عن المؤلف
الخلاصة
أتذكَّر أنني عرَفتُ بشأن مبرهنة فيرما الأخيرة حين كنت صَبيًّا في الثانية عشرة تقريبًا. وكانت من الموضوعات التي يَعرِضُها علينا مدرسُ الرياضيات ليُحاولَ إقناعنا بأنَّ الأعداد مثيرةٌ للاهتمام. وجدنا سهولةً كافية في فَهْم المعادلة، وكان باستطاعتنا أن نلهوَ بمحاولة إيجادِ حلول (والفشل في ذلك.) أخبرَنا المدرسُ بتاريخ المسألة والملاحظةِ الهامشية سيِّئة السُّمعة، ومن المرجَّح أنه تحدَّانا للتوصُّل إلى برهان. وعلى عكس أندرو وايلز، فقد خَفَتَ ما عايَنتُه في صِباي من اهتمامٍ بمبرهنة فيرما الأخيرة سريعًا.
لقد فوجئتُ بكل مرحلةٍ من مراحل نجاحِ هذا الكتاب. فوجئت حين وجدتُ دارَ نشرٍ بريطانيةً، وكنتُ أكثرَ دهشةً حين وجدتُ اهتمامًا من دُور نشرٍ أجنبية. وحين وصل إلى المتاجر، كنتُ في غاية الذُّهول من ترقِّي الكتاب إلى قائمة الكتب العِلمية الأفضلِ مبيعًا، ناهيك عن ظهوره بعد ذلك في القائمة العامة للكتب الأفضلِ مبيعًا، وبلوغه المرتبةَ الأولى في نهاية المطاف.
أنا أرى أنه من الطبيعيِّ جدًّا أن أتحدثَ عن علماء الرياضيات إضافةً إلى الرياضيَّات. ربما يكون السبب في ذلك أنني عملتُ في مجال التليفزيون قبل أن أُصبح كاتبًا، وأعرفُ أنَّ الشخصيات والحبكة والدراما عناصرُ جوهرية في العديد من البرامج التليفزيونية. ثم إنَّ مبرهنة فيرما الأخيرة تحفلُ بتاريخٍ طويل وثَري، وكانت المشكلةُ الوحيدة هي تحديد أي الشخصياتِ يُضمَّنُ وأيها يُحذَف.
مبرهنة فيرما الأخيرة تحفلُ بتاريخ طويل وثري، وكانت المشكلة الوحيدة هي تحديد أي الشخصيات يُضمَّن وأيها يُحذَف.
إذا كان أحدُ المراهقين يحلم بأن يكونَ عالم رياضيات؛ فيُمكن له أو لها أن يختار العملَ كعبقريٍّ منعزِل في بُرجه العاجيِّ، أو يختارَ العمل ضِمن فريقٍ يُرسل الصواريخَ إلى الفضاء، أو يُصمِّمَ خُوارزميَّاتِ الرسوم المتحركةِ لاستوديوهات هوليوود، أو التنبُّؤ بسوق البورصة. فمتخصِّصو الرياضيات الناشئون دائمًا ما سيَجِدون بيئةً تُلائم رغباتهم الفكريةَ والاجتماعية. المشكلة هي أنه لا يوجد عددٌ كافٍ من الشباب في بريطانيا ممَّن يرغبون في أن يُصبحوا متخصصين في الرياضيات أو (علماء). ولستُ متأكدًا من السبب في عدم تعامل الحكومة مع هذه المشكلة بجدية، لكنَّ الحقيقة أنَّ السنواتِ القادمةَ ستشهد نقصًا حادًّا في أعداد المتخصصين في الرياضيات وعلماء الرياضيات الشباب البارعين في بريطانيا مما سيكون له تأثيرٌ وخيمٌ على اقتصادنا.
لا أعتقد أنني مررتُ بلحظةِ تجلٍّ، بل نَما لديَّ حبُّ استطلاعٍ متزايدٌ بشأن العالم. فبالرغم من أنني كنتُ أستمتع بالرياضيات، كانت العلوم هي التي أسَرَتْني. دائمًا ما كانت الأسئلة المتعلقة بأصلِ الحياة وبِناء الكون تَبْهَرُني، وقد تأجَّج هذا الشغَفُ بالرياضيات والعلوم، بسبب مُعلِّمي المدرسة الذين وضَّحوا لي الصِّيَغَ والتجارِبَ التي بثَّت في العلومِ روحَ الحياة. والمشكلة اليوم هي أنَّ مُعلمي العلوم الأكْفاء ذَوي الخبرة صاروا أقلَّ فأقلَّ؛ ولهذا فإنَّ عددَ المراهقين الذين يضجَرون من العلومِ في ازدياد.
لا أعتقد أنني مررتُ بلحظة تجلٍّ، بل نما لديَّ حبُّ استطلاع متزايد بشأن العالم.
بالرغم من أنني كنت عالمًا كُفئًا، فقد أدركتُ في النهاية أنني لستُ من بين العلماءِ الأبرع والأفضل. لذا فقد رأيتُ أنَّ أفضل شيء بعد أن أكون عالمًا هو أن أكون من المحاورين في مجال العلوم؛ لأنَّ ذلك سيتضمَّنُ أن أستمرَّ في التحدث إلى العلماء والتعرُّفِ على أحدثِ الأبحاث. إنَّ أحد أكبرِ التحدِّيات التي تُواجِهُنا في الحياة هي معرفةُ ما ينبغي عليك أن تعملَ فيه، وقد كنتُ محظوظًا للغاية إذ قرَّرتُ في مرحلةٍ مبكِّرة من حياتي أن أنتقلَ من كوني عالمًا متوسطًا إلى كاتبٍ جيد جدًّا في مجال العلوم.
بالرغم من أنَّ العلومَ ظلَّت حُبي الأولَ على الدوام، وبالرغم من أنني سُرِرت بازدهار الكتابة العِلمية على مدى العَقد الأخير، فمن المهم أن نتذكَّر أنَّ «مبرهنة فيرما الأخيرة» كتابٌ في الرياضيات لا العلوم. إنني أفخَرُ به على نحوٍ خاص؛ لأنه كان من أوائل كتب الرياضيات التي تصلُ إلى عموم القُراء، ولأنه أوضح أنَّ علماء الرياضيات يُكرِّسون كل اهتمامهم على نحوٍ رائع لحلِّ مسائلَ جميلةٍ وملهِمة.
علماء الرياضيات يكرسون كل اهتمامهم على نحو رائع لحل مسائل جميلة وملهمة.
قبل بِضْع سنوات، قلتُ إنني قد لا أكتبُ كتابًا آخَر، لكني أعتقد أنَّ ذلك الشعورَ كان يعود بصورةٍ جزئية إلى أنني كنتُ مستنزَفًا بعد الانتهاء للتوِّ من تأليف كتاب «الانفجار العظيم» الذي أسردُ فيه تاريخَ علمِ الكونيَّات. أنا أحبُّ تأليف الكتب، لكنها عمَليةٌ مُنهِكة؛ إذ تستلزم مني أن أتعلَّمَ بشأن موضوعٍ جديد تمامًا. ولهذا؛ فبعدَ سنوات من التركيز الذهنيِّ على موضوعٍ واحد، من الصعبِ على المرء أن يتخيَّلَ خوضَ تلك العمليةِ المضنية من جديد. بالرغم من ذلك، فبعد الانقطاع عن الكتابة عامَين، أشعر الآن بالحماسِ للبَدء مجددًا. لديَّ فكرتان في ذهني، لكنني لن أُفصِح عنهما إلى أن أُقرر إذا ما كنتُ سأُطور إحداهما إلى كتاب.

الكتابة: القراءة والكتابة مع سايمون سينج
ج: إنني أُكِنُّ احترامًا خاصًّا للعلماء الذين يقتطعون من وقتهم للكتابة للقارئ غيرِ المتخصِّص. ما من سببٍ يدفع مارتِن ريس أو ستيف جونز أو ريتشارد دوكينز إلى الانقطاع عن إجراءِ الأبحاث عاليةِ الجودة وتأليفِ الكتب بدلًا من ذلك. فالأرجح أنهم يُدرِكون أنَّ لكتبهم تأثيرًا ضخمًا على الجمهور وعلى العلماءِ الناشئين.
ج: تُعجبني الأفكار البارعة للكتُب. لذا؛ فبالرغم من أنني لم أكن لأتمكَّنَ من كتابة «نصائح دكتور تاتيانا عن الجنس لجميع الكائنات» بقلم أوليفيا جودسون، فأنا أتمنَّى لو كنتُ قد فكرت في تأليف كتابٍ عن السلوك الحيواني في صورة خطابات تَرِد من مختلِف الأنواع إلى عالمة حيوانٍ تُحرر عمودَ نصائحِ القرَّاء. وبالمثل فإنني أتمنى أيضًا لو أنني فكَّرت في الكتابة عن تطوُّرِ التلغراف، الذي يُفسِّر ثورةَ المعلومات الحاليَّة. وقد كان هذا هو موضوعَ كتاب «الإنترنت الفيكتوري» بقلم توم ستانديج.
ج: أقرأ كتبًا ترتبط مباشرةً بالموضوع الذي أكتبُ عنه ولا شيء آخَر. وأنا أكتبُ عن موضوعات جديدة عادةً ما تكون جديدة عليَّ؛ لذا فعَليَّ أن أغمسَ نفسي تمامًا في هذه الموضوعات — الرياضيات والتشفير وعلم الكونيات — لأستطيعَ المواكبة.
إما أن أمسك بالناس في الشارع وأُحدِّثهم عن العلوم، وإما أن أؤلِّف الكتبَ عنها، وأعتقد أنَّ الخيار الثانيَ أحرى بألَّا يوقِعَني في المشكلات.
ج: أنا أُحبُّ تعلُّمَ العلومِ والرياضيات؛ لذا فمِن الرائع والمميز حقًّا أن أقضيَ بِضْعة أعوامٍ في القراءة عن موضوعٍ معيَّن ولقاء المفكِّرين البارزين. غير أنني أرغبُ أيضًا في إثارة اهتمام الآخَرين بهذه الموضوعات. أعتقد أنَّ الكون رائعٌ ومدهش، فإمَّا أن أُمسِك بالناس في الشارع وأُحدثهم عن العلوم، وإما أن أُؤلِّف الكتبَ عنها، وأعتقد أنَّ الخيار الثانيَ أحرى بألَّا يُوقِعَني في المشكلات.