في انتظار سانتا

في تلك البلاد الباردة التي يتدثَّر أهلها بالعشق، يتابع وحده من شرفته سكان المدينة.

تلك الليلة على الأخص، الوجوه مختلفة، تسير متخففةً من ثقل الروتين النهاري وراء طقوس احتفالية. اللون الأحمر مزدهر، والأخضر يعلن نفسه ملكًا مُتوَّجًا بتاج البهجة، والشجر ذو الشكل المثلث يصبح فجأةً بطل المدينة الأوحد.

حتى فقراء المدينة حاولوا المشاركة بطقوس تسوُّل مبهجة؛ فلوَّنوا وجوههم، وزيَّنوا صناديقهم الصغيرة، استقبلوا الهبات على وقع أغانٍ ورقصات تناسب الاحتفال.

أما هو فشجرته فقيرة من البهجة والألون والأنوار، اشتراها من باب الوصال الرمزي مع المدينة التي يسكنها منذ عقدين.

ينتظر سانتا كلوز يأتيه على عربته؛ ليحقِّق له أمنياته التي يحفظها له منذ سنوات، تأخر موعده، ولكنه على يقين بمجيئه. هكذا أعلموه.

فجأةً يطرق سانتا بابه، يبحث في جرابه الأحمر عن أمنياته، وبحركة سحرية يُخرج له قناعًا مُغلَّفًا وصورتين، وساعةً كبيرةً منضبطةً عقاربها على منتصف الليل تمامًا، ففهم أنه موعد تحقيق أمنيته. فرح وهلَّل، واطمأن؛ لأن سانتا لم يكن كجنيِّ علاء الدين الذي وضع لطلباته شروطًا.

يُعِد نفسه فيرتدي أفضل ما لديه. حَزِن ولام نفسه لأنه لم يشترِ رداءً جديدًا للعيد. يعيد تنظيف شجرته، ويزيِّنها ببعض الشرائط الملونة والورود الصناعية والمصابيح الصغيرة، ويخبز فطائر العيد.

في تمام الثانية عشرة، يجلس مترقبًا، فيزيح عن القناع غلافه؛ فيجد وجهًا أقل شيبة، رآه قبل ذلك، معلقًا في أحد إطاراته، إنه وجهه يوم أن جاء إلى هذه البلاد، كان في منتصف العقد الثاني، حاول أن يرتديه، فلم يستطع؛ أبعاد وجهه تغيرت بفعل السنوات، حاول مرارًا، ثم أُحبِط، فوضعه جانبًا.

فتح غلاف الصورة الأولى؛ كانوا جميعًا فيها، أسرة كبيرة، فرِح بداية، رغم التحيات الباردة المتبادلة، وحين جلسوا اكتشف أنه لم يعرف معظم الوجوه؛ أطفال ومراهقون من أعمار مختلفة، انشغل بعضهم بمتابعة حواسبهم وهواتفهم النقالة، وتحدَّثوا بلغة لم يستوعبها، فظن أن سانتا قد أخطأ ومنحه أسرةً غير أسرته.

«سأكتفي بالأمنية الأخيرة»، قالها لنفسه، وفتح الصورة الأخرى؛ معالم حفظها في دروس اللغة العربية والتاريخ، قلعة صلاح الدين، وجامع محمد علي، والأهرامات، وتمثال أبي الهول. كتب اسمه حسب تعليمات سانتا؛ فأصبح هناك. فاجأته نوبة سعال شديدة بفعل عوادم السيارات التي تملأ المكان.

حاول أن يعبر الطريق، فبحث عن إشارة للمرور فلم يجد، انتظر طويلًا فوجد الجميع يمرُّون، بشرًا وسيارات وحميرًا، لمح نظرات السخرية من المارين به لانتظاره الطويل، وحينما حاول المرور سقط في إحدى البالوعات المفتوحة، صرخ فلم يجد مجيبًا، وجد سانتا يرحل بعربته. ناداه؛ فابتسم سانتا، وأخبره أنه سيعود في العام القادم ليحقق أمنيته الجديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤