فاتحة

يحتوي هذا الكتاب في مقدِّماته على إجاباتي عن أسئلةٍ طالما وُجهَت إليَّ في مقابلاتٍ صحفية وإذاعية وتلفزيونية؛ مثل: لماذا اخترتَ الكتابةَ في موضوع الميثولوجيا والدين؟ أو: لماذا لا نجدُ لك رأيًا حاسمًا في المسألة الدينية؟ أو: هل تَدعَم كتاباتُك الموقفَ المعاديَ للدين؟ وبعد ذلك انتقلتُ للإجابة عن تساؤلاتٍ طالما لمستُها عند الآخرين بخصوص المسألة الدينية، وبعد كل إجابةٍ كنتُ أتخذُ موقفَ القارئ وأخرجُ بتساؤلاتٍ محتملة قد تُبنى على تلك الإجابة. وهكذا تسَلسَل العمل عن طريق السين والجيم، إلى أن أنجزتُ ما كنتُ أصبو إليه، وهو صياغةُ رؤيةٍ موجزةٍ لتاريخ الأفكار الدينية في تفاعُلها وعلائقها بعضها مع بعض عَبْر مسيرة الثقافة الإنسانية. هذا التاريخ يصُب في تيَّار ما يُدعى بتاريخ الأفكار العام، وهو منظومةٌ معرفيةٌ جديدة تتوحَّد فيها الأفكار الحكموية والأفكار الفلسفية والأفكار الدينية؛ فعلى الرغم من أن الدين يتميَّز عن الحكمة والفلسفة بنظامه الطقسي الذي يهدف إلى إقامة الصِّلة بين المقدَّس والدنيوي، إلا أنه في جانبه الاعتقادي لا يختلف عن الفلسفة من حيث تقديمه للأجوبة عن الأسئلة الكبرى للإنسانية، وكلتا المنظومتَين عبارةٌ عن تفكيرٍ منظَّم في شئون الحياة والكون؛ ولذلك فإننا في دراستنا للأفكار الدينية عَبْر التاريخ إنما نقوم بدراسة الجانب الأهم من تاريخ الأفكار العام، وذلك لما للأفكار الدينية من تأثيرٍ على البشر لا يُعادِله تأثيرُ الأفكار الفلسفية.

أما لماذا اخترتُ أسلوب السؤال وفضَّلتهُ على السرد المتصل؟ فلذلك قصة؛ فقد تعرَّفتُ خلال إقامتي الحالية في بكين على الشاب غزوان بريك، وهو سوري يعمل محرِّرًا في وكالة أنباء الصين الجديدة. وكانت لنا لقاءاتٌ كلما توافر الوقتُ لكِلَينا، وفي كل لقاءٍ كان يطرح عليَّ سؤالًا يتعلَّق بمؤلَّفاتي التي قرأها فأجيبه، ويتلو ذلك نقاشٌ حول إجابتي ينتُج عنه سؤالٌ آخر. وقد لفتَت نظري هذه الحوارات إلى ما يُمكِن لصيغة السؤال والجواب أن تفعله لجهةِ توضيحِ ما يطرحه المؤلِّف من أفكار في سياقِ عمله، وإلى أن الفكرة التي يقدِّمها المؤلف ثم يتجاوزها ربما لم تكن مفهومة من قِبَل القارئ، أو تحتاج إلى مزيدٍ من الشرح أو التطوير. وهكذا وُلدَت في ذهني فكرةُ هذا الكتاب، وعرضتُها على السيد غزوان فأيَّدني بقوة، وكانت أراؤه كقارئٍ عونًا لي على رسم المخطَّط العام للكتاب وتحديد مَحاوِره. ولقد كانت متعتي في العمل حافزًا لي على المثابرة، فأنجزتُه خلال أشهر شتاء ٢٠١٤-٢٠١٥م.

فراس السواح
بكين، حزيران (يونيو)، ٢٠١٥م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤