الساحر

يروق لك جلوسي بين مقاعد معجبيك، أتابعك مشدوهًا، فيأخذك غرورك، فتُفتِّتني لمساتك وتعيد تشكيلي. تسكنني على بياضك آلاف الأرواح، كعرائس الماريونيتات تحركني، تلبِسني حينًا وجه تلك العجوز الشمطاء التي لا تعترف بصدق مرآتها، تغمرني بمساحيقها، وتضيف لوجهي ملامح أخرى أكثر صخبًا.

تثير ذعري سخريتك، فتعلقني بعنقود عنب يتدلَّى، فيظلل براءةً طفوليةً تخطو أولى خطواتها للعشق. وقبل أن يتسنَّى لي اختلاس النظر، تُجلسني مرةً أخرى بين جماهيرك، تأخذ رأسي بألاعيبك العقلية، فاندفع فجأةً بغضب التمرُّد بين جناحَي خنفساء مرقطة، أنشغل بالتسلُّل ضاحكةً مستبشرةً وسط ذعر ساكني البيوت، ومطارداتهم.

ترهقني خطواتك السريعة المتصارعة بين حباتك اللؤلؤية، وحكواتك عن الحنين والغربة والصراعات اليومية، أتوه بين تفاصيلك وشخوصك وأعبائك التي تهيلها على قلبي. تغضبني فسحة خيالك؛ فأعلن تمردي على أفكارك، وألملم دفَّتَيك، أُجلسك بين رفوفي، وأتابع زحف ذرات التراب على وجهك. تطل عليَّ بعيون حزينة، تستعطفني، فأشتاق إلى أحزانك، فأعود طفلةً تداعبها، أو كهذا العجوز الذي يطل من نافذته موزِّعًا بسماته وضحكاته على المارين نظير كلمة أو تحية يضيء بها ليله الطويل.

تتناسى عهدك وقربانك، وتعود لعصيانك، تستعرض عصاك وكرباجك أمام عيني، فأستحلفك تلك المرة أن ترفق بعقلي، وأن تعيده إليَّ، فتأبى حتى تسقطني هامدةً بين بياضك الممتد وأحبارك السوداء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤