مقدمة

انبثق سيل تاريخ الأمة العربية قبل عصر النبي الكريم محمد ، فلما جاء محمد وخلفاؤه الراشدون «انطلق» العرب من جزيرتهم ينشرون دينهم ولغتهم وحضارتهم في أرجاء المعمورة، ولم ينقضِ عصر الخلفاء الراشدين حتى «اتسق» نور الأمة العربية — في عهد بني أمية — يشع في الخافِقَين، وينشر نوره في المشرقين، وامتد سلطان العرب من أقصى بلاد المشرق إلى أقصى بلاد المغرب، فحكموا العالم، وساسوا الشعوب، ونفَّذوا مطامع أمتهم وآمالها، وفرضوا على أهل الخافقين احترامها، ثم جاء بنو العباس «فازدهرت» بهم الحضارة العربية، وتم على أيديهم تكوين السيادة الإسلامية.

ثم خَلفَ من بعدهم خَلْفٌ فرَّطوا بالقيام بأعباء المُلك، وانصرفوا إلى اللهو واللعب، فانكسف نور الحضارة، وركدت حركة التقدم والرُّقي، «فانحلت» الدولة، ثم توالت المِحَن، واشتدَّت ظُلَم الليل وحنادسه عليهم، وتمكَّن أعداؤهم منهم فقضوا على ملكهم وأذلُّوا بني قومهم، «فاندحروا» وزحف إليهم الليل بعساكره، وضرب عليهم بخيله ورجاله، وتمطَّى بصلبه وناء بكلكله، وخرب بجرانه، وقضى العرب رَدَحًا من الزمن الطويل وهم يغطُّون في نومٍ طويل وليل مسودٌّ، وجهل مظلم، وتعصب مُدْلَهم، وتفرُّق مطلخم، حتى ذاقوا من الذل ألوانًا، وشربوا من كئوس المهانة والعار أقداحًا، ثم نبغ فيهم مَن نفضوا عن عيونهم غبارَ الوسن، وأحسوا بوطأة الذل والمِحَن، فدعوا قومهم بدعوة الصلاح، وحثوهم على الانعتاق من ربق العبودية، والعمل على استعادة المجد القديم وإحياء الماضي الأثيل، فكدُّوا وجدُّوا حتى ابتسم لهم الدهر، وأشرق نور الفجر، وآن أوان «الانبعاث» فقاموا قومة رجل واحد، آخذين بأسباب العمل والنشاط والفلاح، وهم بحول الله بالغون غايتهم، واصلون إلى أهدافهم بمَدَد الله وقوته، وبمعونته وبركته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤