الفصل السابع

مكافحة الإرهاب

كانت الآنسة بلوم تقول دائمًا إنها لا تؤمن بالأمن على أي حال، «لا سيما من «أولئك» الناس؛ إذ إنهم يأتون متى يشاءون، يأتون من حيث لا ندري، في منتصف الليل.»

هاينريش بول، «شبكة الأمان» (١٩٧٩)

إذن، ماذا نفعل حيال قضية الإرهاب؟ هل هناك وسائل أفضل وأخرى أسوأ للتعامل مع الإرهاب؟ قطعًا، ثمة وفرة من ردود الأفعال الممكنة، تتدرج من وضع القوانين المعتدلة إلى القمع العسكري الشامل. ما هي المنافع الممكنة؟ وما هي التكاليف المحتملة؟ هل من الممكن أن يكون الدواء في بعض الأحيان أسوأ من المرض؟ وعلى وجه التحديد — كما يتساءل لاكور — «هل يستطيع أي مجتمع ديمقراطي التغلب على الإرهاب دون التخلي عن القيم الأساسية للنظام؟»

إجراءات مضادة للإرهاب أم مكافحة الإرهاب؟

ربما يتمثل الخطر الأكبر الكامن في ردود الأفعال تجاه الإرهاب في الميل إلى التقليد. على مدار سنوات عديدة، كان من الشائع التمييز بوضوح بين الإجراءات «المضادة للإرهاب» و«مكافحة الإرهاب». يشير الاصطلاح الأول إلى كل الخطوات القانونية التي قد تتخذها الدولة — بدءًا من سن التشريعات الخاصة إلى فرض القوانين العرفية — أما الاصطلاح الثاني فيعني تبني القوات التابعة للدولة للأساليب الإرهابية — مثل الاغتيالات وعمليات الانتقام العشوائية. لا يزال هذا التمييز بين الاصطلاحين قائمًا في بعض الأحيان، لكنه — في الأغلب — في طريقه إلى الاختفاء. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا يشير إلى تغيرات في المفاهيم نفسها أم لا؛ ومثلما هو الحال مع مفاهيم أخرى، تبدو النتيجة الرئيسية إضفاءً لمزيد من الغموض على التعريف. لا شك في أن اصطلاح «مكافحة الإرهاب» يعتبر هو الاصطلاح السائد حاليًّا؛ وتعتبر موسوعة ويكيبيديا استثناءً في تفضيل الشكل التقليدي. فالقانون الوطني الأمريكي ينص على إنشاء — من بين أشياء أخرى — «صندوق مكافحة الإرهاب». وعلى الرغم من أن بعض الكتاب الذين يتناولون قضية الإرهاب يميزون بين المصطلحين، فإنهم لا يتفقون على دلالة المصطلحين (يشير أحدهم إلى أنه «على عكس إجراءات مكافحة الإرهاب، تعتبر الإجراءات المضادة للإرهاب دفاعية في طبيعتها»، بينما يرى آخرون أن «مكافحة الإرهاب تعتبر استجابة سلبية» في حين أن الإجراءات المضادة للإرهاب «أداة حكومية هجومية وفعالة».) ومع ذلك، عادة ما يُستخدم الاصطلاحان حاليًّا بصورة متبادلة، دون أي تمييز ظاهري أو ضمني. لعل ما يثير القلق أكثر هو استخدام الحكومة البريطانية للمصطلحين في تشريعاتها. لكن على الرغم من عدم الاكتراث الظاهري هذا، علينا التركيز على الموضوعات التي تدور حول انحدار المعايير الليبرالية-الديمقراطية التي تتضمنها عبارات من قبيل «اللجوء إلى» أو «النكوص إلى مكافحة الإرهاب»؛ إذ إنه لعدة أسباب، قد تنزلق الدول بسهولة إلى تخطي الحدود المقبولة.

التهديدات والاستجابات

عند التفكير بشأن الطرق المناسبة في الرد على الترويع، يظل من الأهمية بمكان الوضع في الاعتبار الفرق بين الترويع المرتبط بالحروب، والإرهاب باعتباره استراتيجية مستقلة. في تقييم موضوعي للتهديد الفعلي الذي يمثله الإرهاب «الخالص»، ربما يكون رد الفعل الأنسب هو تجاهله تمامًا. وفق منظور إحصائي، يعتبر الإرهاب أقل خطورة من حوادث الطرق، وأقل قابلية كثيرًا للتعامل معه باتخاذ إجراءات وقائية. وحتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا يبدو أن الإرهاب يتماشى مع المقولة الأمريكية «خطر واضح ووشيك»، وهو معيار وضع تحديدًا للحد من نزعة الحكومات إلى المبالغة في التهديدات الماثلة. فلا توجد قوة إرهابية ظاهرة مستعدة للهجوم. هل يعني ذلك — مثلما أشار توني بلير — أن «قواعد اللعبة» القديمة لم تعد مجدية في مواجهة نوع جديد من التهديدات؟

بالنسبة للدول الديمقراطية، لا يعتبر اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب مسألة بسيطة على الإطلاق. لا تمثِّل الاستجابات المتوفرة تجاه بعض الأنظمة جزءًا من الذخيرة الديمقراطية. يستشهد والتر لاكور بمثال إيران بعد ثورة عام ١٩٧٩، عندما «قتلت الحكومة قتلًا عشوائيًّا، وحصلت على معلومات من خلال التعذيب، ورفضت توفير المساعدة الطبية للإرهابيين المصابين. كما قصمت الحكومة ظهر الحركة الإرهابية.» سواء أكانت هذه علاقة سبب ونتيجة حقيقية أم لا، لا تعتبر هذه الحالة خيارًا متاحًا «للدولة الليبرالية»، التي يجب أن تكون إجراءاتها ووسائلها أكثر حذرًا واستهلاكًا للوقت وعبئًا وتكلفة. يضعنا كتاب «شبكة الأمان» لهاينريش بول — الذي كُتب في أوج الحملة الإرهابية اليسارية في غرب ألمانيا — داخل النظام الأمني المعقَّد، الذي قد يترتب على الأعمال الإرهابية — بغض النظر عن شكوك الآنسة بلوم — ويثير أسئلة تقض المضجع حول التداعيات الأوسع لهذا النظام.

لقد طُرح — على سبيل المثال من قبل روبرت جودين — أن أفضل استجابة عامة للإرهاب تتمثَّل في التحلي «بعدم الخوف». يعتبر مجرد الذهاب إلى العمل، أو استخدام المواصلات العامة، بعد هجمات مثل هجمات السابع من يوليو؛ أكثر الإجراءات فعالية من جانب الأشخاص العاديين. أشار ريتشارد إنجلش إلى أنه وسط حالة الذعر العامة التي انتابت الجميع في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، نسي الناس تجربتهم مع الإرهاب؛ إذ إنهم كانوا قد تعلَّموا التعايش مع الإرهاب لسنوات عديدة. لكن لم يظهر السياسيون ما يكفي من الاهتمام لدعوة الجميع إلى التماسك ورباطة الجأش، بل فعلوا عكس ذلك. بل ووصل الأمر بوزير الدفاع البريطاني لأن يعلن في أكتوبر ٢٠١٠ أن «العالم أكثر خطرًا الآن من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة»، ولم يطلب منه أحد تبرير هذا الرأي. من الناحية السياسية، لا يعتبر خيار تجاهل الإرهاب — مهما كان خيارًا عقلانيًّا — خيارًا مفيدًا. يؤدي الإرهاب وظيفته تحديدًا باستغلال احتياج الجماهير العميق لتحقيق أمن حياتهم وممتلكاتهم، وقلقهم حيال ذلك. إن الإرهاب — باعتباره تهديدًا لبقاء الدولة — يعتبر أمرًا غير محتمل وغير قابل للتصديق، إن لم يكن عبثيًّا، لكن باعتباره تحديًا لاحتكار الدولة للقوة، والمعنى الأكثر عمومية للأمن العام، يعتبر الإرهاب شديد الفعالية. وليس من قبيل المصادفة أن الإرهاب قد ازدهر بصورة مذهلة في العالم الغربي الحديث، الذي منذ القرن التاسع عشر حقق مستويات غير مسبوقة من الأمن العام، بالإضافة إلى الاعتماد على بنية تحتية في غاية التطور والتعقيد. حتمًا يكون ضغط القلق العام في أعلى مستوياته في المجتمعات الديمقراطية، حيث يطالب العديد من ممثلي العامة — بما في ذلك وسائل الإعلام الحرة التي تبالغ في إثارة المخاوف والهلع كجزء من عملها — باتخاذ إجراءات، حتى لو لم يطلب الناس ذلك. لكن رؤية هؤلاء «لاتخاذ إجراءات» من قبل الحكومة ليست مسألة سهلة عندما يكون العدو خفيًّا. لكن سرعان ما تكتسب الحكومات — على حد قول آدم روبرتس — «شرهًا قويًّا للمعلومات»، وهو ما يمكن أن يؤدي سريعًا إلى التحايل على القيود القانونية أو خرقها في خضم البحث عن المعلومات. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة سلطات قوات الشرطة، وعمليات الاعتقال بدون محاكمات، وإجراء تعديلات واسعة النطاق في الإجراءات القانونية، واستخدام التعذيب أو قرينه المعتدل «المعاملة غير الآدمية والمهينة».

التناسب والتلاؤم

ما هي القيود — إن وجدت — التي يجب وضعها على الإجراءات ضد الإرهاب؟ أشار ديفيد جيسل — الصحفي بمحطة بي بي سي أثناء إعداد أحد تقارير برنامج «جوهر الموضوع» في ١٩٨٥ — إلى أنه حتى «الحفاظ على نوع ما من التناسب في مواجهة الوحشية الإرهابية قد يعتبر مسألة من قبيل الترضية. فما القيود الأخلاقية، على أي حال، التي يلتزم بها الإرهابي؟» فإذا كان من المقدر أن تكون هناك قيود، فإنها ستعكس المعايير الأخلاقية السائدة في المجتمع الذي يقع تحت أي تهديد أو يتعرض لهجوم. بالنسبة لتلك المجتمعات التي تعتبر نفسها حاملة لواء «الحضارة الغربية»، يرى جيسل أن مبدأ التناسب — مثلما يصفه القديس توما الأكويني — «يتوافق تمامًا مع الرؤية الحديثة للعدالة والمصلحة العامة.» يجب أن يكون رد فعل الدولة متناسبًا مع الضرر الواقع عليها؛ فلا يجب بأي حال من الأحوال أن يضيف الإجراء الذي تتخذه الدولة إلى حجم العنف، ولا يجب أن تسفر نتيجة الهجوم المضاد إلى وقوع ظلم أكبر من الظلم الذي كان مصدر الاستفزاز الأصلي.

في حالة الحرب التقليدية، يعتبر التناسب (على الأقل نظريًّا) قابلًا للقياس. وحتى في هذه الحالة، كانت الأخطاء غالبًا ما ترتكب. حتى القوات العسكرية التقليدية يصعب تقدير حجمها بدقة، وكثيرًا ما يسهُل إساءة فهم النوايا السياسية للعدو. أشار كلاوزفيتز إلى النقطة البسيطة ظاهريًّا، المتمثلة في أن «السؤال الأول على قائمة الأسئلة الاستراتيجية والأكثر شمولًا»، هو أن يكون صانعو القرار في غاية الوضوح بشأن توصيف الموقف. يتبخر أي إيحاء بالبساطة هنا عندما يكون الإرهاب هو الموضوع؛ حيث إننا نعود مجددًا إلى المشكلة الأساسية المتعلقة بتحديد طبيعة الإرهاب والتهديد الذي يمثله. فالإرهاب «ليس» غزوًا؛ فهل يمكن بأي شكل أن يخضع لعمل عسكري؟

يصعب تحقيق درجة الوضوح التي يشترطها كلاوزفيتز. على سبيل المثال، يندر العثور على أحد أعضاء مؤسسة راند، مثل جيفري سايمون، الذي كتب «بصورة غير رسمية» في عام ١٩٨٧ يحض على الحاجة إلى الرجوع قليلًا إلى الوراء وطرح الأسئلة الرئيسية، من قبيل ما إذا كانت المصالح الأمريكية الحيوية تتعرض «حقيقةً إلى تهديد الإرهاب الدولي.» أشار سايمون إلى أنه «لسنوات عديدة، سمحت واشنطن بأن تحل الكراهية العاطفية الطبيعية للإرهاب محل التقييم العقلاني لخطر الإرهاب.» وقد «أزكى» النقاش حول الحلول العسكرية للإرهاب «الإحباط المتزايد للشعب الأمريكي والحكومة الأمريكية والغضب تجاه العدو الجديد»، وإمكانية ألا يكون قد أُخذ في الاعتبار «ألا يكون هناك حل لهذه المعضلة»، أو أن ثمة فقط حلولًا تقع خارج نطاق سيطرة الولايات المتحدة.

لكن — كما حذَّر كلاوزفيتز — رفع التوقع المستمر بأن الإرهاب يمكن هزيمته من سقف المخاطر في الصراع، ووضع السياسة الخارجية الأمريكية في مواجهة المزيد من المخاطر. كانت المشكلة تتمثل في أن كل هجوم إرهابي كان يتحول إلى «هجوم على الكبرياء والشرف الوطني.» فأصبحت الحدود بين الشرف الوطني والأمن القومي غير واضحة. جرى تجاهل القرائن المتواترة على أن ردود الفعل العسكرية تميل إلى زيادة دائرة العنف، مثلما جرى تجاهل حقيقة أن «الإرهابيين بإمكانهم قلب أي «انتصارات» تحققها عمليات مكافحة الإرهاب، من خلال قنبلة واحدة توضع في المكان المناسب.» حث سايمون على أن الولايات المتحدة يجب أن تخفِّض من حدة رد الفعل القومي، وتقبل وجود الإرهاب باعتباره أحد حقائق الحياة، بدلًا من تخصيص موارد هائلة تجاه صراع لا نهاية له.

كان ذلك بالطبع قبل تدمير برجي التجارة في نيويورك بوقت طويل. أدى التأكيد القائل إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر «غيَّرت كل شيء» إلى طمس جميع ما قبلها، وكذلك إلى طمس آراء مثل هذا الرأي. فربما تكون قدَّمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الاختبار الأقوى لرد الفعل العسكري. أعلنت الولايات المتحدة — نيابة عن الحضارة — الحرب؛ ليست فقط على المنظمات الإرهابية القائمة، بل على الإرهاب نفسه. لم يحدث من قبل — حتى في يوليو ١٩١٤ — أن تأكدت ملاءمة العمل العسكري بهذه الثقة. برز المدى المربك لهذا الالتزام في خطاب الرئيس بوش في يوم عيد الشكر إلى الفرقة ١٠١ مشاة المحمولة جوًّا بعد شهرين:

إن لدى أمريكا رسالة توجهها إلى كل أمم العالم. إذا كنت تأوي إرهابيين، فأنت إرهابي … وستتحمل عواقب ذلك. لن ننعم بالأمان كأمة حتى يُقضى على هذه التهديدات كافة. سنحارب هذه الشرور في جميع أنحاء العالم بأسره وعلى مر السنوات.

لا شك في أن هذا الخطاب كان إلى حد ما بمنزلة مسكن ضروري لأمة تعرضت لصدمة هائلة، لكنه جاء وسط هجوم شرس — ووفق القانون الدولي — غير قانوني على نظام طالبان في أفغانستان، وهو الهجوم الذي كانت له تداعيات صادمة. وفي غضون ستة أشهر، شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجومًا أوسع وأكبر على نظام صدام حسين في العراق، الذي لم يكن له أي علاقة ظاهرة بتنظيم القاعدة.

انطلقت «الحرب العالمية على الإرهاب» تحت تبرير الدفاع عن النفس، الذي بدا للكثيرين بوضوح أن الهجوم الذي حدث هو الذي أثاره. لم يكن مؤيدو العمل العسكري بحاجة إلى توضيح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت بمنزلة بداية نوع جديد من الصراع، وليست عملًا إرهابيًّا قديم الطراز على نطاق أوسع. لم تخضع فكرة إمكانية تحديد مواقع المنظمات الإرهابية، وتدميرها على غرار الأساليب المتبعة في تدمير الأهداف التقليدية؛ إلى نقاش عام حقيقي في البداية. (جاءت بعض الاعتراضات النادرة من قبل المؤرخ العسكري المتميز السير مايكل هاورد، الذي حث على ضرورة اتباع أساليب أكثر عمقًا وأقل ضررًا، ونجم فريق «مونتي بايثون» السابق تيري جونز، الذي كان أول من أثار السؤال حول إذا ما كان من الممكن شن حرب على اسم مجرد.) كانت الولايات المتحدة قد أرست بالفعل قواعد نمط ثابت من رد الفعل العسكري: وهو ما ظهر واضحًا في «عملية المدى اللانهائي»، التي شنها الرئيس كلينتون في أغسطس ١٩٩٨ ردًّا على تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام باستخدام الشاحنات المفخخة، وهي التفجيرات التي قُتل فيها ٢٥٩ شخصًا (١٢ شخصًا منهم من الأمريكيين). فأُطلقت صواريخ كروز على أهداف في أفغانستان، أُعلن أنها معسكرات تدريبية يتولى إدارتها أسامة بن لادن، ومصنع مواد كيماوية عسكرية في السودان. أعلن كلينتون قائلًا: «هدفنا هو الإرهاب.» لكن في هذه الحالة — كما هو الحال في الحالات الأخرى — كان اختيار الأهداف محل خلاف؛ بل وربما كان قصف مصنع الشفاء في الخرطوم على وجه الخصوص خطأ.

حتى بدون هذه الأخطاء الاستخباراتية — أو «الأضرار العرضية» — لا يسهل الحفاظ على التفرقة بين الرد العسكري، والقصاص، والانتقام المحض عندما لا يمكن تحديد طبيعة العدو أو مكانه على وجه الدقة؛ فضلًا عن أن فائدة الرد غير المباشر كانت دائمًا محل شك. سلَّط آدم روبرتس الضوء على التاريخ الطويل من الشك حيال شن الغارات العقابية باعتبارها ردًّا على العمليات الإرهابية، مشيرًا إلى أنه نظرًا لأن الهجمات التي تستهدف القادة «أثبتت خطأها الجسيم في روسيا القيصرية … سيكون من قبيل السخرية العميقة إعادتها إلى الحياة مجددًا باسم مكافحة الإرهاب.» تحوَّل غزو العراق في عام ٢٠٠٣ إلى ما قد يُعَد أكثر هذه الأخطاء الاستراتيجية فداحة ودموية. وفي الوقت الذي أقر فيه الرئيس بوش أنه «لا توجد قرائن على أن العراق كان متورطًا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر»، كانت قوات التحالف تخوض حربًا داخلية ممتدة قُتل فيها ما يزيد عن ١٠٠ ألف عراقي مدني. كان من الصعب وجود أي نوع من التناسب أو الملاءمة في هذا الصدد؛ حيث رأى معظم الخبراء في الحرب أرضًا خصبة لميلاد جماعات إرهابية جديدة غير مترابطة. بعد مرور عقد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لا تزال العديد من الوكالات تعتقد في إمكانية القضاء على الشبكات الإرهابية من خلال القضاء على «العقول المدبرة» لها، وأن الأسلحة الذكية والطائرات الآلية بدون طيار يمكنها تحقيق هذه النتيجة دون وجود آثار سياسية عكسية.

خيارات استراتيجية

لعل طيف خيار السياسات يبدأ من خيار قراءة الإرهاب، باعتباره عَرَضًا لغياب العدالة الاجتماعية، والرد على ذلك من خلال إجراء إصلاحات. في بعض الحالات — مثل الحركات الانفصالية العرقية — ربما تؤدي التنازلات المباشرة مبدئيًّا إلى القضاء على أسباب العنف. تعتبر «الأسباب الجذرية» (وهي عبارة سخر منها المحافظون الجدد منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر) للمشكلات الاجتماعية الأخرى أقل وضوحًا، كما تعتبر علاقتها بالعمل الإرهابي أقل مباشرة. في جميع الحالات، يعتبر خيار التكيف السياسي مُعرَّضًا للاعتراض القوي، القائل إن مثل هذا الخيار يعتبر تنازلًا أمام العنف — ومن ثم تشجيعًا عليه. وهكذا كقاعدة، يُقدَّم الإصلاح (إذا حدث ذلك) باعتباره جائزة للنبذ الصريح للعنف، والإقرار بالخطأ، والتبني الصريح للمبادئ الديمقراطية. ربما يكون التوازن هنا بين ما يجب أن يأتي أولًا، توازنًا دقيقًا للغاية — مثلما كان الحال لسنوات عديدة في أيرلندا الشمالية — بحيث تتوقف العملية السياسية (عملية «السلام») تمامًا. إذا كان الحال كذلك، ففي الوقت نفسه ستُتخذ إجراءات مضادة للإرهاب للتحكم في الموقف، وللحد من العنف وصولًا إلى ما أسماه أحد الوزراء البريطانيين في غير حذر «مستوًى مقبولًا». أما إذا لم تقدم الإصلاحات، أو نُظر إلى الإرهاب باعتباره جريمة، فقد يكون هناك جهد حثيث للقضاء عليه، وهو ما يتضمن اتخاذ إجراءات هجومية ممنهجة، بل وما يمكن أن يوصف «بالانتقام» من مجتمعات يُعتقد أنها تأوي إرهابيين. وعندما يُنظر إلى الإرهاب باعتباره أحد تجليات الجنون أو الشر، فقد تكون تلك الجهود عنيفة.

أيما كانت النية السياسة العامة، يجب أن يكون العمل المضاد للإرهاب أكثر تمييزًا ومعيارية من العمل الإرهابي. للمساهمة في وضع خريطة بنطاق الاستجابات المتاحة، سواء سياسة مضادة للإرهاب أو لمكافحة الإرهاب، ربما نبدأ أولًا بوضع تفرقة أساسية بين الإجراءات السلبية والإجراءات النشطة. إجمالًا، تشكِّل طبيعة العمل الإرهابي الإجراءات السلبية: على سبيل المثال، يعتبر زيادة الأمن في المطارات رد فعل لعمليات اختطاف الطائرات وتخريبها، وتعتبر الإجراءات الدفاعية التي يُطلق عليها «تعزيز الإجراءات الأمنية في المباني المستهدفة» رد فعل للهجمات باستخدام القنابل، وكذلك إجراءات «شبكة الأمان» لتأمين الأفراد رد فعل لعمليات الاختطاف، وهكذا. وتمثل هذه الإجراءات مجهودات تهدف إلى تقليص الفرص المتاحة أمام الإرهابيين. كما أنها تمثل أيضًا إقرارًا ضمنيًّا باستحالة توقع العمل الإرهابي. أما الإجراءات النشطة، فربما تسعى إلى التعامل مع الموقف من خلال الاشتباك مع الجماعات الإرهابية بهدف اعتقال أفرادها أو القضاء عليهم. وتكمن الفرصة الوحيدة للنجاح في هذا الاتجاه في وضع نظام استخباراتي فعَّال، باستخدام أساليب مثل الاختراق والمراقبة للحصول على معلومات دقيقة. تمتلك الدول الحديثة عادة وكالات استخباراتية كبيرة وباهظة التكاليف، لكن سجل تاريخ نجاحات هذه الوكالات في توفير هذا النوع من المعلومات ليس متسقًا أو منتظمًا على أفضل تقدير. فقد وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر في دولة تنفق أموالًا طائلة على وكالات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، لكنها فشلت في وضع أسس إجراءات فعَّالة لمكافحة الإرهاب، على الرغم من التحذير الذي تبدَّى من خلال تفجير مركز التجارة العالمي في ١٩٩٤، وتحديد منظمة أسامة بن لادن باعتبارها تمثِّل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي (فقد كان بن لادن مدرجًا على قائمة أكثر عشر شخصيات مطلوبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي لسنوات عدة). وكما اتضح لاحقًا، جرى تجاهل تقرير أورده أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في يوليو ٢٠٠١ في أريزونا، يشير إلى عدد الأشخاص من منطقة الشرق الأوسط، الذين يتلقون دروسًا في الطيران وكانوا يظهرون اهتمامًا شديدًا بأمن المطارات؛ من قبل رؤسائه.

عندما يُجمع بين المعلومات الاستخباراتية المتطورة والوحشية في تنفيذ الأعمال — مثلما هو الحال في إسرائيل ما بعد الحرب — ربما تكون النتيجة هي الاستهداف الدقيق لقادة المنظمات الإرهابية. لكن حتى بعد القيام بذلك مرارًا، لم يفلح في الحد بصورة كبيرة من حجم الهجمات الإرهابية؛ إذ كانت إنجازات هذه العمليات افتراضية، تتمثل في احتواء أو منع وقوع عمليات إرهابية ربما كانت ستحدث. وكما هو الحال مع جميع العمليات الاستخباراتية، لا يعد التقييم الدقيق لهذه المزاعم ممكنًا، كما لا يمكن في حقيقة الأمر معارضة التعهد الأكبر، الذي تقدَّم به رؤساء الوزراء الإسرائيليين المتعاقبين، بأن الرد الانتقامي لن يؤدي إلى احتواء الإرهاب فحسب، بل سيؤدي إلى هزيمته. لا يزال النص الأكثر حدة وشراسة في هذا السياق هو كتاب نتنياهو «الإرهاب: كيف ينتصر الغرب» (١٩٨٦)، الذي تردد صدى تضخيمه لخطر الإرهاب والجماعات الإرهابية في «الحرب ضد الإرهاب» التي أعلنها الرئيس بوش في عام ٢٠٠١، وضخمها في سرور وهمة بالغين آرييل شارون في إسرائيل.

fig15
شكل ٧-١: مهاجمة «البنية التحتية للإرهاب» في غزة: غارة عسكرية إسرائيلية في بيت حانون، ١٥ ديسمبر ٢٠٠١.1

شددت الحكومة الإسرائيلية على أن عملياتها العسكرية على مدن الضفة الغربية مثل بيت لحم ونابلس والجنين (تحت العنوان المثير «عملية الدرع الواقي») ستؤدي إلى الحد من مخاطر الهجمات الانتحارية على شعبها. وقد وافق الشعب الإسرائيلي على ذلك بصورة عامة، لم يعارض سوى القليلين فكرة استهداف «البنية التحتية للإرهاب» — على الرغم من أن أوري أفنيري (أحد مؤسسي حركة جوش شالوم الداعية إلى السلم) أدان هذه الفكرة باعتبارها عبثية — لأن ««البنية التحتية للإرهاب» توجد في أرواح ملايين الفلسطينيين …» كما أن تصريح أحد جنود قوات الدفاع الإسرائيلية «إنني على يقين تام بأن جميع الانتحاريين داخل إسرائيل قد فجروا أنفسهم، أما الباقون الذين لا يزالون على أراضينا فقد قُتلوا أو اعتُقلوا»، أعقبه في اليوم التالي تفجير انتحاري آخر في حيفا.

أثارت أكثر عمليات الرد الانتقامي إبهارًا — عملية اغتيال القوات الخاصة الأمريكية لأسامة بن لادن في مدينة أبوت أباد المحصنة في إقليم البنجاب في الأول من مايو ٢٠١١، بعد ما يقرب من عشر سنوات من أكثر المطاردات تكلفة في التاريخ — جميع هذه الأسئلة. أثار التأخر في العثور على بن لادن من التعليقات قدر ما أثارت طريقة موته. على الرغم من أن الولايات المتحدة زعمت في البداية أن بن لادن قُتل فيما كان يقاوم عملية الاعتقال، اتضح لاحقًا أنه كان أعزل. فإذا كانت هذه هي «العدالة» — مثلما أكد الرئيس أوباما — فقد كانت تفتقر جد الافتقار إلى الإجراءات القانونية اللازمة. لم يُقتل بن لادن بسبب عدم القدرة على اعتقاله، بل (مثلما هو الحال مع المعتقلين في جوانتانامو) كان من المستحيل إدانته في المحكمة. كان ما حدث دالًّا بوضوح على ذلك، مثلما كان قرار إلقاء جثة بن لادن في قاع البحر — وهو الإجراء الذي انتقده بعض علماء المسلمين البارزين باعتباره محظورًا — وذلك للحيلولة دون أن يصبح قبر بن لادن «ضريحًا إرهابيًّا». هل صار العالم «أكثر أمانًا» نتيجة ذلك، مثلما أعلن باراك أوباما؟ كان هذا الأمر مثارًا للجدل. مع الوضع في الاعتبار تضاؤل نشاط بن لادن بالفعل، ورد الفعل العام العدائي إزاء اختراق السيادة الباكستانية، يصبح الأمر مختلفًا (مثلما يشير جيفري سايمون) عندما يأتي الأمن القومي في مرتبة تالية للشرف الوطني.

السياسة المحلية

يجب وضع تمييز آخر رئيسي بين السياسات التي تقع تحت سيطرة الدول المنفردة، وتلك السياسات التي تعتمد على التعاون الدولي (الذي يكون إشكاليًّا في أغلب الأحوال). بينما يمتلك النوع الأول من السياسات فرصًا أكبر في التنفيذ، فقد يكون هذا التأثير محدودًا؛ إذ قد ينتهي دورها عند حدود الدولة. تصنَّف السياسات المتاحة للدول إلى ثلاث فئات: القوانين، القوات، والأساليب العملياتية.

لا تواجه الدول بصفة عامة، حتى — ربما بصورة خاصة — الدول الديمقراطية منها، صعوبةً كبيرة في وضع العناصر الأساسية للعمل المضاد للإرهاب. على الرغم من أن الحكومات في الوقت الحالي قد تتعرض أكثر لضغط الرأي العام «لاتخاذ إجراء» بدلًا من الالتزام باتخاذ الإجراءات الاحترازية الدنيا؛ فإنها تمتلك هامش حرية واسعًا نسبيًّا في اتخاذ قرار؛ إما بتبني نهج قانوني أو تنحية القانون جانبًا. بينما نادرًا ما تتوجه الدول للقيام بعمل مباشر، مثل سياسة إسرائيل في اغتيال من تراهم إرهابيين، فإن خيار تعديل القانون يعد خيارًا مغريًا. على سبيل المثال، غالبًا ما تُفعَّل قوانين الطوارئ الخاصة — التي قد تحد من الحريات المدنية أو تقضي عليها في سبيل منح القوات الأمنية سلطات أكبر في المراقبة والتفتيش واعتقال المشتبه بهم — سريعًا في أعقاب الهجمات الإرهابية، دون معارضة برلمانية أو عامة كبيرة.

قد تحتاج السلطات الخاصة أو لا تحتاج إلى قوات خاصة لتنفيذ هذه الإجراءات. ربما تقوض الحملات الإرهابية — التي تستهدف على نحو خاص قوات الشرطة أو القطاع السياسي من الشرطة (مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي في مقابل قسم جي من شرطة دبلن في عام ١٩١٩) — من الحالة المعنوية بدرجة تجبر الدول على الاستعانة بالقوات العسكرية — وهو ما قد يكون له بعض التداعيات السياسية السلبية — أو إنشاء ما يطلق عليه في بعض الأحيان «قوة ثالثة». لكن تعتبر عملية تشكيل قوات أمنية خاصة سياسة خطرة، على الأقل بالنسبة للدول الديمقراطية. على سبيل المثال، لم تشكِّل بريطانيا العظمى أي قوة ثالثة داخل المملكة المتحدة، على الرغم من أنها اقتربت من ذلك كثيرًا من خلال قوات «بلاك آند تانز» في أيرلندا بين عامي ١٩٢٠ و١٩٢١ (وهي قوة يقال إنها ساهمت أكثر من أي عامل آخر على تقويض الجهود البريطانية للحفاظ على أيرلندا جزءًا من المملكة المتحدة). هذه التجربة المؤلمة — التي أعقبها مبادرة أخرى أكثر ريبة في فلسطين، من خلال تأسيس «فرق الليل الخاصة» تحت قيادة أورد وينجيت، لاستباق أعمال الجماعات «الإرهابية» العربية خلال التمرد الذي دام بين عامي ١٩٣٦ و١٩٣٩، ثم مرة أخرى، لوقت قصير وبصورة سببت إحراجًا، ضد الإرهابيين الصهيونيين بعد عام ١٩٤٥ — ربما أقنعت بريطانيا أن مخاطر تشكيل قوات كهذه تفوق ميزاتها. كانت ألمانيا حريصة على الإبقاء على قوة «جي إس جي ٩» المتخصصة في مكافحة الإرهاب جزءًا من منظومة الشرطة المدنية، باستثناء «شرطة حرس الحدود». على الجانب الآخر، شكَّلت إسرائيل قوات عسكرية خاصة (حظيت بسمعة سيئة؛ نظرًا لوحشيتها البالغة في القيام بأعمال استباقية أو عقابية، تتضمن مستويات مخاطر عالية تسبب «أضرارًا عرضية» لأناس أبرياء، يجدون أنفسهم — إما بسبب الصدفة أو أخطاء الاستخبارات العسكرية — في المكان الخاطئ في التوقيت الخاطئ).

لا يزال الأمر خلافيًّا عما إذا كانت هذه القوات سببًا في احتواء الأعمال الإرهابية أم إثارتها. ربما تعتبر الحالة الحديثة لعشيرة العبيات في بيت لحم — التي بعد مقتل اثنين متتاليين من قادتها أثناء عمليات اغتيال بالصواريخ الإسرائيلية، شددت من قبضتها التنظيمية على المدينة، بدلًا من الانقسام والتشرذم كما كان يتوقع الإسرائيليون — أحد الأمثلة الكثيرة التي يجب أن نتوقف أمامها قليلًا. (حُوصر الجيل الثالث من القادة في كنيسة المهد خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية في أبريل ومايو ٢٠٠٢، ثم رُحلوا وفق الاتفاقية الدولية التي أنهت الحصار.) يمكن وضع معايير النجاح بطرق مختلفة. على سبيل المثال، صُورت عملية استيلاء قوات دلتا الأمريكية على طائرة مصرية على الأراضي الإيطالية بعد حادثة اختطاف الباخرة «أكيلي لاورو» في ١٩٨٥؛ باعتبارها عملية ناجحة، على الرغم من أنها كان يمكن أن تثير حادثة دولية خطيرة بسبب انتهاك السيادة الإيطالية. على أي حال، ربما تبرز أكثر الجوانب خطرًا لمثل هذه القوات عندما تُنشر فترات طويلة لتأدية مهام شبه شرطية. في حالة صراع محلي ممتد، مثلما في أيرلندا الشمالية، من المحتمل أن تزداد سلطة القوات شبه السرية مثل القوة الجوية الخاصة (ساس) — وإن كانت هذه قوات عسكرية لا قوة ثالثة بالمعنى الدقيق للمصطلح — في وضع الأجندة السياسة. ستتجاوز هذه القوات حتمًا الحدود القانونية الصارمة من وقت لآخر، وإذا صار ذلك اتجاهًا مستمرًّا فإنه سيؤدي إلى تقويض المبادئ الأساسية للمجتمع الليبرالي: التي قد يكون أهمها «الإجراءات القانونية الصحيحة».

مع ذلك، إذا كانت هناك مخاطر في استخدام القوات الخاصة، فإن هناك مشكلات في شن عمليات معينة مضادة للإرهاب بدونها. تنبع هذه المشكلات من الغموض الكامن في الاستراتيجية الإرهابية، وحقيقة أنها تعمل عادة في بيئة سياسية معقدة. في المنطقة الرمادية بين السياسة والحرب التي يشغلها الإرهاب، من المحتمل دائمًا أن تكون الأعمال الإرهابية واقعة خارج نطاق خبرات ومخزون معارف الشرطة أو الجيش، بل وتحتاج إلى تعاون مدني-عسكري من نوع لم يسهل أبدًا تحقيقه من قبل. على سبيل المثال، سيكون التوقيت الدقيق وأسلوب طيف واسع من العمليات — بدءًا من عمليات التفتيش والاعتقالات إلى عمليات اقتحام المباني أو الطائرات المُختطفة — على الأرجح في غاية الأهمية، وربما تكون التداعيات السياسية للأخطاء بعيدة المدى. من غير المحتمل أن تتحقق درجة التدريبات اللازمة لهذا الغرض بالذات، مثلما هو الحال بوضوح شديد من التاريخ الحافل بالنجاحات والإخفاقات (والمحبط بصورة عامة) لأمن خطوط الطيران؛ وهي خدمة منخفضة المكانة، لا تتلقى تمويلًا كافيًا — خاصة في الولايات المتحدة — ولا سيما مقارنةً بوكالات الاستخبارات المتنوعة. مثلما أشار أحد المعلقين، كان أحد الجوانب المثيرة للقلق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أن المختطفين لم «يمروا دون ملاحظة» أفراد أمن غير أكْفاء، بل أنهم اجتازوا نقاط تفتيش في أربعة مطارات مختلفة دون أن يلحظ أي مفتش ماذا كانوا يحملون.

الصعوبات الدولية

لقد كان جليًّا دائمًا ضرورة أن تكون الإجراءات المضادة للإرهاب دولية قدر ما هي محلية إذا أردنا لها أن تصبح فعالة. (فقد وُظف فيرلوك — في رواية «العميل السري» لكونراد — من أجل تحقيق هذا الغرض بالضبط من جانب دولة غير ليبرالية في وسط أوروبا، لدفع بريطانيا للانضمام إلى تحالف مضاد للإرهاب.) حديثًا، ذهب أحد أكثر الكتاب غزارة حول الإرهاب إلى أن «فشل المجتمع الدولي في إقرار الإرهاب بصورة كاملة على أنه سلوك إجرامي»، هو ما أدى إلى «تشجيع نمو النشاط الإرهابي خلال العقدين الأخيرين.» لكن تتمثل المشكلة — التي كانت حادة في عام ١٩٣٧ مثلما كانت خلال زيارة توني بلير إلى سوريا في أكتوبر ٢٠٠١ — في عدم القدرة على التوصل إلى تعريف مشترك للإرهاب يمكن استخدامه؛ لا سيما «باعتباره سلوكًا إجراميًّا». بعد اغتيال ملك يوغوسلافيا؛ ألكسندر، تبنى مجلس عصبة الأمم قرارًا (في ١٠ ديسمبر ١٩٣٤) بأنه «يتعين على كل دولة ألا تشجع أو تسمح بأي نشاط إرهابي لأغراض سياسية على أراضيها»؛ فيجب على جميع الدول بذل كل ما في وسعها لمنع وقمع الأعمال الإرهابية، ولمساعدة الدول الأخرى على ذلك. على مدار السنوات الثلاث التالية، سعت لجنة أممية لوضع مواثيق دولية لمنع الإرهاب والمعاقبة عليه. عرَّفت هذه اللجنة «أعمال الإرهاب» (متفادية في حذر استخدام التعبير العام «الإرهاب» أملًا في تفادي قضية الدوافع السياسية الشائكة) باعتبارها «أعمالًا تهدف إلى الإطاحة بالحكومة، أو تعطيل عمل الخدمات العامة، أو قلقلة العلاقات الدولية، من خلال استخدام العنف أو من خلال خلق حالة من الترويع.»

إلا أن استخدام الميثاق للمصطلحات المحايدة فشل: فلا تزال الدول المنفردة (خاصة بريطانيا العظمى) ترفض إلزام نفسها بالتداعيات المحتملة للميثاق. فقد رأت وزارة الداخلية البريطانية أن الأهداف الإرهابية الثلاثة التي حددتها اللجنة الأممية غير متناسبة، «فبين كارثتين مروعتين سيكون هناك تعطيل للخدمات العامة، التي سيعتبرها كثيرون ذات أهمية أقل بكثير، وفي كثير من الحالات يعتبر وجودها مبررًا.» وهنا تكمن المشكلة مثلما هو الحال دومًا: فما يعتبره البعض اعتراضًا شرعيًّا، يراه آخرون جريمة ثورية. ووفقًا لوزارة الداخلية: «يتمثل جوهر المسألة … في أن الميثاق سيضعنا تحت التزام دولي بمعاقبة المتعاطفين هنا، الذين يشجعون أو يساعدون الأقليات المقموعة في الخارج لضمان تحقيق الحرية السياسية، إذا ما استُخدمت وسائل غير الوسائل السلمية الخالصة (التي تكون على الأرجح غير ذات جدوى).»

منذ ثلاثينيات القرن العشرين، حقق التعاون الدولي تقدمًا من خلال مراحل صغيرة إلى حد ما، دائمًا ما يقيدها غياب الإجماع حول تبريرات العنف السياسي. في أكتوبر ١٩٧٠، أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارًا، يشير إلى أن من مهام الدول «الإحجام عن تنظيم أعمال الصراع المدني، أو الأعمال الإرهابية أو التحريض عليها أو المساعدة عليها أو المشاركة فيها»، لكن فشلت اللجان اللاحقة التي شُكلت لوضع تعريف للإرهاب والتوصية بأساليب لمنعه في تحقيق أي من هذين الهدفين. فكان النقاش يتشتت دومًا تجاه التحليلات السياسية؛ حول الأسباب الرئيسية، وحول مطالب الجماعات المختلفة لاستثنائها من التصنيف الإرهابي. وفق منظور، يوضح ذلك أن «الجمعية العمومية جعلت في وضوح حق تقرير المصير في مرتبة أعلى من حياة الإنسان.» وفق منظور آخر، يعكس هذا القرار الإيمان بأن الحرية تستحق الموت من أجلها. أيًّا ما كان قد تغيَّر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يتغير هذا التجاذب، مثلما أشار الرئيس السوري بشار الأسد عندما حاول توني بلير ضمه إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب في أكتوبر ٢٠٠١: «إننا نفرِّق بين المقاومة والإرهاب. فالمقاومة حق اجتماعي وديني وقانوني تكفله قرارات الأمم المتحدة … فهل يمكن لأي شخص اتهام ديجول بأنه إرهابي؟» أضاف الأسد تحذيرًا عامًّا آخر ضد فكرة الحرب ضد الإرهاب، فقال: «يعمل الإرهاب في شبكة، فليس له قيادة، سواء أكان ذلك في صورة شخص أو منظمة.» لكن ربما كان هذا التحليل غير المستساغ غامضًا للغاية بحيث لم يستطع الغربيون استيعابه.

إننا ندرك جيدًا أن الإرهاب مشكلة دولية تتطلب جهودًا متسقة من سائر الأمم الحرة. فكما يوجد تعاون بين الدول المشتركة في الأعمال الإرهابية، لا بد أن يكون هناك تعاون بين الدول التي تمثل أهدافًا حقيقية ومحتملة لتلك الدول. ومن ثم، فإن تحقيق تعاون أكبر بين الدول الديمقراطية وغيرها من الدول التي تشاركنا آمالنا العريضة في المستقبل يمثل مكونًا رئيسيًّا للاستراتيجية التي نتبناها. وقد حققنا بعض النجاحات بالفعل، لكن كثيرًا ما يردع الخوف من خسارة الفرص التجارية أو الخوف من استفزاز الدول المتنمرة، بعض الدول الأخرى عن المشاركة. لقد حان الوقت للدول التي تسعى بحق لوضع نهاية للإرهاب لأن توحد قواها في أي ساحات ومجالات لاتخاذ الخطوات الضرورية.

وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز، عام ١٩٨٦

ركَّزت أكثر الإجراءات الدولية نجاحًا على جرائم محددة، مثل الهجمات على «الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية الدولية» — الدبلوماسيين في المقام الأول — وعمليات احتجاز الرهائن، وعلى حماية المواد النووية ومنع تحويل أموال الإرهابيين. لكن ظل من الصعب وضع أطر عامة أكبر، ولا تزال منظمات رئيسية مثل الإنتربول (التي يمنعها دستورها من التحقيق في القضايا السياسية) مقيدة في قدراتها. ربما تتجسد الآلية المثالية للعمل الدولي في وضع قانون عالمي موحد. لكن في عام ٢٠٠١، كان هناك ست دول أوروبية فقط تمتلك قوانين مضادة للإرهاب، وقد كانت هذه مختلفة جد الاختلاف في نصوصها. وفي ظل غياب الإطار القانوني الموحد، تتحول إمكانية القيام بإجراء دولي — إلى حد بعيد — إلى عملية تسليم المطلوبين — اعتمادًا على مبدأ «التسليم أو المحاكمة» — وهو ما يعد مسألة تكتنفها التعقيدات الهائلة.

على الرغم من اتخاذ خطوات إقليمية كبيرة في هذا الصدد — لا سيما الميثاق الأوروبي لسنة ١٩٧٧ لقمع الإرهاب — لا تزال عملية التصديق على هذه الاتفاقية غير كاملة (لم تتبن أيرلندا هذا الميثاق حتى عام ١٩٨٦، على سبيل المثال)، كما لا يزال هناك تردد في قبول مهمة وضع تعريف للجريمة الإرهابية. هناك أسباب للتفاؤل الحذر في حالة أيرلندا، التي مهد قضاتها (خاصة في قضية دومينيك ماكجلينشي، الذي رُفض الاستئناف الذي قدمه ضد حكم تسليمه إلى أيرلندا الشمالية بتهمة القتل في عام ١٩٨٢) الطريق لتبني الميثاق من خلال تضييق منظور «الجرائم السياسية» الذي كان شاسعًا فيما سبق. ومن ثم، على الرغم من إخفاق بعض طلبات تسليم المجرمين الحديثة التي قدمتها بريطانيا، فقد كان ذلك يرجع إلى أسباب فنية «إجرائية صارمة»؛ شهادات تحت القسم مكتوبة بصورة غير صحيحة. في الوقت نفسه، كان الرفض الفرنسي لتسليم أبي داود، الذي كان مطلوبًا في كل من ألمانيا وإسرائيل لدوره في مذبحة ميونخ، إلى أي من الدولتين في عام ١٩٧٧؛ بمنزلة تحذير من خطورة وهوائية مبدأ «المصالح القومية».

رعاية الدولة

تحدد وزارة الخارجية الأمريكية أربعة عناصر رئيسية لسياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية:

أولًا: عدم تقديم أي تنازلات للإرهابيين وعدم إبرام أي صفقات معهم. ثانيًا: تقديم الإرهابيين إلى العدالة على ما اقترفوه من جرائم. ثالثًا: عزل الدول التي ترعى الإرهاب وممارسة الضغط عليها لإجبارها على تغيير سلوكها. رابعًا: دعم قدرات مكافحة الإرهاب لدى الدول التي تعمل مع الولايات المتحدة وتحتاج إلى مساعدة.

لطالما كان الاهتمام العام والإعلامي للإرهاب الذي ترعاه الدولة في التحليلات الأمريكية الرسمية مدهشًا. في مقابل ذلك، من النادر العثور على أي محاولة لتقديم تقييم دقيق حول إسهام هذا النوع من الإرهاب في إجمالي النشاط الإرهابي، أو حول دور الملاذات الآمنة في نمو المنظمات الإرهابية. قبل عام ١٩٨٩، كان من الشائع أن ترى هذه التقديرات العامة التي تفتقر إلى تفاصيل مثل أن «٨٠ في المائة من الجماعات الإرهابية في العالم تعتبر جماعات ماركسية على الأقل ظاهريًّا … وتطالب بحقها في الدعم من الاتحاد السوفييتي.» لكن يبدو أن الاختفاء المفاجئ وغير المتوقع لإمبراطورية الشر قد دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى التصريح (في عام ٢٠٠١) بأن «الإرهاب الذي ترعاه الدولة قد انخفض كثيرًا على مدار العقود الأخيرة»؛ لكن مرة أخرى لم يُقدَّم أي تقدير كمي دقيق. في وقت لاحق من العقد نفسه، أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن دعم الدولة «يزيد من سوء» التهديد الذي تمثله المنظمات الإرهابية، وأن هذا الدعم «خطير»، على الرغم من أن وزارة الخارجية خففت من حدة تعبيراتها على الفور، من خلال الإشارة بأسلوب أقل حدة إلى أنه بدون رعاية الدولة للجماعات الإرهابية، ستجد هذه الجماعات «صعوبة أكبر بكثير» في توفير التمويل والأسلحة، وغير ذلك.

fig16
شكل ٧-٢: مقاتلو القاعدة الذين اعتقلوا في أفغانستان ونقلوا إلى خليج جوانتانامو في كوبا يواجهون مستقبلًا غير معلوم باعتبارهم «مقاتلين غير شرعيين».2

ربما يبدو أن الأمر يختلف اختلافًا تامًّا في عالم يكون فيه ٨٠٪ من الإرهابيين من المسلمين لا الماركسيين. لكن أظهر رد الفعل الأمريكي حيال هجمات الحادي عشر من سبتمبر أن الأمور لم تتغير كثيرًا، فيما عدا وضع قائمة «المشتبه بهم المعتادين»: أفغانستان والعراق والسودان بدلًا من الدول المارقة في ثمانينيات القرن العشرين: ليبيا وسوريا وإيران. (على الرغم من أن جورج بوش سرعان ما استبعد السودان، وأضاف بدلًا منها كوريا الشمالية كإجراء احترازي لإتمام القائمة، عندما حدد دول «محور الشر».) ربما تكون نظرية رعاية الدولة للإرهاب نظرية ضعيفة، لكن لا تزال أهميتها العملية هائلة؛ إذ إنها تضفي شرعية على عملية الرد الانتقامي المباشر الذي صار أحد التفضيلات الراسخة في السياسة الأمريكية. وقد نجح الاعتقاد في الأثر الرادع الذي تحققه الأسلحة «الذكية» (التي قطعًا تكون أسرع وأقل تعقيدًا من العمل الاستخباراتي) في التغلب على عدد هائل من القرائن المضادة. والأهم من ذلك أن هذا الاعتقاد يسمح للدولة العظمى بالتصرف منفردة، لا يقيدها اختلاف سياسات واهتمامات شركائها (خذ على سبيل المثال معاملتها الفظة — بل والوحشية — لإيطاليا في أعقاب واقعة اختطاف الباخرة «أكيلي لاورو»). حتى عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أقصى حالات التزامها — على الأقل من الناحية الخطابية — ببناء «تحالف [دولي] ضد الإرهاب»، في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان من الواضح أنها غير مستعدة لقبول أي تعديل على أجندتها الخاصة.

ربما لم يتركز الطرح في كل ما سبق حول ما إذا كان سيُقضى على الإرهاب في عالم يخضع للسيطرة الكاملة ويخلو من الدول المارقة. كانت هناك على الأقل مساحة للشك في أن التهديد الذي يمثله الإرهاب كان يُستخدم كذريعة للإطاحة بالأنظمة غير المقبولة. كانت المشكلة الرئيسية التي ظلت دون معالجة هي قدرة الحركات الأيديولوجية/الدينية — مثل القاعدة التي تجمع بين قضية قوية ومنظمة قادرة على جذب الجميع من مختلف التوجهات — على البقاء. تشير قدرة أعضائها مثل محمد عطا — مختطف رحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم ١١ — على العمل لفترات طويلة في ألمانيا بل وفي الولايات المتحدة نفسها؛ إلى تضاؤل أهمية المفاهيم التقليدية حول الملاذات الآمنة الآن مقارنة بالماضي. ربما تكون مسألة رعاية الدولة ترفًا أكثر منها ضرورة بالنسبة لهذه الحركات سريعة التغير.

التكاليف والفعالية

إذا بحثنا عن تقييم دقيق لفعالية السياسات المضادة للإرهاب، سنجد ذلك نادرًا للغاية على أرض الواقع. لم يقدِّم تحليلًا إحصائيًّا لإجراءات مكافحة الإرهاب الرئيسية سوى عدد قليل جدًّا من الكتاب المتخصصين في شئون الإرهاب. ومن المثير للدهشة بصورة خاصة — (في ضوء اقتراح آدم روبرتس المقنع أن في الدول الديمقراطية «من المرجح أن يُعبر عن مبادئ كل حملات مكافحة الإرهاب بوضوح وبصورة موسعة كما تُمحص بدقة») — أن أيًّا من التقييمات الرسمية العديدة للتشريعات البريطانية المضادة للإرهاب، التي جرى القيام بها خلال السنوات الأربعين الماضية؛ لم تقدم أي دليل مادي على فعالية تلك التشريعات، أو حتى رأت الحاجة إلى ذلك. أشار أحد تلك التقييمات — الذي قدمه اللورد كولفيل في عام ١٩٨٧ — إلى أنه خلال عمليات التحقيق التي أجراها سمع «الاقتراح الخطير» أنه «في حال إلغاء جميع تشريعات الطوارئ، لن يكون الوضع أسوأ حالًا على أقل تقدير.» من الناحية القانونية، ربما يكون ذلك صحيحًا؛ أما من الناحية النفسية، فربما لا يكون كذلك. وعلى الرغم من أن محلفين آخرين أشاروا إلى أن القانون العادي سيكون على القدر نفسه من الفعالية مثل التشريع الخاص، فقد تغاضت الحكومات البريطانية المتعاقبة عن هذا الأمر.

قبل عشرين عامًا، اقترح جرانت واردلو «وضع تصنيف شامل» للوظائف الأمنية التي قد تفيد صانعي القرار وتساعد على تجنب الارتباك، باعتبارها خطوة أساسية. لكن ليس هناك قرائن قوية على اتخاذ هذه الخطوة الأساسية؛ ومن ثم، فبينما يسهل وضع قوائم بالإجراءات الممكنة المضادة للإرهاب، بالإضافة إلى تكاليفها المالية والمدنية-الليبرتارية — إن جاز التعبير — لا يوجد مقياس فوري جاهز لتقييم الفعالية النسبية لهذه الإجراءات. على سبيل المثال، ربما يريد أحد صناع السياسات معرفة قيمة بطاقات الهوية بالضبط في مكافحة الإرهاب؟ فلا يملكون سوى التخمين. وهل الاعتراضات على ذلك «عاطفية أكثر منها عقلانية»، مثلما يذهب أحد الخبراء؟ كيف يمكن حساب التكاليف على المدى الطويل؟ وحول الموضوع الحساس المتعلق بالمعلومات الاستخباراتية بواسطة أجهزة الكمبيوتر، يرى الخبير البريطاني ريتشارد كلاتربك أنه «في الوقت الراهن، يجب أن يعتمد هذا — مثل كثير من الحريات المدنية الأخرى — على الثقة، على نزاهة من لديهم سلطة على حرية الآخرين.» لا يبدو هذا مطمئنًا كما قد يظن.

الديمقراطية في وجه الإرهاب

لا مجال للشك في أن الإرهاب عمل «غير ديمقراطي» من حيث إنه يتجاهل جميع العمليات التقليدية للسياسة التمثيلية. لكن هل يتجاوز الإرهاب ذلك؟ هل يعتبر الإرهاب بطبيعته عملًا مضادًّا للديمقراطية؟ وهل الدول الديمقراطية معرضة بصورة حصرية للإرهاب؟ أشرنا بالفعل إلى أن الدول الديمقراطية قد تكون أكثر حساسية للتهديد الذي يمثله الإرهاب للأمن العام. لعل من المألوف اعتبار الإرهاب هجومًا على المبادئ الديمقراطية؛ أشار أحد خبراء الإرهاب غزيري الإنتاج حول هذا الموضوع إلى أن «العملية الديمقراطية تعتبر هدفًا رئيسيًّا» للإرهابيين، وإن لم يشر إلى كيفية ذلك. (من النادر حقيقة استهداف الانتخابات والبرلمانات.) يبدو أن هذا الخبير يشير إلى ازدراء المتطرفين من اليسار واليمين للديمقراطية الليبرالية — وإلى احتمالية التخلص منها عند وصولهم إلى السلطة — لكن هذا الأمر مختلف إلى حد ما.

حددت دراسة للعالم السياسي الهولندي أليكس شميد أربع نقاط ضعف رئيسية في الدول الديمقراطية في مواجهة الإرهاب: (١) حرية الحركة، (٢) حرية الاجتماع، (٣) وفرة الأهداف، (٤) قيود النظام القانوني. وفق هذا النموذج، تتمثل السمات الأساسية للمجتمعات الديمقراطية في الانفتاح، والتسامح، واحترام القانون، وتقدير الحياة الإنسانية تقديرًا كبيرًا. ينبثق عن هذه السمات أيضًا نقاط قوة مكافئة؛ فالانتخابات الحرة وحرية التعبير تحد من «الحاجة إلى ممارسة العنف السياسي لتحقيق التغيير الاجتماعي» أو طرح قضية على الرأي العام، كما تحمي الإجراءات القضائية حقوق الأفراد والأقليات. لكن يبدو أن شميد يرى أن نقاط القوة هذه تنحصر في تقليص احتمالية وقوع الأعمال الإرهابية، وليس باعتبارها وسيلة للتعامل مع الحملات الإرهابية بمجرد وقوعها. على غرار العديد من المحللين، يبدو شميد أقل تأثرًا بمرونة المجتمعات الديمقراطية التي تتعرض للتهديد الإرهابي من تأثره بعجزها عن مواجهته. يندر العثور على اقتراح مثل اقتراح جيفري سايمون، الذي يذهب إلى أن «مساواة التهديد الذي يمثله الإرهاب للأفراد بالتحدي الذي يمثله للمجتمعات الديمقراطية الغربية، يقلل من قدرة المجتمعات الغربية على الصمود في وجه الحملات الإرهابية التي تقع على فترات.»

أشار آخرون إلى أنه بينما قد يكون تأثير الإرهاب على شرعية الحكومات، وعلى الثقة الواهية التي توجد في إطار نظام ديمقراطي، كبيرًا، فإن التهديد الذي تمثله الأعمال الإرهابية للنظام الديمقراطي أقل أهمية من رد الفعل الذي تستثيره مثل هذه الأعمال. وقد سلَّطت الضوء على هذه الرؤية مؤخرًا عالمة سياسية، ترى أن المجتمعات الديمقراطية «معرضة بصورة خاصة لشكل محدد من العنف، الذي يحث الحكومات على اتخاذ ردود أفعال مبالغ فيها»؛ ومن ثم تفقد شرعيتها؛ فتشير إلى أن الخطر الرئيسي للشرعية والاستقرار يكمن في الفشل في الحفاظ على القيم الأساسية للنظام الديمقراطي؛ مثل الحقوق الفردية، وسيادة القانون، وتقييد سلطات الحكومة في التدخل في ممارسة الحريات العامة بموجب القانون. على أحد المستويات، ليس هذا سوى إعادة صياغة المشكلة الأساسية، لكن تطرح كيمبرا كروجر نقطة أخرى مهمة؛ ألا وهي أن مبدأ التناسب — أكثر الأساليب فعالية في الحفاظ على الشرعية — يصعب الاعتماد عليه؛ نظرًا لسيطرة فكرة «ثنائية السلم/الحرب» على الدول الديمقراطية. يُصنَّف الإرهاب إما على أنه جريمة أو حرب؛ فالمؤسسات الديمقراطية غير مصممة أو مؤهلة للتعامل مع المنطقة الرمادية التي يشغلها الإرهاب. بينما قد يمثِّل هذا معضلة حقيقية بالنسبة «للديمقراطيات الجديدة»، فإنه قد يمثِّل مشكلات طويلة المدى للأنظمة الأعرق.

لعل أحد الدعائم الرئيسية في الثقافة الديمقراطية — التي لم يدرجها شميد في قائمته، لكن يوليها آخرون اهتمامًا كبيرًا — هي حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى. يرى جرانت واردلو الذي يتسم بالحذر، أن نقل وسائل الإعلام للحوادث الإرهابية «له آثار مدمرة»، لكنه على غرار كثير من الكتاب يجد صعوبة في تحديد هذه الآثار. لا يُشار كثيرًا إلى أن الإسهام الرئيسي لوسائل الإعلام يتمثل في «الإدراك أكثر من حقيقة التهديد الإرهابي» — مثلما يشير سايمون — وأن الإعلام يميل إلى الزيادة والمبالغة في تصور الجمهور للتهديد الإرهابي. كثيرًا وربما بصورة مبالغة، شدد المحللون والسياسيون على أن الدعاية هي «أكسجين» الإرهاب. في عام ١٩٨١، قال يونا ألكسندر — مشيرًا إلى جيش التحرير التكافلي الغامض — إنه «لسنوات طويلة، واصل الإعلام تضخيم المسألة في غير تناسب مع حجمها الحقيقي»، وأن ذلك حولها إلى حركة معروفة دوليًّا تمتلك القوة وتمثِّل مشكلة مستعصية للسلطات. وبصورة عامة، ذهب ألكسندر إلى أن الإرهابيين يبذلون «جهدًا واعيًا ومتعمدًا للتلاعب بوسائل الإعلام»، وأنه «من خلال تقديم تغطية شاملة للأحداث تعطي وسائل الإعلام الانطباع أنها تتعاطف مع القضية الإرهابية.»

تشير فكرة «أكسجين الدعاية» ضمنًا إلى أن السيطرة على الإعلام قد تقدم وسيلة للتخلص من الإرهاب كلية. لكن كما تشير التجربة البريطانية مع «حظر البث»، ليس من السهل تحقيق هذا الأمر في ثقافة ليبرالية متجذرة. يشير ألكسندر إلى أن محاولات فرض تعتيم إعلامي ستدفع الإرهابيين على الأرجح إلى تصعيد أعمال العنف، وأن «أي تقييد غير مبرر للإعلام الحر سيؤدي في النهاية إلى انتصار الإرهاب»؛ أي أنه يدعم ضبط النفس والتعاون الطوعي مع نظام العدالة الجنائية، لكنه يقول كذلك إن «تحديد الدور المناسب للإعلام لا يجب أن يُترك لتقديرهم وحدهم.» تقدير من إذن؟ هنا تكمن الصعوبة.

الحرية أم الأمن؟

يرجع أحد أسباب تركيز التفسيرات مثل تفسير شميد — إلى درجة المبالغة ربما — على نقاط ضعف المجتمعات الديمقراطية؛ إلى أن هذه التفسيرات تركز ليس على التعبير عن الإرادة العامة (في تفرقة أشعيا برلين الشهيرة «الحرية الإيجابية») بل على ضمانات الحرية الفردية («الحرية السلبية») التي تعتبر السمات الرئيسية لليبرالية الغربية: حرية الحركة، وحرية التجمع، وحرية التعبير؛ الحماية ضد الحكومات التعسفية؛ المساواة أمام القانون؛ أي وفق التعبير الأنجلو-ساكسوني «الإجراءات القانونية اللازمة».

في إطار المنظومة الديمقراطية الليبرالية، يبدو أن الليبرالية وليس الديمقراطية هي التي تعتبر مصدر الضعف وإمكانية التعرض للعنف الداخلي. تشكِّل الافتراضات الأساسية للثقافة المدنية: التسامح، والاعتدال، والعقلانية، وعدم استخدام العنف؛ الشروط اللازمة لممارسة «الحريات المدنية». أما الإرهاب — أيًّا كان تعريفه — فهو قطعًا اعتداء متعمد على ثقافة العقلانية.

لا شك أيضًا في أن الليبرالية وليس الديمقراطية هي المعرضة للتهديد؛ ليس بسبب العنف نفسه قدر ما هو بسبب رد فعل الدولة له، الذي يكون عادة — مثلما يشير شميد — مدفوعًا بالضغوط الشعبية. بينما يقر شميد بأن «اللجوء إلى أساليب القمع غير القانونية» سيقوض في النهاية من شرعية الحكومة، فإنه لا يتناول إمكانية أن تؤدي الإجراءات المضادة للإرهاب إلى تقويض أو تدمير الدساتير التي تهدف إلى الدفاع عنها. وهنا تصبح مشكلة تعريف الإرهاب وتقييم التهديد الذي يمثله مشكلة حادة؛ إذ تؤدي عدم دقة المفهوم وكيفية عمل الإرهاب إلى تعريف فضفاض للسلطات اللازمة لمواجهته، بينما (مثلما هو الحال في الحرب) تغطي مظلة الأمن القومي تمامًا على سلطات التحقيق التي يعتمد عليها مبدأ المحاسبة العامة. وبدون التحقيق الفعال في التشريعات وأعمال السلطة التنفيذية لا توجد ديمقراطية ليبرالية.

تتمثل المشكلة الرئيسية في النقطة التي يصبح عندها النظام القانوني الليبرالي غير قادر على التعامل مع العنف المنظَّم. حُددت هذه المشكلة بوضوح نادر في عملية التقييم القضائية التي قدمها اللورد جاردنر للإجراءات المضادة للإرهاب في بريطانيا في عام ١٩٧٥:

عندما تحل الفوضى وغياب القانون محل الأوضاع الطبيعية، في ظل وجود إرهاب شامل يسبب خسائر واسعة في الأرواح ويتسبب في إصابات هائلة … لا يمكن توقع أن يحافظ القضاء على حالة السلم والنظام في المجتمع إذا كان عليه أن يتصرف وحده. حينئذٍ تصبح ضمانات القانون نفسها هي الوسيلة التي من خلالها يُلتف حوله.

قد يؤدي نقص المعلومات وترهيب الشهود والمحلفين إلى شل النظام القانوني. ربما يصبح رد الفعل هو إنشاء محاكم خاصة، وسن قوانين خاصة، وتشكيل قوات خاصة، وهو ما قد يمثِّل بمرور الوقت تحولًا في اتجاه «دولة قوية» أو حتى «دولة حصن». وقد كان هذا المسار فيما مضى يعتبر غريبًا للغاية على التقاليد البريطانية، لكن ربما يكون القرن العشرين قد شهد تحركًا في هذا الاتجاه.

يجب أن نضع في الاعتبار أن القوانين الخاصة — كلما كانت أبعد عن القوانين العادية — تحمل إمكانات قد تؤدي إلى تآكل حتى أكثر التقاليد الليبرالية حيويةً ورسوخًا؛ وهو خطر «الاعتياد على الاستثنائي»، وتقويض الضمانات التي اكتُسبت بصعوبة، خاصة في ظل غياب أي إجراءات شفافة لتقييم ما إذا كانت الإجراءات متناسبة مع الخطر. وقد صار واضحًا إلى أي حد قد يهدد الإرهاب بقاء المبادئ الليبرالية-الديمقراطية من خلال «حظر البث» الذي فرضته بريطانيا في عام ١٩٨٨، الذي كان يهدف إلى حجب أصوات قادة حزب شين فين. وقد بُرِّر ذلك من خلال افتراضين: التأكيد الفني — الذي لم يُثبت — ظاهريًّا على أن الإرهابيين يعيشون على «أكسجين الدعاية»، والتأكيد غير الليبرالي على الإطلاق على أن حق ضحايا الإرهاب في الحماية من صوت الإرهابيين، يجب أن يفوق في أهميته حق المواطنين الآخرين في الحصول على معلومات. وقد قوبلت هذه التجربة تحديدًا بالسخرية على نطاق واسع، وتقوضت في نهاية المطاف من خلال مزيج من عدم فعاليتها الواضحة والحاجة إلى إعادة القادة المحظورين مجددًا إلى «عملية السلام» السياسية؛ لكن تظل هذه التجربة مثالًا مزعجًا على هشاشة الافتراضات الليبرالية الراسخة.

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تزايد مستوى التهديدات «للإجراءات القانونية اللازمة» جنبًا إلى جنب مع تضخيم مشاعر الذعر لدى الجماهير. أزال القانون الوطني الأمريكي (وهو اختصار للقانون المسمى «توفير الأدوات المناسبة اللازمة لاعتراض سبيل الإرهاب وعرقلته») العديد من العوائق القانونية على عمليات المراقبة الداخلية. كانت معاملة الولايات المتحدة «للمقاتلين غير الشرعيين» المعتقلين في جوانتانامو مزعجة للغاية للكثير من الأمريكيين والكثيرين حول العالم بصورة عامة. بل وقد دعم أستاذ قانون أمريكي علنًا عمليات تعذيب الإرهابيين المشتبه بهم، وهو دفاع بالكاد يمكن تخيله في الغرب في العصر الحديث. لا يعني ذلك بالطبع أن الدول الغربية الحديثة لم تستخدم التعذيب، بل إنه كان هناك اعتقاد سائد (بعيدًا عن الاعتراضات الأخلاقية) أن المعلومات التي يجري الحصول عليها من خلال التعذيب لا يمكن الاعتماد عليها. لا شك أن فلسفة التشريع الغربية تقوم في الأساس على عدم قبول القرائن التي يجري الحصول عليها على هذا النحو. حتى الإجراءات الأخرى الأقل إثارة للانتباه، التي تنحرف بعيدًا عن تقاليد الإجراءات القانونية اللازمة — مثل أسلوب «أوامر المراقبة» البريطاني الذي يستخدم مع الإرهابيين المشتبه بهم الذين لم تتمكن السلطات من إدانتهم في محاكمة علنية — قد يكون لها أثر من شأنه أن يجعل المؤسسات البريطانية تبدو «رمزًا للرياء» في نظر العالم الخارجي، مثلما أشار اللورد ماكدونالد في يناير ٢٠١١.

حتى الآن، يظل السؤال عما إذا كانت الحريات المدنية متوافقة مع الإجراءات المضادة للإرهاب دون إجابة. ينتهي تحليل رونالد كرلينستن العميق بطرح أجندة متطلبة للغاية: «يجب على وكالات الاستخبارات الأمنية رصد التهديدات … في سياق القيمة التي تضفيها مجتمعاتنا الديمقراطية على الحقوق الفردية.» تظل مشكلة المعلومات في جوهر الموضوع: حيث تعتمد معظم الصلاحيات الخاصة لمحاربة الإرهاب — مثل احتجاز أو ترحيل المشتبه بهم — على المعلومات الدقيقة الصحيحة إذا لم يجر إساءة استخدامها. فهل يمكن ضمان هذه الدقة بدون وضع نظام مراقبة شامل بحيث يمثل في حد ذاته خطرًا على الحقوق الفردية؟ لقد طُرح بصورة منطقية أن جمع المعلومات الاستخباراتية سرًّا يضع مشكلات أقل للحريات المدنية مما كان يُزعم بصورة تقليدية دائمًا، ولكن ذلك فقط بناء على الافتراض أن الحكومات تستطيع تكوين إجماع عام، متغلبة على ما أسماه أحد محللي الاستخبارات «الافتقار [الشديد] إلى الوضوح حول طبيعة التهديد الذي يواجهه المجتمع، والأهداف التي تُجمع من أجلها المعلومات الاستخباراتية، واستخدامات هذه المعلومات.»

يبدو أن هذا يتطلب نقاشًا عامًّا مفتوحًا ومعقدًا على الأرجح. بدأ شيء من هذا القبيل يحدث بالفعل في بريطانيا، على الرغم من الجهود الحثيثة لحكومة حزب العمال في وأد النقد العام لتشريعاتها في مجال مكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في يوليو ٢٠١٠، مُنح اللورد ماكدونالد سلطة «الإشراف المستقل» على عملية تقييم رسمية كبيرة لإجراءات مكافحة الإرهاب البريطانية، وهو في حد ذاته ما يشير إلى مناخ جديد من الحذر حيال تداعيات رد الفعل المبالغ فيه. وجاءت اختصاصات وصلاحيات عملية التقييم هذه: «النظر في قضية الأمن والحريات المدنية، ومتى كان ممكنًا اقتراح إجراءات تصحيحية لصالح الحريات.» وقد صرح اللورد ماكدونالد نفسه علانية أن بريطانيا «بالغت في رد فعلها» بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، و«أننا رأينا بعض السلطات وبعض القوانين التي تجاوزت بالفعل الحدود المقبولة.» على الرغم من التخلص من بعض أكثر عناصر «أوامر المراقبة» عرضة للانتقاد (وربما أكثرها فعالية)، فقد أذهل استبدال «إجراءات تحقيقات منع الإرهاب» بها الكثير من المراقبين باعتباره مجرد إجراء شكلي يهدف إلى تحسين الصورة. وفي النهاية، لم تثر عملية التقييم أي نقاش شعبي كبير.

fig17
شكل ٧-٣: كيف انتهت ٢٦٨ جماعة إرهابية في مختلف أنحاء العالم من عام ١٩٦٨ إلى ٢٠٠٦.3

قدمت الولايات المتحدة مثالًا على أن الإجماع العام في حد ذاته قد يتغلب على مشكلات التعريف والجدال: ففي حين حذر حفنة من المحامين الأكاديميين من أن «حقوق الإرهابيين المشتبه بهم هي حقوقنا أيضًا»، بدا الرأي العام الأمريكي السائد يحتقر هذه الوساوس الليبرالية؛ إذ حظي القانون الوطني الأمريكي بموافقة شعبية واسعة النطاق. مثلما يشير كرلينستن في عقلانية «سيضحي معظم الناس بحريتهم في مقابل الأمن، إذا ما شعروا أنهم تحت تهديد قوي يدفعهم لذلك.»

كيفية القضاء على الإرهاب

من غير الوارد أن يختفي الإرهاب في حد ذاته تمامًا. لكن معظم الحملات الإرهابية الفردية انتهت، وتعتبر الطريقة التي انتهت بها هذه الحملات ذات دلالات قد تمدنا بمعلومات مفيدة. وجد تحليل أجرته مؤسسة راند على ٦٤٨ جماعة إرهابية كانت تمارس نشاطها بين عامي ١٩٦٨ و٢٠٠٦ أن نسبة عشرة بالمائة منها حققت «انتصارًا»، بينما سُحقت نسبة أقل قليلًا باستخدام القوة العسكرية المباشرة. يتمثل السببان الرئيسيان للقضاء على هذه الجماعات في تحقيقات الشرطة (٤٠٪) وإجراء بعض التسويات السياسية (٤٣٪). اختفى ما يقرب من ٦٢٪ من إجمالي الجماعات الإرهابية، فيما اختفت ٣٢٪ فقط من الجماعات الدينية. لم يحقق أي من هذه الجماعات «الانتصار». مؤخرًا، صار من الشائع القبول بأن «الحرب العالمية على الإرهاب» التي شُنت في عام ٢٠٠١ بهدف هزيمة «كل جماعة إرهابية ذات انتشار عالمي»؛ كانت حربًا أُسيء فهمها وإدارتها. (وقد أعلن وزير الخارجية البريطاني بالفعل رسميًّا في وقت مبكر من عام ٢٠٠٩ أن المفهوم كان خطأ.) كان هذا الإدراك المتأخر في حد ذاته محبطًا، كما أن حقيقة أن عِقد مكافحة الإرهاب بالكامل لم يكن له أي آثار ملموسة قد تكون أكثر إحباطًا، إذا كان لنا أن نحكم وفقًا لمستويات التهديد الرسمية التي أعلنتها كل من بريطانيا والولايات المتحدة. لكن يجب أن تسهم هذه الخبرات والأحداث الماضية في دعم الاعتقاد أن الإرهاب اليوم ليس أقرب مما كان عليه قبل قرن من حيث إمكانية القضاء على الحضارة الغربية.

هوامش

(1) Camerapress.
(2) © Sipa Press/Rex Features.
(3) Used with permission. © RAND Corporation.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤