حق الأمير في الإرث عدم وجود قوانين عن المواريث أيضًا، وما يقوم به الأمير في بعض البلدان من بيع وشراء حصرًا يجعل كل نوع من القوانين التجارية أمرًا غير مجد، وما يعقد فيها من زواجات مع الإماء يؤدي إلى عدم وجود قوانين مدنية عن المهور ومتع النساء، وينشأ عن كثرة العبيد العجيبة أيضًا عدم وجود أناس لهم إرادة خاصة تقريبًا، ومن ثم غير ملزمين بالإجابة عن تصرفهم أمام القاضي، وأما معظم الأعمال الأدبية التي ليست غير إرادة الأب والزوج والسيد فتنظم من قبل هؤلاء، لا من قبل الحكام.

وقد نسيت أن أقول: بما أن ما نسميه شرفًا لا يكاد يكون معروفًا في هذه الدول فإن جميع الأمور الخاصة بهذا الشرف الذي هو فصل بالغ بيننا لا محل لها فيها مطلقًا، فالاستبداد يكفي نفسه بنفسه، وكل شيء لا معنى له حوله، ثم إن من النادر أن يحدثنا السياح عن القوانين المدنية١ عندما يصفون لنا البلدان التي يسودها الاستبداد.

ولذا فإن جميع دواعي الخصام والدعاوى غير موجود هنالك، وهذا ما يوجب، من بعض الوجوه، إهانة أصحاب القضايا بشدة، وذلك لظهور تعسهم على المكشوف، وذلك لعدم خفاء عسفهم وعدم استتاره واكتنافه بما لا يُحصى من القوانين.

هوامش

(١) لم يمكن اكتشاف قانون مكتوب في مازوليباتام، انظر إلى «مجموعة الرحلات التي انتفع بها في تأسيس شركة الهند»، جزء ٤، قسم ١، صفحة ٣٩١، ولا يقوم تنظيم الهنود لأنفسهم في الأحكام على غير بعض العادات، ولا تشتمل الويدا وما ماثلها من الكتب على قوانين مدنية مطلقًا، بل على مبادئ دينية، انظر إلى «رسائل العبرة»، المجموعة الرابعة عشرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤