الفصل السادس والثلاثون

عادات أمراء لبنان

الأُسر الأميرية في الجبل ثلاث: عائلة شهاب، وبللمع، وأرسلان التي لا تتحدَّر من روسلان.

فأولى هذه العائلات عربية الأصل، وهي تتحدَّر من مخزوم، وهو بطن من قريش اعتنق الدين الإسلامي. خاض ابنه عمر الحروب في سبيل النبي، وخصوصًا حرب حمص، فاستطاع أن يستوليَ على حوران، ثم ما لبث أن عمَّرها.

ويظهر أن اسم شهاب يرجع إلى اسم القرية التي سكنتها هذه العائلة في تلك المقاطعة. ولا بدع؛ فتسمية المرء باسم المحل الذي وُلد فيه عادةٌ مألوفة في الشرق. وقد جاء فيما كتبه الأب بلانشه اليسوعي أن أول بلدة نجدها في حوران هي شهبا المشهورة بآثارها الجميلة.١

وهذه البلدة التي نهبتها ودمرتها الحروب جلا سكانها عنها عام ٥٨٠ أو ٥٨٨ﻫ إلى وادي التيم، بعد استنقاذها من الأوروبيين الذين كانوا آنذاك أسياد جميع الشاطئ السوري. وفي تلك الفترة من التاريخ حالفت عائلة شهاب عائلة معن الكردية الأصل. ولما انقرضت الأسرة المعنية حلت الأسرة الشهابية محلها في الحكم.

إن آل شهاب الذين لا يتزوجون إلا بنات شهابيات، اضطُروا أحيانًا إلى الزواج من السراري الكرجيات٢ أو الشركسيات؛ وهكذا شِيبَ الدم الشهابي ولم تُحافِظ على نقائه هذه العائلة. ومنذ مدة غير بعيدة أخذوا يصاهرون عائلة بللمع.
أما تاريخ تنصُّر الأمير ملحم — سَمِيُّ الأمير الحالي وجده — بفضل اهتمام البطريرك مخايل فاضل — تلميذ روما — وعنايته، فيرجع إلى حوالي مائة وعشرين عامًا. وقد تمكَّن هذا البطريرك،٣ ولكن بدهاء ولباقة، من استمالة الأمير قاسم عمر أيضًا — أبي بشير الحالي — المعجب بالعقلية الأوروبية؛ إذ قال له: «إذا كنتم تسلِّمون أن الأوروبيين مثقفون إلى هذا الحد، فكيف يمكنكم الاعتقاد أنهم اتبعوا دينًا وهم يجهلونه؟» فأجابه من فوره: «عمدني.»

ومنذ ذلك الوقت اضطُر الأمراء إلى أن يحذروا الدروز والمسلمين ليستطيعوا أن يحافظوا على سلطتهم ونفوذهم. ولما كانوا مسيحيين في الباطن فقد عمَّدوا أولادهم، ثم ربَّوْهم في الظاهر على الدين الإسلامي؛ الأمر الذي لم يستهجنه الدروز لأنهم كانوا هم أيضًا يتظاهرون بالإسلام تقيَّة. كان يكفيهم من هؤلاء الأمراء أن يُدفنوا على الطريقة الدرزية. وهذا ما تعنيه تلك الكلمة الشائعة في لبنان وهي: إن أمراء الجبل يولدون مسيحيين، ويعيشون مسلمين، ويموتون دروزًا.

ذات يوم سأل إبراهيم باشا — بعد أن سمع هذا الحديث — وزير المالية المصرية بحري بك: وأخيرًا على أي دين هو الأمير بشير؟

فأجاب المسيحي الداهية: على دين مولانا المعظم. قد رمز بجوابه هذا إلى نائب الملك الذي لم يكن له دين خاص كما يقولون. فسكت الباشا مقتنعًا بالجواب لأنه فهم معناه.

القائد المصري رجل يدهشك ذكاؤه ومعرفته الأمور؛ فهو فطن إلى أبعد مدًى، وذو ذاكرة عجيبة.

أما آل بللمع فكانوا مقدِّمي المتن على عهد المعنيين؛ فأحدهم — واسمه إسماعيل — بعد أن ذبح ١٤ أميرًا يمنيًّا في محاربتهم القيسيين، أعطى نفسه لقب الأمير وحافظ عليه. وإسماعيل هذا كان آخر من نجا من اليمنية التي حكَّمت سيوفها في رقاب آل بللمع، حتى كادت أن تُفنيَهم. وبقدر ما كان الأمير إسماعيل شجاعًا كان قليل التبصُّر. وهذا الحادث يثبت ما نزعم.

ترَكه طبَّاخه بعد خدمة طويلة، وذهب إلى مدينة بيروت التي أبصر فيها النور؛ فالتقى طبَّاخ الأمير هذا بدائنه القديم، فطالبه بما له عليه من دَين قديم، ولما أبى الدفع شكاه إلى الحاكم، فزجه في السجن. وصدف أن مرَّ من هنالك رجل من عائلة الأمير إسماعيل، فاستغاث به الطباخ وطلب مساعدته لينجوَ من مأزقه، فتوسط له طالبًا الإفراج عنه، فرفض رجال الحاكم إخلاء سبيله، فأدَّى ذلك إلى جدال سُبَّ في أثنائه الأمير إسماعيل؛ فاغتاظ الوسيط وأبى مواصلة عمله النبيل، وروى لسيده — فور وصوله — ما حدث وما سمعه من كلمات بذيئة أُلصقت به، فدعا الأمير إسماعيل رجاله في القرى الخاضعة له، وأمرهم أن يحضروا بين يديه في اليوم التالي، ثم طلب في الوقت نفسه من ابن عمه الأمير بشير أن يتهيَّأ على رأس سبعماية رجل ليرافقه عند ذهابه في اليوم الثالث.

وعندما وصل القرويون توجَّه إسماعيل إلى ابن عمه بشير، فاستغرب عند وصوله ألا يرى رجاله على استعداد، فسأله بشير أن يتريَّث قليلًا ليصبوا له بعض الشراب. كان بشير يعرف أخلاق إسماعيل الجموحة، وقد شاء أن يَحُول دون هذه الأعمال الجنونية التي يأتيها ابن عمه.

فقال إسماعيل عند ذاك، وهو يرغي ويزبد من الغضب، إنه لم يأت ليترطب، وإنه يريد منه أن يقف على رأس رجاله ويمشي. فأصرَّ بشير على رأيه، وهو وجوب التزام السكينة والهدوء. فأفرغ إسماعيل رصاص طبنجته في صدر ابن عمه، وواصل سيره حتى بلغ غابة الصنوبر التي تبعد مسافة ثلاثة أرباع الساعة عن بيروت، فعسكر هناك برفقة ألف ومائتي رجل.

ودعا إليه عائلة من «شركائه» اشتُهر زعيمها بشجاعته. وبعد أن انتقى منهم ستة رجال أوفدهم إلى المدينة ليبيتوا ليلتهم فيها، ثم أمرهم أن يتقدموا من باب المدينة المُسمَّى باب السراي، عند منتصف الليل تمامًا، ويطلبوا المفتاح من البواب، فإذا رفض فليذبحوه ويفتحوا الباب.

ونُفذت الخطة، فطلبوا المفتاح من الحارس في الساعة المعينة، فسلمهم إياه حينما هُدِّد بالقتل؛ وبهذه الحيلة أو المغامرة تسلَّل عدد كبير من رجال الأمير إلى السراي، فأطلقوا سراح الطبَّاخ بعد أن خلعوا باب السجن وقتلوا الذين شاءوا أن يعترضوهم.

وفي غداة اليوم التالي كتب الأمير إلى سكان بيروت المسلمين يطلب إليهم أن يقدِّموا له من المؤن ما يستطيعون تقديمه. ولما درى الحاكم بما جرى سأل الأعيان ألا يقدِّموا له شيئًا، ولكن هؤلاء الذين يخشَوْن سوء مصير أملاكهم الكائنة خارج المدينة، اضطُروا إلى إرضاء الأمير إسماعيل فأمدوه بالمؤن؛ وهكذا بلغ إسماعيل ما صبا إليه.

إن مثل هذه الأعمال كانت مألوفة قديمًا، يوم كان حق القوي دائمًا هو الأقوى، وهو فوق القوانين وما تفرضه من عقاب.

مات الأمير إسماعيل عن ولدين: قايدبيه ومراد اللذين اقتسما فيما بينهما المقاطعة. أما تنصُّر هذه العائلة فلم يحدث إلا منذ حوالي أربعين عامًا.

إن أشهر الأسرة اللمعية اليوم هو الأمير حيدر بن قايدبيه؛ فهو الذي حكم لبنان أو حكم — على الأقل — شعبه المسيحي؛ لأن السلطة كان يمثلها قائم مقامان أحدهما مسيحي والآخر درزي، وهو من عائلة أرسلان.

تعرفت في فالوغا بابن الأمير مراد، وشد ما تأسفت عليه لأنه كان رجلًا فذًّا في بلاده. إن الافتقار إلى الثقافة، أو على الأصح عدم توفر اقتباسها جعل هؤلاء الرجال يعيشون في شبه جهالة. فإذا اغتُفرت الجهالة عند عامة الشعب فهي لا تُغتفَر عند من يحكمون العباد، وكيف يحكم الجاهل؟!

وهنالك عرفٌ تمشى عليه آل بللمع وآل شهاب، وهو أن النساء لا يرثن من أزواجهن؛ فلدى وفاتهم يرجعن إلى بيوتهن مصطحبات — كالدرزيات — نقدهن ونقوطهن. إن هذا العرف مقتبس عن الدروز.

أما عند آل شهاب فترث الزوجة الثمن. وإذا رُزقت أولادًا فإنها تتمتع بحق إدارة أملاك زوجها. وأكثر الأميرات يشترين عقارات بما يعطَيْن من نقد، وبما يقدَّم لهن من هدايا — على إثر زفافهن — فيُؤَمِنَّ بهذه الطريقة دخْلًا يجنينه منها.

سبق لي أن تكلمت عن أشهر العائلات الدرزية في نهاية الفصل التاسع والعشرين.

قلت إن آل شهاب اعتنقوا الدين المسيحي، إلا أن واحدًا منهم حافظ على الدين الإسلامي وهو الأمير سليمان الذي يقطن الحدث، أما زوجته وأولاده فهم مسيحيون.

عزز الدين الإسلامي جانب هذا الأمير عند الباشوات الذين حكموا الولاية، فكان دائمًا على رأس جميع الأحزاب المعارضة في الجبل، فحارب ابن عمه الأمير بشيرًا وطرده من البلاد، وتولى حكمها حينًا من الزمن، ولكنه لم يستطع المحافظة على كرسيه.

وفي العام ١٨٢٥ دفع غاليًا ثمن هذا الشرف العابر؛ فبعد أن قُبض عليه على إثر انهزام الشيخ بشير، قُطع لسانه وسُملت عيناه بسفود. وهذا العقاب حل أيضًا — كما سبق لي أن قلت — بأخيه الأمير فارس وابن عمه الأمير عباس، شريكيه في تلك المؤامرة.

وعندما نمت الألسن استطاع هؤلاء الأمراء الثلاثة أن يتكلموا. ووالى الحظ الأمير سليمان وحده فسلمت له عين واحدة، أما الأميران الآخران فهما ضريران لا يُبصران. إن هذا العقاب — رغم وحشيته — قد صادف قبولًا عند الكثيرين. وإذا أمكن التغاضي عنه فذلك لأن الأمير لم يُنزل بمنازعيه إلا العقاب الذي كانوا عازمين على إنزاله به لو أنه وقع في قبضتهم.

تُقسَّم حاشية الأمراء فئتين: المشاة والخيالة. والمشاة لا يحق لهم التقدم على الخيالة.

يجب على كل شخص، لا بل على كل أمير من سائر العائلات الأخرى، أن ينزل عن متن فرسه ويُقبِّل يد الأمير الشهابي إذا الْتَقاه في الطريق.

كان بوسع أمراء هذه العائلة أن يكونوا أكثر نفوذًا وقوةً مما هم عليه الآن، فيهاب الجميع جانبهم حتى الباشوات، لو لم تعمل روح الحسد والبغض والتفرقة فيهم عملها، فيناهض بعضهم البعض الآخر.

فوالي عكا — وهو الذي ينصب أمراء الجبل — كان يرغب في أن تستمر هذه المشادة بين المتزاحمين منهم، ليتخذ منها حجة تمكنه من إرهاق جميع الأحزاب؛ فيحافظ على سلطانه، ويُرغم الحاكم منهم على أن يبقى نوعًا ما تحت تصرفه المطلق.

كان الأمير الكبير يبلص أولاد أخيه وأبناء عمه وأقرباءه ليضعفهم ماديًّا، ويستأصل أو يخفف من حدة رغبتهم الملحَّة في تقلُّد الحكم، ثم لم يكتفِ بذلك، بل أدخل عرفًا مضرًّا صار فيما بعد شريعة تُتبع؛ أجاز لأولاد كل أمير (الذكور منهم) حين يبلغون المرحلة التي تراوح بين العاشرة والثانية عشرة من العمر، أن يطالبوا بما يصيبون إرثًا من أموال آبائهم، سواءٌ أكانت ثابتة أو منقولة. وقد أفقر هذا الاشتراع الغريب كل أمير، مهما كان غناه عظيمًا. فإذا رُزق عدة أولاد، كان يرى ثروته وآماله تنهار في وقتٍ معًا. فالرجال الأشد أمانة وولاءً له كانوا يتركونه ليلتحقوا بأبنائه الفتيان الذين يسهل عليهم توجيههم. إن تسلُّم هؤلاء الأمراء الفتيان أموالهم درَّ على من اتبعوهم كثيرًا من الأموال. أما الأمير الأب فقد قوض بيته وأصبح لا يملك شيئًا.

كذلك كان العرف في الجبل قبل وقوع الحوادث الأخيرة. وبما أنني أرى أن أجسم المصائب التي حلت بشعبه عامة، وبعائلات الأمراء خاصة، قد قوضت كل شيء في هذا البلد الذي كان أكثر البلدان عدد سكان، وأهمها أعمالًا صناعية، وأوفرها ثروة في السلطنة العثمانية، أقول إن نهاية هذه التعاسات لا يمكن أن تحدد؛ فالأيام وحدها هي التي تنبئنا عما تدبره من مصيرٍ لهذه الشعوب المسكينة؛ وإذ ذاك فقط نعلم أي العادات القديمة التي يجب أن يُحافَظ عليها، وأيها يجب أن تُنبَذ؛ فالنكبات وإن أوجعت فهي تُعلِّم.

إن الشهابيين يتزوجون بنات عمومتهم؛ فعندما يولد أمير في هذه العائلة يقدِّم له جميع الأقارب هدية من النقود يشتري له بها الأب أملاكًا تُسجل باسمه، فلا يشاركه فيها أحد. ثم ينفَق ريعها السنوي على إنمائها وازدهارها. هذه الهدية تُسمَّى «نقوطًا» وهي متبعة أيضًا حين تُزفُّ إحدى الأميرات. أما النقد فهو خاص بالمرأة.

يتألف جهاز الأميرات وحلاهنَّ مما يأتي: قميص وسراويل من الحرير، فسطان من الحرير مُوشًّى بالذهب، وآخر من مخمل أسود اللون، أو قرمزي فيه ضفائر وأهداب مقصَّبة، وهو مبطن بنسيج حريري مصمَّغ أو طريء مهدَّل، وكشمير للشتاء، ومنديل حريري للصيف.

إن الجوارب القصيرة لا تُلبس إلا في فصل البرد، وهي تكون حينذاك من القطن، وتزدان بتدبيجٍ مختلفةٍ ألوانُه، وتُضاف إلى كل هذه البوابيجُ عندما تخرج العروس من بيت أبيها. أما حلية الرأس فطنطور مذهب مرصَّع بحجارة كريمة دقيقة تكون من الماس واللآلئ، وهذا الطنطور الذي يقوم مقام القبعة عندنا، هو ذو رأس حاد يبلغ طوله حوالي السبعين سنتيمترًا. إن هذا الزي قد اضمحلَّ من الجبل عندما قضت الحوادث الأخيرة بإلغاء طناطير الأميرات، وتيجان أزواجهن.

أما المنديل الذي يُشد به الطنطور حول الرأس فهو مرصَّع باللآلئ، تُعلق في أطرافه نحو عشرين شريطة، وفي رأس كلٍّ منها يُعلَّق دينار أو قطعة من الذهب.

وعلى جانبَي الرأس صفيحتان من الذهب معلقتان بالطنطور تزينهما حجارة كريمة. تتدلى هاتان الصفيحتان على الصُّدغين ثم تُشدَّان حول العنق بشريطة، وتزدان كلٌّ من هاتين الصفيحتين بزهاء عشرين دينارًا ذهبيًّا.

والشعر الذي يتدلى على الوجنتين حتى يبلغ النهد، تعلوه عشرات الأشرطة الموشاة بلآلئ جميلة شُدت أطرافها على الرأس بشبه كلابة.

وهناك أزرار من الذهب (شعيرة) تتخلل شرائط اللآلئ التي كانوا يضيفون إليها سبع شرائط أو ثماني مزدانة باللآلئ المنظومة بسلك من الحرير الأسود. وهذه الشرائط تتدلى حتى آخر الشعر، ثم تنتهي بطرَّة تزينها لآلئ زجاجية ملونة، أو حجارة كريمة كالعقيق والمرجان والزمرد … إلخ، وهي توضع في وسط الصفوف الملتوية التي تتألف منها الشرائط الأولى.

وتحيط بهاتين الحليتين سلسلة من الذهب مدرَّجة، وقد عُلِّق في كل درجة منها دينار ذهبي من دنانير البندقية. ولما كانت هذه الدنانير لا تقل عن الأربعين عدًّا، فقد كانت تبلغ الصدر.

أما الجبين فيُعصَّب بخط من المسكوكات الذهبية المتلازَّة جدًّا، فتلي كل قطعة أختها مغطيةً ثلاثة أرباعها؛ وهكذا يبلغ عدد الدنانير — في هذه الفسحة الضيقة — من الخمسين إلى الستين قطعة. ثم يضعون على منتصف الجبين حجرًا من الماس يقف هنالك كالرقيب؛ ولهذا سمَّاه أهل البلاد: «الناطور».

إن صف المسكوكات يُدعى «الصفيَّة أو الشكَّة»، وهي أول حلية تتحلى المرأة بها، ولا تنتزعها — إذا اضطرتها المصائب التي حلت بها — قبل أن تبيع جميع حلاها؛ فهي كالبيت الذي يقولون فيه: أول المقتنى وآخر المبيع. فالست تتخلى عن جميع الحلى الآنفة الذكر إلا الصفيَّة؛ فهي لا تفارق رأسها أبدًا مهما حدث. إنها تأبى أن تؤلم شعرها وعينيها وأسنانها لأنها تُحس أن رأسها يوجعها إذا فارقته هذه الحلية.

وفوق الجبين، في وسط جميع هذه الحلى المذهبة، يجب أن تكون زهرة واحدة من الماس على الأقل، وإذا تيسر وجود الكثير منها فذلك يكون أفضل؛ لأن العادة هنا لا تحدِّد أبدًا عدد المجوهرات؛ فالنساء يحملن منها كل ما يملكن، فهنَّ — على الغالب — خزينة أزواجهن لأنهن يتزينَّ بجميع ما يملكن من ذهب.

ومن الضروري وجود عقد من الماس يلف ثلاث لفات حول العنق. وهذا العقد يتألف عادةً من حوالي مائة وخمسين حجرًا. وهنالك الأقراط التي تزين الأذن، ويبلغ حجم كل قرط حجم قطعة من قطع الخمسة سنتيمات. أما شكله فمدوَّر كالشمس، وكل شعاع من أشعته مرصَّع بلؤلؤة ضخمة. إن هذه الحلقات كبيرة ثقيلة حتى إنها لا تُعلَّق في شحمة الأذن، بل بسلاسل أعدت لذلك خلف الرأس.

ومن حلاهن ثلاثة أزواج من الأساور غليظة ثقيلة، وخواتم من الماس أو الياقوت أو الزمرد، تزين ثلاثًا من أصابعهن، والإبهام هي من الأصابع التي تُحلَّى.

تحمل الأميرات في رقابهن حُقَّين صغيرين من الذهب يحتويان على ذخائر معلقة بسلاسل ذهبية تتدلى من عند الساعة المعلَّقة فوق النهد، حتى وسطهن.

ورغم هذا البذخ والإسراف نجد أَسِرَّة الأميرات أشبه بمقاعد طويلة تطرح عليها الحصر، ثم تفرش فوقها شراشف حريرية أو قطنية ناعمة، وتلقى عليها أربع وسائد من الحرير أو القطن المطرز بالذهب، وناموسية من الحرير.

إن الأميرة تتطيَّب كل مساء فتتضمخ بماء الورد وزهور البرتقال. وكبيرة الأميرات تنام دائمًا قبل غيرها. تنزع نساؤها ثيابها ويُلبسنها لباس الليل؛ ذلك لأن العرب — سواءٌ أكانوا أغنياء أو فقراء — ينامون مرتدين ثيابهم، والنساء اللواتي يضعن على رأسهن الطنطور لا يفارقنه في أية حالة من الأحوال حتى إذا أُصبن بمرض.

وللنساء عندهم زينة خاصة يتزيَّنَّ بها قبل أن يستلقين في الفراش، منها أن يزين رأسهن بكثير من الزهور، كما أنهن لا ينزعن المجوهرات التي تزين رأسهن.

هوامش

(١) حوليات مجمع انتشار الإيمان، رقم ٥٢، ص٢٠.
(٢) تزوج الأمير الكبير في المرة الأولى من إحدى قريباته. أما في المرة الثانية فقد تزوج كرجية، اشتراها من عبيد القسطنطينية، ولقد أطنبوا كثيرًا في الثناء على ذكائها ونقاوة قلبها، وبنوعٍ خاص على تقواها.
(٣) يذكر لنا التاريخ اللبناني أن البطريرك يوسف إسطفان الغوسطاوي هو الذي عمد المير قاسم عمر، لا البطريرك مخايل فاضل. (المعرب).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤