ملحق

البحر الأحمر وبحر الهند

مصالح إفرنسية وأوروبية. طريق الهند. سيطرة. مصالح تنافي والمصالح الإنكليزية. فرنسا، روسيا، النمسا، إنكلترا، مؤسسات عسكرية وتجارية، بواخر بين السويس وبوربون، فحم حجري، أسباب المعيشة، مؤن، خط وطني أو إفرنسي، مواقف، مدغشقر، شاطئ الحبشة، خط تجاري عسكري بين مرسيليا وبوربون، تجارة عامة، جزيرة بلاد العرب، الحبشة، شاطئ إفريقيا الجنوبي الشرقي، موقف عدن، أخطار، خلاصة. (نبذة من مذكرة رفعت إلى مجلس الوزراء سنة ١٨٤٢).

***

الهدف الرئيس للسياسة الإنكليزية في سوريا ومصر هو أن تشق لنفسها طرقًا إلى الهند، وأن تستأثر هناك على قدر ما تستطيع بأعمالها التجارية؛ فطريق الهند — في البحر الأحمر — هي الطريق المنشودة. وعلى هذا المسرح الجديد تمثل العبقرية الأوروبية أدوار مصالحها المختلفة؛ فعلى فرنسا وأوروبا جمعاء أن تضع حدًّا لتوسع إنكلترا.

أفضى السيد أوبير-روش، عام ١٨٤٢، ببيان إلى مجلس الوزراء يدور حول هذه القضايا، وهذا البيان حافل بالآراء البارعة الطريفة. وها نحن ننقل خلاصته المنشورة في مجموعة خصصت لبحث قضايا الشرق، لعل في نقلها تنويرًا لأذهان قرائنا.

(١) مصالح فرنسية وأوروبية في البحر الأحمر وفي خليج باب المندب

حُلت المشكلة مبدئيًّا بإعادة البحر الأحمر إلى ما كان عليه؛ بحيث يصبح منفذ أعمال تجارة الهند، والصين، وأوقيانيا، وجنوبي شرقي أفريقيا.

إن محاولة إثبات هذه القضية بحث عقيم، فيكفي أن نلقيَ نظرة على خريطةٍ ما لندرك أن هذه الطريق هي أقصر الطرقات وأكثرها ملاءمة لتوجه — إلى نقطةٍ ما من البحر المتوسط — منتوجات الهند وأوقيانيا؛ فالخط الذي تتبعه السفن الإنكليزية بين بومباي والسويس يقيم لنا كل شهر هذا الدليل. لقد قاموا بتجربة تجارية محاولين تصدير بضائع الهند عن طريق مصر وإرسالها من هناك إلى تريستا عوضًا عن إنكلترا، آملين أن لا يثيروا أي اهتمام حول هذه القضية.

إن تحويل تجارة الهند بأجمعها عن طريق البحر الأحمر لا يكون إلا إذا حُفرت ترعة السويس، وبِناءً على أمر نابليون (الأول) الذي كانت عبقريته تحل أصعب القضايا، رسم المهندس لابار خريطة للقيام بهذا المشروع العظيم. إن أعمال الحفر هينة بسيطة، وهي لا تكلِّف إلا بضعة ملايين. أما الذين يزعمون غير ذلك فهم إما جبناء، وإما غير عارفين بهذه الشئون.

إن حفر ترعة السويس هو أخطر عمل يقلق بال أوروبا. والإنكليز يعرفون تلك الخطورة ويحتاطون للأمر أشد الاحتياط؛ إنهم يوطدون أساسات قوتهم المستقبلة بتمركزهم في عدن، وبتوسيع سيطرتهم في زيلاء وبربرة. أما في خليج باب المندب فقد أصبحوا على أبواب البحر الأحمر، وهذا أمر واقع لا محالة.

فإذا تُركوا يتصرفون كما يشاءون، فسيستولون على الممر، ويغمرون — وحدهم — عن طريق مصر أسواقَ أوروبا وآسيا بالبضائع. إن مطامع إنكلترا في البحر الأحمر كانت عظيمة كما يظهر في المسلك الذي اتبعته أخيرًا من قضايا الشرق.

وللقوى الأوروبية — وعلى الأخص القوى التي تحيط بحوض الأبيض المتوسط — مصلحة كبرى في أن لا تستوليَ إنكلترا أو تستفيد — وحدها — من مركز هام كهذا. إن مرافئ مرسيليا وجنوى وليفورنو وتريستا تصبح ذات علاقة مباشرة مع الهند، وعلى الأخص إذا ما حُفرت الترعة. وقد تكون روسيا أكثر اهتمامًا من غيرها بالقضية؛ إذ تصبح من قوى الدول الأوروبية الأكثر قربًا إلى الهند عن طريق البحر الأحمر. إن أوديسا تبعد ٤٠٠ فرسخ عن الإسكندرية، في حين أن مرسيليا تبعد ٦٠٠ فرسخ. أما هولندا فتود هي الأخرى أن ترى دول أوروبا متمركزة على هذه الطريق، فتخلق مصالح تتنافى ومصالح إنكلترا التي ستبتلع مستعمرات هولندا عاجلًا أو آجلًا.

فعلى الدول الأوروبية إذنْ — مهما كلفها الأمر — أن تحبط مشاريع إنكلترا، وتَحُول دون استئثارها بالسيادة على البحر الأحمر؛ فمن الضروري أن تكون جميع الدول متساوية النفوذ في هذه المنطقة. وهنالك أمر أهم من ذلك، وهو أنه في استطاعة فرنسا وروسيا والنمسا — لو عرفت هذه الدول كيف تتفاهم — أن تلاشيَ نفوذ إنكلترا دون أن تتمكن هذه الدولة من المقاومة.

إن العرب والأحباش الذين يقيمون حول البحر الأحمر يكرهون الإنكليز؛ فعلينا أن نستفيد من الفرصة المؤاتية بأن نعرف كيف نربط مصالح هذه الشعوب القريبة من الشاطئ بمصالحنا، ونستخدم مصالحهم ونعاضدهم بنوع أن نكتسبهم قلبًا وقالبًا.

ومن يصبح سيد القسم الأعلى من البحر الأحمر يكون سيد المنفذ في وقت السلم، كما أنه يسد البحر في وجه كل قوة أثناء الحرب.

إن تمركز الإنكليز في عدن يمكِّنهم — ولا شك — من خلق العراقيل في وجه السفن لدى خروجها من بوغاز باب المندب. أما سفن الأعداء فلن تستطيع أبدًا أن تدخل خليج العرب. وإن كل محاولة هجومية تصبح مستحيلة ماديًّا، ويكفي أن نتذكر البرتوغاليين الذين حاولوا عدة مرات أن يبيدوا بقواهم البحرية القوى العربية في هذا البحر حتى تجرَّءوا على الانزلاج فيه بسفن عديدة. ولكن الإخفاق كان حليفهم رغم قواهم التي كان العرب يقاومونها بزوارق حقيرة لا يمكنها أن تصمد. إن البحر والمناخ المجهولَين من البرتوغاليين، لا بل الشواطئ أيضًا، قد عضدت العرب وقاومت في صفهم.

كان يجب عليَّ — بادئ ذي بدء — لو كنتُ أقوم بتصنيف كتاب أن أعرض بإسهابٍ مصالح دول أوروبا الحاضرة والمقبلة في الهند والصين وأوقيانيا والجهة الجنوبية من أفريقيا وجزرها، وأُبيِّن بالتفصيل أن مصالح هذه البلدان هي ذات علاقة وثيقة بمصالح أوروبا. ولكن هذا البيان الذي أتقدم به لا يتسع لذلك، ناهيك بأن كل شخص يعرفها أو أنه يجب أن يعرفها لأن الكثيرين قد أفاضوا في الكلام عليها. إننا نعلم جميعنا — اليوم — ارتباط بعض نقاط هذه القضية ببعضها الآخر؛ فإلى الكتب الخاصة أحيل من تهمهم معرفتها.

لا تنقصنا معرفة العلاقات الجديدة التي ستقوم في البحر الأحمر، ولا يفوتنا إدراك تغيير ما كان موجودًا، ولسنا نجهل تبدُّل وجه الأمور في العالم، بل الذي ينقصنا هو أن نعرف كيف نعمل، ونتهيأ لنستفيد من هذا الانقلاب الذي لن يكون عن طريق باتافيا وبومباي وكلكتا وبونديشيري وبوربون ومدغشقر، بل عن البحر الأحمر ومصر. لقد درست قضية المرور عن طريق العريش ومصر؛ فهذه قضية مستطاع حلها لأنها لا تستدعي إلا إرادة، ولأن في الاستطاعة مهاجمة مصر من البحر المتوسط؛ ففرنسا وروسيا واقفتان على أبوابها، وإذا لم يكن للنمسا من أهداف سياسية في هذه البلاد توازي أهداف هاتين الدولتين قيمةً وأهميةً، فلهذه الدولة مصالحها التجارية التي ستصبح هامة نظرًا لهذا الممر والعلاقات الجديدة التي ستنشأ وتنمو.

إن المصالح الأوروبية هي هي، سواءٌ أكان ذلك في مصر أم في البحر الأحمر؛ فالإنكليز يعملون دائمًا وأبدًا ليسيطروا ويوطِّدوا نفوذهم. بَيْدَ أن أخاديعهم أصبحت مفضوحة، وسيِّدا مصر اليوم — محمد علي، وإبراهيم باشا، خلفه المقرر — يفهمان جيدًا طويَّة الإنكليز، وهما يمقتانهم رغم ملاطفتهما إياهم. إنهم يصيخون إلى النداء ويقدمون يد المساعدة لكل طلب أو محاولة أو مشروع من شأنه أن يناهض نفوذ هؤلاء، فما يهم مصر أصبح مفهومًا: يجب أن تكون مصالح أوروبا في هذه البلاد أمتن من مصالح إنكلترا وحدها وأقوى.

إن قضية البحر الأحمر هي — إذن — ذات شقين مستقلين: مصر أولًا، ثم — وهذا قد رأيناه سابقًا — القسم الأعلى من البحر الأحمر وخليج باب المندب الذي استولت على شواطئه قبائل مختلفة متفككة يسهل المكر بها، وهي على الغالب تفهم مصالحها على أسوأ ما يكون الفهم. إن هذه الناحية مجهولة إلا من الإنكليز، وقد درسوها باهتمام. إنهم يعرفون تمامًا بأن نصف القضية أو — على الأصح — كلها هي ها هنا، فمِن سواكن إلى رأس كاردافوي من جهة، ومن جدة إلى دفر حدود حضرموت من جهة أخرى، ينتظر مستقبل باهر، سياسي وتجاري؛ فالدولة التي تعرف كيف تنشئ مؤسساتها على هذه الشواطئ أو تقيم علاقات حسنة لا يستطيع أي حادث أن يزعزها.

أوَهل يجب أن نقدِّم لإنكلترا برهانًا آخر مستشهدين مجددًا باحتلال عدن؟

إن دولة منافسة عينت وجهة سيرها وتحفزها؛ فعلى فرنسا أن تستقر إذنْ في البحر الأحمر وخليج باب المندب. وللدول الأوروبية هناك مصالح مماثلة لمصالحنا؛ فعليها أن تعمل جميعًا إما متحدة وإما منفردة الواحدة عن الأخرى. إن مصالح هذه الدول مشتركة متشابكة إلى أبعد مدًى، فإحداها تدعم الأخرى. وإذا ما تقرر العمل فالدول تتعاضد، وكلٌّ منهما يعمل من جهته: فرنسا في مدغشقر وبوربون والهند، والنمسا وروسيا تنشآن مراكز تجارية وغيرها، وهولندا تصبح ذات علاقة مباشرة مع جاوى وسومطرة والهند، وكذلك الإسبان؛ فإنه باستطاعتهم أن يستوردوا عن طريق البحر الأحمر منتوجات مانيلا؛ فبواسطة هذا المنفذ تأتي كل دولة بمنتوجات مستعمراتها وتصرفها عن طريق البحر المتوسط، وتقايض بها، وتزاحم منتوجات الهند الإنكليزية على أوسع نقاط تجارة العالم.

(٢) المؤسسات بوجه عام

قلت إن القضية تنحصر في إنشاء مؤسسات تمتد من سواكن حتى رأس كاردافوي على شاطئ أفريقيا، ومن جدة إلى دفر على شاطئ جزيرة بلاد العرب حتى حدود حضرموت.

وهذا العرض البسيط يدل على أن السويس والقصير Cosseir منعزلان إن هذين المرفأين هما لمصر، وسوف لن يكونا أبدًا إلا مرافئ استيداع وتصريف البضائع، وسيبقيان بحقٍّ لأصحاب تلك البلاد، فما علينا سوى إنشاء دور القنصليات وتعيين موظفين تجاريين يشرفون على البضائع التي تُنقل من الهند إلى أوروبا ومن أوروبا إلى الهند، ثم نقف بالمرصاد منتظرين الحدث الأهم.

إن معرفة مقدرتنا على إنشاء مؤسسات على شاطئ أفريقيا أو جزيرة بلاد العرب هي ما يجب علينا بحثه، وإني أرى هذه القضية أقل تعقيدًا مما يظنون.

ليست القضية قضية إنشاء مؤسسات على شاطئ الجزيرة، ولكنها قضية إنشاء علاقات طيبة ومتينة فحسب، وهاكم الدليل: إن كل مؤسسة تنشأ على هذا الشاطئ تسيء في الوقت نفسه إلى الأمة التي تديرها، والبرهان على ذلك عدن التي احتلها الإنكليز فكانت سبب الكراهية والحقد اللذين يكنُّهما العرب لهم؛ فهؤلاء الناس الذين يتعشقون الحرية إلى أبعد مدًى — وهم في الوقت نفسه متعصبون لدينهم، وتيَّاهون معتدُّون بأنفسهم، ينقلبون عليكم إذا ما شعروا أنكم تهددون استقلالهم ودينهم وتجرحون عزتهم الوطنية. إن التفكير بإخضاعهم عملية خطرة جدًّا، وليحاول الإنكليز ذلك إذا شاءوا.

إني أرى غير التفكير بإخضاعهم؛ أرى أن يُسعى سعيًا حثيثًا للتحالف معهم.

إن احتلال إنكلترا لعدن هو خطأ بالنظر للعلاقات التي يجب أن تقام مع داخل الجزيرة. لقد ظنت هذه الدولة أن القضية تتعلق بهنودها فأخطأت ولم تصب المرمى؛ فلنستفد نحن من خطئها؛ فالطريق إلى أن نكون أكثر منهم نفوذًا ممهدة لنا اليوم. أما فيما يتعلق بمشكلة المرور والمركز فما من شكٍّ في أن احتلال عدن هو من أهم القضايا الخطيرة. إن عدن لهي جبل طارق البحر الأحمر؛ فيجب — قبل كل شيء — أن نتخلى عن فكرة إنشاء أي نوع من المؤسسات على شاطئ الجزيرة. وحسبنا الآن تعيين موظفين وقناصل في جدة، والحديدة، ومخا، والداخل إن أمكن، ليوطدوا مصالحنا وعلاقاتنا هناك.

ومنذ اليوم الذي يلاحظ فيه العرب بأنكم لا تتطلبون منهم شيئًا، بل يرون — على نقيض ذلك — أنكم ترغبون في ربط مصالحكم بمصالحهم، فسيكونون إلى جانبكم ضد إنكلترا التي يخافونها.

أما قضايا شاطئ أفريقيا فتختلف عن ذلك كل الاختلاف. صحيح أن هذه الشواطئ مأهولة بقبائل إسلامية، إلا أن هذه القبائل ضعيفة مفككة عرى الاتحاد؛ فالقسم الداخلي من بلاد الحبشة يضم شعوبًا مسيحية، وهي بأسرها تدعونا وتمد لنا يد المساعدة عندما ننزل إلى الشاطئ.

والمواقع التي يمكن احتلالها، سواءٌ أكانت في خليج باب المندب، أم كانت عند مدخل البحر الأحمر، أم على شواطئ الحبشة، هي كثيرة جدًّا، يجب أن توصل جميعها ببوربون عن طريق شاطئ أفريقيا الجنوبية الشرقية ومدغشقر؛ فتؤلف سلسلة مؤسسات تجابه بها فرنسا إنكلترا، لا سيما أثناء حرب عامة. أما أيام السلم فيمكنها أن تكون لنا مصدر منافع تجارية عديدة.

يظهر أن الدولة الفرنسية قد سلَّمت بأهمية هذه القضية فكلفت؛ لجنة أن تدرس قضية إنشاء مراكب تجارية تمخر بين السويس وبوربون. إنه لمن المحتمل جدًّا — لسوء الحظ — أن تقوم هذه اللجنة بما قامت به شبيهاتها، فتدفن المشروع. ولكن مهما يكن من أمر فإن مستعمرتنا بوربون، ومصالحنا في مدغشقر والهند، وأخيرًا مصالحنا التي قد تنشأ على شاطئ أفريقيا؛ تستدعي هذا التنظيم.

(٣) بواخر بين السويس وبوربون

إن بين بوربون والسويس — إذا ما سرنا خطًّا مستقيمًا أو شبه مستقيم — مسافةً تراوح بين ١٦٥٠ و١٧٥٠ فرسخًا. وطريق كهذه لا يمكن أن تكون شوطًا واحدًا، ما لم نقم ببناء بواخر كالبواخر المعدة للإبحار إلى ما وراء المحيط. وإذا اتبعنا هذا النهج في علاقاتنا مع أميركا فلاستحالة وجود المواقف. أما من بوربون إلى السويس فإننا نجد أماكن نرسو فيها حيث نشاء؛ لأن نظرنا يقع دائمًا على شواطئ وجزر. إن تنظيم هذه الشبكة من البواخر ونجاحها — وهما ممكنان إذا شئنا — يرتكزان أولًا: على اتجاه الخط، ثانيًا على المئونة (فحم الحطب، خشب البناء، المعيشة)، ثالثًا على مركز الموانئ.

(٤) الاتجاه الأول والخطوط الممكنة

الاتجاه الأول: الخط الإنكليزي.
١٦٤٠ فرسخًا، موقفان
٤٣٠ فرسخًا من بوربون إلى سيشيل، ربطه بجزيرة فرنسا
٦٢٥ فرسخًا من سيشيل إلى عدن، ربطه بسوكوتورا عند الضرورة
٥٨٥ فرسخًا من عدن إلى السويس، ربطه بمخا وجدة
الاتجاه الثاني: الخط العربي.
١٦٩٥ فرسخًا موقفان
٦٦٠ فرسخًا من بوربون إلى شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي، ربطه بجزيرة فرنسا ومدغشقر
٥٢٠ فرسخًا من شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي حتى مخا، ربطه بعدن وبربرة
٥١٥ فرسخًا من مخا إلى السويس، ربطه بجدة
الاتجاه الثالث: الخط الإنكليزي العربي.
١٧٧٥ فرسخًا، ثلاثة مواقف
٤٣٠ فرسخًا من بوربون إلى سيشيل، ربطه بجزيرة فرنسا
٣١٠ فراسخ من سيشيل إلى شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي
٤٥٠ فرسخًا من شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي إلى عدن
٥٨٥ فرسخًا من عدن إلى السويس، ربطه بمخا وجدة

وهناك أيضًا اتجاه آخر، عربي إنكليزي، ينقص عنه مسافة ٨٠ فرسخًا، وهو ذو موقفين: الأول من بوربون إلى شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي. الثاني من هذا الأخير إلى عدن، ومن عدن إلى السويس.

الاتجاه الرابع: الخط الفرنسي.
١٦٩٥ فرسخًا أربعة مواقف – الفرق بين المراسي ١٧٣٠
٢٨٠ فرسخًا من بوربون إلى القديسة مريم ومدغشقر،* ربطه بجزيرة فرنسا. ٢٨٠
٣٦٠ فرسخًا من مدغشقر إلى شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي ٣٦٠
٣٢٠ فرسخًا من الشاطئ الجنوبي الشرقي حتى رأس كاردافوي ٢٢٠
٣٣٠ فرسخًا من الرأس حتى شاطئ الحبشة نحو ماسونا، ربطه ببربرة ومضيق باب المندب. ٣٤٠
٤٠٥ فرسخًا من شاطئ الحبشة نحو ماسونا – السويس ٤٣٠
إنني لا أسمي نقاط المواقف بأسمائها، بل حاولت جهدي أن أتكلم عنها بصورة عامة، لأن ذكرها قولًا يضر بمصالحنا، فكيف بنا إذا دوَّنَّاه في كتاب.

وهذه الاتجاهات الأربعة هي الوحيدة الممكنة، إنها الفرصة المؤاتية، بل الساعة التي يجب علينا فيها درس قيمة كل منها على انفراد، ولما كانت هذه الخطوط ترتبط كل الارتباط بالمواقف فسندرسها معًا.

(٥) الذخائر: الفحم، الخشب، أسباب المعيشة

(٥-١) الفحم الحجري

نحن بين أمرين: إما أن نستورد الفحم الحجري من الهند وأوروبا، أو أن نوجده في هذه الأمكنة نفسها؛ أي أن نستخرجه من مدغشقر وأفريقيا وجزيرة بلاد العرب حيث يجب أن تقام هذه المواقف.

إن طرفَي هذا الخط خاليان من هذا الفحم؛ فبوربون ومصر يفتقران إليه، بينا هو موجود في مدغشقر والحبشة، وأهل تلك البلاد يعرفونه. أما جزيرة بلاد العرب فلم يُعرف شيء عن الكمية التي وُجدت فيها منه.

نجد في مدغشقر الفحم الحجري في مكان يبعد قليلًا عن البحر، فيستطاع نقله بسهولة في نهر يصب في خليج كبير. وفي داخل الجزيرة — قرب تاناناريف — كثير من الفحم الحجري، وقد استخدمه إفرنسي في أعمال الحدادة، فإذا ما خصصنا قليلًا من العمل للنهر الذي يجري قريبًا من ذلك المكان، فإنه يمكننا نقل ذلك الفحم إلى البحر. إن تحقيق هذا المشروع سهل، كما يقول العارفون.

أما العارف في الحبشة، فقد عثر على الفحم الحجري عند حدود فولوكالا وكوى، قرب نهر وات الذي يبعد قليلًا عن روبي سانا ويصب في هافاش، وهو موجود أيضًا في تيانو عند حدود كوى، قرب هافاش. ومن الثابت اليوم أن جبال مدغشقر والحبشة تحتوي الفحم الحجري.

أما الأمر الجدير بالذكر فهو أن رحَّالتين قد عثرا على الفحم في الحبشة حينما كانا يجولان في أطراف أنجاد تلك البلاد. إن معرفتي لعلم طبقات الأرض قليلة، ولكن اختباري وملاحظتي التربة يؤكدان لي أنه محتمل جدًّا أن نجد منه قرب تارانا الواقعة على مقربة من هالاي وبوراي. وهاتان الأخيرتان تقعان على قمة رابية فسيحة، وهي الجزء المتمم لرابية كوى، إن معادن الفحم الحجري تقع إذنْ على مسافة غير بعيدة من البحر، وعلى الأخص من بوراي، وها إني أدوِّن هذه المعلومات لتكون دليلًا للمستقبل. أما اليوم فيجب الاهتمام بنوع خاص بفحم مدغشقر؛ فهو أول ما يجب الحصول عليه ليستعمل في الذخيرة. إن فحم كوى لا يُجدي نفعًا ما لم يمكن الإبحار في هافاش؛ وهذا أمر محتمل وقوعه. إن الهند تستطيع في كل حال أن تقدِّم من الفحم الحجري كميات كالتي تقدِّمها أوروبا؛ ولهذا يجب علينا أن نعلم أن القيام بمشروع بناء السفن البخارية أمر يكلف فرنسا الشيء الكثير، ولكنه أمر لا بد منه إذا كانت مصالحها في بحار أفريقيا لا تقل عنه قيمة.

(٥-٢) الأخشاب والحديد

إن هذه المواد تُستورد عادة من أوروبا والهند، ومع ذلك فهنالك عدة أمكنة على الخطوط المشار إليها يمكنها أن تقدمها لنا؛ فمدغشقر تقدِّم حديدًا أو أخشابًا لبناء البواخر. أما الأخشاب فموجودة حوالي البحر. أما الحديد ففي الداخل؛ فكيلوى والبلدان الواقعة قبالتها ذات غابات كثيرة، ومنها تُقطع أخشاب البناء، كما أننا نجد أيضًا غابات على الشاطئ الجنوبي الشرقي من أفريقيا وفي نهر جاب الذي تحمل مياهه السفن، وهنالك يمكن أن تُبنى المراكب الضخمة.

وفي الحبشة حديد كثير، وعلى بُعد خمسة عشر فرسخًا من البحر — قرب هالاي — مناجم منه يُحسن الأهلون استثمارها. وهذا الحديد هو من النوع الجيد، وحسبنا برهانًا على قيمته القول إن حدادي البلاد — وهم عمال غير حاذقين — يلقونه بعض الأحيان ثلاثين أربعين مرة في النار حتى يستطيعوا أن يصنعوا منه الشكل الذي يرغبون فيه.

(٥-٣) المؤن

لا يعنيني أن أتحدث عن المؤن التي تُستورد من الهند أو أوروبا؛ فهذه المؤن نجد منها ما نشاء في جميع الأمكنة، في بوربون ومخا وجدة والسويس … إلخ، ولكنني سأتكلم على المؤن التي تقدِّمها البلدان الواقعة على الخط الذي تتبعه البواخر.

إننا نجد في مدغشقر المؤن على اختلاف أنواعها بكثرة؛ فهي يؤتى بها إما من الشاطئ، أو من الداخل. وكذلك نقول عن شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي.

وعلى شاطئ الحبشة لا نجد من المؤن إلا اللحوم فقط. بَيْدَ أنه يمكن أن يؤتى إليه بالحبوب من الداخل وبغزارة كلية. ولقد نقلوا في منتصف القرن الماضي إلى جزيرة فرنسا حمولة اثنتي عشرة سفينة من القمح.

ليس في سيشيل وعدن ومخا فحم ولا حديد ولا خشب لبناء السفن؛ فهي تستورد كل شيء من الخارج، ما عدا بعض المؤن التي تأتي من الداخل إلى هذين المحلين الأخيرين. أما في مدغشقر وشاطئ أفريقيا والحبشة والبحر الأحمر فنقدر أن نجد كل شيء بسهولة؛ فالفحم الحجري، وخشب البناء، والحديد، والمؤن نجدها بكثرة تحت تصرفنا المطلق.

(٦) المواقف

ها قد وصلنا إلى أدق نقاط مشكلة البواخر التي تربط بين السويس وبوربون، وهي مفصلة المواقف. أما المراسي فيمكن تحويرها على ما تقتضيه المصالح السياسية التجارية؛ وعليه فإذا ذكرنا بوضوحٍ المنافع التي يجب أن تتوافر في الموقف ليكون مقبولًا ويسلَّم بإحداثه، فهذا يعني أننا عيَّنَّا وجهة الخط.

ما هي هذه الشروط؟
  • (١)

    يجب أن يكون الموقف — بِناءً على حقٍّ ما — ملكًا لفرنسا يحيط به شعب محالف لين الجانب، تشبه مصالحه مصالحنا، ونكون ذوي تأثير فيه وسلطة عليه لنتمكَّن في جميع الحالات أن نتقيَ المتاعب التي قد يُحدثها لنا.

  • (٢)

    يجب أن يكون كل موقف نقطة تجارية يُستطاع تحويلها إلى موقع عسكري في أثناء الحرب؛ ولهذا يجب أن يكون ذلك المركز سهل الحماية يصلح ملجأً للمراكب التجارية، وعند ذاك سيكون لكل موقف مرفأ ممتاز، وشعوب حليفة تحيط به؛ فمن هذه المواقف التي يجب أن تكون ملكًا لفرنسا نستمد الفحم والخشب، ومواد الإعداد والتجهيز الأخرى، والمؤن؛ فهل نجد في مواقف هذه الخطوط الأربعة المنافع المشار إليها؟

(٦-١) مواقف الاتجاه الأول: الخط الإنكليزي

إن سيشيل وعدن — المملكتين الإنكليزيتين — هما مواقف هذا الخط، فسنكون إذنْ تحت رحمة الإنكليز. فالفائدة الوحيدة، وهي وصول المؤن أيام السلم، فلن نحصل منها إلا على ما يوافق الإنكليز أن نحصل عليه؛ فنُضطر حينئذٍ إلى مشترى كل شيء منهم، أو على الأقل استيداعهم كل شيء. وبعدُ، فإذا كانت كل منفعة تجارية أو وطنية تقوم على المخاطرات، فهذا الخط لا يسلم به، وهو يسيء إلى مصلحتنا الوطنية.

(٦-٢) مواقف الاتجاه الثاني: الخط العربي

إذا كانت المواقف على شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي وفي مخا، فإنها تخص العرب الذين يحتملون بصعوبة وجودنا فيها، فاستقرارنا هنالك لا يكون إلا رغمًا عنهم؛ وعليه فلا يمكن أن يكون لنا موقف إلا على الشاطئ الجنوبي الشرقي في أفريقيا. وإذا كنا نطمح إليه فيمكن إحداثه إذا ما استندنا إلى حقٍّ ما. أما مخا فلا يجب أن نحلم بها لأننا نُضطر إلى مغادرتها إما عاجلًا أو آجلًا. ثم إن الاستقرار على الشاطئ الجنوبي الشرقي، وفي مخا، دون التفكير بالمستقبل — ولو رضي أهلوهما — يعني خلق المشاكل الكبرى؛ فالدسائس الإنكليزية التي تدعمها المصالح المقهورة لا تتأخر أبدًا عن العمل سرًا.

إن الإنكليز أنفسهم لم يتمكنوا من الاستقرار في مخا، ولولا مبادرتهم إلى احتلال عدن لكانوا قطعوا عليهم — على أثر اندحار محمد علي من مخا — خط المواصلات الذي تتبعه بواخرهم بين السويس وبومباي؛ فكل مشاكلهم هناك من صنع العرب.

أما على الشاطئ الجنوبي الشرقي فيصعب عليهم أن يضروا بنا؛ لأن ليس لهم فيه مصالح محلية تعادل مصالحنا أهمية، ولأن بعض المراكز بعيدة عن تأثير سلطنة زعماء الداخل، بخلاف مخا التي هي تحت سلطة إمام صنعاء.

فالمنفعة الوحيدة التي يمكن أن يقدمها هذان الموقفان هي تجارية، وكل ما عداها مؤقت؛ فعلى الشاطئ الجنوبي الشرقي مرفأ جميل يمكننا بواسطته أن نستورد من الداخل الأخشاب والمؤن، أما مرفأ مخا فهو غير نافع من جهة ثانية لأننا لا نجد في ضواحي هذين الموقفين الفحم الحجري، وبكلمة واحدة إننا سنكون هناك تحت رحمة العرب؛ ولهذا أرى استحالة إحداث هذا الخط وعدم نفعه.

(٦-٣) مواقف الاتجاه الثالث: الخط الإنكليزي العربي

ثلاثة مواقف في سيشيل ومثلها على الشاطئ الجنوبي الشرقي من أفريقيا وفي عدن، أو اثنان فقط في هاتين النقطتين الأخيرتين إذا كانت المسافة غير طويلة.

سوف لن نتناول هذا الخط إلا بكلمة واحدة؛ فهو شريك الخطين الأخيرين ولا يقدِّم أية فائدة، إلا إذا استثنينا الحالة التي ينشأ فيها موقف على الشاطئ الجنوبي الشرقي، فتقصر الطريق عند ذاك، ونستطيع الحصول على منافع تجارية، ولكننا نكون تحت رحمة العرب والإنكليز.

إننا لا نجد بين هذه الخطوط الثلاثة واحدًا تجتمع فيه المنافع والشروط المدوَّنة أعلاه، فأينما كنا لا نواجه إلا شعوبًا تقاومنا ملبية داعيَ مذهبها. وإذا ما حاولنا كبت تعصُّبها تناصبنا العداء إما بدسائسها وإما بدافع مصالحها المقهورة، وأخيرًا الإنكليز! إن كل شخص يفهمهم؛ فهذه المواقف — من جميع جهاتها — تكون إقامتنا فيها موقتة ومعرضة للأخطار.

وعليه فإذا شئنا أن نُحدث خطًّا للسفن البخارية مبنيًّا بنيانًا وطيدًا على أساس المصالح الإفرنسية — سواءٌ أكان في البحر الأحمر أو مضيق باب المندب — فيجب أن لا يكون موقفنا فيه تحت رحمة العرب أو سلطة الإنكليز، وإذا فعلنا خلاف ذلك فلا خط للبواخر ولا مستقبل.

لننتقل الآن إلى الخط الإفرنسي.

(٦-٤) مواقف الاتجاه الرابع: الخط الفرنسي

  • الموقف الأول: في خليج مدغشقر: إنه يبعد عن بوربون حوالي ٢٤٥ فرسخًا، وهو مكان صالح للإرساء، ويمكنه أن يتسع لجميع أساطيل العالم. حمايته سهلة، ومناخه صحي خلافًا لطبيعة شواطئ أفريقيا. إن الأراضيَ هناك قابلة للحراثة، لا بل هي محروثة أيضًا، والأنهار والسواقي تسقيها. وقرب الشاطئ نجد الفحم الحجري والأخشاب للبناء؛ ولهذا يمكننا تحويل هذا الموقف إلى مستعمرة جميلة، أما مركزه فتجاري، وسياسي، وعسكري، ويمكننا أن نستمد منه — لبوربون والمواقف الأخرى — الفحم والخشب؛ فالمؤن هناك يسهل الحصول عليها، وبكلمة وجيزة نقول إن جميع الشروط التي نطلبها متوافرة كلها. أما المشكلة الوحيدة فهي الاستيلاء عليه بصورة شرعية. إن معاهدات ١٨١٤ تمنح فرنسا جزيرة مدغشقر.
  • الموقف الثاني: على الشاطئ الجنوبي الشرقي من أفريقيا، وعلى بُعد ٣٦٠ فرسخًا من مدغشقر: هنالك نقطة ذات مرفأ جميل هادئ، وهي محور تجارة تلك الناحية من الشاطئ، لا بل محور تجارة داخل أفريقيا بكاملها؛ فالبلدان المجاورة لها زراعية وفيها جميع أنواع المؤن حتى الأخشاب؛ فالجاب — وهو النهر الكبير الذي يجري من الحبشة إلى البلدان؛ بلدان الغال وسومولي — يصب قريبًا من هنالك. إن ركوب هذا النهر ممكن وتجار البلاد يقطعونه. فمما ذكرنا يبدو لنا أن مركزًا كهذا يدر أرباحًا ضخمة، وفوائد كبيرة اليومَ وغدًا.

    يجب أن يكون لنا هناك مؤسسة تُقام بِناءً على حقٍّ مشروع، وحلُّ هذه المشكلة لا يكلفنا سوى قليل من الإرادة؛ وعند ذاك تنتفي الأضرار التي سبق ذكرها لأن مصالح الأهلين تُصبح مصالحنا ونمتزج بهم.

    فهؤلاء الناس يتعاطَوْن التجارة مع البانيانيين الذين يغشُّونهم؛ ولهذا يفضلون الاتجار معنا عندما يرَوْن أننا أقمنا هنالك، وأن حُسن النية رائدنا في عملنا.

  • الموقف الثالث: يقع في رأس جاردافوي على مسافة ٣٨٠ فرسخًا من النقطة التي ذكرناها سابقًا: إن هذا الموقف هو أكثر المواقف أهمية، وهو يشرف على البحر الأحمر وشاطئ أفريقيا. أما من الوجهة التجارية فمركزه قليل الأهمية. يمكننا أن نحصل فيه على مؤن من الداخل. أما فيما عدا ذلك فلا يُنظر إليه إلا كنقطة عسكرية تستمد ذخائرها من المواقف الأخرى، إلا أنه لا يُستغنى عنها. لا يمكننا الذهاب لاحتلال بربرة، المركز التجاري الهام، الواقع على مسافة ١٤٠ فرسخًا من الرأس؛ لأن ذلك يعني تخلِّيَنا عن المركز العسكري بتوغُّلنا في خليج باب المندب. أما من رأس كاردافوي فنقدر أن نحميَ العلاقات التجارية مع بربرة ونسهر على صيانة شاطئ أفريقيا. إن نظرة نُلقيها على الخريطة تُظهر لنا أهمية هذا الموقف، وخصوصًا في أيام الحرب.

    إن موقف الإنكليز في زيلا وعدن يجعل الاستيلاء على هذا المركز ضرورة ملحَّة؛ فبإنشائنا مؤسسةً قرب مضيق باب المندب — على شاطئ الحبشة — لا نكون أحدثنا موقفًا بل مَرسًى يعادل به نفوذنا نفوذ الإنكليز الذين ظنوا أنهم وصلوا إليه بامتلاكهم عدن. فإذا لم نستطع إبادة ذلك النفوذ، فعلينا أن نقاومه بهذا المرفأ الممتاز الواقع على مقربة من مضيق باب المندب، وفي البحر الأحمر، في موقع يجعله سيد بحر القلزم؛ فمن هناك نقدر أن نشاهد الناحية المقابلة، فلا يُستطاع تهريب شيء بصورة مخفية. أضف إلى ذلك أنه لا يفصله إلا مسافة ١٢ يومًا سيرًا أو ٧٢ ساعة عن بحيرة هوسا؛ حيث يتضعضع الهافاش. ولما كانت هذه البحيرة تصلح للملاحة — وهذا مؤكد — فتجارة كوى وعدل وبلال الغال ترد عليها بوفرة؛ لأنها أقرب مرفأ من بحيرة زيلا. إن بضائع كوى وفحمها الحجري لا تقطع — بعد عبورها النهر — إلا طريقًا تبلغ مسافتها حوالي اﻟ ٧٢ فرسخًا، وهي سهلة التمهيد لتصبح صالحة للعربات. وإذا نشبت حرب يُحوَّل هذا الموقف مرفأً تحتمي فيه السفن.

  • الموقف الرابع: على شاطئ الحبشة قرب ماسونا، ويمكن ربطه بمخا إذا دعت الحاجة: إنه من أكثر المراكز أهمية، سواءٌ أكان من حيث الوجهة التجارية، أو تنظيم خط البواخر، أو احتلال المواقف على البحر الأحمر وشواطئ أفريقيا؛ فهنا وفي مدغشقر يجب أن يبتدئ العمل، وعلى هاتين النقطتين يُبنى مستقبل تجاري باهر، فتُحقق المصالح الوطنية الكبيرة. إن هذا المكان لا يحتوي الفحم الحجري؛ أي إنهم لم ينقبوا عنه فيه، ولا عن الأخشاب الصالحة للبناء، ولكنه يتمتع بأطيب مناخ حول البحر الأحمر؛ فجميع أنواع المعيشة متوافرة فيه، وهو يفتح لنا مجال استخراج الحديد من الحبشة. فهذا الموقف — الذي يتلقى الفحم من مدغشقر — ومن كوى عن طريق الهافاش، وأخشاب البناء من شاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي، في مقابل حديد الحبشة وذخائرها؛ يمكِّننا من القبض على ناصية تجارة البحر الأحمر.

    إنه ليسعني أن أؤيِّد بحادثٍ خطير صحة ما زعمت، ولكن ذلك يقتضيني تعيين المحلة بكثير من الوضوح، وفي الإيضاح ضرر يحب عليَّ أن أتجنبه لئلا أخدم غير دولتي.

    لنفكر مليًّا؛ فباحتلال رأس كاردافوي وشاطئ الحبشة نصبح أسياد الهند عن طريق البحر الأحمر، وباحتلالنا رأس كاردافوي ومدغشقر نصبح أسياد الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح؛ فالمسافة التي بين هذا الموقف الأخير والسويس ليست إلا ٤٥٠ فرسخًا. سوف لن أتكلم عن السويس؛ حيث يجب أن تنشأ مستودعات للفحم. إن موقف السويس هادئ لأن هذه المدينة تخضع من حيث تموينها للقاهرة ومصر، وقد كنا في كل وقت نستطيع التأثير على الرجالات الذين يحكمون القُطر المصري؛ فمصلحتهم تقضي عليهم بأن يقوموا قدر الإمكان بحماية المؤسسات الفرنسية والأوروبية التي تناهض مصلحة إنكلترا.

    إن هذا الخط الوطني للبواخر يشمل أيضًا المواقف التجارية والعسكرية الممتدة بين بوربون والسويس. وإذا ما نفَّذنا مشروعًا كهذا بإرادة صُلبة، نقبض على تجارة مدغشقر وشاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي، والبحر الأحمر والحبشة، وجزيرة العرب؛ وهكذا نصبح أسياد طريق الهند المطلقين عن طريق البحر الأحمر وترعة موزامبيك؛ فالصمود في الحرب هناك سهل علينا إذا أحسنَّا تنظيم هذا الموقف، لا بل يلحق بأعدائنا الأضرار البالغة؛ إذ لا يجسرون على اللحاق بنا أو التفتيش عنا في البحر الأحمر، ولا يحاولون الاقتراب من مؤسساتنا.

    إن الخط الفرنسي هو الوحيد إذَن الذي يوفِّر فوائد اليوم والغد، وهو الوحيد الذي يجب تبنِّيه؛ فإنشاء خط للبواخر بين السويس وبوربون هو مشروع وطني ذو مستقبل باهر، وبه تصبح بوربون على مسافة ٣٥ يومًا من فرنسا، ومدغشقر على مسافة ٣٣ يومًا، ومخا على مسافة ٢٢ يومًا، والحبشة على مسافة ٢٠ يومًا، وتصبح جدة — وهي مرفأ مكة ونقطة ارتكاز بلاد جزيرة العرب — على مسافة ١٩ يومًا. إن هذا يعني تشييد العمران والنفوذ الفرنسي في البحر الأحمر، وبلاد جزيرة العرب، والحبشة، وشاطئ أفريقيا بما فيه مدغشقر التي تستمد منها الفحم.

(٧) منافع المواقف وخط البواخر بين بوربون والسويس

إن الفوائد الناتجة عن إنشاء الخط الفرنسي وامتلاك المواقف هي على أنواع؛ فبعضها معروف يتفرع بالطبع عن الوقائع نفسها ويمكن إثباته بالبراهين، وبعضها الآخر يمكن إثباته بالأرقام.

ومن المؤكد — وهنا أعيد ما قلته سابقًا — أنه بامتلاكنا المواقف والحقوق على الشاطئ وتوطيد مؤسساتنا — كما أشرت — نصبح أسياد طريق الهند في البحر الأحمر، وهذا ما يجب أن نفكر به مليًّا؛ لأن الوقت الذي تستعيد فيه تجارة آسيا وأفريقيا طريقها القديمة ليس ببعيد.

ويجب أن نعلم أيضًا أنه إذا كانت شواطئ أفريقيا مأهولة بالمسلمين، ففي الداخل — أي في الحبشة وكوى وكافا وناريا — مسيحيون يدعوننا ويودون لو يروننا نستقر على الشاطئ.

إن كل هؤلاء يصيرون سماسرتنا وعملاءنا حتى في وسط أفريقيا؛ ففرنسا بامتلاكها مركزًا عسكريًّا وتجاريًّا، وبخلقها منافذ لترويج بضائعها، إنما تقوم بالمهمة التي شاء القدر أن يُلقيَها على عاتقها، ألا وهي مهمة تمدين الإنسانية.

قد تخالج بعضهم الريبة بأن هذه النتائج لا تكون بدون تضحيات. إن القضية هي غير ما يتوهمون، فإذا وجدنا — على الخط المذكور — مصالح عتيدة وأدبية، فهنالك أيضًا مصالح بديهية ومفيدة يمكن تحقيقها مباشرة. إنها مصالح مادية نقدية يمكن تحقيقها في اليوم الذي ننزل فيه إلى الشاطئ.

صحيح أن تجارة جميع هذه الأمكنة من مدغشقر وشواطئ أفريقيا والبحر الأحمر ليست على المستوى الذي يجب أن تكون عليه، إلا أنها مع ذلك مهمة جدًّا يجدر بنا أن نستأثر بها؛ وعليه يجب الابتداء هنا، ولو في إنشاء خط البواخر بين السويس وبوربون.

قد نتعرض لمصاعب جمة إذا شئنا أن نُنشئ بغتةً مراكز عسكرية، ناهيك بأن هذا الأمر يتطلب نفقات كبيرة. أما إذا ابتدأنا بتعاطي أعمال التجارة، وخلق علاقات ومصالح مع شعوب الداخل والشاطئ، فإنهم يمنحوننا جميع مطالبنا عندما يشعرون بالأرباح التي يجنونها. يجب ألا نعتقد أن مسألة هذه التجارة سهلة، وإنه يجب أن نواجه هذا العمل كمن يذهب إلى صيد الحوت. كلا! إنها تقتضينا القيام بغزوة تكون أكثر رصانة من غزوة أنكوبير والكثيرات مثلها التي أسفرت عن نتائج مخزية؛ فهي تتطلب إنشاء شركة متكاتفة وعمل متتابع، لا عمل شركة منافع.١

سوف لن أدليَ فيما بعد بأية معلومات عن تجارة مدغشقر لأنها معروفة نوعًا ما؛ فهذا البلد يقدِّم لجزيرة فرنسا وبوربون حاجيات ذات أهمية أوَّلية. وأنا واثق من أننا نعرف القليل عن منتوجات هذه الأرض الشاسعة التي نجد فيها منفذًا هامًّا للتصدير؛ لأنها تضم حوالي أربعة ملايين من المستهلكين. لا أريد أن أتعمَّق في التفصيلات؛ لأن أناسًا آخرين غيري يهتمون بذلك بصورة جدية، فيمكننا أن نقرأ عن مدغشقر وتجارتها البيان الصحيح الممتاز المنشور في المجلد الخامس من هذه النشرة. ويلاحظ المؤلف — بلا ريب — أن مدغشقر التي شاءت أن تحصر فرنسا فيها جميع نشاطها، ما هي إلا واحدة من النقاط التي تهم الأوروبيين عامةً والإفرنسيين خاصةً لكي يقفوا بوجه إنكلترا.

(٨) تجارة جزيرة بلاد العرب

الأرقام تفصح هنا أكثر من الكلام؛ ولهذا أبدأ بتقديم بيان عن البضائع المستوردة والبضائع المصدَّرة، مع وصف الحركة التجارية.

وأحيط القارئ علمًا بأنني لم أسجل في لوائحي إلا الرقم الأدنى؛ فعندما كنت أقع على رقم كنت أمحصه دائمًا معتمدًا على معلومات رسمية لا شك في صحتها، ثم أنقص من نسبته دائمًا. وسوف يلاحظ المطالع أيضًا أن جميع أرقامي خالية من الكسور، وما سبب ذلك إلا إهمالي لها، لأزيد في إيضاح بياناتي. ومع كل هذا أراني لم أتجاوز قط الواقع.

إن المعلومات التجارية المتعلقة بجزيرة بلاد العرب ومصر وسنار وشاطئ أفريقيا هي مختصرة، وقد اكتفيت بتدوين الواردات والصادرات كي لا أضخِّم هذا البيان، كما أني لم أقم إلا بعرض واردات الحبشة والبلدان المجاورة لها لأنها لم تُعرف مثل غيرها.

إن المراكز الثلاثة الهامة التي تمارَس فيها الأعمال التجارية هي: جدة، والحديدة، ومخا.

(٨-١) تجارة جدة

حركة المرفأ التجارية:
  • من ٤٠ إلى ٥٠ سفينة تراوح حمولتها من ٥٠٠ إلى ٦٠٠ طن.

  • من ٣٠ إلى ٤٠ مركبًا شراعيًّا من الهند إلى مسقط.

  • من ١٥٠ إلى ٢٠٠ مركب من مصر والنقاط الأخرى.

واردات

المأكولات، الأرز، القمح، السكر، الأبازير، الأقمشة الحريرية والقطنية، الزجاج، الخزفيات، السكاكين، الأسلحة، البارود، الرصاص، الخرطوش، السجاد، الخام الساذج، الخام الملون والأصفر، العرق، الخرضوات، التبغ، الأجواخ، المخمل.

صادرات

الصمغ، السندروس (نوع من الصمغ)، البخور، الزجاج البراق، اللآلئ، الحجارة الكريمة، وعلى الأخص النقود والبلح.

إن التوريد ضئيل جدًّا؛ فهم يقايضون بقليل من الأشياء، والتجارة تنحصر كلها في الاستيراد.

إن كمية المعاملات التجارية تبلغ على الأقل ٢٥٠٠٠٠٠٠ فرنك.

(٨-٢) تجارة الحديدة

صادرات

البن، السنا، الصمغ، الأملاح، الحمضيات، جلود البقر والمعزى والغنم، التمر الهندي، البخور، عروق الصباغ، الزجاج البراق، اللآلئ، البلح.

واردات

الأرز، السجاد، الأقمشة الحريرية والقطنية، الأنسجة ذات اللونين الأزرق والأحمر، التبغ، البضائع الخفيفة (خرضوات)، السكاكين، الأسلحة، الأبازير … إلخ.

إن الاستيراد ضئيل جدًّا والتجارة محصورة في التوريد مقابل نقود.

كمية المعاملات التجارية: ١٥٠٠٠٠٠٠ فرنك.

(٨-٣) تجارة مخا

صادرات

البن، الصمغ العربي، المصطكي، الصبر، جلود البقر والمعزى والغنم، الجلود المدبوغة، النيل، ملح البارود، التمر، السنا، خراشف السلاحف، الأشياء اللماعة، عود الند، روح النشادر، العطور، البلح.

واردات

الأرز، الأبازير، الخام البسيط والمصبوغ، السجاد، التنبك، التبغ، الأرز، العرق، الحديد، الرصاص، القصدير، النحاس، السكاكين، الأسلحة، الزجاج، الخزف، الأجواخ، المخمل.

يُتعاطى نصف هذه التجارة بالبضائع المستوردة مقايضة، والنصف الآخر بالنقود.

كمية المعاملات التجارية: ١٥٠٠٠٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: إن هذه المرافئ الثلاثة تموِّن الشعوب النجدية واليمنية. ومرفأ جدة يموِّن مكة والمدينة والبلدان المجاورة. إن هذه المرافئ تتعامل مع ٥٠٠٠٠٠٠ نفس على الأقل.

أما التجارة القائمة على الاستيراد والتوريد فيقوم بها أبناء البلاد، والبانيانيون مع الهند. إن بعض السفن الأوروبية — وهي ثلاث أو أربع على الأكثر — تأتي إلى مخا لتنقل البن دافعة ثمنه نقودًا.

(٩) تجارة مصر

إن هذه التجارة تمارَس عن طريق السويس والقصير Cosseir. إنها هي هي — من حيث التوريد — في كلا المرفأين، أما البضائع المستوردة فتذهب خصوصًا إلى السويس.

(٩-١) البضائع المُورَّدة

الخام، الحرائر المصبوغة بالأحمر والأزرق، الملابس الجاهزة، الزنانير الحريرية، الطرابيش، البوابيج، الجلود الحمراء، المناديل، التبغ، الأسلحة، الأنسجة المغربية، الثمار المجففة، الخضار، وبنوع خاص المأكولات كالأرز والقمح، حاجيات المصانع الأوروبية كالأنسجة القطنية، والأنسجة المصبوغة والزجاج والخزفيات وشبيهات تلك.

(٩-٢) البضائع المستورَدة

البن، البخور، جلود الأغنام، التنباك، البلح، السجاد، الكشمير، اللآلئ، عروق الدباغة، الكركم، القصدير، السفط، الأقمشة القطنية الزرقاء، الحناء.

إن الاستيراد يفوق بكثيرٍ قيمة التوريد.

رأس مال هذه المعاملات التجارية: ٦٠٠٠٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: إن مرفأي السويس والقصير يوردان إلى مصر الوسطى والسفلى وقليلًا إلى سوريا، وهما يتعاملان مع ٢٠٠٠٠٠٠ نفس.

إن الأعمال التجارية تمارَس بواسطة المراكب.

(١٠) تجارة سنار وبلاد النوبا

سواكن وبادرو هما النقطتان الوحيدتان لأعمال هذه التجارة.

(١٠-١) واردات

الأرز، القمح، الأنسجة الحريرية والقطنية، التبغ، الأبازير، الأسلحة، البن، ثم البضائع عينها الموجودة في جدة، ولكن بمقدار قليل.

(١٠-٢) صادرات

الصمغ، البخور، ريش النعام، الجلود، الذهب، العاج.

إن الاستيراد والتوريد متعادلان.

كمية المعاملات التجارية: ٣٠٠٠٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: وهذه التجارة التي كانت قديمًا هامة ضعفت بعد احتلال محمد علي لسنار وبلاد النوبا. إن المنفذ التجاري الهام كان عن طريق البحر الأحمر. أما اليوم فإن جميع الواردات والصادرات تتوجَّه إلى مصر.

إن سواكن وبادرو تتعاملان مع ٥٠٠٠٠٠ شخص، وقد كان هذا الشعب يتعامل فيما مضى مع درفور وفازوجلون وبلاد الزنوج الأخرى. إن هذه التجارة التي أُعيدت إلى ما كانت عليه سابقًا يمكنها أن تسد حاجة ٢٥٠٠٠٠٠ مستهلك. وهي تمارَس بواسطة مراكب تقدم من جدة.

(١١) تجارة جزر البحر الأحمر

دهالاك وكامران، ونورا وفروت … إلخ هي جزر تقع في الجهة السفلى من البحر الأحمر. وهذا بيان بما تُصدِّر وتَستورِد كل سنة:

(١١-١) بضائع التصدير

١٥١٥٠٠ فرنك
السفط ٥٠٠٠٠ فرنك
اللآلئ ١٠٠٠٠٠ فرنك
العروق اللماعة ١٠٠٠ فرنك
الحصر ٥٠٠ فرنك

(١١-٢) بضائع الاستيراد

المأكولات، الأرز، القمح، البلح، بعض الأنسجة للملبوسات وعلى الأخص النقود.

كمية المعاملات التجارية: ٣٠٠٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: كانت هذه التجارة مزدهرة تمامًا وكثيرة الإنتاج. أما اليوم فاصطياد اللآلئ وسفط الأسماك أُهمل تقريبًا، وشعب جميع جزر البحر الأحمر لا يتعدَّى الألفين من السكان. إن هذه التجارة تمارَس بواسطة المراكب مع مدن جزيرة بلاد العرب وأفريقيا.

(١٢) تجارة نقلي

إن هذه التجارة تمارَس على نقطتين؛ عن طريق مصوع وأرانا.

(١٢-١) بضائع التصدير

١٢٠٠٠٠ فرنك
الزبدة السائلة ١٠٠٠٠٠ فرنك
البقر والأغنام ١٠٠٠٠ فرنك
جلود البقر والأغنام والمعزى ١٠٠٠٠ فرنك

شحم الغنم، إنهم لا يحسنون تحضيره، كما أنهم يرمون القرون.

(١٢-٢) واردات

الأرز، القمح، الذرة، البلح، الأنسجة القطنية الزرقاء اللون والبيضاء، الزجاج، البارود، الأسلحة، الرماح، السيوف.

تجارة مقايضة ونقود.

كمية المعاملات التجارية: ٢٤٠٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: تُتعاطى هذه التجارة مع شاطئ جزيرة بلاد العرب. إن تجارة أخرى — سنتكلم عليها فيما بعد — تُتعاطى في المرافئ نفسها، هي تجارة الحبشة. إن شعب دنقلي يقارب ٤٠٠٠٠ نفس.

(١٣) تجارة شنغالا

إن هذه التجارة تمارَس عن طريق مصوع وتيجري.

(١٣-١) صادرات

٤٠٦٠٠ فرنك
ذهب ٣٠٠٠٠ فرنك
عاج ٥٠٠٠ فرنك
فار المسك ٢٠٠٠ فرنك
قرون الكركدن ٥٠٠ فرنك
صموغ ١٠٠٠ فرنك
جلود البقر والمعزى ١٠٠٠ فرنك
ريش النعام ١٠٠٠ فرنك
جلود النمورة ١٠٠ فرنك

(١٣-٢) واردات

أنسجة قطنية بيضاء وزرقاء وحمراء، سيوف، بندقيات، بارود، زجاج، أبازير، بهار.

وهذه التجارة هي بمعدل ٤ / ١ من النقد و٤ / ٣ بالمقايضة.

كمية المعاملات التجارية: ٨٠٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: وهذه التجارة الضئيلة يمكنها أن تصبح ذات أهمية كبرى. إن بلص حكام مسوى هو السبب في إحجام سكان شنغالا عن تعاطي التجارة في هذا البلد. إن عدد السكان يبلغ حوالي ٤٠٠٠٠ نفس.

(١٤) تجارة الحبشة

(١٤-١) تجارة أقاليم تيجري

عدوى وأنتالو هما النقطتان الهامتان لهذه التجارة.

بضائع التصدير

٤٦٨٠٠٠ فرنك
شمع ٢٠٠٠٠٠ فرنك
جلود البقر والمعزى والأغنام ٧٠٠٠٠ فرنك
قطن ٥٠٠٠٠ فرنك
نعال ٥٠٠٠٠ فرنك
عسل ٥٠٠٠٠ فرنك
عاج ٣٠٠٠٠ فرنك
صموغ ١٠٠٠ فرنك
مسك ١٠٠٠ فرنك
ذهب ١٥٠٠٠ فرنك
فراء ١٠٠٠ فرنك

إنهم لا يحسنون صنع شحم الغنم. بقر، أغنام، قمح، شعير.

واردات

أنسجة قطنية زرقاء وحمراء، جلود القاهرة، حرائر زرقاء، بنادق بفتيل، سيوف، نحاس، زجاج، أنسجة منقشة، بهار، كحل، تبغ، مشروبات، زجاج، وما شاكلها.

ونصف هذه التجارة يُتعاطى بالنقود، والنصف الآخر بضائع مستوردة.

كمية المعاملات التجارية: ٨٨٠٠٠٠ فرنك.

(١٤-٢) تجارة أقاليم أمهرة

غوندار هي السوق المهمة والنقطة التي تتوجَّه إليها القوافل لتعود منها إلى بلاد الغال وتذهب إلى ناريا وسنار ومصوع بعد أن تمرَّ في تيجري.

بضائع التصدير

١٩٤٣٠٠٠ فرنك
عاج ١٥٠٠٠٠ فرنك
ذهب ٢٠٠٠٠٠ فرنك
بن ٤٠٠٠٠٠ فرنك
مسك ١٥٠٠٠٠ فرنك
جلود البقر بحالتها الطبيعية ٦٠٠٠٠ فرنك
جلود مدبوغة ١٥٠٠٠ فرنك
جلود المعزى والأغنام بحالتها الطبيعية ٣٠٠٠ فرنك
جلود مدبوغة ٥٠٠٠ فرنك
قطن ٥٠٠٠٠ فرنك
بوابيج ونعال ٨٠٠٠٠ فرنك
صمغ ٢٠٠٠٠ فرنك
قرون الكركدن ١٠٠٠ فرنك
الفراء ٢٠٠٠ فرنك
ريش النعام ٧٠٠٠ فرنك
شمع ٨٠٠٠٠٠ فرنك

إن شحم الأغنام والبقر والخيول والمعادن تزخر بها هذه البلاد.

بضائع الاستيراد

الأنسجة القطنية الزرقاء والحمراء، زجاج، حرائر زرقاء وحمراء، أجواخ زرقاء وحمراء، أنواع المخمل، قطن، بهار، بفتا، بارود، سعوط وتبغ، أنسجة منقشة، شاش موصلي، أقمشة حريرية، سيوف، عطور، أبازير، كبش قرنفل، لعب للأولاد، سكاكين، زجاج، خزف (لا يستوردون من هذا الصنف إلا القليل)، حلي من فضة ومن نحاس مطلي، بنادق بفتيل، بعض السجاد، أواني كنسية.

إن الاستيراد والتوريد يتعادلان، وهذه التجارة تقوم بها القوافل.

كمية الأعمال التجارية: ٧٥٤٠٠٠٠.

(١٤-٣) تجارة أقاليم كوى

إن عليو-أمبا هي سوق هذه الأقاليم الهامة؛ فالقوافل تجتمع فيها لتتوجَّه إلى بلاد الغال وكافا وناريا وجنجيرو، ثم تعود إلى البحر عن طريق هورر، واليوم إلى بربرة، وفي بعض الأحيان إلى زيلا.

بضائع التوريد

١٠٨٦٠٠٠ فرنك
عاج ٤٠٠٠٠٠ فرنك
بن ٥٠٠٠٠ فرنك
صمغ ٣٠٠٠٠ فرنك
مسك ١٢٠٠٠ فرنك
ذهب ٥٠٠٠٠٠ فرنك
ريش النعام ٤٠٠٠ فرنك
شمع ٦٠٠٠٠ فرنك
جلود بقر ومعزى وأغنام غير مدبوغة ٣٠٠٠٠ فرنك

وفيما عدا ذلك فهنالك البغال، وجلود فرس البحر، وجلود النمورة والفهود، والبقر، والأغنام، والخيول، والمعادن.

بضائع الاستيراد

هي البضاعة نفسها التي نجدها في أمهرة. والاستيراد والتوريد يتعادلان. ويؤْثِرون التعامل بالنقود على المقايضة. أما المبالغ المتداولة في هذه الأعمال التجارية فهي ٢١٩٢٠٠٠ فرنك.

ملاحظة: إن تجارة هذه الأقاليم الثلاثة من الحبشة تمارَس حاليًّا عن طريق البحر الأحمر مع مصوع وأرانا، وعن طريق باب المندب مع زيلا وبربرة، وأخيرًا مع سنار لتنفذ إلى مصر.

يمكن أن تكون أكثر أهمية مما هي عليه اليوم عندما يتأكد أصحاب القوافل أنهم في مأمن من المتاعب. وأول محل يستطيع أن يقوم بحمايتهم يصبح نقطة ارتكاز هذه التجارة.

إن عدد سكان هذه المقاطعات الثلاث يبلغ ٤٠٠٠٠٠٠ نفس، إن لم يكن أكثر، وهي تتعامل مع أهالي نارايا وكافا وجنجيرو وجميع بلدان الغال التي تبلغ حوالي ٣٠٠٠٠٠٠ نفس. وهي تتعامل أيضًا مع بلدان أكثر بُعدًا. إن أمهرة وكوى هما السوقان اللتان تنتجان البضائع المورَّدة والمستورَدة، واللتان تلتقي هذه البضائع فيهما.

(١٥) تجارة عدل والصومال

مركز هذه التجارة زيلا وبربرة. أما هوسا وهورر فهما السوقان الهامتان اللتان تتوجَّه إليهما القوافل.

(١٥-١) بضائع التوريد

٤٩٥٠٠٠ فرنك
بن ٤٠٠٠٠ فرنك
صمغ عربي ١٠٠٠٠٠ فرنك
صمغ ٥٠٠٠٠ فرنك
شمع ٤٠٠٠٠ فرنك
عاج ٢٠٠٠٠ فرنك
ريش النعام ٣٠٠٠ فرنك
مسك ٥٠٠٠ فرنك
زبدة ٢٠٠٠٠ فرنك
بخور ١٠٠٠٠ فرنك
جلود البقر والأغنام والمعزى ٦٠٠٠ فرنك
فراء ١٠٠٠ فرنك
ذهب ٢٠٠٠٠٠ فرنك

ويجب أن نضيف إلى ما سبق: البقر، والأغنام، والبغال، والحمير، والجِمال، والخيول التي يمكن أن تؤلف تجارة كبيرة. إنهم لا يحسنون صنع شحم الأغنام.

(١٥-٢) بضائع الاستيراد

إنها البضائع نفسها التي نجدها في أمهرة.

وهذه التجارة قوامها المقايضة تقريبًا، ومع ذلك فهم يؤْثِرون النقود.

كمية الأعمال التجارية: ٩٩٤٠٠٠ فرنك.

نسبة حمولة المراكب في مرفأ بربرة: من ١٠ إلى ١٢، ومن ٥٠٠ إلى ٦٠٠ طن، ومن ٥ إلى ٢٠ مركبًا تصل من الهند ومسقط.

ملاحظة: يجب أن نضيف إلى هذا المعدل التجاري معدل كوى. إن هوسا هي نقطة ارتكاز عدل التي تتفاوض مع بلاد الغال الغربية، كما أن هورر هي نقطة ارتكاز الصومال التي تتصل بفروعها مع بلاد الغال الجنوبية، وهاتان النقطتان هما المركز التجاري لهذا المثلث الفسيح الذي ينتهي به رأس جاردافوي.

إن عدد السكان لا يقل عن ٢٠٠٠٠٠٠ شخص.

(١٦) تجارة شاطئ أفريقيا الجنوبي ورأس جاردافوي عند مصب كيلاموس

إن هذه التجارة تمارَس على الأخص في باد، وماجادوكسا، وبرافا، وهامار، ولامو.

(١٦-١) بضائع التوريد

ذهب، عاج، صمغ اللك، مسك، جلود بحالتها الطبيعية.

(١٦-٢) بضائع الاستيراد

بارود، أقمشة زرقاء، زجاج، أنسجة منقشة، خرضوات، أجواخ، تبغ، عرق، مأكولات.

وهذه التجارة تمارَس بواسطة سفن ومراكب، وقوامها المقايضة. إنه يصل من الهند من ١٥ إلى ٢٠ سفينة.

إن معدل عدد المراكب — وجميعها من مخا أو مسقط — لا يقل عن الخمسين مركبًا.

الحمولة: من ١٠٠ إلى ١٥٠ طنًّا في جميع أنحاء الشاطئ.

كمية المعاملات التجارية: ٤٠٠٠٠٠٠ فرنك على الأقل.

ملاحظة: إن البلد الذي يمتد من الكيلاموس — النهر الذي يجري من نارايا وجنجيرو حتى رأس بربرة — هو مأهول ومرويٌّ مزروع، وغير قاحل كما توهموا. ويمكن الإبحار على متن مراكب ثقيلة وضخمة في الكيلاموس والجاب حتى مسافة ١٥ يومًا من المصب. إن المراكز المختلفة التي أتينا على ذكرها هي أسواق تتعامل مباشرة مع ١٠٠٠٠٠٠ شخص إن لم يكن أكثر.

(١٧) بيان موجز٢

حركة الأعمال التجارية عن عام واحد الشعوب التي تفاوض هذه الأسواق (السكان)
كمية المعاملات التجارية ٨٠٢٢٦٠٠٠ ٢٠٠٨٢٠٠٠ عدد المستهلكين
جزيرة بلاد العرب، مخا ١٥٠٠٠٠٠٠ ٥٠٠٠٠٠٠ اليمن ونجد
جزيرة بلاد العرب، الحديدة ١٥٠٠٠٠٠٠
جزيرة بلاد العرب، جدة ٢٥٠٠٠٠٠٠
مصر، السويس، القصير ٦٠٠٠٠٠٠ ٢٠٠٠٠٠٠ مصر، سوريا
سنار، بلاد النوبا، سواكين ٣٠٠٠٠٠ ٥٠٠٠٠٠ سنار وبلاد النوبا
٢٥٠٠٠٠٠ البلدان المجاورة
البحر الأحمر والجزر ٣٠٠٠٠٠ ٢٠٠٠ في الجزر
دنقلي، مصوع ٢٤٠٠٠٠ ٤٠٠٠٠ دنقلي
شنغالا، مصوع ٨٠٠٠٠ ٤٠٠٠٠ شنغالا
الحبشة، تيجري ٨٨٠٠٠٠
الحبشة، أمهرة ٧٥٤٠٠٠٠ ٤٠٠٠٠٠٠ في الحبشة
الحبشة، كوى ٢١٩٢٠٠٠ ٣٠٠٠٠٠٠ البلدان البعيدة
عدل، صومال ٩٩٤٠٠٠ ٢٠٠٠٠٠٠
شاطئ برافا الجنوبي ٤٠٠٠٠٠٠ ١٠٠٠٠٠٠ في الداخل مباشرة
عدد السفن التي تقوم بأعمال هذه التجارة.
المجموع ٦٦٩٠٠
من ٦٥ إلى ٨٢ سفينة تراوح حمولتها من ٥٠٠–٦٠٠ طن المعدل ٤٠١٥٠ طنًّا
من ٩٥ إلى ١١٠ قوارب هندية تراوح حمولتها من ١٠٠–١٥٠ طنًّا المعدل ١٢٧٥٠ طنًّا
من ١٥٠ إلى ٢٠٠ مركب عربي تراوح حمولتها من ٦٠–١٠٠ طن المعدل ١٤٠٠٠ طن
المستهلكون ٢٣٠٨٢٠٠٠
كمية المعاملات التجارية ٨٠٢٢٦٠٠٠
حمولة ٦٦٩٠٠٠٠٠

إن البيوت التجارية الأوروبية لا تتعاطى هذه التجارة.

وما أظن أننا في حاجة إلى التذكير بالخلاصات التجارية التي أتينا على ذكرها لندلل على أهميتها. إننا نعلم أن إنشاء خط للبواخر ومواقف في النقاط المذكورة يعني الاستيلاء على التجارة، واستقرارنا على طريقَي الهند في رأس الرجاء الصالح والبحر الأحمر.

لنفكر مليًّا أن كل ذلك جدي، ولتتنبه إذنْ فرنسا وأوروبا إلى موقف إنكلترا وخطتها.

إن عدن — الممتلكة الإنكليزية — هي على مسافة ستة أيام من السويس، وهذه الأخيرة على مسافة نهار وليلة من القاهرة. إن خليج عدن هو أفضل الخلجان، فمن يمنع الإنكليز إذن — بحجة الحرب أو حماية أنفسهم من العرب — أن يحشدوا في هذه النقطة من عشرة آلاف إلى اثني عشر ألف رجل، ويجمعوا البواخر وسفن الشحن لينقضوا على ترعة السويس في الوقت المناسب، من الفصل الجميل، بظرف ثمانية أيام على الأكثر، يعاونهم في ذلك أسطول إنكليزي يتألف من عدة بوارج تخرج من مالطة لتقوم بأعمال عدائية أمام الإسكندرية، فتخلق البلبلة والتشويش، وتسفر النتيجة عن استسلام مصر للإنكليز بدون قتال؟

إنه يسهل عليهم القيام بذلك قبل أن تستطيع فرنسا وروسيا والنمسا أن تعوق خطتهم هذه. أما إذا امتلكنا المواقف التي أشرت إليها، فأنشأنا خطًّا للبواخر، أو موقفًا واحدًا في البحر الأحمر على شاطئ الحبشة، فإننا نقطع الطريق في وجه الإنكليز الذين لا يجرءون بعد ذلك على المغامرة في قطع بحر القلزم، ناهيك بأن حملةً من هذا النوع تكون مستحيلة.

إن موقف الإنكليز في عدن يشكل خطرًا قويًّا وتهديدًا كبيرًا لمصر؛ إذ يمكن أخذها من الأمام ومن الوراء، وتلك هي الخطة التي اتبعها الإنكليز عام ١٨٠٠. لقد أنزلوا إلى الشاطئ جيوشًا في أبي قير والقصير واضطرونا إلى التسليم، فما علينا — اتقاءً لخطر جديد — إلا أن نحتل موقعًا في البحر الأحمر.

إن تقدم إنكلترا نحو البحر الأحمر يستحق درسًا دقيقًا خاصًّا. وعلينا أن نبدأ بدرس قضية غزوها سيباي في القصير، ومحاولات تمركزها في سوكوتورا، وبريم، وكاماران، وبعثاتها الديبلوماسية في صنعاء، والحبشة؛ تلك البعثات التي قررتها ونفذتها رغمًا عن نفقاتها الباهظة، والمصارفات الضخمة المخصصة لرسم خريطة البحر الأحمر وجزره وسواحله. ولا ننس إصرار هذه الدولة على انتزاع شاطئ جزيرة بلاد العرب من محمد علي، الذي كان يضايقها ويمكنه أن يهاجمها من الوراء إذا تجرأت وحاولت غزو مصر. أما احتلت عدن، وقوَّت نفوذها في زيلا وتاجورا، وأحكمت عرى علاقاتها التجارية التي أقامتها بينها وبين كوى والهورر عن طريق بربرة لتحصل منها على المئونة التي أبت أن تقدمها جزيرة بلاد العرب لعدن؟

فهل يُظن أن جميع هذه الأعمال وهذه النفقات التي صُرفت بصورة متواصلة منذ أربعين سنة قد اتُّخذت بدون أي هدف؟

إن القضية ليست قضية صرف بعض الآلاف من الفرنكات يُشغل بها الرأي العام — كما هي الحالة في فرنسا — لكي يقال فيما بعد: انظروا، إن فرنسا تهتم أيضًا بمشكلة البحر الأحمر. لقد أوفدنا رسلًا، وأنطنا بجمعيةٍ أمر الاهتمام بقضية إنشاء خط تجاري بين السويس وبوربون وإنشاء بيوتات تغزو تجارتها العالم، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت العاقبة تقويض المحل التجاري، وزرع الحذر والريبة بين التجار، وتجديد الحرب الأهلية في الحبشة، وقنوط كل من شرع بعمل مجدٍ هام.٣

لقد شاءت إنكلترا بطريقةٍ جدية الاستقرار عند مصب البحر الأحمر؛ لأنها تدرك أهمية هذا الموقف؛ ولذلك أنفقت الملايين وأنشأت مؤسسات يمكن أن تقدم لها خدمات جُلَّى. لقد احتلت عدم مفتاح البحر الأحمر، وهي اليوم سيدة طريق الهند عن طريق مصر، ولا ينازعها تلك السيادة منازع، فإذا ما تعقدت قضايا الشرق فإنها تنبئ إذ ذاك فرنسا وأوروبا (باحتلالها مصر، وبدون أن يشعروا بذلك في باريس) عن أهمية موقفها في عدن.

(١٨) ملخص

وختامًا لهذا العرض الموجز الذي تناول طريق الهند عن طريق البحر الأحمر، والمصالح الأوروبية وإنشاء خط للبواخر بين السويس وبوربون، والمراكز التي يجب أن تحتلها فرنسا، وأخيرًا تجارة البحر الأحمر العامة، وتجارة شاطئ أفريقيا، أُلخص كلامي السابق لأجعل القضية أكثر وضوحًا وإيجازًا:

(١) إن علاقات أوروبا مع الهند وأوقيانيا والصين وشواطئ أفريقيا الغربية سوف تتبع طريقًا جديدة، وسيصبح البحر الأحمر منفذ هذا الممر. (٢) إن مصالح الدول الأوروبية — وبوجه خاص مصالح فرنسا — هي واحدة في البحر الأحمر وخليج باب المندب؛ وعليه، فعلى هذه الدول إذنْ أن توحِّد قواها لتُضعف في هذه النواحي توسعات إنكلترا أو تعادلها. (٣) من واجب هذه الدول — متكاتفة أو غير متكاتفة — أن تتشبَّه بإنكلترا فتحتاط للأمر وتجني نفعًا من الفوائد المقبلة التي ستجعلها طريق الهند في متناول البلدان الواقعة على شاطئ المتوسط. (٤) أما اليوم فإن طريقة الاستفادة من المستقبل، وهي أساس كل عمل عتيد لتنحصر في إنشاء مؤسسات حول البحر الأحمر وفي خليج باب المندب. (٥) يجب على فرنسا أن تكون رأس هذه الرابطة الأوروبية التي وفقت بينها مصالحها، فتحتل المراكز التي أشرنا إليها، وتنشئ خطًّا بحريًّا للبواخر بين السويس وبوربون. بحريًّا (٦) إن مركز المواقف وإنشاء خط للبواخر هما الطريقة الوحيدة لإنشاء مؤسسات كبرى تجارية وعسكرية، ثم الاستعمار، وتوطيد النفوذ الفرنسي في جزيرة بلاد العرب، والحبشة وشاطئ أفريقيا، ومدغشقر، والسيطرة، أو على الأقل، اقتسام تجارة هذه النواحي، وفتح أسواق جديدة لفرنسا وتوطيدها بقوةٍ على طريقَي الهند. فمن مرسيليا إلى بوربون — عن طريق مصر — يمكن فرنسا أن تنشئ خطًّا هامًّا للعمليات الحربية. (٧) إن الدول الأوروبية التي هي من طراز أول وثانٍ تقضي عليها مصلحتها بدعم — بل بمساعدة — الدولة التي تأتي لتقف على طرقات الهند معارضة إنكلترا.

إن قلق الصحافة الإنكليزية في الهند من البعثات التي أوفدتها الحكومة الفرنسية إلى الحبشة لهو برهان كافٍ لتأييد صحة ما جاء في هذا الملخص.

هوامش

(١) إني آسف أن أقول ذلك. إلا أن التجارة الفرنسية لم تعد تستطيع القياك بأعمال تصدير واسعة وإنشاء مؤسسة تجارية قوية. إنها تجهل معنى الشركة وضم رءوس المال بعد أن أصبحت أنانية منطوية على ذاتها؛ فكل شخص يعمل بجهده ليستأثر بالعمولة ويتفرد بأرباح استيداع البضائع. وقد رأيت بيانًا بأسعار بضائع ضوعف ثمنها لدى وصولها إلى المرفأ، من قِبل المحل المكلف بإرسالها. كم هي مشجعة تجارتنا الخطرة في المرافئ! ومنذ زمن ليس بالبعيد عُرض على أحد المحلات التجارية في بوردو مشروع القيام بتصدير، فرفض بادئ ذي بدء حين بدا له أن ليس في استطاعته استغلال المناسبة ومضاعفة الربح، وأخيرًا بعد أن حصل على المعلومات الكافية، قبل بذلك وساهم بدفع أربعين ألف فرنك على شرط أن يستقل باستيداع البضائع. إن البضائع المصدرة كانت تساوي ٦٠٠٠٠٠ فرنك. وما من شكٍّ أن ربح العمولة لم يكن ينقص عن ٦٠٠٠٠ فرنك. ففي جميع الحالات كان هذا المحل الجسور في بوردو متيقنًا أنه سيجني ربحًا يعادل ٢٠٠٠٠ فرنك. هذه هي تجارتنا في أعمال التصدير؛ إنها مخيفة!
(٢) إننا ندرك بسهولة كم كلفنا وصولنا إلى نتيجة تقريبية من الانتباه الدقيق والتحريات والنظريات الممحصة والمراقبة الدقيقة في بلدان لا تمسك دفاتر منظمة أو سجلات رسمية صحيحة.
ومع ذلك أقول: إذا اعتُبرت هذه الأرقام غير صحيحة فإنما تكون دون الواقع لا أكثر منه. أما فيما يختص بالبيان المفصل عن تجارة الحبشة، فإني أؤكد صحته على الرغم من أنه يسعنا أن نضيف إليه بعض الحاجيات المصدرة التي تظهر من وقتٍ إلى آخر في الأعمال التجارية، والتي لم يعد يُهتم اليوم بها مطلقًا؛ ومن ثَمَّ فإذا أسقطنا ثلث أرقام البيان الموجز من الحساب، فالقليل منه يجب أن يثير مع ذلك انتباهنا واهتمامنا.
(٣) إن ثمة موضوعًا تاريخيًّا جديرًا بالكتابة عن تصرفات بعض الفرنسيين في هذه المناطق منذ العام ١٨٣٨؛ فقد استطاع أحدهم الحصول لفرنسا على شواطئ في مقابل وعد قطعه لأوبي زعيم تيجري بأنه يزوجه من الأميرة كليمنتين، كريمة ملك الفرنسيين. ونظم فرنسي ثانٍ قافلة تجارية مؤلفة من نبيذ برسم المسلمين، ومن أحذية للأحباش الذين يسيرون حفاة الأقدام، ومن قفازات وموسيقى عسكرية كاملة العدة للقبائل المتوحشة. وقد عاد هذا الأخير إلى فرنسا وبصحبته خدام أحباش زعم أنهم سفراء. ثم رجع إلى الحبشة وجرَّ معه فرنسيين طيبين من سان دنيس للبحث عن تجارة أصواف في بلاد صوف أكثر أغنامها قاسٍ جدًّا. واكتشف ثالث أنهرًا في نقطةٍ تخلو من الماء، واخترع علاقات تجارية وحاول أن يقبض أثمانًا باهظة لقاء ذلك. فتصور أن مثل هؤلاء الناس كوفئوا؛ فنال هذا صلبيًا، وذاك مناصب، وذلك مهمات جديدة. لقد خُدعت الحكومة وخُدع الوزراء على شكل يحطُّ من كرامتهم. فمن واجبنا — بصفة كوننا عضوًا في الجمعية الشرقية — أن نشير إلى هذه الأعمال؛ فهناك أشخاص يثق بهم بعض رجال الإدارة، فيضللونهم. فعلى الرجال الرسميين أن يتنبهوا؛ فإن هؤلاء الجهلة يزعمون كلهم أنهم يعرفون كل شيء، ويظهرون امامهم كما لو كانوا رؤساء المنطقة التي يستثمرونها فيحصلون على حماية الإدارات الرسمية. وقد حدث أخيرًا أن أحدهم زعم بكل سذاجة: «أن الجمعية الشرقية هي جمعية خطرة جدًّا ولا بد لها من إعلان الحقيقة.» وحسنًا فعل؛ فإنه اتاح لها أن تكشف عن حقيقته وحقيقة أمثاله. وبعدُ، عاد من الحبشة والبحر الأحمر الزميلان السيدان المحترمان كالينييه وفيريه الضابطان في أركان الحرب، المرسلان من قِبل الماريشال سولت، كما عاد من البحر الأحمر السيد سانت كروى باجو، وحملوا معهم من هذه البلاد وثائق ومعلومات لم يبقَ يجوز معها أن يُخدع أحد أو ينخدع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤