الحملة الفرنسية وخروج الفرنسيين من مصر
«إن كان الفرنسيون قد عجزوا عن إنشاء المستعمرة التي انتظروا الخير من إنشائها، ثم أُرغِموا على الخروج من هذه البلاد «الجميلة» إرغامًا، ولم يطُل مُقامهم بها، فقد خلَّفوا وراءهم آثارًا عميقة اهتزَّ لها كيانها، فنفضت عنها غبار الماضي القديم وبدأت حياةً جديدة.»
انقسم المؤرِّخون في آرائهم عن الحملة الفرنسية على مصر بالقرن الثامن عشر؛ فجَنح الغربيون منهم إلى تمجيد هذه الحملة واعتبارها الأساسَ الوحيد للنهضة المصرية المعاصرة، والجسرَ الذي عبَرت عن طريقه إلى المدنيَّة والتقدم، بينما جنحَ مؤرخو الشرق إلى اعتبارها واحدةً من أكثر الفترات ظلامًا في التاريخ المصري بل والشرقي؛ حيث أدَّت إلى تشتُّت الصف والقضاء على شعور القومية العربية والإسلامية، بما حملته من عادات وتقاليد دخيلة وقمعٍ للأديان والحريات. وبين هؤلاء وأولئك عمدَ بعض المعتدلين من مؤرخي تلك الحقبة إلى التزام الحياد ما أمكن، وتوضيح الكثير من الملتبِس، وعلى رأسهم «محمد فؤاد شكري» مؤلِّف الكتاب الذي بين أيدينا، والذي ناقش فيه هذه الحملة وتقصَّي حقائقها، في دراسةٍ وافيةٍ يُعتَدُّ بها بوصفها مرجعًا تاريخيًّا يتناول حقبةً غامضةً من تاريخ مصر.