الخلطة السرية

«مين هيعمل الفول؟» «بابا.» ترد الأفواه الخمسة في نفَس واحد، فتبتسم الأم، وتفرغ دمَّاسة الفول متمتمة: «طازة ولسه مستوي حالًا.»

يتحلَّق الأطفال الخمسة الذين تتراوح أعمارهم بين الاثني عشر والثلاثة أعوام حول أبيهم، يتابعونه وهو يُعِد الطبق الرئيسي على مائدة إفطار يوم الإجازة الأسبوعي، بخلطته السرية التي يمتاز بها.

بحرفنة، يقلِّب ويهرس حُبيبات الفول حتى يروِّضها بين يديه، رشة كمون، وفص ثوم مدقوق، شوية «زيت تموين»، «هو الأصل مش زيت الأيام دي، لا لون ولا طعم» كما يصفه، ليمونة كاملة، وتكتمل الوصفة.

يبدأ الكل: «بسم الله.» الألسنة تلتهم اللقيمات بتلذُّذ تتبعها كلمات الإطراء. الأم تقول: «الرك على تدميسة الفول.» بنبرة ساخرة يرد الأب: «الرك على النَّفَس وأنت الصادقة.» ثم يرمقها بنظرة متعالية، يخفِّفها بكلماته: «مطرح ما يسري يمري.»

يغيب الأب لفرصة عمل بدولة خليجية، فتحاول الأم الحفاظ على العادة الأسبوعية، ولكن الأطفال يعقدون المقارنات دائمًا بين الخلطتين؛ فتفشل المحاولات، ويبقى الفول في قِدره أيامًا حتى يجف.

اكتفى الجميع بشراء الفول الجاهز من المطعم، خاصةً بعدما بدأ أصحابه استخدام خلَّاطات الفول لهرسه، وابتكار الخلطات.

سنوات مرَّت، وكبر الأطفال، فعاد الأب، وانتظرت الأم عودة العادة الأسبوعية، قامت بتدميس الفول في أول إجازة أسبوعية، وانتظرت إعداد الأب لخلطته السرية، ولكن الأب جاء مُحمَّلًا بأكياس من السوبر ماركت، وبها كثير من الفول المُعلَّب بخلطات مختلفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤