خاتمة القول
كان منو في طليعة الجنود الزاحفين على الإسكندرية بعد نزول جيش الشرق إلى الأراضي
المصرية، وكان آخر من غادر البلاد في الظروف التي سبق ذكرها، وقد تقدم كيف انتابته
الهواجس واستبد به القلق في أخريات أيامه بالإسكندرية حتى مرِض واشتدت به العلة، واضطر
لاري كبير جرَّاحي الحملة أن يلازمه في غرفته طوال الرحلة من الإسكندرية إلى طولون،
وكان بفضل هذه العناية أن أَبَلَّ منو من مرضه. ودخل منو طولون على ظهر السفينة ديدون
Didon التي نقلته من الفرقاطة الإنجليزية ديانا إلى
الميناء، وقضى مدة الحجر الصحي في معزل سانت
ماندرييه
Saint-Mandrier ولم تعاوده العلة.
١
ومع أن منو كان قد شُفِي تمامًا فقد فضَّل بعد خروجه من المعزل البقاء في طولون،
بدعوى أنه كان لا يزال مريضًا ولا يستطيع لذلك تحمل مشقات السفر الطويل إلى باريس،
والسبب في ذلك أنه أراد البقاء بعيدًا عن أعدائه الذين علم بوجودهم في باريس، فضلًا عن
أنه يريد الاطمئنان قبل ذهابه إلى العاصمة إلى أن القنصل الأول لم يتأثر بمساعي الجنرال
رينييه وزملائه، ولم يصغِ لاتهاماتهم أو يحنق على قائد الحملة الذي أضاع مستعمرة
الفرنسيين الجميلة في مصر على نحو ما قال أعداؤه.
٢ وكان هؤلاء منذ وصولهم إلى أرض الوطن قد أثاروها حربًا شعواء على منو
يبغون تحطيم سمعته تحطيمًا، انتقامًا مما فعله منو عندما أرغمهم على مغادرة الإسكندرية
في الظروف التي تقدم ذكرها.
٣
فقد استطاع الجنرال رينييه أن يفلت على ظهر الإبريق الفرنسي لودي
Lodi من رقابة الأسطول الإنجليزي في البحر الأبيض فبلغ نيس في أواسط
يونيو ١٨٠١م، وعجل بإخبار الحكومة بما وصل إليه جيش الشرق في مصر من حال سيئة، فبعث إلى
بونابرت وإلى وزير الحربية في ٢٩ يونيو و٦ يوليو ببيان موجز عن حملة ١٨٠١م ونزول
الإنجليز على الشاطئ المصري ومعارك شهر مارس، ثم تكلم عن تلك «الحماقات» المتكررة التي
ارتكبها الجنرال منو وسببت هزائم الفرنسيين. كما كتب في ٢٩ يونيو إلى الجنرال مورو أنه
لا يساوره أي شكٍّ في أن الطريقة التي لجأ إليها منو من أجل إخراجه هو وزملائه من مصر
لن تؤثر شيئًا في موقف الحكومة منه أو يجعلها تسيء الظن به، وعلاوة على ذلك «فإن لديه
كما قال من الأدلة والبراهين القاطعة ما ينأى به تمامًا عن مواطن الشبهات، وذلك بفضل
صفاء نواياه واستقامة مسلكه.» وفي ١٩ يوليو كتب رينييه مرة أخرى إلى صديقه مورو أنه يعد
كتيبًا يبسط فيه «تاريخ إدارة منو وحكومته» في مصر، وقد نشر رينييه هذا الكتيب بعد شهور
قليلة، وكان محشوًّا بغليظ القول وجَّه صاحبه فيه الاتهامات القاذعة ضد منو. واشترك
كذلك في الحملة ضد منو كل من الجنرال بواييه
Boyer
والضابط نيرو
Néraud — وقد حضرا مع رينييه من مصر —
فما إن وطئت أقدامهما أرض الوطن حتى بادرا بإلصاق شتى التهم بالجنرال منو، ثم اشتدت
وطأة الهجوم على منو عندما وصل الجنرال داماس
Damas.
٤
غير أن رينييه وزملاءه لم يكونوا موفَّقين في حملتهم على منو لأسباب عدة: منها أن
بونابرت كان لا يشعر بأي عطف نحو الجنرال رينييه صديق كليبر الحميم وصديق غيره من
القواد الذين لم يلقوا حظوة عند بونابرت كالجنرال مورو، أضف إلى ذلك أن القنصل الأول
كانت تربطه أواصر الصداقة والمحبة بالجنرال منو من زمن قديم، ولا يزال يذكر «خدمات»
منو السابقة له، وقد تقدم كيف استدعاه بونابرت من عزلته في ٦ مايو ١٧٩٨م لينضم إلى صفوف
الحملة عند خروجها إلى مصر. وفضلًا عن ذلك فإنه لم يكن من مصلحة القنصل الأول في شيء
وجيوشه تحرز انتصارات باهرة في أوروبا أن يتحول اهتمام الشعب إلى بحث ما وقع من
انهزامات في مصر، أو التعرض لمناقشة الأسباب التي أدت إلى إرسال جيش الشرق في «مغامرة»
كانت فاشلة من الناحية العسكرية. ولما كان بونابرت قد قرر وقتئذٍ إخلاء مصر ولا يريد
أن يبدو جيش الشرق عند عودته وقد لحقت به الهزيمة، فقد حرص على إحياء روح هذه الجيش
المعنوية، والإشادة بذكر ما أظهره رجاله من بطولة كبيرة في تحمل مشاق القتال في بلاد
بعيدة، بل إن بونابرت أراد أن يجعل من جلاء الفرنسيين بعد دفاعهم «المجيد» عن هذه
البلاد ظفرًا محققًا استطاع بفضله أن يصل إلى صلح مشرف مع العدو.
ولذلك فقد بادر القنصل الأول منذ ١١ يوليو ١٨٠١م بالكتابة إلى الجنود الفرنسيين الذين
أسرهم الإنجليز في موقعة أبو قير البرية ثم أطلقوا الآن سراحهم وعادوا إلى أرض الوطن،
فقال إنه يفخر بهم كما يفخر بأبنائه «ولا يعدهم جندًا حلَّت بهم الهزيمة قط.»
٥ وأظهر بونابرت تسامحًا كبيرًا مع طائفة من الضباط والقواد الذين استحقوا في
نظره المحاكمة عسكريًّا لتسليمهم للعدو دون مبرر أو لتقصيرهم في الدفاع عن مراكزهم،
فعفا عن كفالييه الذي سلم للعدو في الظروف التي تقدم ذكرها وغفر له جرمه،
٦ ثم عفا عن بليار مع اعتقاده بأن كل ما ذكره هذا القائد في تقريره الذي بسط
فيه أسباب التسليم كان لا يستند على شيء من الواقع؛ لأن بليار إنما حصل من الجمهورية
على «أمر» كي يقذف بجنده إلى الميدان من أجل الدفاع عن مصر والاحتفاظ بها، ولم يخوله
حق
إنقاذ جنده على حساب المصلحة العامة، ومع ذلك فقد وجد القنصل الأول مبررًا للعفو عنه،
لأن بليار كما قال كان من أكبر الضباط كفاءة، وبذل جهدًا صادقًا إبان الحملة المصرية،
كما أظهر بسالة عظيمة في حملة إيطاليا فلم يحجم عن تعريض نفسه للهلاك من أجل المحافظة
على شخص بونابرت في موقعة أركولا. وفضلًا عن ذلك فإن بليار كان من كبار المتمسكين ببقاء
مصر في حوزة فرنسا، كما عارض بشدة اتفاق العريش، ولم يكن خروجه لمناجزة العدو في
الخانقاه سوى دليل ناطق على أنه كان يعرف تمامًا ما يجب عليه عمله. وثمة أمر آخر هام
هو
أن بليار لم يحاول قط أن يلطخ سمعة زملائه في وقت كانت قد قطعت الجمهورية فيه شوطًا
بعيدًا في طريق المجد والشهرة
٧ … بل إن وزير الحربية ما لبث أن كتب إلى بليار في سبتمبر ١٨٠١م يبلغه تقدير
القنصل الأول لما فعله بليار عندما نقل إلى فرنسا عددًا من قطع المدفعية رمزًا على
احتفاظ جيش الشرق بشرفه العسكري، كما نقل إلى أرض الوطن رفات الجنرال كليبر، ثم طلب
إليه أن يبلغ القوات التي حضرت معه تقدير الحكومة لما أظهره الجند من بسالة وإخلاص في
سبيل المحافظة على شرف العسكر الفرنسي وسمعته، ثم عزم الحكومة على مكافأتهم وتعويضهم
خيرًا على كل ما تحملوه من مشقة وتعب.
ولما كانت جريدة «المونيتور» الرسمية قد نشرت أن عدد الجيش العائد يبلغ اثني عشر
ألفًا ومائة وثمانية وثمانين مقاتلًا، واحتج بليار على ذلك بأن جميع المحاربين في مصر
لم
يبلغوا نصف هذا العدد؛ فقد قوبل هذا الاحتجاج بتسامح كبير. وكتب القنصل الأول إلى وزير
الحربية في أكتوبر ١٨٠١م ليطلب من بليار أن يعد تقريرًا شاملًا عن رحلته من وقت مغادرته
القاهرة إلى وقت وصوله إلى طولون، يذكر فيه عدد الجنود الذين تألف منهم جيشه والصالحين
منهم للخدمة العسكرية.
٨ وفي ٢٢ نوفمبر قال القنصل الأول في خطاب موجَّه إلى الهيئة التشريعية تعليقًا
على هزائم جيش الشرق: «إن تسليم هؤلاء الجنود لم يكن لتفوق قوات العثمانيين والإنجليز
عليهم بقدر ما كان لقسوة الظروف التي أحاطت بهم، وإن النصر كان ولا شكَّ يلازمهم لو
أنهم خاضوا معارك القتال متحدين ولم يفرق الانقسام صفوفهم.»
٩ وفي ٢٥ يناير ١٨٠٢م استعرض القنصل الأول في ميدان بلكور
Bellecour في مدينة ليون الجنود الذين حاربوا في مصر،
وهم الذين عادوا إلى الوطن — على حد قوله — بعد خدمة طويلة شاقة استمرت أربع سنوات،
أبدوا في خلالها من ضروب البسالة والشجاعة ما ألبسهم المجد والفخار، وأدَّوْا من الخدمات
والأعمال ما خلَّد لهم في مصر ذكرى عاطرة.
١٠ وفي ٦ فبراير ١٨٠٢م صدر قرار بطبع آثار الحملة العلمية ونشرها على نفقة الحكومة.
١١
ذلك إذن كان موقف القنصل الأول من جيش الشرق الراجع إلى أرض الوطن وموقفه من ضباطه
وقواده، ولم يكن من المنتظر لذلك أن تلقى اتهامات رينييه وزملائه ضد منو آذانًا مصغية،
بل إن تطرف رينييه وزملائه ما لبث أن أحدث على ما يبدو أثرًا عكسيًّا على خلاف ما كانوا
يؤمِّلون، وسببت أقوالهم ضد قائد الحملة «دهشة» عظيمة كانت لا تقل عن الدهشة التي أثارها
رجوعهم «غير المنتظر»؛ لأن منو — على نحو ما قال بونابرت ورجال بطانته وكبار قواده
الآخرون — ما كان يرضى بحرمان نفسه من خدمات نخبة من القواد الأكفاء الذين كان في وسعهم
معاونته لو أنهم ظلوا إلى جانبه، ولم يكن هناك من الأسباب الخطيرة ما جعله يفضل إبعادهم
والخلاص منهم؛ ولذلك فقد كتب الجنرال دوجا إلى كل من بواييه ونيرو في يوليو ١٨٠١م:
«مستحيل على المرء أن يخدع نفسه فلا يعترف بأن هذه الكوارث جميعها لم يكن سببها سوى ذلك
الانقسام الذي دبَّ في صفوف القواد»، كما كان من رأي دوجا أن الواجب يقتضي من كل عاقل
أن يتريث في إبداء حكمه على مسألة خطيرة كهذه المسألة دون بحث وتمحيص.
١٢
أمَّا القنصل الأول نفسه فقد أبدى تعجبه من أن ضبَّاطًا بلغوا في الجيش أعلى المناصب
ولم تشب سلوكهم شائبة من قبل، قد أجازوا لأنفسهم أن يتركوا جيشًا فرنسيًّا في وقت كان
لا يزال رجاله يقاتلون جيشًا إنجليزيًّا، بل إن القنصل الأول ما لبث أن طلب من برتييه
وزير الحربية أن يسأل كلًّا من رينييه وبواييه إعداد مذكرة مسهبة يوضحان بها ما وقع من
حوادث في مصر، ويشرحان الأسباب التي أدت إلى مغادرتهما هذه البلاد.
١٣ ولم يزد وقوف بونابرت على ما جاء في رسائل رينييه وبواييه إلَّا اقتناعًا
بأن ما حدث من انقسام في صفوف القواد كان سبب الكوارث التي حلت بجيش الشرق والهزائم
التي لحقت به، ونشرت الجريدة الرسمية المونيتور هذا الرأي في عددها الصادر في ١٢ يوليو.
وانحاز وزير الحربية إلى هذا الرأي كذلك فكتب إلى القنصل الأول في ١٥ أغسطس بعد
اطِّلاعه على تقارير رينييه أنه وإن كان يؤخذ من هذه التقارير أن منشأ النكبات التي حلت
بالجيش هو عدم اتصاف الجنرال منو بالحيطة والحذر وعدم تبصره في عواقب الأمور مع
اعتماده على أنصاف الحلول دائمًا؛ فإن ذلك لا ينفي بتاتًا أن الانقسام الذي حدث بين
قواد وضباط الحملة قد أفضى إلى وقوع هذه الكوارث.
١٤
وعلى ذلك فقد دلت هذه الأقوال على أن رينييه وزملاءه كانوا في نظر القنصل الأول لا
يخلون من مسئولية العمل على تعجيل إنزال الهزيمة بجيش الشرق في مصر عندما انشقوا على
الجنرال منو، وعندئذٍ لم يجد رينييه بدًّا من الاحتجاج احتجاجًا شديدًا على هذه
الأقوال، وطلب أن يُقدَّم للمحاكمة حتى تثبت إدانته أو تظهر براءته. ولكن بونابرت الذي
ساءه موقف رينييه لم يلبث أن كتب إلى وزير الحربية أن يبلغ هذا «الضابط» أنه من المتعذر
على الحكومة أن تصل إلى رأي قاطع بشأن ما جرى من حوادث في مصر حتى يفتح الطريق بين هذه
البلاد وفرنسا، وفي وسع رينييه أن يقيم في ناحيته حتى يتم ذلك فتأتيه هناك مرتباته
كاملة (أغسطس ١٨٠١م).
١٥ ولكن رينييه الذي لم يشأ الاقتناع بأن القنصل الأول لن يصغي إلى «اتهاماته»
ضد منو ظل ماضيًا في حملته ضد هذا الأخير، فنشر كتيبه الذي سبقت الإشارة إليه عن «تاريخ
إدارة منو وحكومته» في مصر. ولما كان منو قد وصل إلى طولون عند نشر هذا الكتيب، ووقف
على ما جاء به من عبارات وصفها بأنها كانت قذفًا في حقه بلغ منتهى السفاهة، فقد وعد في
أواخر نوفمبر بالإجابة عليها ولكن دون حاجة إلى اللجوء إلى تلك الحماقات التي لم يكن
الغرض منها سوى الطعن والتجريح فحسب، وذلك عند وصول موافقة الحكومة على عزمه. غير أن
القنصل الأول ما لبث أن تدخل في الأمر لوضع حد نهائي لهذه المناقشات، فأمر بمصادرة كتاب
رينييه لأنه وجد المضي في مناقشة أسباب الهزائم التي مُنِي بها جيش الشرق في مصر
منافيًا لمصلحته الشخصية ولا تقره الحكمة السياسية بأي حال من الأحوال.
وفضلًا عن ذلك فقد اعتقد بونابرت كما ذكر في ٢٣ يناير ١٨٠٢م في كتابه إلى زميليه
كمباسيريس
Cambacérès، ولوبران
Lebrun عضوي القنصلية أن الانقسام الذي حدث في صفوف قواد الحملة
وضباطها كان سبب الهزيمة، كما يؤكد ذلك ما بلغه شخصيًّا في أثناء محادثاته مع الضباط
الموجودين في ليون، وما ذكرته التقارير التي وصلته من بعض قواد جيش الشرق الآخرين.
١٦ واستثار رينييه غضب القنصل الأول عليه عندما اشتبك مع الجنرال داستان في
جدال بعد ذلك أفضى إلى وقوع مبارزة بين الاثنين في غابة بولونيا في ٣ يونيو ١٨٠٢م ذهب
ضحيتها داستان، فأمر بونابرت ﺑ «نفي» رينييه وإبعاده مسافة ثلاثين فرسخًا عن باريس، وكتب
إلى برتييه في ٥ يونيو تعليقًا على هذا الحادث: «إن هذه المبارزة التي حرمت الوطن من
خدمات قائد من أعظم قواده بسالة وشجاعة كانت كارثة أليمة، حتى لقد لبس الوطن عليه ثوب
الحداد العام، وإنه يخشى أن تتكرر هذه الحوادث المحزنة.»
١٧ وكان من الواضح أن أشد ما يخشاه القنصل الأول أن يشتبك رينييه في مبارزة
أخرى مع منو نفسه يذهب هذا الأخير ضحيتها. واستمر غضب القنصل الأول على رينييه زمنًا
طويلًا فلم يعفُ عنه حتى أيام الإمبراطورية، وعندئذٍ فقط أُتيحت الفرصة للجنرال رينييه
أن يشترك في حملات إسبانيا والروسيا وحملات عام ١٨١٣م ونال لقب «كونت»، وأُسِر في ليبزج
ولكنه لم يُعمَّر طويلًا بعد عودته من الأسر فمات في فبراير ١٨١٤م. وأمَّا داماس — من
أشد
أعداء منو مراسًا — فقد ظل هو الآخر مغضوبًا عليه مدة طويلة، فحُرِم من ترقيته التي
نالها كفريق على يد كليبر ثم أُخرِج من الخدمة العاملة، ولم يلتحق بالجيش إلَّا أيام
الإمبراطورية عندما انضم إلى الجنرال مورا
Murat، ثم
أُعْطِي وسام جوقة الشرف في ١٨١١م ونال رتبة «فريق» بعد عامين فقط.
١٨ وهكذا لم يظفر أعداء منو بأي طائل على الرغم من حملاتهم واتهاماتهم الشديدة
له.
وعلى خلاف ذلك كان حال منو مع القنصل الأول، فإنه لم يمضِ أسبوعان على وصوله إلى طولون
حتى كان بونابرت قد بعث إليه في أول ديسمبر ١٨٠١م بتلك الرسالة التي سبقت الإشارة إليها،
يُثني فيها على استماتته في المقاومة بصورة ساعدت على تقدم مفاوضات الصلح مع العدو.
واطمأن منو إلى رضا القنصل الأول واستمرار عطفه عليه، وإن فضَّل البقاء في طولون ما دام
رينييه على وجه الخصوص مقيمًا في باريس يعمل على تشويه سمعته. وظهر رضاء بونابرت على
صديقه القديم عندما صدر قرار الحكومة في ٢٦ مايو سنة ١٨٠٢م باستمرار تمتع الجنرال منو
بمرتبات القائد العام، وذلك على الرغم من مرارة تلك الحملة التي أثارها رينييه ضده
والتي بلغت وقتئذٍ منتهى القسوة والشدة.
وما إن صدر أمر بونابرت بإبعاد رينييه خارج باريس بعد حادث مبارزته مع داستان وقتل
هذا الأخير، حتى جاء منو إلى باريس واستطاع مقابلة القنصل الأول في التو والساعة، ونشرت
الجريدة الرسمية في اليوم التالي (٦ يونيو ١٨٠٢م) خبر هذه المقابلة، فقالت إن القنصل
الأول رحَّب به ترحيبًا عظيمًا، وأثبتت ما دار بينهما من حديث عندما تكلم منو فقال: «إن
الألم ليحز في نفسي حزًّا عندما أتقدم إليك وقد ضاعت من يدك أجمل مستعمراتك»، وأجابه
القنصل الأول: «لقد قمت بأقصى ما يمكنك أن تفعله بعد يوم ٢١ مارس المشئوم كرجل عُرِف
بالشجاعة وحنَّكته التجارب، كما كان لمقاومتك الطويلة في الإسكندرية أثر حميد في نجاح
«مفاوضات لندن»، وإن جميع الرجال ليقدِّرون ما خلفته إدارتك الطيبة والحكيمة من آثار
حميدة عادت بالخير والنفع على البلاد. وإني لأعرف حق المعرفة كل ما وقع من حوادث في
جيشك. لقد كانت عظيمة حقًّا تلك النكبات التي انتابتك، ولكن ذلك لم يؤثر شيئًا في
تقديري واحترامي لك. وإني لأبادر بإعلان هذا التقدير عاليًا حتى لا يجد أولئك الذين
يريدون إثارة الصخب والضجيج حول اسمك سبيلًا إلى تلطيخ سمعتك أو العيب في مسلكك.»
١٩ ولقي منو حظوة كبيرة لدى صديقه في أيام القنصلية والإمبراطورية، فحصل على
وسام الشرف في ديسمبر ١٨٠٣م ثم نال أوسمة أخرى رفيعة في الأعوام التالية حتى أصبح من
زمرة النبلاء بلقب «كونت» في أيام الإمبراطورية،
٢٠ وكان نابليون يسميه دائمًا بذلك «المصري القديم».
وتقلد منو في عهدَي القنصلية والإمبراطورية مناصب إدارية وحكومية هامة، فحكم في بيدمنت
مدة خمس سنوات ونصف تقريبًا، ثم في تسكانيا مدة سنة ونصف تقريبًا، ثم في البندقية حتى
قبيل وفاته بأقل من شهر واحد؛ فقد صدر قرار في أبريل سنة ١٨٠١م بجعل بيدمنت مقاطعة
فرنسية، ثم استبدل القنصل الأول بإدارتها العسكرية إدارة مدنية في سبتمبر من العام
التالي، وأرسل بونابرت لحكومتها في أول ديسمبر سنة ١٨٠٢م الجنرال منو، ثم عيَّنه بعد
ثلاث سنوات تقريبًا حاكمًا لما وراء الألب في مايو ١٨٠٥م، وبقي منو في هذا المنصب حتى
الشهور الأولى من عام ١٨٠٨م. واشتُهر منو بحرصه على تأييد سلطة الإمبراطور في أملاكه
الإيطالية، كما اشتُهر بكثرة الأوامر الإدارية التي صار يصدرها تباعًا على نحو ما كان
يفعل في مصر، وتصميمه على تنفيذها مهما تعارضت مع آراء غيره بدعوى أنه وحده كان المسئول
الأول عن الحكومة في بيدمنت، ورحَّب نابليون بهذا النشاط الذي اعتقد أنه يكفل القضاء
على كل نزوع إلى المقاومة من جانب الشعب ضد سلطته.
على أن مهام الحكم ما كانت بحال من الأحوال لتصرف منو عن التمتع بلذات الحياة جريًا
على عادته في كل مكان يحل به، والإنفاق بسعة على الحفلات العديدة التي كان يكثر من
إقامتها حتى استرعى بذخه وتبذيره أنظار معاصريه جميعًا، فقد اتخذ سراي ملك سردينيا
محلًّا لإقامته بعد أن أجرى بها إصلاحات كبيرة أنفق عليها أموالًا طائلة بلغت ١٣٢٥٦٩
فرنكًا. ولما كان المحفل الماسوني في تورين يعقد اجتماعاته في قسم منها فقد أمر منو
هذا المحفل بمغادرة السراي وأبطل اجتماعاته، ثم انتهى به الأمر بحلِّه أخيرًا في عام
١٨٠٣م. ومما يؤثر عن منو أنه أراد كذلك بناء الحمامات في تورين على الطريقة الشرقية،
وواقع الأمر أن تورين لم يمر بها عهد شهدت في أثنائه من ضروب البذخ وحياة اللهو والترف
كما حدث في أيام منو، من ذلك إحياء الحفلات الراقصة وبخاصة في أيام أعياد الكرنفال،
حتى إن إحدى هذه الحفلات استمرت قائمة مدة ثلاثة أيام بلياليها دون انقطاع لم يتغيب منو
في أثنائها لحظة واحدة. ومع أن منو أحضر زوجته المصرية السيدة زبيدة إلى «تورين»، فقد
تركها مع ولدها الصغير سليمان مراد في شبه عزلة تامة، بينما اتخذ لنفسه هو عشيقات عدة
من بين الراقصات والممثلات الجميلات في تورين. واشتُهر «المصري القديم» إلى جانب حبه
للإنفاق والتبذير بعدم تمسكه بأهداب الفضيلة وعدم التقيد بأي قانون أخلاقي، وكلَّفت حياة
اللهو والبذخ هذه منو أموالًا طائلة عجزت مرتباته عن تحملها فلجأ على عادته أيضًا إلى
الاستدانة. ولما كان عاجزًا بطبيعة الحال عن سداد ديونه فقد تراكمت هذه الديون وطالب
أصحابُها وزارة الحربية بسدادها.
٢١
وعندما أُعطي وريث ماري لويز إمارة في البورتغال لقاء تنازله عن تسكانيا في معاهدة
فونتنبلو Fontainebleau في ٢٧ أكتوبر سنة ١٨٠٧م
عهد الإمبراطور إلى دوشي Dauchy مستشار الدولة بإدارة
شئون تسكانيا بالاشتراك مع قواد جيش الاحتلال الفرنسي بها. وفي مايو ١٨٠٨م أنشأ
الإمبراطور مجلسًا حكوميًّا فوق العادة (أو جونتا Junta) لتعزيز السلطات المعطاة إلى دوشي، يتألف من دوشي نفسه وثلاثة
مستشارين آخرين أرسلهم من باريس وجعل على رأس الجميع الجنرال منو، كما أصدر في الشهر
نفسه قرارًا بضم تسكانيا إلى الإمبراطورية. وفي ١١ يوليو ١٨٠٨م وصل منو إلى فلورنسا
وتسلم مهام الحكم بها، وما إن وصل إلى مقر حكومته الجديدة حتى قام بزيارة المدينة
والكنائس الهامة بها مع أعضاء الحكومة. وفي ١٥ أغسطس زار منو الكتدرائية في موكب عظيم
يتألف من أربعين عربة يحيط بها الفرسان من كل جانب، كما ترأَّس في اليوم نفسه احتفالًا
كبيرًا لإعداد مائة من الفتيات الصغيرات لاستقبال حياة الرهبنة وصدحت الموسيقى في أهم
ميادين فلورنسا، وفي المساء أقام مأدبة فخمة في سراي بيتي Pitti أعقبتها حفلة راقصة. وفي ٣١ أغسطس أقام احتفالًا آخر في ميدان
سانتا كورس Santa-Corce عُرِضت في أثنائه ألعاب
كثيرة، وكان من أهم المناظر التي استرعت أنظار آلاف المتفرجين حتى استعادوه مرارًا منظر
الهجوم على الإسكندرية واقتحام حصنها.
واستمرت الاحتفالات والاستعراضات بعد ذلك كما أُقيمت الحفلات الراقصة، وأسرف منو علي
عادته في الإنفاق على هذه الحفلات الرائعة وانغمس في حياة الترف والبذخ، وعاش منو في
لهو ومتعة في فلورنسا، ولم يتورع عن اصطحاب عشيقاته في كل مكان يذهب إليه، بل إنه ما
كان يحجم عن اصطحاب خليلته المفضلة عند ذهابه إلى الاجتماعات الرسمية أو عند ذهابه إلى
الكتدرائية وأماكن العبادة الأخرى، وساعده على ذلك ولا شكَّ أنه ترك السيدة زبيدة
وولدها في تورين مهملة في زوايا النسيان. ومع أن الديون سرعان ما تراكمت عليه في
فلورنسا بسبب إسرافه وتبذيره وكثر دائنوه وعظمت لجاجتهم في مطالبته بسداد ما عليه، فقد
ظل الإمبراطور راضيًا عنه بل إن تسامحه في الشهور الأولى مع هذا «المصري القديم» كما
كان يدعوه بلغ حدًّا بعيدًا، والسبب في ذلك أن منو أظهر نشاطًا عظيمًا في تأييد سلطان
نابليون في تسكانيا، والقضاء على خصوم العهد الجديد بكل صرامة وشدة.
وعلى ذلك فقد أغدق عليه الإمبراطور ألقاب الشرف والرفعة، فأضحى منو من نبلاء
الإمبراطورية عندما نال لقب «كونت» في عام ١٨٠٨م ثم منحه الإمبراطور بعد ذلك وسام
«النسر الأعظم»، ثم عمل الإمبراطور على تعزيز سلطانه للقضاء على كل محاولة للثورة من
جانب أهل تسكانيا، فأرسل إليه من نابولي الجنرال راديه Radet لتنظيم قوة البوليس في فلورنسا، وكان راديه من الرجال
الذين امتازوا بالنشاط والمثابرة على العمل، خدم في جيش الثورة واشترك في أكثر المعارك
وكان من القواد الممتازين، وصل فلورنسا في يوليو ١٨٠٨م وبقي بها حتى يونيو من العام
التالي، ويُعزَى إليه الفضل في إنشاء وتنظيم قوة من الشرطة المدربة التي استطاعت تطهير
أكثر مقاطعات تسكانيا من العصابات المسلحة وقطَّاع الطريق الذين عبثوا بالأمن وأثاروا
بها الاضطرابات من وقت لآخر. وكان من أهم الثورات التي اشترك راديه في إخضاعها تلك
التي قامت في سيين Sienne وأرتزو Arezzo في أغسطس ١٨٠٨م.
وكان من أهم أسباب هذه الثورات والاضطرابات التي هددت سلطان الإمبراطور في تسكانيا
فداحة الضرائب وامتناع الأهلين عن أدائها، أضف إلى ذلك تذمر رجال الدين الذين ساءهم أن
تفقد الكنيسة أملاكها بفضل إدخال نظام العلمانية واستيلاء الحكومة على إيرادات الكنيسة.
ولما كان عديدون من الإسبانيين لا يزالون يقيمون في تسكانيا ويسوءهم اندماجها في
الإمبراطورية الفرنسية، فقد عمد هؤلاء إلى تحريك الثورة بها ضد الإمبراطور، وشمر منو
عن
ساعد الجد والعمل في تعقب هؤلاء الإسبانيين واعتقالهم وإخماد نشاطهم، فقد كتب منو إلى
الإمبراطور من فلورنسا في ٢٨ نوفمبر ١٨٠٨م: «إن جميع الإسبان الذين كانوا في تسكانيا
قد
وقعوا في قبضة الحكومة منذ ثلاثة أسابيع مضت وأُرسلوا إلى ديجون وصُودِرت أملاكهم … كما
كان لانتصار نابليون وتقدمه في إسبانيا أعظم الأثر في تهدئة الخواطر وضمان السكينة في
تسكانيا» وفي غيرها من الممتلكات الفرنسية في إيطاليا.
٢٢
ولكن منو الذي اشتُهر بالتردد وعدم المثابرة سرعان ما أهمل بعد ذلك القيام بأعباء
حكومته، ووجد «موظفوه» صعوبة كبيرة في محاولة الاتصال به، فلم يستطع أحد القواد مثلًا
وقد حضر مع هيئة أركان حربه لمقابلة منو أن يظفر بهذه المقابلة إلَّا بعد مشقة، حتى إنه
ما لبث أن امتنع بعد ذلك من زيارة منو وصار يشكو من معاملته مر الشكوى. وعظمت الشكوى
ضد منو بسبب خروجه على التقاليد واتخاذه إحدى الراقصات محظية له يعيش معها في علانية
ودون تستر ويدعوها لحضور الحفلات والمقابلات الرسمية. أمَّا هذه العشيقة التي أثارت
الشعور العام ضد منو فكانت تُدْعَى جين
جراسيني
Jeanne Grassini، أصلها من ميلان ثم عملت كراقصة بأحد مسارح فلورنسا، قال
أحد الناقمين على منو: «إن احتفاء صاحب السعادة الكونت منو بهذه الراقصة كان يزداد
يومًا بعد يوم، وتوثقت علاقته بها حتى اشتُهر أمرها في كل فلورنسا، لا سيما وأن منو صار
يزورها في بيتها ويقضي في صحبتها الليل بطوله ثم أكثر ساعات النهار، تاركًا في انتظاره
خارج دارها كوكبة من الحرس طول الوقت، وصار يغدق عليها العطايا بل بلغ افتتانه بها
حدًّا جعله يخصص لنفقاتها دخلًا سنويًّا كبيرًا، كما أرغمها على الامتناع عن مخالطة
غيره، ثم أحضر من ميلان أخًا لها كان يعمل كمتعهد بتقديم الراقصات إلى المسارح فاتخذه
منو سكرتيرًا له. وظهر استياء القوم من مسلك منو عندما رفض كثيرون من الكبراء حضور إحدى
حفلاته الراقصة لوجود هذه الراقصة في صحبته، وكان من أسباب الاستياء والتذمر أن هذه
الراقصة صارت تتدخل في شئون الحكم، ويلجأ إلى وساطتها أصحاب الحاجات لدى منو لقضاء
حاجاتهم منه.»
٢٣
ومن الغريب أن الإمبراطور الذي كانت تبلغه تباعًا أخبار منو لم يظهر أي استياء مما
كان يفعله
«صديقه» القديم، إمَّا لأنه كان مشغولًا بما هو أهم من حكومة منو في تسكانيا، وإمَّا
لأنه كان عظيم العطف على ذلك «المصري» الذي توطدت أواصر صداقته معه من أيام حوادث
أكتوبر ١٧٩٥م. وهكذا ترك نابليون ﻟ «صديقه» الحبل على الغارب، حتى إذا عظمت الشكوى منه
وكثر عدد دائنيه نقله الإمبراطور من فلورنسا إلى حكومة البندقية في ٢٨ سبتمبر ١٨٠٩م،
ولكن منو لم يغير شيئًا من أساليب حياته فظل في البندقية سادرًا في غوايته يعيش في
بذخ وإسراف، وينفق على معشوقته التي صحبها معه إلى البندقية أموالًا طائلة
٢٤ حتى بلغت ديونه ١٥٣٠٠٠ فرنك. غير أن الإمبراطور ما لبث أن نفد صبره على منو
في هذه المرة ونقم على مسلك «صديقه»، فكتب إلى أوجين-بوهارنيه حاكم إيطاليا في ١٥
يوليو ١٨١٠م أن يأمر منو بالذهاب إلى باريس، ثم دفع الإمبراطور لتسوية ديون منو خمسين
ألف فرنك، كما أمر أن يُدفع له من خزينة إيطاليا ثلاثون ألف فرنك لسداد جميع ديونه.
٢٥ وفي ٢٣ يوليو من العام نفسه كتب وزير الحربية إلى منو يخبره بضرورة العودة
إلى فرنسا، وهكذا انتهت حكومة منو في البندقية.
ولكن منو لم يعشْ طويلًا حتى يشعر بوطأة هذا السخط عليه، فقد عاجلته المنية بعد ذلك
على أثر إصابته بحمَّى حادة فتُوفِّي يوم ١٣ أغسطس ١٨١٠م في فِلَّا كورنيسو
Corneso بالقرب من ميستر
Mestre على
مسافة غير بعيدة من البندقية.
٢٦ أمَّا زوجه المصرية السيدة زبيدة فيبدو أنها تُوفِّيت قبله إمَّا في تورين
وإمَّا في البندقية، وأمَّا سليمان مراد فقد ذكرت المراجع الفرنسية
٢٧ أنه عاش بعد والده وورث لقب «الكونتية»، ومع ذلك فمن المرجح أن سليمان
مراد قد تُوفِّي في حياة والده حوالي شهر يناير ١٨١٠م، وأن الذي ورث لقب «الكونتية» كان
ابنًا آخر غير سليمان وُلِد لمنو من زوجه المصرية إمَّا في فرنسا وإمَّا في إيطاليا،
أي
بعد عودة منو من مصر.
٢٨
•••
تلك كانت قصة عبد الله منو، الرجل الذي استطاع أن يجمع في شخصه بين مزايا الإداري
الحاذق إذا شاء الانكباب على العمل ونقائص المستهتر الخليع إذا شاء أن يقضي وقته في
اقتناص متع اللذة والعيش في «بوهيمية» جامحة. وليس من شكٍّ في أن منو على الرغم من هذا
التناقض الظاهر في شخصيته كان في طليعة أولئك الفرنسيين الذين آمنوا وقتئذٍ بضرورة
تشييد صرح إمبراطوريتهم الجديدة على ضفاف النيل، فكان من كبار مؤيدي أول تجربة
استعمارية من نوعها في مصر، وإن كان مقدَّرًا الإخفاق كل الإخفاق لهذه التجربة من أول
الأمر لأخطاء ارتكبها قبله كلٌّ من بونابرت وكليبر في أثناء حكمهما لهذه البلاد، ولأخطاء
أخرى كان منو نفسه هو المسئول عنها، ثم بسبب ذلك النضال الدولي الذي جعل إخراج
الفرنسيين من مصر ضرورة لا مندوحة عنها للقضاء على مشروعات نابليون في الشرق وإعادة
التوازن في أوروبا ذاتها.