رجل فقير

كان ذلك في حجرة الجلوس بعد الغداء، وقد قعدت المسز شارمن — ربة الدار الجسيمة الطيبة القلب — على كرسي إلى جانب صديقتها الصغيرة المسز لورنج وتنهدت سائلة: «كيف ترين المستر تمبرلي؟»

قالت: «ظريف جدًّا ولكن فيه بعض الشذوذ.»

قالت الأولى: «نعم شاذ، لا يجري على قياس. وقد أردت أن أحدثك عنه قبل أن ننزل ولكن الوقت ضاق بي، وهو صديق قديم لنا، وقد كان هو وزوجي العزيز في مدرسة واحدة، هارو. وإنه لأحلى وأعذب وأرق الناس. وأخشى أن يكون خيرًا من أن يصلح لهذه الدنيا. يتناول كل شيء جادًّا. ولن أنسى حزنه لوفاة زوجي المسكين. إني أحدث المسز لورنج عن المستر تمبرلي، يا أده.»

وكانت العبارة الأخيرة موجهة إلى بنتها المتزوجة، وهي غادة ساكنة، فيها من أمها دماثتها وطيبها، ولكنها أذكى وأفطن.

وقالت أده (المسز وير): «إني آسفة لأنه يبدو أبعد ما يكون من الصحة.»

فقالت الأم: «إنه لم يكن قط مشرق الديباجة، وحياته … ولكني سأحدثك عنه (والتفتت إلى المسز لورنج) إنه عزب، وفي رغد من العيش، و — هل تصدقين؟ — يعيش وحده في حي زري من أحياء لندن. أي حي هو يا أده؟»

– «شارع حقير في اسلنجتون.»

– «نعم، هناك يعيش، في مسكن وضيع — ولا بد أن يكون غير صحي — لا لشيء سوى أنه يريد أن يحيط علمًا بحياة الفقراء والمساكين، وليكون بذلك أقدر على معونتهم. أليست هذه بطولة؟ وقد وقف حياته على هذا على ما يظهر فما يلتقي به أحد في مكان آخر. وأحسب أن بيتنا هو الوحيد الذي يظهر فيه للناس. حياة نبيلة! ولا يخوض فيها بكلام، أو يشير إليها بحرف، وإني لواثقة أنك لم يخطر لك أن هذا هكذا من حديثه على المائدة!»

فقالت المسز لورنج مستغربة: «لم يخطر لي قط. على أنه لم يكن كثير الكلام، وقد استطعت أن أعرف أن أكبر ما يعنيه، زخرفة الخشب، والسياسة الخارجية.»

فضحكت المسز وير وقالت: «هو بعينه! لما كنت طفلة كان يصنع لي لعبًا شتى جميلة بمنشاره، ولما كبرت كان يحدثني عن التوازن الدولي! ومن يدري؟ لعله يكتب مقالات افتتاحية في الصحف، يا أمي!»

فقالت الأم: «يا بنيتي العزيزة، ما من شيء يستغرب من المستر تمبرلي! وإنها لحياة جديدة هذه التي يحياها بعد حياته في الريف. لقد كان له بيت صغير جميل قرب بيتنا في بيركشير. وليس يسعني إلا أن أعتقد أن وفاة زوجي هي التي حملته على مغادرته وتركه، فقد كان وثيق الصلة به وصديقًا حميمًا له. فلما مات زوجي وتركنا بيركشير اختفى المستر تمبرلي — حوالي سنتين — ثم التقيت به مصادفة في لندن. ومن رأي أده أنه لا بد أن يكون قد خاب له أمل في حب.»

فقالت بنتها: «يا أمي العزيزة، لقد كان هذا تأويلك أنت لاختفائه لا تأويلي أنا.»

قالت الأم: «صحيح؟ ربما! إن الإنسان لا يسعه إلا أن يلاحظ أنه قاسى بعض الآلام. وقد يكون هذا من أثر عطفه على الفقراء والمساكين الذين وقف عليهم حياته! رجل عجيب!»

وسمعن أصوات رجال عند باب الغرفة، فتطلعت المسز لورنج إلى رؤية هذا الرجل الشاذ. وكان هو آخر من دخل، وهو طويل، وفي كتفيه انحناء، ونحيل وغير رشيق، وفي خطوته اضطراب وفي مشيته تردد، وبه حياء ظاهر، وعينه الرقيقة النظرة كثيرة التلفت هنا وهنا، وفي خط الحاجب ما يشي بالتردد والضعف، وفي الابتسامة التي تخفق على شفتيه ما ينم على وهن الشخصية بل امحائها. وكان شعره قد بدأ يخف ويشيع فيه البياض، وكان شارباه كثيفين وأليق بوجه أصرم وأحزم. وكان وهو يدخل الغرفة، أو يتسلل إليها، لا تزال كفه تنقبض وتنبسط على نحو يغري بالضحك، وقد أفرده بين الرجال أنه كان في هيئة ما يمكن أن يوصف بأنه انطفاء اللمعة، أو ذهاب الصقل، وإن كان لا يبلغ حد الرثاثة، فإذا أَحَدّ المرء النظر إليه تبين أن ثيابه السوداء مفصلة على طراز يرجع إلى بضع سنوات مضت، وكان قميصه ناصع البياض، ولم يكن يتخذ من الحلي أكثر من أزرار بسيطة على كميه وصدره.

ومضى إلى ركن، وكان خليقًا أن يبقى فيه وحده، في سلام، لولا أن المسز وير جرت كرسيها إلى جانبه.

وقالت له: «أتراك ستبقى في المدينة في شهر أغسطس؟»

فقال: «لا … لا لا … كلا … لا أظن.»

– «ولكنك تبدو مترددًا، وسامحني حين أقول إني واثقة أن بك حاجة إلى تغيير الهواء. فالحقيقة أنك لا تبدو في صحة جيدة. فهل لي أن أغريك بالانضمام إلينا واللحاق بنا في لوسرن؟ إن زوجي يكون مسرورًا جدًّا … بأن تتاح له فرصة للحديث معك في أحوال أوروبا. فهب لنا من وقتك أسبوعين … أرجو …»

فقال: «يا عزيزتي المسز وير، إنك الرقة مجسدة. وإن شكري لك لجزيل، وإني لعاجز عن العبارة عما أحس به تلقاء هذه العناية، ولكن الحقيقة أني أكاد أكون مرتبطًا بوعد لإخوان آخرين. بل في وسعي أن أقول إني في حكم … نعم هذا هو الواقع.»

وكان صوته كالصفير، ونطقه واضحًا، وكان يبتسم ابتسامًا يحول إلى ما يشبه الإشفاء على البكاء وهو ينتقل من عبارة إلى عبارة في ارتباك واضطراب، وكانت كفاه المعروقتان الطويلتان متضاغتين حتى صارت عقل أصابعه بيضاء.

وقالت المسز وير: «إن المهم أنك ستغادر لندن، فإني أخشى أن تغالي في إرضاء ضميرك. وأحسبك تعلم أنك لن تفيد أحدًا بأن تتلف صحتك.»

فقال: «هذا واضح. ها ها! وإني أؤكد لك أن هذه الحقيقة غير خافية عليّ. الصحة أول ما ينبغي العناية به. وليس أولى بأن يجعل الإنسان أقل نفعًا من صحة متداعية. على التحقيق! على التحقيق!»

قالت: «فما القول في الجهد الذي تكلفك إياه معاطفك؟ إن لهذا أثرًا في الصحة فضلًا عن الجو الفاسد.»

قال: «ولكن اسلنجتون ليست فاسدة الجو يا عزيزتي المسز وير، وصدقيني حين أقول إن جوها كثيرًا ما يكون منعشًا. ولا تنسي أن موقعها مرتفع. أما لو تسنى أن نقلل ما تنفثه مداخن المنازل والمصانع! على كل حال أؤكد لك أن أسلنجتون تتوفر فيها كل المطالب الصحية.»

وقبيل انقضاء السهرة عُزفت بعض الأصوات، وكان المستر تمبرلي يبدو كأنه يستطيبها. فقد ثنى رأسه إلى الخلف، وشخص إلى فوق، وبقي شاردًا على هذه الهيئة إلى ما بعد انتهاء العزف ثم تنبه وتنهد.

ولما بارح البيت ارتدى معطفًا أكثف من أن يتخذ في ذلك الوقت، ودس في جيبيه حذاءيه. وكانت قبعته من المخمل، وعالية وتناول مظلته — ولم تكن محكمة القفل — وانطلق يمشي بسرعة، كأنما يقعد إلى المحطة القريبة من هناك. ولكن القطار لم يكن مقصده، لا ولا سيارات النقل المشترك. فمضى يمشي، ويمشي، في الليل العطر، بخطوة موزونة، شأن من ألف هذا الضرب من الرياضة، وخرج من «نوتنج هيل» إلى «ماربل آرتش»، ومن ثم إلى «نيو أكسفورد ستريت»، ومن طريق تيوبولد إلى بنتونفيل، وراح يصعد حتى بلغ عُدوة حيه الصحي! وبعد نصف الليل دخل في زقاق ضيق، يبدو في ضوء القمر الباهت، نظيفًا وإن لم يكن فيه ما يدعو إلى الإقبال عليه. وفتح بابًا بمفتاح معه، ودخل بيتًا صغيرًا تفوح فيه رائحة الصمغ. وأوقد شمعة وجدها في جيبه، وارتقى في السلم دورتين إلى غرفة خلفية طولها ثماني أقدام وعرضها سبع أقدام ونصف قدم، وبعد دقائق كان مستغرقًا في النوم.

واستيقظ في الساعة الثامنة — وكان يعرف الوقت من جرس يدق في الحي — فارتدى ثيابه بسرعة، وفتح الباب فألفى على العتبة صينية عليها طعام الإفطار وقد نقص إلى أدنى حد — قصب من لبن، وخبز، وزبدة. وفي الساعة التاسعة نزل، ونقر بأدب على باب الغرفة المقدمة، فأذن له صوت أجش في الدخول، وكان في الغرفة رجل كهل وفتاة، وهما عاكفان على عمل اليوم — تجليد الكتب.

وقال المستر تمبرلي: «عم صباحًا يا سيدي.» وحنا رأسه للفتاة وقال: «عمي صباحًا يا آنسة سَجْس. يوم مشرق … مشمس … منعش!»

ووقف يفرك يديه كما يفعل المرء في ليلة مصقوعة مبرودة.١ وهز المجلد رأسه هزة جافة، وبين للمستر تمبرلي عمله فأقبل هذا عليه بهمة وعزم. وكان يتعلم مبادئ هذا الفن، ويقضي ساعات العمل كلها مكبًّا صابرًا، مظهرًا في عمله من الاستعداد الطبيعي له حظًّا غير قليل.
إلى هذا الحضيض انحدر المستر تمبرلي، وكان من سادة بيركشير، وكان يعيش في دعة وخفض في من ربح ماله المستثمر، وقد تعلم في مدرسة هارو، وتخرج في كمبردج، وفكر في اختيار مهنة، حتى بدا له، على العموم، أن وقت الاختيار مضى وانقضى، ولما لم تكن به حاجة إلى تجشيم نفسه عناء العمل، فقد عاش عيشة الفراغ والبطالة البريئة على مقربة من البيت الريفي لصديقه المثري الوجيه المستر تشارمن. وكرت الأعوام لينة سمينة. وخطر له الزواج مرة أو مرتين ولكن طبيعة الحياء الشديد صدته عن اتخاذ الخطوة الأولى، ووقع في روعه آخر الأمر أنه معزابة.٢ وكان قانعًا بذلك وراضيًا عنه، وليته أظهر مثل هذه الحكمة وبعد النظر في مغريات أخرى! ولكنه في ساعة مشئومة صدر عن رأي المستر تشارمن الذي كان لا ينفك يلهج بالمضاربة والشركات والأرباح العظيمة، ولم يخاطر المستر تمبرلي بباعث من الطمع، فقد كان عنده فوق الكفاية ولكنه كان معنيًا بأمر أخته التي تزوجت محاميًا ريفيًّا غير موفق، وفي أبنائها الستة، الذين كان يشتهي أن يساعدهم على نحو ما يفعل الخال المثري في الأقاصيص، ويمدهم بالعون اللازم لخوض الحياة، فوثق بالمستر تشارمن ثقة عمياء، فكان أن ألقى نفسه ذات يوم يرعش على شفا الهاوية. وجاءت الأنباء تترى بما حاق به من الخراب فهوى إلى الحضيض.

ولم يكن أحد يعلم ذلك سوى المستر تشارمن، وقد مرض هذا بعد بضعة أيام ثم قضى نحبه، ولم تتحيف الخسارة التي عصفت بصديقه، إلا جانبًا يسيرًا من ثروته، ولم ينبس المستر تمبرلي بكلمة لأرملة صديقه، ولا أفضى بحرف إلى أحد من الناس، ما عدا محاميه الذي سوى له أموره في هدوء، وأخته التي لم يبق لبنيها إلا أن يحيوا حياتهم بلا عون، وحدث أن غابت أسرة المستر تشارمن بعد موته عن البلدة فترة من الوقت، فاختفى المستر تمبرلي في سكون.

وكان المسكين قد ناهز الأربعين، وقد بقي له من رأس المال قدر يسير لم يجترئ على مد يده إليه للإنفاق منه، فاستثمره، فأفاده دخلًا لا يكاد يكفي عاملًا.

وكانت لندن هي المدينة الوحيدة التي يستطيع أن يعيش فيها، لأنها المكان الوحيد الذي يسعه أن يستخفي فيه وهو مطمئن آمن، فقصد إليها، واحتاج إلى زمن غير قصير ليتعلم فن مكافحة الجوع بأيسر مقدار من المال. وقد بلغ من سوء حاله في أول عهده بهذه المحنة، ومن عض الجوع وذل الفاقة، أن اضطر أن يغالب كبرياءه فكتب إلى صاحب له يستشيره ويستعينه، وليس يعرف عبث النصح وإن حسنت فيه النية، وقلة جدوى الجاه الاجتماعي، إلا من كان في مثل موقف المستر تمبرلي وحاله. ولو أنه استجدى مالًا لتلقى شيئًا مشفوعًا بكلمات العطف، غير أن المستر تمبرلي ما كان يستطيع أن يحمل نفسه على هذا.

وحاول أن ينتفع بما كان يتسلى به قديمًا من زخرفة الخشب، ونجح إلى حد ما، فربح في ستة شهور نصف جنيه! ولكن الأمل في اكتساب جنيه في العام يضيفه إلى دخله الضئيل لم يكن من شأنه أن يشجعه ويحضه على المثابرة!

وكان في ذلك الحين يعيش في عزلة تامة. والفقر أقوى ما زهد في الاختلاط ورغب في الاعتزال والوحدة، إلا إذا كان المرء قد ولد وشب في أحضان الفاقة. وليس يسع الرجل المرهف الحس حين يلفى أنه قد صار أدنى من أقرانه منزلة، إلا أن يلوذ بالوحدة، وما أسرع ما يتبين أن الناس لا يجدون عسرًا أو عناء في نسيانه. وقد كانت لندن، وما زالت، غاصة بالزهاد والمعتزلة، برضاهم أو كرههم، وكان المستر تمبرلي، كلما ذهب يجوب الشوارع أو الحدائق، أو يزجّي الوقت في المتاحف (التي لا يؤدي داخلها شيئًا) لا يزال يلتقي بمن يفطن إلى أنهم نظراؤه وإخوانه في الاعتزال، وكان يفهم النظرة المخالسة حين تلتقي بنظرته، ويقرأ صفحة الوجه المقطب، ويلاحظ الثياب اللبيسة بعطف. وليس بين هذه الخلائق المستخفية المتسللة بث متبادل، وما منهم إلا من يود أن يقول بشجوه، ولكن الكبرياء تصده وتكبحه، فيمضي في طريقه صامتًا مستفردًا حتى يجد نفسه آخر الأمر — لحسن الحظ — في مستشفى أو ملجأ، فتنحل عقدة اللسان المُمتَسك ويقول القلب الكليم الموجع بعتبه على الدنيا.

ويحذق من هذا حاله دروسًا كثيرة لم تكن له في حساب، فيتعلم أساليب عجيبة للاقتصاد والتدبير، ويُزهي بأن يتبين أن المُسكة من الرزق حسب المقلّ ليعيش بها، وقد كان المستر تمبرلي في أيام خفضه ويساره، خليقًا أن يجزم بأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بأقل من كذا وكذا، فلما أعسر عرف أن الرجل يقدر أن يعيش بقروش قليلة في اليوم. وصار يعرف أثمان المآكل، وتعلم المزايا النسبية للأطعمة، والخصائص الغذائية المختلفة لكل منها، واضطره الشظف أن يكون نباتيًّا فوجد أن الطعام من النبات أصح له، فجعل يلقي على نفسه خطبًا ساخرة بآكلي اللحوم، ويحاضرها في مضار القرم، وآلى مكرهًا ألا يذوق خمرًا، واشتاق أن يعتلي منبرًا من منابر الدعاة إلى نبذ الخمر، وأن يؤدي من فوقه الشهادة. وفي هذا كله عزاء، وإن فيه لعوضًا عن فقد كثير من ضروب الاحترام الذاتي.

واتفق يومًا أن كان يهم بأن يقبض من بنك إنجلترا المبلغ الزهيد الذي يأخذه كل ثلاثة شهور، فلمحته سيدة وعرفته. وكانت أرملة المستر تشارمن.

وصاحب به: «أين كنت كل هذا الزمن يا مستر تمبرلي؟ لماذا لم يجئني منك أي نبأ؟ هل صحيح ما حدثني به بعضهم من أنك كنت تعيش في الخارج؟»

وبلغ من ارتباكه من جراء هذه المباغتة، أن ردد، بطريقة آلية، آخر ما سمعه من السيدة — «في الخارج.»

فألحت عليه المسز تشارمن تسأله ولا تدع له فرصة لكلام يقوله: «ولكن لماذا لم تكتب إلينا؟ تالله ما أقساك؟ ولماذا سافرت من غير أن تخبرنا؟ إن ابنتي تقول إننا لا بد أن نكون قد أسأنا إليك بشيء ما، قل بالله! إنه لا يمكن أن يكون هناك شيء …»

فقال: «يا عزيزتي المسز تشارمن، إني أنا الملوم وحدي. إني … ولكن الإيضاح صعب لأنه يستدعي تفصيلًا طويلًا، وبيانًا مسهبًا، وإني لأرجو أن تحملي سلوكي الذي لا مسوغ له على — على محمل الشذوذ المحض.»

– «لا بد أن تجيء إلينا وتزورنا. وهل تعلم أن آده تزوجت؟ نعم، منذ سنة أو حوالي ذلك. ولشد ما يسرها أن تراك! فإنها تلهج بذكرك كثيرًا، متى تستطيع أن تتعشى معنا؟ غدًا؟»

– «بسرور، بسرور عظيم.»

وأعطته عنوانها، وافترقا.

وكان من الدلائل على أن المستر تمبرلي لم ييأس قط من العود إلى عالمه القديم أنه عني بالتحفظ بثياب السهرة والحذاءين الملائمين لها. وما أكثر ما هم مدفوعًا بحاجته وضنكه، أن يبيع هذه الأشياء التي لا نفع لها عنده! وقد رهنها أكثر من مرة، من أجل بضعة شلنات، ولكن النزول عن عنوان منزلته ورمز طبقته، لم يكن إليه من سبيل، لأن معناه اليأس المطلق، واليأس شيء أجنبي، لا يوائم طبيعة المستر تمبرلي المبنية على الجلد. وقد ذهبت حليه جميعًا — حتى ساعته وسلسلتها — فإن مثل هذه الأشياء ليست لازمة لازبة، لمظهر الرجل الكريم، وقد هنأ نفسه بما كان من حسن تدبيره لأموره، ذلك أن لقاء المسز تشارمن سره بقدر ما ربكه، وخفق قلبه خفقة الجذل وهو يتطلع إلى قضاء المساء في بيئته القديمة. وعاد مسرعًا إلى غرفته وفحص ثيابه بعناية وتدقيق فلم يجد فيها عيبًا ظاهرًا أو ملحوظًا. على أنه احتاج أن يشتري قميصًا ورباطًا. وكان معه لحسن حظه المال الكافي لسد هذه الخلة، ولكن بماذا يئول لهم غيبته الطويلة؟ هل يسعه أن يطلعهم على خصاصته ويدلهم على مسكنه؟ إن هذا يكون معناه استدرار العطف من أصدقائه القدماء، وهذا موقف لا قِبل له به ولا قدرة له على احتماله. والرجل الكريم لا يكشف عن حالة تسوء وتؤلم إذا كان يسعه كتمانها. فهل يكذب إذن صراحة أو ضمنًا؟ وذكر الحقيقة لا سبيل إليه لأنها تنطوي على لوم لزوج المسز تشارمن.

وجاء مساء اليوم التالي وهو لا يزال حائرًا لا يستقر على رأي. وبلغ بيت المسز تشارمن من غير أن يصح له عزم على أمر، وكان في غرفة الجلوس ثلاثة ينتظرونه — المسز تشارمن، وابنتها، وزوجها — المستر والمسز وير — وقد أشفى على البكاء من حسن ما استقبل به، وغلبته عواطفه ففقد رصانته وصار يتكلم جزافًا، فصاغ قصة خرافية لم يكد يفرغ منها حتى بهت هو نفسه لها!

وقد جاءت هذه القصة في جواب سؤال طبيعي عن مسكنه أين هو؟

فقال بابتسامة سخيفة: «في الوقت الحاضر أسكن غرفة للنوم والجلوس معًا في شارع صغير في حي إسلنجتون.»

فساد الصمت، ورشقوه بنظرات التعجب والدهشة، ولولا هذه النظرات لما درى أحد بماذا كان المستر تمبرلي حقيقًا أن يعترف.

وقال: «لقد قلت يا مسز تشارمن إنه لا يسعني إلا أن أعترف بشيء من الشذوذ. وإني لأرجو ألا يزعجك ذلك. وأوجز فأقول إني وقفت جهودي الضعيفة على العمل الاجتماعي. فأنا أعيش بين الفقراء، كواحد منهم، لأحصل بذلك على المعرفة والخبرة اللتين لا سبيل إليهما بغير هذه الوسيلة.»

فصاحت مضيفته: «تالله ما أنبلك!»

وكان ضمير المسكين يخزه وخزًا أليمًا، فلم يسعه أن يزيد على ما اخترع شيئًا وأراد القوم أن يترفقوا بعواطفه ويعفوه من الحرج فغيروا موضوع الحديث. ولم يخطر لهم قط وقتئذ، ولا فيما بعد، أن يشكوا في صدقه. ولقد رأته المسز تشارمن يعامل بنك إنجلترا، وهو مكان لا يوحي إلى النفس فكرة الفقر، وكان العهد بالمستر تمبرلي أنه غريب الآراء والأساليب. وهكذا تورط في كذبة عجيبة، وخدعة لا يسهل تبينها، ولا ضرر منها إلا عليه.

ومضى نحو عام على ذلك، التقى المستر تمبرلي في خلاله بأصدقائه هؤلاء ست مرات أو حوالي ذلك، وكان ينعم باجتماعه بهم على نحو يدعو إلى المرثية، ولم يكن يزعجه منهم أي إشارة إلى أسلوب حياته، فقد صار من المفهوم والمقرر أنه يؤثر أن يظل نوره محجوبًا، ومروءته مكتومة، فلم يكن يحتاج أن يكذب مرة أخرى. وما من شك في أنه ندم على الكذب والخداع، وجال بخاطره أن المسز تشارمن — وهي سيدة غنية — لعلها كانت تستطيع أن تساعده على ما يبتغيه من وسيلة كريمة لكسب الرزق. على أن الواقع أنه لم يخطر له إلا أن يكون مجلد كتب، وهي حرفة توافق ذوقه بعض الموافقة، واجترأ يومًا فاتفق مع رب البيت على أن يعلمه هذه الحرفة بالعمل له زمنًا ما، بعد أن يحذقها. وقد صار الآن هذا اليوم قريبًا، وأحس المستر تمبرلي أنه على العموم أسعد مما كان أيام البطالة واجترار الهموم، وأصبح يتطلع إلى اليوم الذي يزداد فيه دخله، فلا يعود يفرق من الأسبوعين الأخيرين من كل ثلاثة شهور، ومن النوم فيهما كل ليلة بغير عشاء.

وقد أورثته دعوة المسز وير له أن يلحق بها في لوسرن، ألمًا مرًّا. لوسرن! أفترى تلك كانت حياة سابقة أيام كان يسعه أن يسافر ويجوب الأرض، ويركب البحر، ويتنزه كما يحب، ولا يعني نفسه بحساب المال؟ وارتسمت لعينه أماكن كثيرة جميلة رحل إليها، ومناظر حسنة كالأحلام نعم بها، وقد أصارتها شوارع لندن بعيدة نائية، وأشبه بالصور الخيالية منها بالحقيقة، وصارت السنوات الثلاث التي قضاها في لندن في البأساء والضنك أطول فيما يحس من كل حياة الدعة والخفض التي كانت قبلها. لوسرن! ولو كانت طبيعة المستر تمبرلي أحد وأقوى لطار عقله، ولكنه جعل يدير هذا الخاطر في نفسه النهار كله، ولا يعبر عن عواطفه بأكثر من زفرة أو ابتسامة حزينة.

ولما كان قد أصاب من طعام العشاء، البارحة، حظًّا جزيلًا، فقد أحس أن عليه أن ينفق على طعامه في يومه أقل من القدر المألوف، وحوالي الساعة الثامنة مساءً، بعد أن تمشى في ذلك الجو الذي أثنى عليه، عرج على الدكان الذي ألف أن يشتري منه حاجاته القليلة، وكانت فيه امرأة سمينة، فهزت رأسها له بالتحية، وابتسمت لزبون آخر، فانحنى لها المستر تمبرلي، كما هي عادته، ردًّا لتحيتها وقال: «تفضلي بإعطائي بيضة طازجة، وخسة صغيرة.»

فسألته المرأة: «واحدة فقط في هذه الليلة؟»

فقال، وكأنما كان يتحدث في غرفة استقبال: «شكرًا لك، نعم واحدة. وسامحيني إذا أعربت عن الأمل في أن تكون طازجة بأدق معنى للفظ. فإنه يخيل إليّ أن الأخيرة كانت في هذا الصندوق من قبيل الخطأ والسهو، وهو يغتفر بسبب زحمة العمل.»

فقالت المرأة السمينة: «إنها جميعًا سواء، ودائمًا سواء، ولسنا نغلط مثل هذا الغلط.»

فقال: «عفوًا! لعلي توهمت …»

ووضع البيضة والخسة بعناية في حقيبة صغيرة معه، ورجع إلى البيت، وبعد ساعة من تناول هذه الأكلة، قعد على كرسي مستقيم الظهر يفكر، وإذا بنقر على الباب، ويد تمتد إليه بكتاب. وكان يندر جدًّا أن يتلقى رسالة أو رقعة، فاضطربت يده وهو يتأمل الظرف. وكان أول ما رآه بعد أن فض الرسالة شيكًا، فزاد اضطرابه، وفتح الرقعة ونفسه تجيش، فإذا بالرسالة من المسز وير، وفيها تقول:

عزيزي المستر تمبرلي،

بعد الحديث الذي دار بيننا البارحة لم أستطع إلا أن أفكر فيك وفي حياة التضحية الجميلة التي تحياها، وقد قارنت حياة هؤلاء التعساء المساكين بحياتي التي لا يسعني إلا أن أحس أنها مباركة حافلة بالمناعم، وقد دفعتني هذه الخواطر إلى الاكتتاب بقدر يسير لأساهم في عملك المجيد، وإني أعد هذا ضربًا من الشكر لله في اللحظة التي أسافر فيها لأقوم برحلتي، فأقسم المبلغ من فضلك بين اثنين أو ثلاثة ممن تراهم أحق وأولى، أو إذا بدا لك أن تهبه كله لواحد فافعل. هذا وإني أتشبث بالأمل في أن أراك في لوسرن. وتحياتي إليك.

وكان المبلغ خمسة جنيهات. فرفع الشيك قرب النافذة، وتأمله. وخمسة جنيهات تعد مبلغًا جسيمًا إذا اعتبرنا الحياة التي يحياها، وقيم الأشياء فيها. وتصور ما يستطيع المرء أن يفعله بقدر من المال كهذا! حذاءاه — اللذان رقعهما مرتين — لم يبق من عمرهما إلا القليل، وبنطلونه صار غاية في الرثاثة. وقبعته (لشد ما عني بها) هي التي جاء بها إلى لندن منذ ثلاث سنوات. وقد أصبحت حاجته شديدة إلى ثياب جديدة يكتسيها، من رأسه إلى قدمه، وفي إسلنجتون، تُعد خمسة جنيهات فوق الكفاية لقضاء هذه الحاجات جميعًا، ومتى يتاح له أن يُلقى إليه بمبلغ كهذا مرة أخرى، لينفقه على هواه، بلا حساب؟

وتنهد وتلفت في الغسق.

وكان الشيك مصلبًا، فأدرك المستر تمبرلي للمرة الأولى في حياته أن رسم صليب على شيك، قد يسبب لمن يحمله متاعب كثيرة، فكيف يصرفه؟ وإنه ليعرف أن صاحب البيت رجل ليس أسرع منه إلى إساءة الظن، وأخلق بأن يكون الرفض — مقرونًا بالنظرة التي يُحسن المستر سَجْز أن يحدج بها الإنسان — مهانة شديدة. ثم إن من المشكوك فيه جدًّا أن يستطيع المستر سجز أن ينتفع بهذا الشيك. فإلى من يتجه غيره؟ لا أحد في لندن كلها!

وحدث نفسه أن أول ما ينبغي أن يصنع هو أن يرد على رسالة المسز وير. فأضاء المصباح، وجلس إلى منضدة صغيرة، ولكنه غمس القلم في الدواة عدة مرات قبل أن يستطيع أن يكتب إليها شيئًا.
عزيزتي المسز وير،
وتلت ذلك فترة توقف طويلة حتى بدا كأنه نام، ثم انتفض وانحنى مرة أخرى على الورقة.

أشكرك شكرًا جزيلًا على هذه الهبة الكريمة. وسيوزع المبلغ …

(وتوقف مرة أخرى دقائق عديدة).

على الوجه الذي أردته، وسأقدم لك بيانًا مفصلًا بوجوه إنفاقه.

ولم يسبق قط أن كابد مثل هذا العسر في الكتابة. وأحس أنه يسيء العبارة جدًّا، عما يريد، وكأنما عوّق ذهنَه عن الدوران شيءٌ، ولم يستطع أن يتم الكتابة إلا بمجهود بدني كبير، فلما فعل خرج واشترى طابعًا وألقى بالرد في صندوق البريد.

ولم ينم في ليلته تلك إلا غرارًا، فما كاد يرقد حتى شرع يفكر في الأمر، وأين وكيف يجد هؤلاء الفقراء الحقيقين بأن يقتسموا هذه الهبة؟ ولم تكن له معرفة بالطبقة التي تعنيها المسز وير، وتتبرع لها. وصحيح أن الأسر التي حوله فقيرة كلها، ولكن هل للفقر عند هؤلاء نفس المعنى الذي يفهمه هو من اللفظ؟ وهل في هذا الشارع القذر من يحق له — بالقياس إليه هو — أن يُدعى فقيرًا؟ والمتعلم الذي يضطره انتقال الأحوال أن يعيش بين الطبقات الدنيا، تتكون له آراء غريبة. مثال ذلك أن المستر تمبرلي صار يعتقد أن ما يقال عما تقاسيه هذه الطبقات مبالغ فيه لأنه مقيس بمقياس غير صالح، وكان المستر تمبرلي يرى حوله عالمًا من المرح الصاخب، والعمل مع الرضى، وبلادة الحس. وكان يخيل إليه أنه في هذا الحي، هو الوحيد الذي يشعر بالفاقة وبألمها.

وتنبه من إغفاء كالكابوس، على خاطر جلي، وذكرى تشق رأسه شقًا. إلى من يرجع «الفضل» فيما صار إليه من البؤس والفاقة بعد الرفاهة وخصب العيش؟ إلى والد المسز وير! وإذا نظر إلى الأمر من هذه الناحية ألا يكون له أن يعد الشيك ضربًا من التعويض!

وأخذه النعاس لحظة، ثم أفاق وفي رأسه خاطر آخر غريب. أيمكن أن تكون المسز وير (وهي امرأة ذكية) قد شكت في أمره أو وقفت على حقيقته؟ ألا يجوز أن تكون قد أرادت فيما بينها وبين نفسها أن يأخذ هو المال الذي بعثت به.

ولكن هذا الخاطر بدا في الصباح غير مقبول، أو محتمل، وكل ما أثمره هو أنه قوّى في نفسه شعوره بدين المستر تشارمن له. ووثب من الفراش، وتناول الشيك، فظل في يده ساعة، ثم نهض وارتدى ثيابه.

وبعد أن أدى عمله في يومه خرج يتمشى في شارع كبير الدكاكين، فاستوقفه دكان حذاء، فبقي برهة غير قصيرة أمام الواجهة، ويده في جيبه تعبث بجنيه فيه — وما جنيه بقليل، من المبلغ الذي يعيش به إلى أن يجيء يوم القبض — ثم تخطى العتبة. ولم يكن أقل منه حزمًا أو حكمة، فقد فرغ من الأمر في مثل لمح البرق، وكان يتكلم ولا يسمع ما يجري به لسانه، وينظر إلى الأشياء ولا يراها، وكانت النتيجة أنه لم يدرك إلا بعد أن بلغ بيته، وحذاءاه العتيقان تحت إبطه، أن الحذاءين الجديدين ضيقان جدًّا، وأن ضغطهما شديد الإيلام، وكان لهما أيضًا أطيط وصريف، ألا ما أعلى صوتهما! ولكن الأحذية الجديدة لا تخلو من أمثال هذه المعايب. ولعله نسي ذلك لطول عهده بالقديم البالي. وكان يشعر بالإعياء الشديد، فتناول لقمة واستلقى على سريره لينام.

وظل طول الليل يحلم بالحذاءين الجديدين، وكان يرى في منامه أنه يظلع في شوارع مدينة خيالية يكمن له بعضهم فيها عند كل ركن وزاوية، وفي كل مرة يتبين أن العدو المتربص له هو المسز وير، وكانت تنظر إليه باحتقار، وتدعه يمضي في سبيله. وكان أطيط جلد الحذاءين صوتًا ناطقًا لا ينفك يصيح به ويعلن إليه اسمًا مرعبًا، فكان يتضاءل، ويتقبض، ويرعش، ويتوجع، ولكنه مع ذلك كان يمضي على سننه وفي يده شيك عليه صليب، يحاول عبثًا أن يجد من يعطيه به مالًا.

ولما استيقظ كان رأسه أثقل من الرصاص، ولكن ذهنه كان صافيًا، وتفكيره مستقيم، فسأل نفسه: ماذا يعني بإنفاق المال على هذا النحو الجنوني مع افتقاره إليه؟ وليت الحذاء الجديد يطاق لبسه؟ أكان ينوي … يا حفيظ!

ولم يكن المستر تمبرلي من أهل العلم بالنفس الإنسانية، ولكنه فطن بغتة وعلى أجلى صورة، إلى الأزمة النفسية التي كان يعانيها، واطلع بذلك على حقيقة أخرى من حقائق الفقر.

وبعد أن تناول طعام الإفطار نزل ونقر على باب المستر سجز، وكان الرجل يأكل، فسأله، وفمه ملآن: «ماذا تريد؟»

قال: «سيدي، إني أرجو أن تأذن لي في الغياب ساعة أو ساعتين في هذا الصباح، فإن هناك أمرًا له بعض الخطر، يتطلب عنايتي.»

فقال المستر سجز بما عرف عن أهل طبقته من الذوق: «أحسب أن لك أن تصنع ما تشاء، فما أنقدك أجرًا.»

فانحنى المستر تمبرلي وانصرف.

وبعد يومين آخرين كتب رقعة ثانية إلى المسز وير، هذا نصها:

إن المبلغ الذي تفضلت بإرساله إلي وأجبتك بأني تلقيته، قد وزع الآن. وقد رأيت أن الأولى والأمثل أن أسلم الشيك إلى قسيس في هذا الحي، مشفوعًا بأوامر صريحة، وقد دون على الرقعة التي ترينها مع هذه الرسالة، بيانًا بأسماء الذين انتفعوا بهبتك، فعسى أن ترضي عما فعل.

ولكنك قد تسألين، لماذا رأيت أن ألجأ إلى قسيس؟ ولماذا لم أستعن في هذا الأمر بخبرتي وتجاربي، فأفيد الرضى والسرور الحاصلين من مساعدة الفقراء الذين أعني بهم؛ أنا الذي وقفت حياتي على هذا العمل الإنساني النبيل وجعلت من نفسي رسولًا للرحمة؟

والجواب وجيز وسهل. ذلك أني كذبت عليك.

فأنا لا أعيش في هذا الحي بإرادتي الحرة، ولست أقف حياتي على أعمال البر والإنسان. وأنا لست — كلا، بل لم أكن إلا — رجلًا تبين في يوم من الأيام أنه ضيع ماله في مضاربة حمقاء، فاستحى أن يطلع أصدقاءه على ما صار إليه أمره، فلاذ بحياة العزلة والشقاء، فأنت ترين أني أضفت الجبن إلى سوء الحظ ولن أخبرك كيف كدت أفعل ما هو شر من ذلك.

وأنا أقضي فترة في تعلم حرفة ستمكنني بلا شك من زيادة دخلي فأصبح أحسن حالًا. وإني لأرجو أن تغفري لي ما كان مني، إذا استطعت، وأن تنسيني.

وإني لك يا سيدتي لخادم غير جدير بشيء.

س. ف. تمبرلي

هوامش

(١) من الصقيع والبرد بالتحريك.
(٢) من طالت عزوبته حتى ما له في الزواج من حاجة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤