الإغراء الحلو

تنزل بسرعة درجات الطوابق الثلاثة، تتشبَّث بتلك الورقة العشرينية داخل جيب بيجامتها الكستور ذات اللون الفسفوري الباهت، تتردَّد في ذهنها تعليمات أمها: «امسكي الفلوس كويس، اوعي تقع منك»؛ فتُثقل مخاوفها وقع خطواتها.

اتجهت مباشرةً إلى وجهتها، إلى دكان البقال على ناصية الشارع، حاولت أن تلعب مع نفسها لعبة «الذاكرة»، فأخذت ترص للبائع طلبات أمها ١، ٢، ٣، ٤، … ثمة شيء خامس، هي متيقنة؛ فصورة أمها وإشارتها لها بكل أصابع يدها مطبوعة في ذاكرتها، خسرت رهانها، فأخرجت القائمة المكتوبة من جيبها الآخر وأعطتها للبائع.

دخل صاحب الدكان لتجميع طلباتها، فيما تلذَّذت عيناها بالنظر إلى كل تلك العلب المتراصَّة، أصناف تعشقها رغم أن الكثير منها لم تذقه بسبب قواعد أمها الصحية الصارمة، يدور بصرها بين لفائف اللبان، ولمعان أغلفة الشوكولاتة، وألوان ونكهات البسكويت، تثير العلب لُعابها.

«عايزة حاجة تاني؟» يطرح البائع سؤاله الختامي المغري فيما يلاحظ انشغالها، تجيبه بإيماءة رفض، وعيناها لا تزالان معلقتين بمراكز الإغراء، فيعيد إليها البائع قائمتها الورقية وكيسًا به طلبات أمها.

تعود أدراجها منكسة الرأس، وإغراء الحلوى يمنحها مزيدًا من الشجن، تسير ببطء هذه المرة بفعل أحمالها.

تلحظه على بعد خطوتين، مستترًا بوشاح الطريق، يظهر نصف وجهه المستدير، فيجذبها بلونه الفضي ذي الإطار المُذهب، فلا تنتبه لتلك الدراجة وسائقها الشقي الذي يشاكسها بحركته اللولبية، يقترب منها، ثم يتفاداها في لحظته الأخيرة، مطلِقًا صفارة الساخر.

تعود إليه فتجده وقد خلع نقابه، وعادت إليه استدارته الكاملة، فتمسكه بقبضتها وتحكمها عليه، تعود إلى البائع الذي يشاركها نصرها، فتختاره، وفي طريقها تتباطأ خطواتها بوقع اللذة.

«جبت الحاجة كلها؟» تنتبه إلى صوت أمها، فتسلمها أشياءها ونقودها، وطعم القرمشة ما يزال يداعب روحها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤