لوحة زمنية بمعالم تاريخ الفلسفة

أطلس فلسفي

تقديم

خرجت من تجربتي المتواضعة في تعليم الفلسفة بأن الطلاب والمثقفين كثيرًا ما يخلطون بين العصور الفلسفية وتواريخ مولد الفلاسفة وموتهم، فكم وضعوا أرسطو في العصر الوسيط أو الحديث، وألقوا بكانط في غياهب العصر القديم أو الوسيط! وقد أوحى إليَّ هذا بفكره لوحة زمنية تكون أشبه بتخطيط عام أو «خارطة» تاريخية تسعف القارئ في التعرف إلى المعالم الكبرى في تاريخ الفكر الفلسفي، على نحوِ ما يلجأ السائح إلى خارطة مدينة أو بلد غريب فتطمئن نفسه إلى دليل يحميه من التيه. وغنى عن الذكر أنها تسعفه وتهديه، ولكنها لا تعفيه من الاطلاع بنفسه على هذه المعالم، وإلا اكتفى الناس بالمكوث في بيوتهم والتفرج على الخرائط! وقد استعنت على وضع هذه اللوحة بالجدول التاريخي الذي ألحقه الأستاذ «إرنست فون أستر» بكتابه المعروف عن تاريخ الفلسفة (الطبعة الخامسة عشرة، كرونر، شتوتجارت، ١٩٦٨م) واللوحة الزمنية التي ذُيِّل بها المعجم الفلسفي الذي أسسه الأستاذ هينريش شميث وأكمله ونشره في طبعته الرابعة عشرة الأستاذ جورجي شيشكوف (شتوتجارت، كرونر، ١٩٥٧م) وقد كان في نيتي أن أقتصر على الخطوط العريضة والحقائق البارزة، حتى لا تخرج اللوحة عن حجمها المحدود ولا تبعد عن هدفها المقصود. ولكن مثل هذا العمل يحمل دائمًا في طيَّاته أخطار الإغراء، فوجدتني أتوسَّع في بعض الفلاسفة الكبار، وأشحذ الذاكرة لأُفرغ ما بقي في غربالها من معلومات عن المؤلفات التي تُرجمت لهم أو وُضعت عنهم في لغتنا، مكتفيًا بذلك عن ذكر أسمائها في لغاتها الأصلية حتى لا أزيد الأمر تعقيدًا. وقد كان اعتمادي الأكبر على الذاكرة وبعض المراجع القليلة التي وجدتها بين يدي أثناء وجودي في صنعاء، ولهذا فاللوحة أبعد ما تكون عن الوفاء والاستقصاء، كما تعاني قدرًا كبيرًا من عدم التوازن بين أجزائها. ولكني أرجو أن تتاح الفرصة في المستقبل لتهذيبها واستيفائها بقدر الإمكان. وقد استعنت ببعض القواميس الفلسفية غاير ما ذكرت، وهي قاموس هيردر الفلسفي للأستاذ ماكس مولر، وقاموس المفاهيم الفلسفية للأستاذ يوهانيس هوفميستر، وقاموس لاروس الفلسفي للأستاذ ديدييه جوليا، والقاموس الفلسفي الذي نشره الأستاذان «م. روزنتال» و«ب. يودين» موسكو ١٩٦٧م كما اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على المواد التي أضافها أستاذنا الدكتور زكي نجيب محمود عن الفلاسفة المسلمين إلى الموسوعة الفلسفية المختصرة التي تفضَّل بمراجعتها والإشراف عليها (صدرت عن سلسة الألف كتاب، العدد ٤٨١، مكتبة الأنجلو المصرية، ١٩٦٣م) وألحقت بكل شخصية بعض المراجع التي ربما يحتاج القارئ للاطلاع عليها دون أي طموح للاستقصاء كما ذكرت من قبل. ولست بحاجة للقول بإنها ليست قاموسًا فلسفيًّا بأي معنًى من المعاني، مهما شابهت القواميس من قريب أو من بعيد. وإذا كانت قد غابت عنها بعض الأسماء الهامة من علماء الكلام والمتصوفة والفلاسفة والحكماء في الشرق والغرب، أو أسقط بعضهم دون وجه حق واختصر الكلام عن بعضهم الآخر اختصارًا مخلًّا، فأرجو على كل حال ألا يحرمها هذا القصور من بعض الفائدة.

(١) الهند

عصر «الفيدا» القديم (من حوالي ٢٥٠٠ إلى ٦٠٠ق.م): أناشيد الرجفيدا. التفكير في الأصل والمبدأ الأول وراء عالم البشر والأرباب.
عصر الفيدا المتأخر؛ الأوبانيشاد (من حوالي ١٠٠٠–٤٠٠ق.م): وحدة «الاتمان»، أي الذات، مع «براهمان» الإلهي، تناسخ الأرواح والخلاص.
حوالي سنة ٥٠٠ق.م: ظهور بوذا، أقوى الشخصيات الروحية تأثيرًا في تاريخ العالم.
من القرن الثالث حتى القرن الخامس بعد الميلاد: فلسفة «السامخيا» و«اليوجا» يبلغان ذروة تطورهما الذي استمر حوالي ألف سنة.
حوالي سنة ٨٠٠ بعد الميلاد: مذهب «الفيدانتا» في وحدة الوجود المرتبط بالأوبانيشاد يبلغ ذروته.

(٢) الصين

كتاب «أي جينج»: (التحولات) أقدم وثيقة فلسفية في تاريخ الحكمة الصينية ولا يُعرف تاريخ كتابته. وهو كتاب تنبؤات يهدي الفرد لمعرفة نفسه والسلوك في مواجهة المواقف والأخطار حسب ما تقضي به طبيعته. وقد ظهر تأثيره على لاوتسي (في كتاب الطريق والفضيلة) كما شرحه كونج تسو (كونفوشيوس) وهما أكبر شخصيتين في تاريخ الفلسفة الصينية.
حوالي ٦٠٤ق.م: مولد لاوتسي، كتاب تاروني-كنج الطريق والفضيلة (الترجمة العربية لكاتب السطور)، مؤسسة سجل العرب. الألف كتاب. القاهرة ١٩٦٦م.
حوالي ٥٥١ق.م: مولد كونج تسي (كونفوشيوس) أكبر «متصوف» أخلاقي ومؤسس التراث الصيني.

كلمة «تاو» هي الكلمة الأساسية في الحكمة الصينية، وكانت في الأصل تعني «الطريق» أو «الخط المرسوم» (للأجرام السماوية) ثم أصبحت التصور الميتافيزيقي الرئيسي الدال على الوجود الحق والنظام الأبدي (يمكن مقارنتها من بعيد ﺑ «البراهمان» الهندي و«اللوجوس» اليوناني مع فروق أساسية بينها جميعًا).

  • مو تي (النصف الثاني من القرن الخامس ق.م).

  • شوانج تسي (القرن الرابع ق.م) شارح لاوتسي بأمثاله وحكاياته الشاعرية الخلَّابة.

(انظر: «الفلسفة في الشرق» لبول ماسون أورسيل وترجمة الدكتور محمد يوسف موسى، و«حكمة الصين» للأستاذ فؤاد شبل، و«الفلاسفة الكبار» لكارل ياسبرز، وقد سمعت عن ترجمة لبنانية لبعض أجزائه، و«ما قبل الفلسفة: الإنسان في مغامراته الفكرية الأولى» تأليف ﻫ/و ﻫ/أ. فرانكفورت وجون ولسون وتوركيلد جاكويسون وترجمة الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا، بغداد ١٩٦٠م، و«الفكر الفلسفي الهندي» لسرفبالي راداكرشنا وشارلز مور وترجمة ندره اليازجي (وبه نصوص من الأوبانيشاد وبهاجفاد جيتا وغيرهما من روائع الفلسفة الهندية) دمشق، دار اليقظة العربية، ١٩٦٧م.)

(٣) الفلسفة الغربية القديمة

(٣-١) المفكرون قبل سقراط

٦٠٠–٥٠٠ق.م؛ الملطيون: (أو الطبيعيون) السؤال عن الأصل والمبدأ، طاليس (الماء) أنا كسمندروس (الأبيرون: اللامحدود أو اللامعين) وأنا كسيمنيس (الهواء) يبدأ الفكر بالسؤال العقلي عن وجود الموجود (الفيزيس)، وهو سؤال عن الأصل والمبدأ الأول (أرخيه).

فيثاغتورس الساموسي ينشيء مدرسته (أو فرقته السرية) في كروتون بجنوب إيطاليا. العدد هو وجود الموجود، والوجود هو الكون.

حوالي سنة ٥٠٠ق.م: ذروة الحركة الفكرية قبل سقراط. بارمنيدز الإيلي (من إيليا في جنوب إيطاليا) يُؤسِّس «الأنطولوجيا» (علم الوجود) عن طريق نظريته عن الوجود الثابت الذي يعبر عنه الفكر، وهيراقليطس من إفيسوس يفكر في الوجود كصراع بين الأضداد، يعرف عن طريق «اللوجوس» في الصيرورة. ربما كان أكزينوفان (من كولوفون) — وهو مؤسس وحدة الوجود الفلسفية وتنزيه الألوهية عن التشبيه — قد مهَّد لبارمنيدز الذي عبَّر تلميذه النابغة «زينون» عن نظريته تعبيرًا جدليًّا بمفارقاته المشهورة عن اللامتناهي (كالسهم وأخيل والسلحفاة والحبة وكومة الشعير).
القرن الخامس ق.م؛ أمبيدوقليس: (أنبا ذوقليس) من أجريجنت (صقلية) وأنكسا جوراس (من كلازوميناي)، أساس الواقع عند الأول هو العناصر الأربعة التي تتحد وتتفرق عن طريق الحب والكراهية، والثاني يرجعه إلى مواد أولية غير متناهية العدد، يحدد «النوس» (العقل أو الروح) حركتها.
٤٦٠–٣٧٠ق.م؛ ديموقريطس: (من أبديرا) التفسير الذري-الآلي للعالم. فلسفة مادية وحتمية مطلقة.

السفسطائيون: أزمة التفكير الفلسفي في الحقيقة. يمثلون «عصر التنوير» المبكر في تاريخ الغرب. وضع القيم والتقاليد والحقائق الراسخة موضع السؤال والمغالطة.

٤٨٠–٤١٠ق.م؛ بروتاجوراس: (من أبديرا) «الإنسان مقياس الأشياء جميعًا، ما وجد منها وما لم يوجد». النسبية.
٤٨٠–٣٧٥ق.م؛ جورجياس: (من ليونتينوى في صقلية)، قضاياه الثلاث: لا يوجد شيء، إن وجد شيء فلا سبيل إلى معرفته، وإن أمكن معرفته فلا يمكن توصيله للغير (الشك والعدمية).
  • راجع في العربية: فجر الفلسفة اليونانية للمرحوم الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، ربيع الفكر اليوناني للدكتور عبد الرحمن بدون، تاريخ الفلسفة اليونانية للمرحوم الأستاذ يوسف كرم، الفلسفة عند اليونان، الدكتورة أميرة حلمي مطر، تاريخ الفكر الفلسفي، الجزء الأول من طاليس إلى أفلاطون للدكتور محمد علي أبو ريان.

(٣-٢) المفكرون الكلاسيكيون

٤٦٩–٣٩٩ق.م؛ سقراط: حكمت عليه «الديموقراطية» الأثينية بالموت وهو في السبعين من عمره. لم يؤثر عنه شيء مكتوب. تفلسُف سقراط جدل متهكم يتفكر في ماهية الفضيلة «الأريتية». نموذج الفلسفة الحي وشهيدها.
٤٢٧–٣٤٧؛ أفلاطون: تجديد التفكير في الحقيقة — الذي هدده السفسطائيون بالغرق في النسبية والفردية والعدمية — عن طريق نظرية المُثل، معرفة المُثل هي «السلم» الذي نرتفع عليه لتجربة وجود الموجود. فلسفة الحب (الإيروس) في المأدبة، والعدالة في الجمهورية (البوليتابا) التي يتيح تركيبها للإنسان أن يعرف نفسه، وتهدف لإيجاد الإنسان العادل في المجتمع العادل، وهي أساس كل المدن المثالية (اليوتوبيات) التي تصوَّرها المفكرون والأدباء في التراث الغربي والشرقي (الفارابي ومدينته الفاضلة!) المحاورات المتأخرة (بارمنيدز والسفسطائي) محاورات أنطولوجية جدلية. شكل المحاورة تعبير عن روح الفلسفة الأفلاطونية التي تؤمن بانقداح شعلة الفكر عن طريق الاحتكاك والحوار الحر ﺑ «لا لؤم ولا حسد»، لا عن طريق الكلمة المدوَّنة والحرف الميت (الرسالة السابعة التي كتبها في العقد الثامن من عمره وسرد فيها جزءًا من سيرة حياته وكفاحه لتطبيق أفكاره عن الدولة العادلة على الواقع) تأسيس الأكاديمية حوالي سنة ٣٨٨ لتخريج الفلاسفة الصالحين «لإنقاذ» أثينا والبشرية (ظلت قائمة حتى أمر الإمبراطور الروماني جستنيان في سنة ٥٢٩ بعد الميلاد بإغلاقها) انظر في العربية عن أفلاطون: أفلاطون للمرحوم الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، أفلاطون للدكتور عبد الرحمن بدوي، أفلاطون للأب الدكتور جيروم غيث، تاريخ الفلسفة اليونانية للمرحوم الأستاذ يوسف كرم، الفلسفة عند اليونان للدكتورة أميرة مطر، الحكمة الأفلاطونية للدكتور عزت قرني، والمنقذ، قراءة لقلب أفلاطون لكاتب السطور. ومن محاوراته المترجمة عدد كبير بأقلام الدكتور زكي نجيب محمود (الدفاع، أقريطون، أو يطفرون، فيدون) الدكتور فؤاد زكريا (الجمهورية ومعها دراسة قيمة عنها) والدكتورة أميرة مطر (فايدروس وثيآيتيتوس) والدكتور عزن قرني (فيدون) والدكتور وليم الميري (المأدبة) والدكتور سهير القلماوي والمرحوم الدكتور محمد صقر خفاجة (أيون) والأب فؤاد جورجي بربارة الذي ترجم معظم محاورات أفلاطون.
٣٨٤–٣٢٢ق.م؛ أرسطاطاليس: (من ستاجيرا) تتلمذ منذ سنة ٣٦٩ على أفلاطون حتى وفاته، وفي سنة ٣٤٣ استدعاه فيليب ملك مقدونيا لتربية أبنه الإسكندر الأكبر، رجع إلى أثينا بعد اعتلاء الأخير العرش حيث أسس «اللوقيون» وظل يرأسها حتى سنة ٣٢٣. اضطر لترك أثينا بعد موت الإسكندر الأكبر لاتهامه بصداقة المقدونيين ومات في خالقيس. منسق العلم القديم ومصنفه، يرجع له الفضل في تقسيم العلوم الفلسفية. يجمع تفكيره بين القدرة على النظر والبناء والعناية بالظواهر التجريبية. وإذا كان أفلاطون «المثالي» قد اهتدى بالرياضة واعتبرها الطابع المميز لكل معرفة حقه، فإن أرسطو «الواقعي» قد اهتدى بعلوم الطبيعة والحياة والتجربة التاريخية. مؤسس المنطق والميتافيزيقا التي عرَّفها بأنها «البحث عن الموجود بما هو موجود» والسؤال «عن الموجود من جهة وجوده» وبالتالي عن الموجود الأسمى (الثيون أو الله) وهو تفكير خالص في الفكر، ومحرك لا يتحرك، ومبدأ تطور العالم وغايته. جُمعت كتاباته المنطقية وعُرفت بعده باسم «الأورجانون» (آلة الفكر الصحيح أو أداته) (وتشتمل على كتابه عن المقولات الذي كانت له شهرة كبيرة عند العرب) وتتصل بذلك مباشرة بحوثه عن المبادئ (الأرخاي) أو العِلل الأربع الأولى: الصورة والمادة، والفعل (عِلة الحركة) والغاية. مشكلة الحركة مشكلة أساسية في (الطبيعة)، علم النفس تقسم إلى ثلاثة مستويات أو طبقات الغاذية والحيوانية والعاقلة، وهي العلة الصورية أو «الأنتليخيا» للجسد، الأخلاق: مبدأ الفضيلة هو اختيار الوسط العدل (الميتروباثيا)، الشعر وفلسفة السياسة، تنظيم البحث العلمي وترتيبه، إذ يعد أرسطو أول «عالم» بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة في تاريخ التراث الغربي.
  • انظر الترجمات العربية القديمة التي يرجع الفضل لأستاذنا الدكتور عبد الرحمن بدوي في نشرها وتحقيقها (النفس والشعر والخطابة والطبيعة والمنطق) وكذلك كتابه عن أرسطو ومخطوطات أرسطو في العربية، وترجمة كتاب النفس للمرحوم الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، وترجمات المرحوم الأستاذ لطفي السيد (عن الترجمة الفرنسية لبارتليمي سانت هيلار) للسياسة والأخلاق إلى نيقوماخوس، ونظام الاثينيين للمرحوم الدكتور طه حسين، وترجمات كتاب الشعر للأساتذة الدكاترة: شكري محمد عياد واحسان عباس وعبد الرحمن بدوي، وكتاب أورجانون أرسطو عند العرب (بالفرنسية) للأستاذ الدكتور إبراهيم بيومي مدكور والكتب المذكورة آنِفًا عن تاريخ الفلسفة اليونانية.

(٣-٣) العصر الهلينستي

حوالي سنة ٣٠٠ق.م: تأسيس المدرسة الرواقية والمدرسة الأبيقورية في أثينا.

(أ) الرواقية

أسسها زينون (٣٣٦–٢٦٤ق.م) من كيتيون (في قبرص) ونظمها وأضفى عليها الصورة المنهجية كريزيبوس من سولوى (حوالي ٢٨٠–٢٠٧ق.م): إمكان معرفة الحقيقة والواقع، ميتافيزيقا تؤمن بوحدة الوجود: فالعقل الإلهي المنبث في الكون يُسيِّره، الأخلاق: تهتدي بنموذج «الحكيم» الذي يتحقق فيه التجانس بين ذاته وبين العقل أو «اللوجوس» الكوني، الاتجاه للأخوة العالمية، (الكوزموبوليتية).

٣٤١–٢٧١؛ أبيقور: (من ساموس) النظرية الذرية الآلية للعالم تتكفل بتحرير الإنسان من الخوف من الآلهة والموت والطبيعة وتسمح بقيام أخلاق اللذة التي تتحد فيها الصداقة مع الاستمتاع بالحياة. فلسفة الحياة الخاصة الكتفية بذاتها (شعاره المشهور: عِش في الخفاء! لاثي بيوزاس).
حوالي ٣٦٠–٢٧٠ق.م: مذهب الشك، بيرون (أو فرون) من إيليس: عدم إمكان المعرفة بالواقع تتطلب الامتناع أو التوقف عن الحكم (الإيبوخيه) من الناحية النظرية كما تحقق السكينة والطمأنينة وراحة النفس (الأتاراكسيا) من الناحية الأخلاقية.
٣١٤–٢٤٠ق.م: أكيزيلاوس يتبنى مذهب الشك في الأكاديمية «الوسطى».

(ب) الرواقية الوسطى

١٨٥–١١٠ق.م؛ بانايتيوس: (من جزيرة رودوس) ينشر الفلسفة الرواقية في روما وتلميذه بوزيدونيوس (١٣٥–٥١ق.م) من أباميا (في سوريا) يجمع بين البحث الموسوعي والتأملات الخيالية.
٩٦–٥٥ق.م: الأبيقورية المتأخرة تجد التعبير الشعري الرائع عنها في قصيدة: لوكريسيوس كاروس «المشهورة» عن طبيعة الأشياء (راجع بحثًا عنها في مجلة «تراث الإنسانية» للمرحوم الدكتور أحمد عبد الرحيم أو زيد). الأكاديمية تتحول عن مذهب الشك عند كارنياديس القورينائي (٢١٤ إلى ١٢٩ق.م) وفيلون اللاريسي وأنطونيوخوس العسقلاني، وهو معلم شيشرون (الذي يعد وسيطًا انتقلت بفضله الفلسفة اليونانية — والرواقية بوجه خاص — إلى الرومان) إلى نوع من الفلسفة القطعية التوفيقية.

(٣-٤) العصر الروماني

من حوالي سنة ٥٠ق.م إلى سنة ٢٠٠ بعد الميلاد: اتجاهات فيثاغورية جديدة وأفلاطونية تغلب عليها التأملات و«الشحطات» في السحر والتنجيم وأرواح الجن والشياطين والمبادئ الثنوية، وكلها تنبع حنين ديني إلى النجاة والخلاص. أهم شخصيات هذه المرحلة هو أبولونيوس التياني (عاش تحت حكم نيرون ودوميتيان) وفيلون السكندري (عاش بالإسكندرية من ٢٥ق.م إلى ٥٠ بعد الميلاد) وقد سعى — متأثرًا بروح التصوف الهللينستي — إلى الربط بين التراث الأفلاطوني والرواقي وبين التراث اليهودي والعهد القديم عن طريق تفسيره تفسيرًا رمزيًّا. تأكيد العلو المطلق لله الذي يخلق العالم بتوسط من «اللوجوس» الذي تصوره في صوره شخصية حية.

(أ) الرواقية المتأخرة أو الحديثة أو الرومانية

٣–٦٥ب.م؛ سنيكا، لوسيوس أنايوس: (وُلد في كوردوبا) فيلسوف أخلاقي ومؤلف تمثيليات مأساوية (تراجيديات). تأثر بالرواقيين تأثرًا شديدًا، وبخاصة بوزيدونوس. الفلسفة عنده طريق إلى الحياة الخيرة التي تتمثل في الصرامة والقسوة على النفس، والوفاء للمبادئ، ومحبة الناس، كما تتجلى في التعاطف، والوداعة والغفران والإحسان. يقترب من المسيحية في إجلاله لإله شخصي، وإيمانه بخلود الروح، وأنصافه للعبيد. من مؤلفاته في الفلسفة: الأسئلة الطبيعية (وهي محاورات) ورسائله الأخلاقية (ومن أهمها رسالتاه عن الحياة السعيدة وعن قصر الحياة).
من حوالي ٥٠ إلى حوالي ١٣٨م: يشتد الاتجاه الأخلاقي-الديني ونزعة الأخوة العالمية عند إبيكتيت، الذي كان عبدًا ثم أطلق سراحه، وقد تأثر تأثرًا قويًّا بسينيكا. دون أحاديثه تلميذه أريان. وتجد الرواقية آخر شخصياتها الهامة في القيصر ماركوس أورليوس (حكم من ١٦٦ إلى ١٨٠م) وكتابه «التأملات» من منابع الحكمة الخالدة (انظر كتاب الفلسفة الرواقية لأستاذنا المرحوم الدكتور عثمان أمين).
حوالي سنة ١٥٠م؛ سكستوس إمبيريكوس: وهو أحد أعضاء مدرسة الأطباء التجريبيين، جمع مذاهب الشكاك وحجبهم ضد المنطق والميتافيزيقا والأخلاق، المطالبة بتكييف السلوك الأخلاقي مع المألوف والمعتاد.
من حوالي ٢٠٣ (أو ٢٠٥) إلى حوالي ٢٧٠م؛ أفلوطين: وُلد في ليقوبوليس — أسيوط — في صعيد مصر وتعلم بالإسكندرية على يدى أمونيوس ساكاس (من حوالي ١٧٥ إلى ٢٤٢م الذي لم يُؤثر عنه شيء مكتوب) ومات في مينتورنا (ولاية كامبانيا بإيطاليا). هو مؤسس آخر حركة فلسفية كبرى في العصر القديم وهي الأفلاطونية الجديدة أو المحدثة. الفيض: من الواحد الأول (توهين) يفيض العقل الالهي (نوس) والمعقولات. فالنفس الكونية والنفوس الفردية والأشكال البذرية (لوجوي سبير-ماتيكوى) للأجسام الطبيعية حتى المادة الخالصة. ويقابل هذه الصيرورة الكونية للألوهية ارتفاع النفس وعلوها (أو رجوعها) فوق عالم الحس عن طريق الجدل والكشف حتى الوجد (أو الإكستازيس، أي الخروج من العالم) حيث تبلغ حالة الفناء والاتحاد مع الواحد الالهي، وهناك تكون — كما يُعبِّر أفلوطين — وحيدة مع الواحد. كتب تلميذه بورفيريوس (فرفور يوس الصوري) سيرة حياته وجمع كتاباته التي كان قد بدأها بعد الخمسين من وصنفها إلى ست مجموعات تضم كل منها تسعة كتب أو رسائل (التاسوعات أو التساعات) وقد أثَّر أفلوطين تأثيرًا كبيرًا على الفلسفة الإسلامية عندما نُسبت ترجمة إحدى تاسوعاته (وهي الجزء الأكبر من التاسوعة الرابعة عن النفس ومن التاسوعتين الخامسة والسادسة) لأرسطو، وكان هذا من الأخطاء «المباركة» في تاريخ الفكر؛ إذ كان له دور كبير في إضفاء الطابع الصوفي والإشراقي على الفلسفة الإسلامية وبخاصة على ابن سينا.
  • راجع الترجمة العربية القديمة في كتاب «أفلوطين عند العرب» للدكتور عبد الرحمن بدوي، والترجمة الحديثة مع دراسة لحياة أفلوطين وفلسفته في كتاب «التاسوعية الرابعة لأفلوطين» للدكتور فؤاد زكريا، وكذلك ما كتب عنه في تاريخ الفلسفة اليونانية للمرحوم الأستاذ يوسف كرم، والفلسفة عند اليونان للدكتورة أميرة مطر، وخريف الفكر اليوناني للدكتور عبد الرحمن بدوي بجانب دراسة عنه «وحيدًا مع الواحد» في «مدرسة الحكمة» لكاتب السطور.

  • تلميذ أفلوطين وصديقه السابق الذكر «فرفوريوس الصوري»، الذي عاش بين سنة ٢٣٣ إلى سنة ٣٠٠م يُؤلف مدخلًا لكتاب المقولات لأرسطو باسم «الأيساجوجي» أو إيساغوجي، وقد ظل هذا الكتاب الذي اشتهر عند العرب يُستخدم ككتاب مدرسي طوال قرون عديدة.

حوالي سنة ٣٠٠م؛ يامبليخوس السوري: تلميذ فرفوريوس، يحول الأفلاطونية الجديدة إلى مذهب ميتافيزيقي ولاهوتي تغلب عليه النزعة التوفيقية التي اتسمت بها أواخر العصر القديم. وقد أثبت البحث الحديث أنه نقل الجزء الأكبر من كتاب «بروتريبتيقوس» أو الحث على التفلسف الذي ذكره الرواة القدامى ضمن مؤلفات أرسطو وعُدَّ كتابًا ضائعًا حتى تم هذا الاكتشاف. راجع الطبعة العربية لهذا الكتاب تحت عنوان «دعوة للفلسفة» لكاتب السطور.
٤١٠–٤٨٥م؛ بروقليس: (ولد بالقسطنطينية ومات في أثينا) أضفى على الأفلاطونية الجديدة صورتها المنهجية والمذهبية النهائية، نشر أعماله فيكتور كوزان في ستة أجزاء (١٨٦٤م).
٥٢٩م؛ الإمبراطور جستنيان: يأمر بإغلاق أبواب الأكاديمية الأفلاطونية في أثينا. سنة سوداء في تاريخ الفلسفة! بينيديكت (من نورسيا) يُؤسس الدير في مونت كاسينو.

(٤) عصر الآباء والعصر المدرسي (مشكلة الإيمان والمعرفة والتوفيق بين الدين والفلسفة)

(٤-١) آباء الكنيسة

القرن الثاني والقرن الثالث بعد المسيح: كان للعهد الجديد، وبخاصة إنجيل يوحنا ورسائل بولس، أثر قوي على الفلسفة. الدفاع عن المسيحية، خصوصًا ضد مذهب «الغنوص».
حوالي سنة ١٥٠م؛ جستينوس مارتير: عُرف بإلمامه الواسع بالفلسفة الرواقية والأفلاطونية، واللوجوس عنده منبع كل ما هو حق وكل ما هو مسيحي، وإذا كان أثره وفعله يسري في كل شيء — بوصفه اللوجوس سبيرماتيكويس أو أصل الحياة والتشكُّل البذري في الطبيعة كما عرفناه عند أفلوطين — فهو في رأيه يسري بصورة كاملة في شخص السيد المسيح.
١٤٠–٢٠٢م؛ إيرينايوس: الشر ينشأ عن حرية الإنسان لا عن المادة (كما كان يذهب الغنوصيون).
١٦٠–٢٣٠م؛ ترتوليان: ظل متأثرًا بالفلسفة الرواقية على الرغم من رفضه للفلسفة الوثنية القديمة (اليونانية).
حوالي ١٥٠ إلى ٢١٥م؛ كليمنس السكندري: تولى إدارة مدرسة التعاليم الكنسية في الإسكندرية. وقف موقفًا إيجابيًّا من الفلسفة الوثنية واعتبرها ممهدة للمسيحية، من رأيه أن الإيمان ينبغي أن يتحول إلى علم ومعرفة، مؤسس الأفلاطونية المسيحية في الشرق «الإغريقي».
١٨٥–٢٥٤م؛ أوريجنيس: أضفى الشكل المنهجي والمذهبي لأول مرة في الشرق على تعاليم الدين المسيحي الذي بين موافقته للعقل، تتحد في تفكيره عناصر من الفلسفة الهلينستية والأفلاطونية الجديدة.
٢٣٥–٣٩٤م؛ جريجور: (من نيسا) ذهب إلى ضرورة الفصل بين المعرفة والإيمان، وإن أكد صلة المودة بينهما.
٣٥٤–٤٣٠م؛ القديس أوغسطين: (أورليوس أوجستينوس): ولد في طاجسطا (وهي الآن سوق الأخرس بالقرب من مدينة عنابة بالجزائر). في ١٣ / ١١ / ٣٥٤م ومات في أيبونا (من أعمال نوميديا أو الجزائر). أعظم الأفلاطونيين المسيحيين في الغرب اللاتيني وذروة الحركة الفكرية لآباء الكنيسة، أثره ضخم على التفكير الديني والفلسفي للأجيال التالية، يقف على العتبة الفارقة بين العصر القديم والعصر الوسيط، ويجمع في تفكيره بين الميتافيزيقا الأفلوطينية المعدَّلة وبين النظرة الإنسانية عند بولس الرسول. كافح الثنوية المانوية ومذاهب الشك اللذين اعتنقهما في أوائل حياته. من قضاياه الأساسية: إله التثليث (عن التثليث) والنفس التي يوجهها ويهديها من الضلال (الاعترافات سنة ٤٠٠) بقدر ما يحدد تاريخ العالم وغايته (مدينة الله ٤١٣–٤٢٦م التي وضع بها أسس الفلسفة المسيحية للتاريخ). عكف في شيخوخته على تصحيح مؤلفاته المبكرة ومراجعتها (المراجعات).
حوالي سنة ٥٠٠م؛ ديونيزيوس: (المعروف بالبسيدو أريوباجيتا) نشأة التصوف المسيحي الفلسفي من الجمع بين الأفكار المسيحية والأفلاطونية الجديدة. التفرقة بين اللاهوت الإيجابي واللاهوت السلبي، أثَّرت كتاباته تأثيرًا قويًّا على الفلسفة المدرسية (الاسكولائية) والتصوف في العصر الوسيط، وقد تناولها العديد من الشُّراح ابتداء من ماكسيموس كونفيسور في القرن السابع الميلادي.
٤٨٠–٥٢٥م؛ بوئسيوس: (أنيسيوس مانليوس سيفيرنيوس)، فيلسوف وسياسي روماني، أُعدم في حكم تيوديريش قيصر الإمبراطورية الرومانية الغربية بتهمة التجسس لصالح الإمبراطورية الشرقية، مسيحي متأثر بالأفلاطونية الجديدة، كان في نيته أن يترجم مؤلفات أفلاطون وأرسطو إلى اللاتينية ليثبت عدم التعارض بينهما، ولكنه لم يتمكن من إتمام مشروعه، اعتُبر في بداية العصور الوسطى حُجة في فلسفة أرسطو، وذلك من خلال ترجماته لمؤلفات أرسطو وفرفوريوس المنطقية وشروحه عليها. أشهر ما كتب هو «عزاء الفلسفة» الذي يعد من كنوز المكتبة الفلسفية. وقد وضعه في زنزانته في مدينة «بافيا» وتصوَّر الفلسفة في صورة سيدة مهيبة تزوره وتتحدث معه عن الحياة والقدر والحظ حديثًا عذبًا يتراوح بين الشعر والنثر لتخفف عنه كربه وتهديه السبيل إلى الروح الأبدي (انظر مقالًا عن هذا الكتاب وصاحبه في «مدرسة الحكمة» لكاتب هذه السطور).
القرن الثامن؛ يوحنا الدمشقي: (يوهانيس دامسكينوس) آخر صورة مذهبية ومنهجية لتعاليم آباء الكنيسة على أسس أرسطية وأفلاطونية جديدة.

(٤-٢) الفلسفة المدرسية والتصوف في العصر الوسيط: ما قبل الفلسفة المدرسية

القرن الثامن: عصر النهضة في ظل شرلمان (النهضة الكارولينجية)، ألكوين ٧٣٠–٨٠٤م مستشاره في شئون التعليم والكنيسة ومؤسس مدرسة للمخطوطات في «تور»، يؤثر بكتاباته وبشخصيته الحية على هذه النهضة في الفن والعلم والشعر والنحو والبلاغة.
٨١٠–٨٧٧م؛ يوحنا الاسكتلندي أو أريوجينا: (يوهانيس سكوتوس) أكبر مفكري العصر، مزج بين الأفكار المسيحية والأفلاطونية الجديدة وأسَّس مذهبًا صوفيًّا فلسفيًّا يقوم على صدور الموجودات عن الله ورجوعها إليه، في رأيه أن الفلسفة والدين شيء واحد على الحقيقة. والعقل عنده متفوق على الإيمان. أهم مؤلفاته: تقسيم الطبيعة.

(٥) العصر المدرسي المبكر (المشكلة الأساسية: وضع الأُسس الفلسفية للإيمان المسيحي)

القرن الحادي عشر: النزاع بين الجدليين: تقديم المعرفة على الإيمان، والفلسفة العقلية على اللاهوت عند الجدليين (بيرينجار)، وعلى العكس من ذلك خصوم الجدليين (بطرس الدامياني). النزاع حول مشكلة الكليات: النزعة الواقعية التصويرية (فيلهلم فون شامبو ١٠٧٠–١١٢١م) تنتصر على النزعة الاسمية (روسيلين ١٠٥٠–١١٢٥م).
١٠٣٣–١١٠٩م؛ أنسيلم: (من كانتربوي) لقب بأب الفلسفة المدرسية، مفكر حي، أراد أن يرفع الإيمان إلى مرتبة العلم بإرساء العقائد على أسس عقلية: «أومن لكي أعقل» أو الإيمان الباحث عن العقل. اشتهر دليله الانطولوجي على وجود الله (الله هو الموجود الذي لا يمكن تصور موجود أعظم منه) وهو الذي يرى أن تصور ماهية الله ينطوي على وجوده، وقد رجع إليه ديكارت فيما بعد ونقده كانط.
١٠٧٩–١١٤٢م؛ بيتر أبيلار: ناقد نافذ البصيرة، وضع «المنهج المدرسي المعروف sic et non (كذا وليس كذا، نعم ولا، الرأي ونقيضه) وهو الذي يقابل بين الحجج المتعارضة ويوازن بينها قبل الجواب على أي مسألة، وقد أكمله القديس توماس الأكويني وبلغ فيه الغاية (اشتهر أبيلار بقصة حبه لهلوييز).
١٠٩١–١١٥٣م؛ برنهاردفون كلارفو: مؤسس التصوف «العاطفي» في العصور الوسطى.
١٠٩٦–١١٤١م؛ هوجو فون سانت فيكتور: مؤسس التصوف الفلسفي-اللاهوتي في العصور الوسطى؛ وريتشارد فون سان فيكتور (مات سنة ١١٧٣م) يتطور بنظرية التأمل الصوفي.
١١٥٠–١١٥٢م: كتب العبارات الأربعة التي جمع فيها بطرس اللورمبادري آراء آباء الكنيسة تظل هي الكتاب التعليمي طوال أربعة قرون، تعددت شروحه، وأضيفت إليه آراء الفلاسفة مثل أرسطو وبوئتيوس.

(٦) الفلسفة الإسلامية واليهودية

(٦-١) الكندي، أبو يوسف يعقوب بن اسحق

ولد بالكوفة (حوالي سنة ٨٠٣م) وهو من قبيلة كِندة، أي أنه من أصل عربي، ولذلك لقب بفيلسوف العرب. ألمَّ بعلوم عصره، ونزع في آرائه الكلامية نزعة المعتزلة (كالقول بالعدل والتوحيد، والبحث في قدرة الإنسان على أداء فعل ما، وهل توجد قبل الفعل أو تكون معه) مدار فلسفة الكندي هو الفلسفة الطبيعية والرياضيات التي طبقها في بحوثه في الطب والموسيقى اللذين يقومان على التناسب الهندسي. ذهب الكندي إلى أن العالم مخلوق لله، وفِعل الله في العالم إنما يكون بوسائط كثيرة، فالأعلى يؤثر فيما دونه، أما المعلول فلا يؤثر في العلة؛ لأنها أرقى منه في مرتبة الوجود، وكل ما يقع في الكون يرتبط بعضه ببعض ارتباط علة بمعلول، ونستطيع من معرفتنا بالعِلل أن نتنبأ بالمستقبل، وكل موجود في الكون يعكس سائر الموجودات كأنه مرآة لها، فإذا عرفت موجودًا واحدًا عرفت بقية العالم، وهو رأي شبيه برأي ليبنتز في الجواهر الروحية الفردة أو المونادات. والكندي ذو مذهب عقلي؛ إذ يرى أن وجود المادة مرهون بتصورها في العقل، على أن ثمة مرحلة وسْطى تقع بين العقل الإلهي والعالم المادي، وتلك هي النفس التي عنها صدرت الأفلاك كما فاضت عنها النفس الإنسانية، هذه النفس الإنسانية جوهر بسيط خالد، هبط من عالم العقل مزوَّدًا بذكريات من حياته في ذلك العالم؛ فهي من حيث جوهرها مستقلة عن مادة الجسم، لكنها مقيدة بمادة الجسم من حيث أفعالها لأن الجسم هو وسيلة الأداء. واتصال النفس بالجسم مصدر ألم لا ينقضي، فمن شاء نعيمًا مقيمًا وجب عليه أن يستغرق في تأملاته العقلية وفي طلب العلم وفي تقوى الله. جعل الكندي من سقراط مثله الأعلى في الفلسفة، وكتب عن محنته وآرائه، وحاول التوفيق بينه وبين أرسطو، على أن المأثور عن الكندي هو أنه أخذ بالفلسفة الأرسطية، فدرس ما تُرجم منها إلى العربية وحول إصلاحه وشرحه وتهذيبه، كما فعل بالكتاب المنحول لأرسطو والمسمى «أثولوجيا أرسطو طاليس» أو كتاب الميامر في الربوبية، وهو في الواقع أجزاء متفرقة من تاسوعات أفلوطين الرابعة والخامسة والسادسة، نشره الدكتور عبد الرحمن بدوي — أفلوطين عند العرب — ص١٦٤، كما ترجم الدكتور فؤاد زكريا التاسوعة الرابعة وقارنها بالترجمة العربية القديمة لعبد المسيح بن عبد الله الناعمي الحمصي (راجع رسائل الكندي الفلسفية، في جزأين ١٩٥٠–١٩٥٣م، تحقيق الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده، وكتاب الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى تحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، وفيلسوف العرب والمعلم الثاني للمرحوم الإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، وفيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق الكندي للأستاذ إسماعيل حقي الأميري ونقله عن العربية عباس العزاوي، بغداد ١٩٦٣م وبه قائمة مفصلة بمؤلفات الكندي، والكندي فيلسوف العرب للدكتور أحمد فؤاد الأهواني ١٩٦٤م، وتاريخ الفلسفة العربية للدكتور خليل الجر وحنا فاخوري ١٩٥٧-١٩٥٨م، وتاريخ الفلسفة في الإسلام لدى بور وترجمة الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده، وتاريخ العلم لجورج سارتون وترجمة العربية بإشراف الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، ودراسات في الفلسفة الإسلامية للدكتور محمود قاسم، وفي الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه للدكتور إبراهيم بيومي مدكور، ودراسات في علم الكلام والفلسفة الإسلامية للدكتور يحيى هويدي، ومناهج البحث عند مفكري الإسلام، ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام وكلاهما للدكتور علي سامي النشار، وتاريخ المذاهب الفلسفية لسنتلانا (نسخة مصورة بمكتبة جامعة القاهرة)، والفلسفة الإسلامية (بالإنجليزية) للدكتور أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، الأنجلو المصرية، ١٩٥٧م، وتاريخ الفلسفة الإسلامية لهنري كوريان، وترجمته العربية لنصير مروة وحسن قبيسي وتقديم الإمام موسى الصدر والأمير عارف تامر، بيروت ١٩٦٦م، وفلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية للأب جورج قنواتي وجارديه وترجمة الدكتور صبحي الصالح وفريد جبر، بيروت ١٩٦٧م، دراسات في مذاهب فلاسفة المشرق (الباب الأول) وتجديد في المذاهب الفلسفية والكلامية للدكتور محمد عاطف العراقي، وتمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية للشيخ مصطفى للشيخ مصطفى عبد الرازق، وتاريخ الفلسفة الإسلامية (بالإنجليزية) لمحمد شريف، فيزبادان، هاراسوفيتس، ١٩٦٣م).

(٦-٢) الفارابي، أبو النصر محمد

لسنا نعرف كثيرًا عن حياة الفارابي، فقد كان رجلًا يخلد إلى السكينة والهدوء. وقف حياته على التأمل الفلسفي، يستظل به الملوك، ثم تزيَّا آخر الأمر بزي المتصوفة. يقال إن والد الفارابي كان قائدًا عسكريًّا ومن أصل فارسي، وأن الفارابي قد وُلد حوالي سنة ٨٧٠م في وسيج، وهي قرية صغيرة تقع في ولاية فاراب من بلاد الترك (التركستان الحالية). حصل الفارابي علومه في بغداد، ودرس بعضها على معلم مسيحي هو يوحنا بن شيلان. ألم في دراسته بالأدب والرياضيات، ومؤلفاته في الموسيقى (ومن أهمها كتاب الموسيقى الكبير) شاهد على سعة دراسية للرياضيات. ارتحل الفارابي من بغداد إلى حلب، ولعل ذلك راجع إلى الاضطرابات السياسية التي وقعت ببغداد. وفي حلب استقر في مجلس سيف الدولة، إلا في أخريات حياته حيث ترك القصر وخلا إلى نفسه بين البساتين ومظاهر الطبيعة، فما كان يرى — فيما يقول ابن خلكان — إلا عند مجتمع ماء أو مشتبك نهر، حالمًا بمدينة فاضلة تتحقق فيها للبشر على الأرض السعادة القصوى، ومات في دمشق في شهر ديسمبر عام ٩٥٠م عن ثماني عامًا. سُمي الفارابي بالمعلم الثاني، والمعلم الأول هو أرسطو، وفي ذلك يقول ابن خلدون في مقدمته: إن أرسطو سُمي بالمعلم الأول لأنه هذب وجمع ما تفرَّق من مباحث المنطق ومسائله، فأقام بناءه متماسكًا وجعله أول العلوم الحكمية وفاتحتها، وسُمي الفارابي بالمعلم الثاني لما قام به من تأليف كتاب يجمع ويهذب ما تُرجم قبله من مؤلفات أرسطو خاصة (ولعله كان يقصد كتاب فلسفة أرسطوطاليس الذي حققه ونشره — بجانب عدد آخر من كتب الفارابي — الدكتور محسن مهدي) فمنذ أيام الفارابي أُحصيت كتب أرسطو ورُتبت على صورة لم تتغير في جملتها، وصارت تفسر وتشرح على طريقة الفارابي (راجع إحصاء العلوم بتحقيق المرحوم الدكتور عثمان أمين).

حاول الفارابي أن يقيم البرهان على أن أفلاطون وأرسطو متفقان، وإذا كان يختلفان في المنهج والأسلوب وسيرة الحياة فإن مذهبهما الفلسفي واحد (الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي وأرسطو). وقد تأثَّر في ذلك تأثرًا مباشرًا بالأفلاطونية الجديدة، كما تأثر بها في كون العالم يجئ صدورًا عن الله في صورة فيض، فمرتبة تفيض عن المرتبة الأعلى منها وهكذا حتى نصل إلى أدنى المراتب.

كان الفارابي ذا نظرة شاملة تعمم أكثر مما تجرئ، فلم يكن يرضيه الوقوف عند الجزئيات، ولم يكن يحفل بالعلوم الجزئية، بل حصر جهده كله في المنطق وفيما بعد الطبيعة وفي علم الطبيعة. والفلسفة عنده — كما هي عند أرسطو — العلم بالموجودات بما هي موجودة، وهي العلم الوحيد الجامع الذي يضع أمام العقل صورة شاملة للعالم. ويذهب الفارابي إلى أن كل موجود فهو إما واجب الوجود وإما ممكن الوجود، ولا ثالث لهذين الضربين من الوجود، ولما كان الممكن لا بد أن تتقدم عليه علة تُخرجه إلى الوجود، ولما كانت العلل لا يمكن أن تتسلسل إلى غير نهاية، وكان لا بد من الانتهاء إلى موجود واجب الوجود لا علة لوجوده، وهو أزلي، وهو موجود بالفعل من جميع جهاته ولا يعتريه التغيُّر، وهو عقل محض، وخير محض، ومعقول محض، وعاقل محض، وهو البرهان على جميع الأشياء، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، ويحمل في ذاته البرهان على أنه يجب أن يكون واحدًا لا شريك له. ومعرفتنا بالله عن طريق الاستدلال من الموجودات التي صدرت عنه أوثق من معرفتنا به معرفة مباشرة، فمن الواحد يصدر العالم، وذاك حين يتعقل الله ذاته، وعن الله يفيض منذ الأزل وجود ثانٍ هو ما يُسمى بالعقل الأول، وهو العقل الذي يحرك الفلك الأكبر، وبعده تأتي عقول ثمانية يختلف بعضها عن بعض، برغم أن كلًّا منها كامل في ذاته، وهذه العقول الثمانية التي نيطت بها الأجرام السماوية تُضاف إلى العقل الأول فتصبح العقول تسعة، وهي كلها تؤلف المرتبة الثانية من مراتب الوجود. وفي المرتبة الثالثة يجئ العقل الفعال الذي يكون حلقة الاتصال بين العالم العلوي والعالم السفلي. وفي المرتبة الرابعة تأتي النفس، وهذا العقل الفعال وهذه النفس من شأنهما أن يتكثرا في أفراد البشر فيكون منهما بمقدار ما هنالك من بني الإنسان. وفي المرتبة الخامسة من مراتب الوجود توجد الصورة. وفي السادسة توجد المادة، ومن هاتين تتكون الأشياء؛ إذ إن كل شيء قوامه صورة ومادة. وبهذه المراتب الست تنتهي سلسلة الموجودات التي ليست ذواتها أجسامًا، مع ملاحظة أن الثلاث المراتب الأولى كائنات ليست أجسامًا. ولا هي تحل في أجسام، وأن الثلاث مراتب الأخيرة تلابس الأجسام وإن لم تكن في ذاتها أجسامًا. أما الأجسام فهي ستة أجناس: الأجسام السماوية، والحيوان الناطق، والحيوان غير الناطق، وأجسام النبات، والمعادن، والعناصر الأربعة (الماء والهواء والتراب والنار).

تأثر الفارابي في آرائه السياسية بجمهورية أفلاطون (آراء أهل المدينة الفاضلة، فلسفة أفلاطون بتحقيق روزنتال وفالزر، والسياسات المدنية، وكتاب تحصيل السعادة والتنبيه على سبيل السعادة وكلها طبعه حيدر آباد) وقال بفكرة أن يملك زمام الدولة حاكم فاضل وعادل يجمع صفات النبي والملك الفيلسوف والإمام الشيعي المعصوم، ويحقق حلمه بالمدينة الفاضلة فالأمة الفاضلة «التي تتعاون مدنها كلها على ما تنال به السعادة» لكي يتجاوزها إلى إطار الإنسانية أو «المعمورة الفاضلة» عندما تتعاون الأمم فيما بينها على بلوغ السعادة. ويختار المفكر والحكيم طريق التضحية «فلا يبالي أن يموت أو يؤثر الموت على الحياة كما فعل سقراط» لتغيير واقع المدن الظالمة والضالة الجاهلة. وتحقيق حلم العدل يجعل للفارابي مكانة ممتازة في تاريخ الفكر الطوباوي (انظر مقال الدكتور جابر عصفور عن نظرية الفن عند الفارابي بمناسبة الاحتفال بذكراه المائة بعد الألف، مجلة الكاتب، ديسمبر ١٩٧٥م، العدد ١٧٧، ص١٠–٣٥، وكذلك فيلسوف العرب والمعلم الثاني للشيخ مصطفى عبد الرازق، ومنزلة الفارابي من المدرسة الفلسفية الإسلامية (بالفرنسية) باريس ١٩٣٤م وفي الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه، ومنطق أرسطو في العالم للعربي (بالفرنسية) الطبعة الثانية، المكتبة الفلسفية، فران، باريس ١٩٦٩م، والكتب الثلاثة الأخيرة للدكتور إبراهيم بيومي مدكور، ومجلة المورد، المجلد الرابع، العدد السادس، ١٩٧٥م، بغداد (عدد خاص عن الفارابي)).

(٦-٣) ابن سينا (٩٨٠–١٠٣٧م)

فيلسوف وطبيب وشاعر، وهو أكثر الفلاسفة المسلمين أصالة. أقام مذهبًا فلسفيًّا في الوحدانية يقترب إلى أقصى حدٍّ ممكن من تركيب يؤلف بين مبادئ الإسلام وتعاليم أفلاطون وأرسطو. امتزجت فيه رغبة فارسية عارمة في الحياة بسعي دائب نحو الحقيقة، فأنتجت نسقًا فلسفيًّا يتجلَّى فيه عقل مبدع ناقد مفعم بشعور ديني عميق. وابن سينا — على خلاف الفارابي الذي يدين له بالكثير، وعلى خلاف ابن رشد الذي ينحصر جهده الفلسفي الأصيل في شروحه إلى حدٍّ كبير — قد استطاع أن يصوغ «مجموعة فلسفية» بناء على دراسته لأرسطو دراسة ناقدة، مستعينًا في ذلك بمن يشايع الأفلاطونية الجديدة من الشُّراح وبالرواقيين. وكان لكتاب «الشفاء» تأثير كبير على المسلمين واليهود والمسيحيين، على الرغم من أنه قد أثار مع كتاباته الفلسفية الأخرى عداوة المتكلمين له. تمسَّك ابن سينا في ميدان «المنطق» تمسكًا صارمًا بفكرة أرسطو عن العلة والمعلول فاصطدمت جبريته المنطقية بجبريتهم الدينية، ومزج في ميدان علم النفس بين أرسطو وأفلوطين في فكرته عن خلود النفس العاقلة التي هي جوهر من حيث هي صورة، كما استعان في ميدان الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) بأفلوطين وفرفوريوس الذي حاول أن يوفق بين أفلاطون وأرسطو، ووجه فكر أفلاطون وجهة تقربه من الوحدانية الدينية فمكَّن المسلمين من أن يوفِّقوا بين المعتقدات التقليدية والفكر اليوناني. وقد أحرزت فكرته عن الله الذي يتوحَّد في ذاته الوجود والماهية رواجًا واسعًا في الغرب، وخاصة على يدى موسى بن ميمون اليهودي وتوماس الأكويني المسيحي، ولكي يسد ابن سينا الفجوة بين الوحي والعقل لاذ بنزعة صوفية عقلية (في كتاب الإشارات). فالصوفي المتأمل و(العارف) الذي بلغ أعلى مرتبة من المعرفة يصل إلى الاتحاد العقلي مع الله عن طريق الإدراك الحدسي، والفلسفة العملية جزء من «ميتافيزيقا» ابن سينا؛ لأن بلوغ السعادة الإنسانية لا يتيسر إلا في مجتمع، والنبوة والشريعة لا غنى عنهما لبقاء الإنسان وسعادته. فالنبي المُشرِّع يأتي للبشرية بقانون إلهي يضمن لها الرفاهية في هذه الدنيا والسعادة في الحياة الآخرة، وقد وحَّد الفارابي النبي المشرع بالملك الفيلسوف عند أفلاطون، أما ابن سينا فيسلم للنبي بمعرفة حدسية تلقائية، وبذلك يضعه في مرتبة أعلى من الفيلسوف، والدولة الإسلامية المثلى التي تتخذ من الشريعة المحمدية دستورًا هي (في فلسفة ابن سينا) قسيمة ﻟ «جمهورية» أفلاطون التي بيَّنت للفلاسفة المسلمين — مع كتابه «القوانين» — ما للشريعة من دلالة سياسية، وزودتهم بفكرة العدالة والقانون، وهما الأساس المشترك بينهم، الذي أتاح لهم أن يحاولوا التوفيق بين العقائد الإسلامية الأساسية والأفكار الإغريقية، وهنا موضع أصالتهم بوصفهم فلاسفة دين يتخذون من الشريعة محورًا لفلسفتهم وأساسًا (ابن سينا للدكتور أحمد فؤاد الأهواني ١٩٥٨م، الفلسفة الطبيعية عند ابن سينا ودراسات في مذاهب فلاسفة المشرق للدكتور محمد عاطف العراقي، مجلة الكتاب، أبريل ١٩٥٢م، المجلد ١١ (عدد خاص عن ابن سينا)، ومؤلفات ابن سينا للأب جورج شحاتة قنواتي ١٩٥٠م، مجموعة البحوث والمحاضرات التي أُلقيت في العيد الألفي لابن سينا، القاهرة ١٩٥٢م، الإدراك الحسي عند ابن سينا للدكتور عثمان نجاتي، الشيخ الرئيس لعباس محمود العقاد، الشفاء (المنطق والخطابة والإلهيات تقديم الدكتور مدكور وتحقيق عدد من الأعلام، القاهرة ١٩٥٣م، ١٩٦٠م) والإشارات والتنبيهات، القاهرة ١٩٥٧م، والنجاة في الحكمة الطبيعية والمنطقية والإلهية، القاهرة ١٩٣٨م، وعيون الحكمة تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي ١٩٥٤م، والمباحثات تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي، القاهرة ١٩٤٧م (ضمن كتاب أرسطو عند العرب)، ورسالة في الحدود تحقيق جواشون، القاهرة، المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية ١٩٦٣م، وتسع رسائل في الحكمة والإلهيات، القاهرة ١٩٠٨م، والفيض الإلهي، طبعة حيدر آباد الدكن ١٣٥٣ﻫ، ومجموعة رسائل لابن سينا تحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهواني ١٩٥٢م، ورسالة العروس تحقيق شارل كونس (ضمن العدد الخاص من مجلة الكتاب السابق الذكر عن ابن سينا)، ومجموعة الرسائل الصوفية نشرة مهرن، ليدن ١٨٨٩م، وثورة العقل في الفلسفة العربية (الفصل الثالث)، ودراسات في مذاهب فلاسفة المشرق (الباب الثاني) للدكتور محمد عاطف العراقي، وشرح الإشارات والتنبيهات لابن سينا (لفخر الدين الرازي، القاهرة، المطبعة الخيرية ١٣٢٥ﻫ وهو في الرد على ابن سينا)، وشرح الإشارات والتنبيهات لنصير الدين الطوسي (وفيه تأييد لموقف ابن سينا، القاهرة ١٣٢٥ﻫ)، وابن سينا واليسار الأرسطي (بالألمانية) لأرنست بلوخ، وكتاب مهرجان ابن سينا، جامعة طهران، ١٩٥٦م، ومجموعة ذكرى ابن سينا من منشورات المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة ١٩٥٢م، ومادة ابن سينا بدائرة المعارف الإسلامية، مجلد ١ عدد ٤ ترجمة وتعليق الدكتور محمد ثابت الفندي، وابن سينا مؤلفاته وشروحها المحفوظة بدار الكتب المصرية للمرحوم فؤاد السيد، مؤلفات ابن سينا وفلسفته وتأثيره للدكتور جميل صليبا في دائرة المعارف للبستاني مجلد ٣ ص٢٢١، ومن أفلاطون إلى ابن سينا لجميل صليبا، دمشق ١٩٥١م، ابن سينا: الفيلسوف والعالم (بالإنجليزية) نشره وكنز، لندن، لوزاك، ١٩٥٢م وهو مجموعة محاضرات جامعة كمبردج عن ابن سينا).

(٦-٤) الغزالي، أبو حامد (١٠٥٩–١١١١م)

وُلد في طوس بخراسان، ودرس علم الكلام في نيسابور على إمام الحرمين «الجويني»، ثم قدِم على مجلس نظام الملك — وزير السلطان السلجوقي — وظل فيه حتى أُسند إليه منصب التدريس في بغداد. أخذت الشكوك تستبد به، فأقبل على دراسة الفلسفة لعلها تخرجه من شكوكه. وقد درس كتب الفلاسفة — ولا سيما الفارابي وابن سينا — ثم ألَّف كتابًا — مقاصد الفلاسفة — يلخِّص فيه مسائل الفلسفة غير متعرض لنقدها، مُرجئًا ذلك إلى كتب تالية، أهمها «تهافت الفلاسفة» الذي يعد أقسى هجوم على الفلسفة، حتى لقد تصور الناس زمنًا طويلًا أنه قضى عليها نهائيًّا أو اضطرها لاتخاذ موقف الدفاع عن نفسها. لم يلبث بعد تأليفه هذا الكتاب طويلًا في منصب التدريس ببغداد، فانقطع عنه، عاودته الشكوك، وبعد تردد طويل بين نوازع الدنيا ودواعي الآخرة هتف به هاتف باطني فاعتزل وخلا إلى نفسه يروِّضها استعدادًا لما هو مقبل عليه (راجع المنقذ من الضلال!) وانتهى به الأمر إلى مغادرة بغداد حيث لبث عشر سنين متنقلًا، ينصرف إلى العبادة والتأليف. وأغلب الظن أن أكبر كتبه وهو «إحياء علوم الدين» قد أُلِّف في الشطر الأول من هذه الفترة. ذهبت به الأسفار إلى دمشق وبيت المقدس والإسكندرية ومكة والمدينة، ثم رجع إلى وطنه حيث استأنف مهنة التدريس زمنًا وجيزًا في نيسابور، حتى وافته منيته في مسقط رأسه طوس.

استعرض الغزالي مختلف التيارات في ثقافة عصره فوجد أربعة اتجاهات تتمثل في جماعات أربع هي جماعة المتكلمين الذين يؤدون مهمة المدافع عن العقيدة، ولكنهم يبنون دفاعهم على أساس التسليم أولًا بالوحي المُنزَّل، وهو دفاع أن أقنع المؤمن فهو لا يقنع غير المؤمن، وجماعة الباطنية الذين يزعمون أنهم يقتبسون علمهم من الإمام المعصوم، فكل ما يعرضونه مستند إلى النقل عن معلمهم لا إلى حجة مقنعة، وأما الفلاسفة، فعلى الرغم مما لهم من فضل في تثقيف الناس بعلوم برهانية لا سبيل إلى الشك فيها كالرياضيات والفلك والطبيعيات في بعض جوانبها التي لا تخالف الدين، إلا أنهم قد يتعرضون في سائر بحوثهم للتناقض وفساد الرأي (ومن أهم المسائل التي عُني الغزالي بإبطال رأي الفلاسفة فيها ثلاث: نظرية قِدم العالم، والقول بأن الله يعلم الكليات وحدها دون الجزئيات، وإنكار بعث الأجساد على أساس قولهم بإن الأرواح وحدها هي التي لا يجوز عليها الفناء) ثم جماعة المتصوفة الذين لا يجدون في الأقيسة العقلية أداة صالحة لمعرفة الحق، بل الأداة الصالحة عندهم هي الحدس أو الذوق الباطني ومن ثم فقد أخذ بنظرتهم دون الجماعات الثلاث الأخرى.

(مؤلفات الغزالي للدكتور عبد الرحمن بدوي، دراسات في مذاهب فلاسفة المشرق (الباب الثالث) للدكتور محمد عاطف العراقي، وانظر تحقيقات الدكتور سليمان دنيا ومؤلفاته عنه كالحقيقة في نظر الغزالي.)

(٦-٥) ابن باجة، أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ

وُلد في سرقسطة ولا نعرف عن حياته أكثر من أنه في إشبيلية عام ١١١٨م بعد سقوط سرقسطة ثم نراه بعد ذلك في غرناطة، ثم انتقل إلى فاس حيث التحق ببلاط المرابطين، ومات عام ١١٣٨م.

كانت مؤلفات ابن باجة شروحًا للمذهب الأرسطي أقرب منها إلى أن تكون مذهبًا فلسفيًّا خاصًّا به، ومن أهم ما يلفت النظر عنده هو طريقته في بيان تكامل العقل الإنساني ومبلغ الإنسان من العلم ومكانه بين الموجودات. ويقيم ابن باجة مذهبه على أساس أن المبدأين الأساسيَين هما الهيولي والصورة، وبينما يجوز أن توجد الصورة مجردة من الهيولي، فلا يمكن للهيولي أن توجد بغير صورة، والصور تتدرج في تسلسل صاعد، فأدناها هي الصورة الهيولانية التي تتصل بالمادة، وأعلاها هي صورة العقل المفارق. والعقل الإنساني في تطوره وتكامله إنما يصعد في هذا السلم المتدرج من أدناه إلى أعلاه، فيبدأ بإدراك الصور الماثلة في الأجسام المادية، فإدراك تصورات النفس التي هي مرحلة وسطى بين الحس والعقل، ثم إدراك العقل الإنساني في ذاته، فالعقل الفعال الذي هو في مرتبة تعلو على مرتبة العقل الإنساني، ثم إدراك عقول الأفلاك، حتى يعلو إلى حيث يدرك العقل الأول وهو الله. وهكذا يتم الصعود مسترشدًا، لا بالتصوف، بل بالفلسفة التأملية، أي إن العقل الإنساني يصل إلى كماله بالمعرفة العقلية، والنظر العقلي هو السعادة العظمى. ولابن باجة كتاب مشهور هو «تدبير المتوحد» (وقد نشره مع عدد من رسائله الدكتور ماجد فخري، بيروت ١٩٦٨م) يقول فيه إن الحياة الإنسانية التي تجئ وفقًا لإملاء العقل لا تتحقق إلا إذا اعتزل الإنسان حياة المجتمع أحيانًا، ويجوز للحكماء أن يؤلفوا من أنفسهم جماعات صغيرة أو كبيرة ليعيشوا حياتهم العقلية الرفيعة بمعزل عن شواغل العامة (انظر رسالة الاتصال تحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، نُشرت مع تلخيص كتاب النفس لابن رشد، ١٩٥٠م. وتجدها مع مجموعة رسائل ابن باجة الإلهية (نشرة الدكتور ماجد فخري السابقة الذكر)).

(٦-٦) ابن طفيل أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي

وُلد في قادس — إحدى المدن الصغيرة بالأندلس — ومات في مراكش عام ١١٨٥م. أراد ابن طفيل أن يمزج العلم اليوناني بحكمة أهل الشرق لعله يخرج برأي مبتكر في الكون، وقد اهتم — كما اهتم ابن باجة — بالعلاقة بين الفرد والمجتمع، لكن على حين كان ابن باجة يكتفي من عزلة أصحاب الفكر عن سواد المجتمع وشواغل الدنيا بأن يلتقي جماعة المفكرين معًا في مجتمع صغير يربط بينهم، ذهب ابن طفيل إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ وصل بتحليله إلى الفرد الواحد باعتباره النواة التي نشأ عنها المجتمع، ويتضح ذلك من قصته الفلسفية الرائعة «حي بن يقظان» (راجع نشرة أحمد أمين، ١٩٤٩م، دار المعارف بالقاهرة) التي يقسمها قسمين: يصور في أولهما المجتمع الإنساني بما تواضع عليه من عُرف، ويصور في ثانيهما فردًا واحدًا يتركه للفطرة ينمو نموًّا عقليًّا حتى يصير فيلسوفًا كاملًا في مستطاعه وحده أن يعرف الطبيعة بمشاهداته، وأن يعرف الله وأن يعرف نفسه بالتفكير.

(الميتافيزيقا في فلسفة ابن طفيل للدكتور محمد عاطف العراقي، دار المعارف بالقاهرة، ١٩٧٩م، الكتاب الرابع من سلسلة العقل والتجديد.)

(٦-٧) ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد (١١٢٦–١١٩٨م)

فيلسوف وفقيه وقاضٍ وطبيب. وُلد في قرطبة بإسبانيا، وتُوفي في مراكش، أما في الغرب فإن أشهر ما يُعرف به هو أنه شارح أرسطو، وقد ساعدت شروحه الأرسطية على فهم المعلِّم الأول، ونشرت نفوذه في الغرب بين اليهود والمسيحيين، وأدت إلى قيام المدرسة الرشدية (التي أدانتها الكنيسة وحاربها ألبير الأكبر وتوماس الأكويني، وإن كانت قد أثَّرت تأثيرًا كبيرًا في فرنسا في القرن الثالث عشر على سيجر البراباني، وفي إيطاليا من القرن الرابع عشر حتى السادس عشر على مدرسة بادوا) ويُبدي ابن رشد في شروحه المختلفة لمؤلفات أرسطو (الملخصات والشروح المتوسطة والشروح الطويلة) بصيرة نافذة، وعرضه جلي موجز، وهو أكثر التزامًا بآراء أرسطو من الفلاسفة المسلمين الأُول. ويستحق تنفيده لهجوم الغزالي على الفلاسفة (تهافت التهافت) اهتمامًا خاصًّا، بالإضافة إلى ثلاث رسائل دينية فلسفية تنمو نموًّا جدليًّا (وأهمها فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) وشرحه على «جمهورية» أفلاطون. وقد أخذ على عاتقه أن يُوفِّق بين الشريعة والفلسفة بأن يقرر وحدة المقصد لكل منهما في «الفصل» وبأن يقول في شرحه على «الجمهورية» إن كلا منهما للأخرى «رفيقة وأخت شقيقة». فالحقيقة واحدة لا تتجزأ، كل ما هنالك أننا نسعى إليها ونفسرها على أنحاء مختلفة، ومن هنا كانت نظرية الحقيقة المزدوجة قد نُسبت إليه خطأ، وهي إنما تنتمي إلى الرشديين اللاتين. ويجعل ابن رشد للفيلسوف وحده الحق والواجب في أن يعرض بالحجة البرهانية ما في الشريعة التي أوحى بها للنبي من معنى باطني، أما المتكلمون فيستخدمون الحُجج الجدلية ويبلبلون جماهير العوام، وأما العوام فعليهم أن يُسلِّموا بما ورد في الكتاب المُنزَّل من قصص وأمثال ومجازات بمعانيها الظاهرة. هو قبل كل شيء فيلسوف العقل والنزعة العقلية الحرة في الإسلام.

«تهافت التهافت»، القاهرة ١٩٠٣م — وله ترجمة إنجليزية قام بها فان دين برج، لندن ١٩٥٤م وأخرى ألمانية هورتن، بون ١٩١٣م — تفسير ما بعد الطبيعة، تحقيق الأب موريس بويج ١٩٣٨–١٩٥٢م، في ثلاثة مجلدات، المطبعة الكاثوليكية ببيروت، مناهج الأدلة في عقائد الملة تحقيق الدكتور محمود قاسم، رسائل ابن رشد، نشرة حيدر آباد الدكن، تلخيص كتاب النفس لأرسطو تحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهواني ١٩٥٠م، تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو تحقيق الدكتور عثمان أمين ١٩٥٩م، تلخيص كتاب الخطابة، تلخيص كتاب الحس المحسوس (طبع مع كتاب النفس لأرسطو)، تلخيص كتاب الشعر والكتب الثلاثة الأخيرة بتحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي، وراجع أيضًا ابن رشد لعباس محمود العقاد ١٩٥٣م، وفجر وضحى وظُهر الإسلام لأحمد أمين، وابن رشد وفلسفته لفرح أنطون ١٩٠٣م، وتاريخ الفلسفة في الإسلام لدى بور وترجمة الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة. وتاريخ الفكر الأندلسي لبالنثيا وترجمة الدكتور حسين مؤنس ١٩٥٥م، والمدخل لدراسة الفلسفة الإسلامية لليون جوتييه وترجمة الدكتور محمد يوسف موسى، وتاريخ المذاهب الفلسفية لسنتلانا وهي نسخة مصورة في مجلدين بمكتبة جامعة القاهرة، وابن رشد الفيلسوف المفترى عليه، وفي النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام، ونظرية المعرفة عند ابن رشد وتأويلها لدى توماس الأكويني وكلها للدكتور محمود قاسم، والنزعة العقلية في فلسفة ابن رشد للدكتور محمد عاطف العراقي، وفي الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه للدكتور إبراهيم بيومي مدكور، وبين الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط للدكتور محمد يوسف موسى، المادية والمثالية في فلسفة ابن رشد للدكتور محمد عمارة، وابن رشد للأب يوحنا قمر، في جزأين، المطبعة الكاثوليكية ببيروت وابن رشد فيلسوف المغرب لعبده الحلو، بيروت، ابن رشد والرشدية لإرنست رينان وترجمة عادل زعيتر. والمجددون في الإسلام للمرحوم الأستاذ أمين الخولي، الجزء الأول ١٩٦٥م، وفي فلسفة ابن رشد، الوجود والخلود للدكتور محمد بيصار.

(٦-٨) ابن خلدون، ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون

وُلد بتونس عام ١٣٣٢م وتُوفي بالقاهرة عام ١٤٠٦م. حصل علومه في تونس، وبعد أن درس كل العلوم المعروفة في عصره اشتغل بخدمة الدولة حينًا، وارتحل مسافرًا حينًا آخر، وسفر لدى حكومات كثيرة في إسبانيا وإفريقية، والتقى بتيمورلنك في دمشق. هو واضع فلسفة التاريخ أو فلسفة المجتمع المبنية على تتبع الحوادث التي عِللها وكشف قوانينها. وموضوع علم التاريخ هو الحياة الاجتماعية وما يعرض فيها من ثقافة مادية وعقلية، فالتاريخ يبين أعمال الناس، وطرائق معاشهم، ومنازعاتهم، وحكوماتهم، وصناعاتهم، وعلومهم، ثم يبين كيف تزدهر المدنية قليلًا قليلًا بادئه من مبادئ بسيطة، ثم تأخذ في الزوال. وتتقلب الجماعة في صور مختلفة هي حالة البداوة، ثم القبيلة، ثم الدولة في مدينة، وعند ابن خلدون أن الدين والعصبية هما أقوى عاملين يتم بهما اتحاد الجماعة بإرادة الحاكم وبما يؤلف بين أفرادها من حاجات، فإذا ما حدث تحلل في بناء المجتمع بسبب ما قد تُحدِثه الحضارة من رَغَد وانغماس في الشهوات، ومن فقدان الناس لبأسهم الحربي وللتمسك بدينهم، ظهرت قبيلة قوية تأتي من الصحراء، أو ظهر شعب غير مترف يتمتَّع بعصبية قوية، وانقض على المدينة المُترفة ليُنشئ دولة جديدة. فشأن الدول والجماعات الكبرى هو هكذا: الجيل الأول يبني ويُؤسس، والثاني يحافظ على ما بناه الأول، والأخير يهدم، وتلك هي حال المدنيَّات كلها؛ إذ إن للمدينة والعمران البشري قوانين ثابتة. وتعد نظرية ابن خلدون «الدورية» عن نشوء «العصبيات» وازدهارها وزوالها سابقة على نظريات مشابهة عن فلسفة التاريخ عن التعاقب «الدوري» للحضارات عند فيكو ونيتشه واشبنجلر وتوينبي.

(انظر مؤلفات ابن خلدون للدكتور عبد الرحمن بدوي، والمقدمة من تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي، الطبعة الأولى ١٩٦٠م، وفي فلسفة التاريخ للدكتور أحمد محمود صبحي. ومقدمة ابن خلدون لساطع الحصري.)

(٦-٩) ابن ميمون (الربي موشى)

فيلسوف وطبيب يهودي إسباني، من أبرز المفكرين اليهود في العصر الوسيط الذين حاولوا التوفيق بين الفلسفة الأرسطية والدين اليهودي في مركب واحد عن طريق التأويل المجازي للتوراة والتلمود. وُلد عام ١١٣٥م في قرطبة ومات بالفسطاط عام ١٢٠٤م، كان رئيس (ناجد) الطائفة اليهودية في مصر وطبيب صلاح الدين. كان ابن ميمون أحد رواد النزعة العقلية في اللاهوت اليهودي وحاول في نظريته عن المعرفة أن يُقدم أساسًا عقلانيًّا للحقيقة الدينية.

أثرت شروحه وكتاباته — وخاصة كتابه دلالة الحائرين — تأثيرًا كبيرًا على الفكر اليهودي كله، والفلسفة المدرسية المسيحية، وبخاصة توماس الأكويني، كما أثرت على اسبينوزا. وقد اعتمدت محاولته في التوفيق بين الفلسفة الأرسطية من جهة وحَرفية الحقيقة كما وردت في العهد القديم من جهة أخرى. اعتمدت على الفلاسفة المسلمين من أمثال ابن سينا الذي يدين له بنظريته في الخلود، وابن رشد الذي استقى منه فكرته عن هوية الماهية والوجود في الله.

(انظر رد موسى بن ميمون القرطبي على جالينوس في الفلسفة والعلم الإلهي، صحَّحه يوسف شخت وماكس مايرهوف، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، مايو ١٩٣٧م، ص٧٧–٨٨.)

(٧) قمة الفلسفة المدرسية

حوالي سنة ١٢٠٠م: تأسيس جامعتي باريس وأكسفورد، وجماعات الدومينيكان والفرنسيسكان، الأولى تتمسك بالتراث الأوغسطيني على الرغم من ظهور وانتشار مؤلفات لأرسطو لم تكن معروفة من قبل، والثانية تتمثَّل الفلسفة الأرسطية وتجعل منها فلسفة مسيحية، إلى جانب بدايات هامة للبحث في العلوم الطبيعية والرياضية واتجاهات أفلاطونية محدَثة.
حوالي ١٢١٠ (أو ١٢٢٠)–١٢٩٤م؛ روجر بيكون: (فرانسسكاني) وُلد في الشستر (سومرسيت) ومات في أكسفورد، سُمي الدكتور «العجيب». فيلسوف وباحث في الطبيعة على أساس رياضي وعالم في اللغة، أكد أهمية التجربة بوصفها الضمان الوحيد للحقيقة، مزج بين نظرية أوغسطين في الكشف وبين النزعة التجريبية، نقد المنهج اللاهوتي التقليدي نقدًا هدَّامًا.
١١٩٣–١٢٨٠م؛ البيرت الأكبر: (دومينيكاني) أول عرض شامل لفلسفة أرسطو مع تمثلها تمثُّلًا مسيحيًّا. علَّم نفسه بنفسه في الفلسفة، وتتلمذ عليه القديس توماس الأكويني، حارب النزعة الرشدية، وقدَّم للمدارس المسيحية مذهبًا فلسفيًّا موسوعيًّا محكمًا أدخل فيه قدرًا كبيرًا من المعلومات عن النبات والحيوان والجغرافيا والمعادن مما جعل له مكانة مرموقة في تاريخ العلوم الطبيعية في العصر الوسيط.
١٢٢١ (أو ١٢١٧  /  ١٢١٨–١٢٧٤م)؛ بونافنتورا: (فرانسسكاني) أكبر ممثل مذهبي للنزعة الأوغسطينية أو المثالية المسيحية، ولهذا جمع فكره بين الفلسفة واللاهوت والتصوف. يرى استحالة استقلال الفلسفة واكتفاءها بنفسها؛ لأن الإنسان بعد السقطة متعلق بالله. ولهذا كانت الفلسفة بالضرورة خادمة اللاهوت، وهدفها النهائي أن تنصبَّ في التصوف. يؤمن بنظرية الإشراق عند أوغسطين (الحقائق الأبدية تُشرق في باطن الروح الإنساني عن طريق الروح الإلهي) ويترتب مستويات العالم على أساس الفيض والإشعاع والاكتمال. أما المراحل التاريخية فهي الزمان قبل القانون (الإلهي)، والزمان الخاضع له، وزمان النعمة والعناية الذي ينطوي على طريق الكنيسة. وطريق الفرد هو التوحد مع طريق الكنيسة الذي تُعبِّر عنه مراحل الاتجاه الصوفي إلى الله، والاستنارة بنوره، والاكتمال برؤيته. بهذا يصيب طريق الكنيسة والفرد في المعرفة الكلية بابن الله (السيد المسيح).
١٢٢٥–١٢٧٤م؛ القديس توماس الأكويني: (دومينيكاني) أهم مفكر فلسفي ولاهوتي على قمة العصر الوسيط، وأكبرهم تأثيرًا — بجانب أوغسطين — على تطور الفلسفة المسيحية. مُتمم البناء المذهبي والمنهجي للأرسطية المدرسية (الواقعية المسيحية) لُقِّب ﺑ «المعلم الملائكي» ومعلم الجميع، يجمع تفكيره التأليفي العجيب بين التراث المسيحي السابق عليه وبين الفلسفة الأرسطية في وحدة أصيلة (لا تخلو في كثير من الأحيان من تحريفات تاريخية!) يُفسر بناء الوجود والموجودات مستعينًا بالتصورين المعروفين في فلسفة أرسطو: القوة (الإمكان، الإنيرجايا) والفعل (الواقع، ديناميس) ليبني أونطوجيا رائعة للخلق في مجموعة، معتمدًا على فكرته الأساسية عن تدرج بنائه المنظم وتسلسله من «المادة الأولى» إلى «الواقع الخالص» أو الفعل الإلهي المحض. وإذا كان توماس يحرص على الفصل والتمييز بين الإيمان والعلم، واللاهوت والفلسفة تبعًا لاختلاف مصادرهما (بين النور الفائق للطبيعة الذي هو مصدر الإيمان بالوحي، والنور الطبيعي مصدر كل معرفة طبيعية) فإنه يجمع بينهما دائمًا في سياق أعماله (خصوصًا مجاميعه المشهورة: المجموعة اللاهوتية، والمجموعة للرد على الأمم). لعل أروع ما في الأكويني هو قدرته على الوصف «الظاهرياتي» والتحليل والتحليل الكاشف للحقائق والموضوعات، خصوصًا وصفه لألوان السلوك النظري (المعرفي) والعملي (الأخلاقي) للإنسان وتحليل شروطهما وبنيتهما. ومع ذلك فقد غلب عليه التفكير اللاهوتي وشغل حيزًا كبيرًا من كتاباته (باستثناء شروحه العديدة على أرسطو وبعض كتاباته المبكرة مثل كتابه عن الموجود والماهية) كما توارت فلسفته الاجتماعية والأخلاقية وراء نظرته الإنطولوجية التي تقوم على الوحدة العقلية للموجودات.
  • المجموعة اللاهوتية، ترجم منها المطران بولس عوَّاد خمسة مجلدات بعنوان الخلاصة اللاهوتية (بيروت ١٨٨٧م وما بعدها).

  • ونقل المطران نعمة الله أبو كرم المجموعة الفلسفية إلى العربية بعنوان «مجموعة الردود على الخوارج» ونشر ترجمة المقالة الأول (جونيه، لبنان ١٩٣١م).

    (عن يوسف مكرم، تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط.)

١٢٣٥–١٢٨٤م؛ سيجر البرابنتي: (دي بربان) وُلد في برابنت (هولندا) واغتيل في أورفيتو (بإيطاليا). قام بالتعليم في باريس، وأدانت الكنيسة آراءه عامي ١٢٧٠–١٢٧٧م. أكبر ممثلي النزعة الرُّشدية اللاتينية (التي تفسر أرسطو بالاعتماد على شروح ابن رشد دون الرجوع إلى العقائد المسيحية) حاربه توماس الأكويني وألبيرت الأكبر حربًا شعواء بسبب آرائه عن أبدية العالم ووحدة العقل عن البشر جميعًا، وإبطال حرية الإرادة وفكرته عن «الحقيقة المزدوجة»، أي إمكان أن تكون العبارة الواحدة صادقة في أمور الدين والإيمان، وكاذبة في حكم العقل الطبيعي.
١٢٦٠–١٣٢٧ / ١٣٢٨م؛ إكهارت: (الميستر أو المعلم) أعظم وأعمق مفكر صوفي في العصور الوسطى المسيحية. ولد حوالي سنة ١٢٦٠م بالقرب من مدينة جوتا ومات حوالي سنة ١٣٢٨م في مدينة كولن (كولونيا) قبل نهاية محاكمته. عاش تجربته الإلهية وعبَّر عنها تعبيرًا جدليًّا صادقًا مؤثرًا. تغذت جذور هذه التجربة الحية على تراث أوغسطين والأفلاطونية الجديدة من ناحية، والأفكار الرئيسية عند كبار الدومينيكانيين في القرن الثالث عشر — مثل ألبيرت الأكبر وتوماس الأكويني — من ناحية أخرى. متصوف ومفكر وواعظ وضع تجربته الحية — التي تتسم بالغموض والجسارة — في خدمة الحياة والأحياء من المؤمنين الذين كانوا يقبلون على سماع مواعظه بحماس وخشوع بالغين. على الإنسان في رأي إكهارت أن يتخلى عن كل شيء، ولا يثبت نفسه أو يبحث عنها في علم ولا إرادة ولا فعل. فإذا حقق هذا التخلي الكامل صار واحدًا مع كل ما هو موجود، واحدًا مع الحقيقة الأبدية، مع الله. وهي وحدة تحقُّق، لا وحدة مادية، أشبه بوحدة العين المبصرة مع ما تبصره. يصف هذه الوحدة بمختلف الأوصاف: فالنفس تعود إلى أصلها أو «أساسها» الأبدي، والله يولد فيها ويحيا، كما يحيا من يصور نفسه في صورته، والنفس ذاتها تولد على صورة ابن الله، إذ تصبح حياة الله هي حياتها، بل إن الله ليولد من النفس ويحيا فيها كما يولد العرفان بهدية المحسن من فؤاد المتلقي لهديته. أدانت الكنيسة ثمانية وعشرين قضية وردت في مواعظه ورسائله، في عهد البابا يوحنا الثاني والعشرين، وصدر الحكم سنة ١٣٢٩م بعد موت إكهارت، ولعلها كانت في الحقيقة إدانة لتطرف صيغتها وغرابتها خشية أن يُسيء العامة فهمها. أثر إكهارت تأثيرًا كبيرًا على التصوف والفلسفة الألمانية ابتداء من «زويزه» و«تاولر» حتى نيقولا الكوزي (نيقولا فون كوز) ويعقوب بوهمه وإنجليوس سيلزيوس وفرانز فون بادر، بل إن تأثيره ملموس في الفكر الحديث (شيلنج) والمعاصر (مثل هيدجر).
١٢٧٠–١٣٠٨م؛ دنس سكوتس: (فرانسسكاني) من أشهر الفلاسفة واللاهوتيين في العصر الوسيط، ولد في اسكتلندا وتولى التعليم في أكسفورد وكامبردج وباريس وكولونيا التي مات فيها. عُرف بنقده اللاذع لفلسفة توماس الأكويني ونزعته العقلية، وكذلك لأرسطو وشُراحه العرب.

أسس مذهبه الإرادي — الذي اعتمد فيه على القديس أوغسطين — المدرسة الفرنسسكانية التي نُسبت إليه في اسكتلندا. وتقوم هذه «السكوتية» على تحديد المعرفة الفلسفية لصالح الإيمان، وأسبقية الإرادة الحرة على الفهم والعقل، فالإرادة هي التي تختار الاتجاه إلى الله والتعلق به، ولهذا كانت مبدأ السعادة.

(٧-١) الفلسفة المدرسية المتأخرة

من حوالي ١٣٠٠ حتى ١٣٤٩  /  ١٣٥٠م؛ وليم الأوكامي: (فرانسسكاني) ولد قبل سنة ١٣٠٠م بقليل في إمارة ساري بإنجلترا ومات في ميونيخ. مؤسس النزعة الاسمية — أو التصورية — المتأخرة التي نقول بالوجود الواقعي للأشياء الفردية والجزئية وحدها وتعتبر المفاهيم العامة موجودة من حيث هي تصورات عقلية (لا مجرد تسميات لغوية كما ذهبت إلى ذلك النزعة الاسمية في الخلاف المبكر حول مشكلة الكليات) — في رأيه أن العقائد لا يمكن البرهنة عليها ولا تصلح أساسًا للبرهان، وأن اللاهوت العقلي مستحيل — تفكك الارتباط الذي أقامه الفكر الوسيط بين الإيمان والمعرفة. تُنسب إليه وإلى مدرسته بعض البحوث الطبيعية والعلمية التي تأكدت بعد ذلك على يدي كبلر وجاليليو.
١٤٠١–١٤٦٤م؛ نيقولاوس فون كوز: (نيقولا الكوزي أو الكوزاني) نسبة إلى بلدة كوز على نهر الموزل بألمانيا. اسمه الأصلي نيقولا كريفس أو كرييس. بلغ منصب الكاردينال سنة ١٤٤٨م. مفكر أصيل يقف على حدود الفلسفة الحديثة، ولهذا يصعب تصنيفه. جمع تفكيره عناصر فيثاغورية وأفلاطونية جديدة وصوفية (استمدها من ديونيزيوس الأريوباجي والميستر إكهارت) بجانب تأثره بأفكار أصحاب النزعة الاسمية بحيث انتهى إلى تصور عن العالم يفاجئنا بحداثته واختلافه عن تصور الفكر الوسيط. لهذا استحق أن يُسمَّى أول مفكر حديث ومؤسس الفلسفة الألمانية. عُرف بنظريته عن «العلم الجاهل» (دوكتا اجنورانسيا) أي العلم البشري الذي يعي حدوده ويدرك تناهيه بالقياس إلى الحقيقة الإلهية اللامتناهية التي تلتقي فيها الأضداد (فكرته عن تلاقي الأضداد) ولا يمكن أن يعرف كُنهها وإن كان في إمكانه أن يراها رؤية كشفية عن طريق الوجد. ولما كان الله هو علة العالم أو أساسه، فهو — أي الله — هو إمكانه الواقعي (Possest)؛ ولهذا يشارك العالم في لا نهائية الله، كما يصبح مثله «سرًّا» لا يمكن تفسيره إلا عن طريق الرموز الرياضية. والسيد المسيح هو الوسيط بين العالم اللامتناهي في الكبر والعالم اللامتناهي في الصغر.
  • راجع في العربية: «تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط» للأستاذ يوسف كرم، و«فلسفة العصور الوسطى» للدكتور عبد الرحمن بدوي، و«الفلسفة في العصر الوسيط» للدكتور إمام عبد الفتاح إمام (عن جيلسون)، و«نماذج من الفلسفة المسيحية» للدكتور حسن حنفي حسنين (وبه نصوص مدروسة لأوغسطين وأنسيلم والأكويني وهي على الترتيب: المعلم، وآمن كي تعقل، والوجود والماهية)، و«معالم الفكر الفلسفي في العصور الوسطى: فلسفة إسلامية ومسيحية» للأستاذ عبده فراج.

(٨) فلسفة العصر الحديث

(٨-١) عصر الانتقال

(أ) النهضة في إيطاليا

١٤٣٣–١٤٩٩م؛ مارسيليو فيتشينو: مترجم أفلاطون وأفلوطين إلى اللاتينية ومؤسس الأكاديمية الأفلاطونية في فلورنسا. «اللاهوت الأفلاطوني»، أفلاطونية مسيحية جديدة.
١٤٦٣–١٤٩٤م؛ بيكو ديلا ميراندولا: يؤلف بين تجديد الأفلاطونية والفلسفة الأرسطية.
١٤٦٢–١٥٢٥م؛ بييترو بومبونازي: ترجع أهميته إلى تعبيره عن نظرية «الحقيقة المزدوجة» تعبيرًا واضحًا.
١٤٦٩–١٥٢٧م؛ نيكولو مكيافيلي: سياسي ومؤرخ ومفكر إيطالي عُرف بمقالاته عن الحوليات الأولى لتيتوس ليفيوس (وهو مؤرخ روماني في عصر أغسطس ولد عام ٥٩ق.م ومات عام ١٧ بعد الميلاد وتتبَّع التاريخ الروماني منذ تأسيس روما حتى عصره في ١٤٢ كتابًا لم يبقَ منها سوى الكتب العشرة الأولى والكتب من ٢١–٤٥) وقد تأثر بقراءاته له فأعجب بسياسة الدولة الرومانية القائمة على القوة والبطش والتكبر، كما اشتهر بكتابه «الأمير» الذي يمجد الاستقلال القومي ويجعل من قوة الدولة وعظمتها المثل الأعلى الذي يتعين على الأمير أن يسعى بكل الوسائل الممكنة إلى تحقيقه، مهما تعارضت هذه الوسائل مع القيم الأخلاقية، وبذلك سوَّغ اللجوء إلى القسوة والخداع في صراع الحكام من أجل السلطة. وتطور المجتمع البشري يخضع في رأيه للأسباب الطبيعية، كما أن القوة والمصالح المادية هي التي تُحرك التاريخ. يُعد من رواد النظرة الإنسانية للتاريخ، أولئك الذين حاولوا استخلاص قوانينه من العقل والتجربة لا من اللاهوت.

(ب) النهضة في ألمانيا

حوالي ١٤٦٧–١٥٣٦م؛ إرازموس فون روتردام: أحد ممثلي النزعة الإنسانية الكبار (الذين تولوا ترجمة التراث اليوناني-الروماني واحتذوا بمثله الفكرية والفنية والإنسانية) أبعدته نزعته الشكلية المتطرفة عن «لوثر»، وكان هذا الانفصال شاهدًا على الاختلاف بين المعرفة والإيمان، وبين الفلسفة والدين. قال في هذا الصدد عن نفسه: إن ما قلته باعتدال وبالقياس إلى حالات محددة قد تطرَّف لوثر في تعميمه وإطلاقه. حاول إرازموس، بمقارنته بين الكتاب المقدس والمفكرين القدامى (وبخاصة سقراط وأفلاطون) أن يؤكد «الوحي الشامل» و«الإنجيل الخالص» و«فلسفة المسيح»، وأصبح بذلك مؤسس النزعة العقلية في اللاهوت المسيحي، والنزعة الفردية التي تعني بالجوانب الجمالية والأخلاقية والدينية في تحقيق المثل الأعلى في التربية.
١٤٨١–١٥٣١م؛ ألريش تسفينجلي: أحد ممثلي النزعة الإنسانية ومصلح ديني، مزج بين عناصر مسيحية وأخرى من التراث الفلسفي القديم.

(ﺟ) استمرار الفلسفة المدرسية وتحولها

١٤٩٧–١٥٦٥م؛ فيليب ملانشتون: يُؤسس النزعة الأرسطية المطبوعة بطابع بروتستنتي مدرسي.
١٥٤٨–١٦١٧م؛ فرانز سواريز: يضع كتابًا تعليميًّا كبيرًا (المجادلات الميتافيزيقية) يقوم على أساس الوحي.

(٨-٢) الموضوع الجديد: الطبيعة

(أ) الفلسفة الطبيعية في ثوب إنساني (إنثروبولوجي)

الطبيعة والإنسان
١٤٩٣–١٥٤١م؛ باراسيلزوس: طبيب وفيلسوف. الكون إنسان أكبر، والإنسان كون أصغر، تصبح التجربة الجديدة بالطبيعة الحية تجربة خصبة يفيد منها الطب. مجده الناس في عصره ولقَّبوه «لوثر الطب» ثم لقى الأمرَّين من أعدائه فعاش في أواخر حياته مطاردًا مضطهدًا. عنده أن الطب هو العلم الكلي الذي يقوم على علوم الطبيعة والكيمياء ووظائف الأعضاء ويصب في الفلسفة والدين. وقد بدأ من نظرية جالينوس عن العصارات الأربع وانتهى إلى تصور ديناميكي ووظيفي عن عمليات الحياة. كل معرفتنا في رأي باراسيلزوس تجلٍ ذاتي، كما أن كل فعلنا وجهدنا مشاركة في الطبيعة الصادرة عن الله. وجميع الكائنات تتركب من جسم أرضي عنصري ظاهر وروح حيوية سماوية أو نجمية غير منظورة. ويتمتع الإنسان — أو الكون الصغير — بروح إلهية هي منبع المعرفة والفضيلة والسعادة. ولهذا يمرض الإنسان عندما يمرض في ثلاثة: في جسده وروحه وعقله ولا بد أن يعالج بطرائق ثلاثة من العلاج. واصل الطبيب الفيلسوف فان هلمونت (١٥٧٧–١٦٤٤م) تراث باراسيلزوس في فلسفته عن الطبيعة الحية.
١٤٩٩–١٥٤٢م؛ سباستيان فرانك: الطبيعة والتاريخ (اشتهرت قصته سفينة الحمقى وصوره التاريخية عن الجرمان وعن عصره) عنده أن الله هو الحب والخير الأعظم، وهو يبرهن على وجوده في الإرادة الحرة للإنسان. وليس الكتاب المقدس إلا استعارة أو مجازًا أبديًّا أو «ثوبًا» يُدثِّر الحقيقة السامية المستعصية، أما التاريخ نفسه فهو عنده الكتاب المقدس الحقيقي. تفلسف كذلك حول تاريخ الشعب الألماني وأمثاله المأثورة.

(ب) الفلسفة الطبيعية الكونية (الكوزمولوجية)

الطبيعة والعالم
١٤٧٣–١٥٤٣م؛ كوبرنكوس كوبرنيق: التحول من النظام الفلكي البطليموسي (مركزية الأرض) إلى مركزية الشمس.
١٥٦٤–١٦٤٢م؛ جاليليو جاليلي: (مهَّد له الفنان والرياضي العالم الأديب المشهور ليوناردو دافنشي ١٥٤٢–١٥١٩م) يرجع إليه الفضل في تأسيس المناهج الدقيقة للسيطرة العلمية على الطبيعة.
١٥٧١–١٦٣٠م؛ كبلر: يصل بالتحول الجديد في التصور الفيزيائي للعالم إلى غايته، ظل متأثرًا بالأفكار الأفلاطونية الجديدة والفيثاغورية والتنجيم القديم.

(ﺟ) الفلسفة الطبيعية ذات النزعة الصوفية

الطبيعة والله
١٥٧٥–١٦٢٤م؛ يعقوب بوهمه: مفكر صوفي و «ثيوصوفي» بروتستنتي شديد العمق والغموض، تنساب في تفكيره التأملات في فلسفة الطبيعة وفي اللاهوت. يُعد ذروة الحركة الفكرية الألمانية ما بين نقولا الكوزاني (الذي سبق ذِكره) وليبنتز. المشكلة الميتافيزيقية الرئيسية التي تشغله هي ماهية الله وفعله. ويميز «بوهمه» في الأساس الأبدي الإلهي (الذي يُسميه أحيانًا باللاأساس!) بين الروح (أو العقل) الذي يتصف بالإرادة، وبين الطبيعة الأبدية. ومن «اللاأساس» يلد الله ذاته بصورة أبدية كما يعرف ذاته ويشكل (الآخر) المختلف عن ذاته. أثَّر عالمه الضبابي الغريب تأثيرًا قويًّا على فشته (نظريته عن تحقيق الأنا) وشيلنج (نظريته عن الحرية) وهيجل (فلسفته الجدلية) وفرانز بادر (في فلسفته «التأملية» التي لا تفصل بين الذات — أو الأنا — وموضوع تفكيرها، ولا تعطي الأولية للأنا — على العكس من ديكارت — وترى أن الإنسان الواقعي لا يفكر أولًا في الله ثم يقترب منه وإنما يفكر في الله ومعه وبعون منه) كما أثَّر أخيرًا على فلسفة مكس شيلر — المبكرة — في فصلها بين العقل والدافع وكذلك لا تخفى لمساته الصوفية المظلمة على تفكير مارتن هيدجر (انظر مثلًا رسالته عن ماهية الحقيقة وكتابه قانون السبب، أو الأساس).

(٨-٣) أصحاب البرامج الكبرى

١٥٣٣–١٥٩٢م؛ مونتيني: (ميشيل دي) فيلسوف أخلاقي فرنسي من عصر النهضة. يعرض نزعته الشكية بأسلوبه الرائع وقلمه الساخر في مقالاته (أو محاولاته) المشهورة. يُعبر عن سؤاله المستمر «ماذا أعرف؟» الذي صار عنوان سلسلة ثقافية فرنسية معروفة! عن فلسفته الصريحة في الشك، وهي، بخلاف اللاأدرية، لا تُنكر قابلية العالم للمعرفة، وإن كانت تؤكد حق الإنسان في التشكك في كل شيء. سلط مونتيني سخريته القاسية على غرور الإنسان بنفسه وبعقله الذي يبدأ بالجهل وينتهي إلى الجهل. فسؤاله الذي يقترب من كلمة سقراط (أعرف أنني لا أعرف شيئًا) هو في نفس الوقت «من أكون؟» و«ماذا أستطيع؟» وجوابه الدائم «القليل»؛ فالإنسان ضعيف فإنٍ، وهو يحثه على الاعتدال والعمل بالحكمة الخالدة «اعرف نفسك»، كما يرسمه على ما هو عليه، هنا والآن، لا كما ينبغي أن يكون، وهو نفسه بتجاربه ومشاهداته هو المضمون الوحيد لكتابه، كما كتب يقول في مقدمة مقالاته. تأثيره ضخم على الفكر الفرنسي حتى برجسون (وكذلك كان صديقه بيير شارون ١٥٤١–١٦٠٣م من الشكاك).
١٥٤٨–١٦٠٠م؛ جوردانو برونو: أهم الفلاسفة الطبيعيين في عصر النهضة. انتهت حياته الشريدة المغامرة على المحرقة في روما. مفكر شاعري ثائر، تغلب عليه العاطفة الحية المتمردة، أول من أقام فلسفة عن «وحدة الوجود» في العصر الحديث، العالم في نظره «مونادة» حية لا متناهية، وكل ما فيه من موجودات إنما هو مونادات — كائنات أو جواهر متفردة — (تأثيره على ليبنتز وشيلنج) وتقوم وحدة المادية الحية التي يتركب منها العالم على النفس الكونية الإلهية. مزج في تفكيره الشاعري بين عناصر يونانية وأفلاطونية جديدة وبين نظرية كوبر نيقوس الفلكية التي جعل منها نظرية ميتافيزيقية عن كثرة لا متناهية من العوالم غير المحدودة.
١٥٦١–١٦٢٦م؛ فرانسيس بيكون: المبشر بالعلم والمنهج التجريبي الاستقرائي الجديد على باب العصر الحديث. الأورجانون الجديد (١٦٢٠م) جزء من «الإصلاح العظيم» الذي لم يتمه. الدعوة البليغة إلى التجربة والملاحظة لأجل السيطرة على الطبيعة واستغلال قوانينها لسعادة الإنسان ورخائه (المعرفة قوة!) اليوتوبيا العلمية (في رواية أطلانطيس الجديدة التي لم يتمها).

(٨-٤) المذاهب الكبرى

(أ) المفكرون العظام

١٥٩٦–١٦٥٠م؛ رينيه ديكارت: مفكر حدد العصور التالية واستحق أن يسمى أب الفلسفة الحديثة. أساس الفلسفة والعلم عنده: اليقين الذاتي للأنا (أنا أفكر فإذا إذا موجود! كوجيتو إرجو سوم) فأصبحت الميتافيزيقا من بعده هي ميتافيزيقا الذاتية. ثنائية الجواهر عنده حاسمة: الجوهر المفكر أو الشيء العارف (أي الوعي والروح والنفس والعقل) والجوهر الممتد (أي العالم والطبيعة والأجسام): «التأملات في الفلسفة الأولى» (١٦٤١م). وعي منهجي متطور أثر على التالين له ففكروا في مشكلة المنهج وضرورته وكتب معظمهم عنه (مقال عن المنهج ١٦٣٧م) محاولة إنشاء ميكانيكا الجواهر الممتدة على أساس الهندسة التحليلية (مبادئ الفلسفة ١٦٤٤م) رسالته عن انفعالات النفس (١٦٤٩م).
  • راجع عنه في العربية كتاب «ديكارت» لأستاذنا المرحوم الدكتور عثمان أمين وترجمته للتأملات و«مبادئ الفلسفة»، وكذلك ترجمة المقال عن المنهج للمرحوم الأستاذ محمود الخضيري، وديكارت للدكتور نجيب بلدي، وتاريخ الفلسفة الحديثة للأستاذ يوسف كرم، ودراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة للدكتور يحيى هويدي، وتاريخ الفلسفة الغربية لراسل، الجزء الثالث من ترجمة الدكتور محمد فتحي الشنيطي.

١٥٥٨–١٦٧٩م؛ توماس هويز: أعنف المفكرين الإنجليز ومن أقواهم أثرًا، الفلسفة عنده «نظرية عن الأجسام»، وهي فلسفة اسمية-عقلانية، والتفكير فيها نوع من الحساب. تصوره للموجود تصور مادي، وللمعرفة تجريبي، وللإنسان طبيعي، وللدولة مطلق (التنين ١٦٥١م). كان لنظريته الطبيعية عن المجتمع والدولة تأثير ضخم: ففي «الحالة الطبيعية» تسود «حرب الجميع على الجميع»، ولا ينهي هذه الحالة إلا «العقد» الذي تنشأ الدولة بمقتضاه فيخضع كل سكانها «للتنين». إلغاء الجوهر المفكر الذي قال به ديكارت.
١٦٣٢–١٦٧٧م؛ بنيدكت اسبينوزا: مفكر عظيم وحيد، اتبع في عرض فلسفته في وحدة الوجود منهجًا رياضيًّا دقيقًا (وضع كتابه في الأخلاق «على الطريقة الهندسية») تتداخل فيه دوافع عقلية صوفية. ألغى ثنائية الجواهر التي قال بها ديكارت، بحيث أصبح هذان الجوهران هما الصفتان المعروفتان لنا عن الجوهر الإلهي الواحد (عبارته المشهور: الله أو الطبيعة) وبذلك أحلَّ التوازي بين الجوهرين محل التأثير المتبادل الذي حاول ديكارت وأتباعه أن يقيموه بينهما فلم يحالفهم التوفيق كثيرًا. المثل الأخلاقي الأعلى عنده هو التحرر من سيطرة الانفعالات عن طريق الإدراك الواضح والتبصر العقلي بالقوانين الأبدية (الحتمية!) للوجود، هذا الإدراك العقلي الواضح والمعرفة التامة المتميزة بالأشياء والانفعالات والسيطرة عليها هي في نفس الوقت محبة الله وفيها تكمن الحرية والسعادة والفضيلة. أثر تأثيرًا كبيرًا على ليسنج وهيردر وجوته بوجه خاص وشيلنج وشلير ماخر وهيجل وغيرهم.
  • راجع عنه في العربية: اسبينوزا للدكتور فؤاد زكريا، والحقيقة بحث فلسفي للدكتور نظمي لوقا، وترجمة رسالته في اللاهوت والسياسة للدكتور حسن حنفي، وتاريخ الفلسفة الحديثة للأستاذ يوسف كرم.

١٦٣٢–١٧٠٤م؛ جون لوك: الممثل الرئيسي لعصر التنوير في إنجلترا وللنزعة التجريبية التي اكتملت على يديه (مقال عن الفهم الإنساني ١٦٩٠م) يرفض الأفكار الفطرية التي قال بها ديكارت، ويستمد المعرفة كلها من التجربة الباطنة والظاهرة (أي من الإحساس والتأمل) ويؤيد الدين الطبيعي أو التدين العقلي الذي يُسلِّم بوجود الله وخلقه للطبيعة وقوانينها ولكنه ينكر الوحي، كما ينكر كل تأثير إلهي فائق للطبيعة (معقولية الديانة المسيحية ١٦٩٥م) وقد سادت هذه النزعة العقلية عصر التنوير، وبدأت في إنجلترا قبل أن تمتد إلى فرنسا وألمانيا لتنتهي إلى المادية والإلحاد. والأخلاق عنده هي أخلاق السعادة، ونظريته السياسية فردية ومتحررة (ليبرالية). وقد طوَّر «مونتسكيو» نظريته عن العقد السياسي أو الدولي وتوزيع السلطات، كان له تأثير كبير على ليبنتز وكانط.
  • راجع عنه في العربية: جون لوك للدكتور عزمي إسلام، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف بالقاهرة.

١٦٤٦–١٧١٦م؛ جوتفريد فيلهلم ليبنتز: فيلسوف، ورياضي، ومنطقي، وباحث طبيعي، ودبلوماسي، ومؤرخ، … إلخ وأكبر عقلية موسوعية في القرن السابع عشر. اتجهت جهود حياته وفلسفته إلى التوفيق بين الاتجاهات التعارضة: بين النظرية والتطبيق، والإيمان والعلم، والتصور الآلي والتصور العضوي والغائي للطبيعة، بين الفلسفة القديمة واللاهوت المسيحي والعلم الطبيعي الآلي في عصره، بين الفِرق والكنائس المسيحية (البروتستنتية والكاثوليكية) وبين الرياضة الكلية والميتافيزيقا الفردية (المونادولوجيا ١٧١٤م) حيث يتصور أن كل الكائنات جواهر فردة بسيطة، تتسلسل حسب وضوح تصورها وإدراكها وانعكاس العالم عليها من الجماد والنبات والحيوان والإنسان حتى المونادة العظمى (الله) الذي رتبها عند الخلق بحيث يتسق التصور عند كل منها مع أحداث العالم في مجموعه (الاتساق المدبر أو التجانس بقدر) وبحيث يصبح هذا العالم أفضل عالم ممكن (التيوديسية، عن خيرية الله وحرية الإنسان وأصل الشر ١٧١٠م).

اكتشف حساب التفاضل والتكامل مستقلًّا عن نيوتن، وبدأ خطوات هامة على طريق المنطق الرمزي، وشرع في وضع «رياضة كلية» تختصر المعرفة البشرية وتستعيض بالأرقام والحساب عن الكلمات والخلافات. مهدت أفكاره لعصر التنوير، وأثر على كانط والمثالية الألمانية.

  • راجع عنه في العربية: المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي (ترجمة ودراسة لكاتب السطور) وتاريخ الفلسفة الحديثة للأستاذ يوسف كرم، وليبنتز للدكتور جورج طعمة.

(ب) معاصرون للمفكرين العظام

١٥٨٣–١٦٤٨م؛ شريري، هربرت: مؤسس نزعة التدين الطبيعي في إنجلترا (راجع ما سبق عن جون لوك) الذي يُخضع الدين (في الكتاب المقدس) لتبرير العقل والغرائز العليا المشتركة بين البشر كما تصدر عنه قواعد الأخلاق العملية.

أهم مؤلفاته باللاتينية: الحقيقة (١٦٢٤م)، أسباب الأخطاء (١٦٤٥م)، ديانة الناس (١٦٤٥م)، بجانب ترجمة ذاتية ظهرت بالإنجليزية بعد موته.

١٥٩٢–١٦٥٥م؛ جاسندي، بيير: محاولة التوفيق بين النزعة الذرية والحسية وبين العقائد المسيحية. تجديد فلسفة ديموقريطس الطبيعية وأخلاق اللذة والسعادة عند أبيقور وديموقريطس. خصم ديكارت وعدو النزعة الأرسطية والمدرسة الغالبة. من مؤلفاته باللاتينية: حياة أبيقور وعاداته ومذهبه، عبارات أبيقور الفلسفية.
١٦٢٣–١٦٦٢م؛ بليز باسكال: فيلسوف وعالم رياضي وطبيعي، كتب في السابعة عشرة من عمره رسالة هامة عن القطاعات المخروطية كما توسع في حساب المجاميع والاحتمالات واكتشف المثلث المعروف باسمه. يُعد تفكيره رد الفعل على النزعة العقلانية التي سادت العصر في العلم والفلسفة واللاهوت فتشكَّك فيها وواجهها ﺑ «منطق القلب» المؤمن الذي لا يعرف العقل عنه شيئًا؛ فيقين العقل الإنساني (كما يتجلى خصوصًا في الرياضيات بوصفها أكمل مناهج البحث العلمي في نظام الطبيعة) لا يكفل اليقين والأمان للوجود والسلوك الإنساني الذي يتجاوز حدود السلوك العلمي. وهداية الإنسان لا تأتي أيضًا من أي دليل فلسفي على وجود الله، وإنما تأتي من الجواب على هذا السؤال: ماذا يحدث للإنسان بعد الموت، هل يصير إلى النعمة الأبدية أم إلى اللعنة الأبدية؟ وهو سؤال قلق عن نجاة الإنسان أو خلاصة، يعجز العقل أن يجيب عنه بالاعتماد على نفسه. ازداد إحساس باسكال بوحدة الإنسان وتناقضه وتعاسته وعجزه وضياعه وهو يرى نفسه ملقًى كالعدم بين لا نهايتين، وليس له أمام الكون غير المحدود إلا أن يشعر بعظمته التي تجعله يحيطه بفكره ووعيه بأنه كذلك كون في مواجهة العدم. وقد ظل باسكال يعاني من هذا القلق اليائس حتى عاين في ليلة الكشف المشهورة (٢٣ / ١١ / ١٦٥٤م) حضور الرب الحي الذي بشر به الإنجيل (رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويسوع المسيح لا رب الفلاسفة!) وسجل رؤيته لهذه النار المقدسة في «وصية» خاطها في ثوبه الخشن ولم تُكتشف إلا بعد موته. لم يمكِّنه المرض المستمر من إتمام كتاب يدافع فيه عن المسيحية، ويكشف عن مغالطات العقل الذي يتصور في نفسه القدرة المطلقة، ونُشرت الشذرات الباقية منه في كتابه الخالد «خواطر» (عن الدين)، وتولَّى نشر مؤلفاته (في ١٤ مجلدًا من سنة ١٩٠٨ إلى سنة ١٩٢٣م) وترقيم خواطره ترقيمًا علميًّا الفيلسوف الفرنسي ليون برونشفيج.
  • راجع عنه في العربية: كتاب باسكال للدكتور نجيب بلدي.

١٦٢٥–١٦٦٩م؛ أرنولد جيلنكس: مؤسس النزعة التي يطلق عليها «نزعة المناسبة» وهي النظرية التي قال بها مع مالبرانش (١٦٣٨–١٧١٥م) ونشأت عن مشكلة العلاقة بين الجسم والنفس التي تركها ديكارت بغير حل مقنع، ومن رأيهما أن كل حدث ترتبط فيه العلة بالمعلول لا تؤثر الأشياء ولا تفعل فعلها على بعضها البعض، وإنما تكون مجرد شروط أو أدوات لفعل وحيد هو الفعل الإلهي. وقد أُلغت فكرة تبادل التأثير والتأثر بين الجواهر على أساس القول بأن الفاعل الحقيقي هو الله وأن أفعال الإرادة والأعضاء ما هي إلا «مناسبة له».
١٦٤٧–١٧٠٦م؛ بيير بايل: كاتب وفيلسوف فرنسي من عصر التنوير. يفصل بين العلم والإيمان ويبشر باستقلال الأخلاق العقلية. كتابه عن «مذهب «أو نَسَق» الفلسفة» (١٧٣٧م) يكشف عن نزعته الديكارتية، أما قاموسه التاريخي والنقدي (١٦٩٥–١٦٩٧م) الذي أحرز شهرة كبيرة في أيامه فيكشف عن نزعة الشك الغالبة عليه. دخل في مجالات مع معظم رجالات عصره، وخصوصًا ليبنتز.

(٨-٥) عصر التنوير

سيادة العقل المستقل

(أ) في إيطاليا وإنجلترا

١٦٤٣–١٧٢٧م؛ إسحاق نيوتن: كوكب العلم الساطع في عصره، الذي حاول «كانط» بعد ذلك أن يبرر أصوله الفلسفية. فلسفة طبيعية ميكانيكية، المكان المطلق بمثابة «الجهاز الحسي» للألوهية، اكتشاف قوانين الجاذبية.
١٦٦٨–١٧٤٤م؛ جامبا تمستا فيكو: «العلم الجديد» (١٧٢٥م) وضع الأسس الجديدة لفلسفة التاريخ وعلم النفس الاجتماعي. خالف النزعة العقلية التحليلية عند ديكارت وانطلق من الأفلاطونية المحدَثة في عصر النهضة (كامبانيلا) بحثًا عن القوانين — التي تحددها العناية الإلهية — وتتحكم في تطور التاريخ وتتابع مراحل الحكم الإلهي المطلق (الثيوقراطي) والبطولي والمدني في تاريخ الشعوب. الدين في رأيه مبدأ إيجاد المجتمع وحفظه. أثرت فلسفته في التاريخ والمجتمع على فلسفة التاريخ الحديثة، وبخاصة عند هيردر. يذكرنا رأيه عن الروح الإلهي الذي يحدد الروح البشري العام في مساره التاريخي بفلسفة هيجل عن التاريخ، كما تذكرنا نظريته عن ازدهار الحضارات وانهيارها في دورة دائمة بفلسفة شبنجلر، أما نظريته السابقة عن المراحل الثلاث فتشبه قانون الأحوال الثلاثة المشهور عند أوجست كونت.
١٦٧١–١٧١٣؛ شافتسبري: النزعة الأخلاقية الجمالية، الفضيلة والجمال شيء واحد. أثره كبير على الأدب الكلاسيكي (خصوصًا جوته وشيلر) والرومانتيكي في ألمانيا.
١٦٨٥–١٧٥٣م؛ جورج بركلي: وضع أُسس المثالية الذاتية، ميتافيزيقا روحية (الوجود إدراك أو تصور) الكائنات العقلية (أو الروحية) المفردة هي الموجودات الواقعية بحق، وماهيتها تكمن في الفعل الإرادي والتصور الواعي. أما الطبيعة، من حيث هي مجال الأجسام الحسية، فلا واقع لها إلا من حيث إنها متصورة (فكرة)، وهي في مجموعها وفي سياقها المنتظم تقوم على تصور الله، والله هو الكائن العقلي (الروحي) الأسمى الذي يوجد عن طريق تصوره الكائنات العقلية المتكثرة كما يوجد تصوراتها عن الطبيعة (رسالة من مبادئ المعرفة البشرية ١٧١٠م).
  • راجع عنه في العربية: كتاب جورج باركلي للدكتور يحيى هويدي، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، وكذلك ترجمته وتقديمه لمحاوراته الثلاث بين هيلاس وفيلونوس.

١٧١١–١٧٧٦م؛ ديفيد هيوم: فيلسوف ومؤرخ استكتلندي، أهم فلاسفة عصر التنوير في إنجلترا، والمؤسس الحقيقي للنزعة الوضعية والنفسية (السيكلوجية). يمثل النزعة التجريبية الشكية: هدم القصور العقلي (أو القَبلي) لفكرتي الجوهر والعلية (رسالة عن الطبيعة الإنسانية ١٧٣٨–١٧٤٠م) فالفكر الإنساني عنده خلو من أية فاعلية أو تلقائية، وما «الأفكار» إلا مدركات حسية، تنشأ «بعد» التجربة، فمقولة العلية مثلًا تأتي من التعود والتجربة المتكررة. وقل نفس الشيء عن فكرة الجوهر وفكرة الله والأفكار الأخلاقية التي سلط عليها هيوم نقده النفسي النافذ. بل إن النفس عنده لا تعدو أن تكون «حزمة» من التصورات والإحساسات. هذا الشك في يقين الأفكار والقوانين «القبلية» (أي التي تسبق التجربة ولا تستمد منها) هو الذي أفزع «كانط» وأيقظه — على حد تعبيره — من سُباته!
  • راجع في العربية كتاب «ديفيد هيوم» للدكتور زكي نجيب محمود وفلسفة هيوم والنظرية السياسية عند ديفيد هيوم ومحاورات في الدين الطبيعي لهيوم وكلها للدكتور محمد فتحي الشنيطي.

(ب) في فرنسا

١٦٨٩–١٧٥٥م؛ مونتسكيو: تحليل التاريخ والقانون والدولة بروح عصر التنوير (روح القوانين ١٧٤٨م) تخلى في هذا الكتاب عن التفكير القانوني الشكلي وحاول أن يفسر القوانين والأخلاق وأشكال الحكم لدى الشعوب المختلفة على أساس نظرية البيئة، مؤكدًا أنها مشروطة بظروفها التاريخية والطبيعية، من مناخ وتربة ومعالم جغرافية. انتقد الحكم المطلق بشدة، وتأثر بالدستور الإنجليزي — الذي أوضح في رسائله الفارسية (١٧٢١م) أنه أكثر الدساتير تقدمًا وأن الدستور الفرنسي هو أشدها تخلفًا! — كما تأثر بفلسفة لوك السياسية في نظريته عن الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبحث في كتابه «خواطر عن أسباب عظمة الرومان وانهيارهم ١٧٣٤م» عن ازدهار الإمبراطورية الرومانية وانحلالها.
١٦٩٤–١٧٧٨م؛ فولتير: أشهر كاتب ومؤرخ وفيلسوف فرنسي في عصر التنوير. تأثر تأثرًا كبيرًا بفلسفة التنوير في إنجلترا (لوك ونيوتن) سلَّط نقده الساخر على النظامين الاقطاعي والكنسي الذي اعتبره العدو اللدود للتقدم والتطور، وراح يطالب بالتسامح الديني والمساواة أمام القانون، وفرض الضرائب على الملكية، وحرية القول والتفكير والاعتقاد. تحفل نظراته الفلسفية بالمتناقضات، فهو يميل لمادية لوك ويدعو إلى التجربة والبحث العلمي للطبيعة، ويرفض أفكار ديكارت عن النفس وينتقد الثنائية، ويرى استحالة معرفة الحقائق المتعالية كخلود النفس وحرية الإرادة، ولكنه يقرر أن التجربة تشير إلى وجود عقل أسمى ومهندس أزلي هو المبدأ الفعال الكامن في الطبيعة. صوَّر في كتابه الأساسي «مقال عن عادات الأمم وروحها» (١٧٥٦م في ستة مجلدات) التاريخ العالمي في صورة الكفاح البشري المتصل في سبيل التقدم والتحضر. يرجع إليه الفضل في صياغة مصطلح فلسفة التاريخ. هاجم في روايته الفلسفية «كانديد أو التفاؤل» (١٧٥٩م) فكرة خلود النفس وحمل حملة شديدة على تفاؤل ليبنتز. من أهم مؤلفاته الفلسفية: رسائل فلسفية عن الإنجليز ١٧٣٤م، عن الإنسان ١٧٣٨م، مبادئ فلسفة نيوتن ١٧٣٨م، القاموس الفلسفي ١٧٦٤م، التاريخ العالمي ١٧٦٩م. وقد شارك ديدرو في تأليف الموسوعة الشهيرة.
١٧٠٩–١٧٥١م؛ لامتري: فيلسوف وطبيب، يمثل النزعة المادية الصريحة (الإنسان الآلة ١٧٤٨م). من أصحاب هذه النزعة أيضًا هلفيتيوس (عن العقل ١٧٥٨م) والبارون هولباخ (نسق الطبيعة أو قوانين العالم الطبيعي والأخلاقي ١٧٧٠م) وقد انتهت هذه المادية إلى الإلحاد.
١٧٥١–١٧٧٢م: ظهور الموسوعة (أو المعجم المرتب للعلوم والفنون والحرف في ٢٨ مجلدًا) بإشراف مؤسسها الأديب الفيلسوف «ديدرو» (١٧١٣–١٧٨٤م)، واشترك معه فيها «دالمبير» (١٧١٧–١٧٨٣م) وروسو وفولتير. ساهمت الموسوعة بأكبر نصيب في نشر أفكار عصر التنوير (استقلال العقل، النزعة المادية والطبيعة، التدين الطبيعي).
١٧١٢–١٧٧٨م؛ جان جاك روسو: أديب وناقد حضارة وفيلسوف فرنسي سويسري، تجاوز أفكار عصر التنوير في فرنسا و«نظَّرت» أفكاره السياسية والاجتماعية للثورة الفرنسية التي مات قبل قيامها. كتاباته متأثرة بحياته الشخصية: القلب في مقابل العقل، والطبيعة الأصلية «البريئة» في مقابل النقص والفساد والشر الذي تولَّد عن المجتمع والعلم والفن (كما عاناه في نفسه واعترف به!) الأولية عنده لقوانين الطبيعة والقلب والضمير الذي يميز بين الخير والشر (مقال عن العلوم والفنون ١٧٥٠م) كان البشر يعيشون في الأصل في حالة من الفقر والبراءة الطبيعية، ثم حلت الموهبة (أو البراعة) والتحصيل محل الفضيلة فأوجدوا الفرقة بينهم وعدم المساواة التي زادتها نشأة الملكية، مما دعاهم إلى إبرام عقد سياسي لتكوين الدولة (هوبز!) وتدخل الطغاة الذين قلبوا النظام الطبيعي من أساسه (مقال عن الأصل في عدم المساواة وأسسها ١٧٥٤م). ولما كان الإنسان حرًّا بطبيعته، وكان الإكراه القانوني من ناحية أخرى ضروريًّا في ظل الحالة الحضارية السائدة (التي لا يمكن التراجع عنها) فلا بد أن يراعى في تشكيل الدولة ألا يطيع الإنسان إلا نفسه، ولا يتحقق هذا حتى تصبح سلطة الدولة تعبيرًا عن «الإرادة الجماعية» (وهي تختلف اختلافًا تامًّا عن إرادة الجميع التي هي محصلة الإرادات الفردية الأنانية!) وتتألف هذه الإرادة الجماعية عن طريق «العقد الاجتماعي» (١٧٦٢) الذي يمثل إرادات الأفراد، وتحاول نظريته في التربية (السلبية!) أن تحافظ على «الإنسان الطبيعي» بتخليصه من «الخطيئة الأصلية» (إميل أو التربية، ١٧٦٢م).
  • راجع عنه في العربية: جان جاك روسو للمرحوم الدكتور محمد حسين هيكل، العقد الاجتماعي ترجمة الأستاذ عادل زعيتر، إميل أو التربية ترجمة الدكتور نظمي لوقا، اعترافات جان جاك روسو ترجمة الأستاذ محمد بدر الدين خليل.

١٧٢٧–١٧٨١م؛ ترجو: فلسفة في التاريخ ذات نزعة وضعية واجتماعية. شارك هولباخ وديدرو وهلفيتيوس في أفكارهم المادية وبين في درساته التاريخية أن تطور المجتمع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور أشكال الحياة الاقتصادية، وأكد أهمية التنمية وتقدم العلوم والصناعات في التقدم الاجتماعي. كما شارك مدرسة «الفيزيوقراطيين» رأيهم في أن «فائض القيمة» يوجد في مجال الإنتاج لا في مجال التوزيع. توصل إلى بعض الأفكار المتقدمة عن التقسيم الطبقي للمجتمع وطبيعة الأجور واقترب من التحديد العلمي لمفهوم الطبقة. أهم كتبه هو «تأملات عن تكوين الثروات وتوزيعها» (١٧٧٦م).

(ﺟ) في ألمانيا

١٦٧٩–١٧٥٤م؛ كرستيان فولف: أهم ممثل لعصر التنوير في المانيا. نزعة عقلانية معتدلة ذات اتجاهات أخلاقية وتوفيقية. أكد الفصل بين الفلسفة واللاهوت وقسَّم الميتافيزيقا، لأول مرة، إلى فروع مستقلة. أدت فلسفته بثقتها المطلقة في العقل البشري وقدرته على المعرفة، إلى انتشار العقلانية الدجماطيقية (لتي تقطع بقدرة العقل وحده على إثبات الحقائق المتعالية) التي أثرت في البداية على كانط قبل أن يتصدى للهجوم عليها بنفس القوة التي هاجم بها النزعة الشكية، كان له دور كبير في خلق المصطلح الفلسفي في اللغة الألمانية.
١٧٢٩–١٧٨١م؛ جوتهولد إفراييم ليسنج: كاتب مسرحي وناقد أدبي (اللائوكون!) ومفكر من أتباع فلسفة التنوير. نشر في سنة ١٧٧٤–١٧٧٧م شذرات من كتاب أحد أصحاب التدين الطبيعي والعقلي وهو هرمان صمويل رايماروس (١٦٩٤–١٧٦٨م) (كتاب لحماية عبيد الله العاقلين)، وكذلك تربية الجنس البشري (١٧٨٠م) حاول أن يوازن بين عقلانية القرن الثامن عشر والتراث الديني الغربي. ولكن توحيده بين العقل والوحي يلغي تاريخية المسيحية ويُسيء فهم الوحي الذي اعتبره «حيلة تربوية» من العقل الذي لم يشفع له أنه تصوره تصورًا إلهيًّا! ولعل أبقى ما في «فلسفة» ليسنج هو دعوته إلى الحب والتسامح بين الشعوب والأديان (كما تعبر عنه مسرحيته المشهورة ناتان الحكيم التي يصور فيها صلاح الدين الأيوبي نموذجًا للنبل والمروءة) وحربه الدائمة على الظلم والتعصب وخنق الحريات والحجر على العقل.
  • راجع عنه: تربية الجنس البشري من ترجمة الدكتور حسن حنفي، وكذلك ترجمة الدكتور مصطفى ماهر لمسرحيته «مينافون بارنهيلم».

١٧٢٩–١٧٨٦م؛ موسى مندلسون: فيلسوف يهودي، كان صديق ليسنج ودافع عنه ضد من اتهموه بالإلحاد (مثل ياكوبي). روَّج فلسفة التنوير وبسطها بجانب جهوده في تطوير اليهودية في عصره تطويرًا عقليًّا.

(٨-٦) خصوم فلسفة التنوير

١٧٣٠–١٧٨٨م؛ يوهان جورج هامان: سُمي «المجوسي القادم من الشمال» بسبب غموض لغته المجنحة وازدحام أسلوبه بالصور والرموز والاستعارات. علاقة الإنسان بالعالم تقوم في رأيه على عاطفة الإيمان والتسليم، وذلك على عكس الروح العامة لعصر التنوير. هذه العاطفة هي مصدر الشعور بتجلي الله في الطبيعة والتاريخ. والحقائق العليا لا تقبل البرهنة عليها، وإنما تجرب فحسب كتجربة أسرار الإيمان المسيحي. ويخالف هامان كانط في فصله بين عالم «الظواهر» وعالم الحقائق، وتمييزه ملكة الحساسية من ملكتَي الفهم والعقل؛ إذ يرى أن الخلق وحدة جسدية وعقلية واحدة، وأن ملكات الإنسان كذلك موحدة، وتتحقق هذه الوحدة في اللغة التي يرتبط فيها الحدس (العيان) والفكر برباط وثيق. تأثر بجوردانو برونو وليبنتز واسبينوزا، وكان صديق جوته — شاعر الألمان الأكبر — وهيردر وياكوبي وكانط الذي لم يتوانَ مع ذلك عن معارضته!
١٧٤٤–١٨٠٣م؛ يوهان جوتفريد هيردر: مؤسس فلسفة التاريخ في الفكر الألماني الحديث ورائد النظرة الروحية والإنسانية في ميادين عديدة، وبخاصة في ميدان الأدب (إذ يعد مؤسس الحركة المعروفة بالعصف والدفع التي أطلقت عبقرية الخيال من قيود العقلانية وألهمت جوته في صدر شبابه) كان تلميذ كانط ثم أصبح خصمه (ما بعد النقد ١٧٩٩م) طبَّق فكرته العضوية الحية على تطور الطبيعة والتاريخ، فالإنسان هو أعلى أشكال التطور الطبيعي، وتحقيق فكرة الإنسانية هو هدف التطور التاريخي الذي تزدهر فيه الحضارات وتتدهور في دورات متعاقبة (أفكار عن فلسفة تاريخ الإنسانية ١٧٨٤–١٧٩١م). وتُذكر لهيردر بحوثه عن نشأة اللغة، واهتمامه بترجمة الشعر الشرقي وتقديم كنوزه للقارئ الغربي.
١٧٤٣–١٨١٩م؛ ياكوبي، فريدريش هينريش: فلسفة الشعور والإيمان لفت الأنظار بكتابه عن «مذهب اسبينوزا» (١٧٨٥م) الذي وضعه في شكل رسائل موجهة إلى موسى مندلسون، وقد أدان فيه كل فلسفة مبنية على العقل، وبين أن الفلسفة الحقة تقوم على الشعور والإيمان ولا تبدأ إلا حيث تنتهي «السبينوزية» المؤدية للإلحاد. وبهذا المعنى لقَّب نفسه «الوثني بالعقل، والمسيحي بالوجدان». عارض كلًّا من هيوم وكانط في كتابه «ديفيد هيوم ورأيه في العقيدة أو المثالية والواقعية» (١٧٨٧م) كما اشتبك في حوار مع كل من فشته «كتاب إلى فشته» (١٧٩٩م) وشيلنج «الأمور الإلهية» (١٨١١م). يُعد معلم الرومانتيكيين في الفلسفة والمُبشِّر بالنزعة الفردية الحديثة. فهو يهاجم العقل ويؤكد عجزه عن تخطي حدود التجربة الحسية التي هي مصدر المعرفة، كما يؤكد قصوره عن إثبات وجود الأشياء. ولهذا فإن الشعور الديني الذي تقوم عليه الفلسفة الحقة لا يمكن فهمه من وجهة نظر عقلانية: «أن الأشخاص جميعًا، بل كل الأشياء توجد في الحياة التي هي الله» نمت بعض بذور تفكيره بعد ذلك في شجرة فلسفة الحياة وفلسفة الوجود المعاصر.

(٨-٧) المثالية الألمانية

١٧٢٤–١٨٠٤م؛ إمانويل كانط: بدأت معه مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخ التفلسف الغربي، ومنه انطلقت «المثالية الألمانية» التي وضع أسسها. أعظم مفكري القرن الثامن عشر. بعد المرحلة الأولى من تطوره الفلسفي التي تُسمى مرحلة ما قبل النقد، جاءت مرحلة «التحول الكوبرنيقي» التي اتجه فيها إلى بناء فلسفته النقدية أو «المثالية الترنسندنتالية» فأتمَّ مؤلفاته النقدية الكبرى: «نقد العقل الخالص» (١٧٨١م، الطبعة الثانية مع مقدمة جديدة وتغييرات هامة ١٧٨٨م) و«نقد العقل العملي» (١٧٨٨م) و«نقد ملكة الحكم» (١٧٩٠م) و«الدين في حدود العقل وحده» (١٧٩٣م)، التغلب على التعارض التقليدي بين النزعة العقلية والنزعة التجريبية عن طريق المثالية النقدية أو الترنسندنتالية (الشارطية المتعلقة بالشروط القبلية لكل معرفة ممكنة بالتجربة)، ثنائية عالم الظواهر وعالم الحقائق أو الأشياء في ذاتها. نقائض العقل الخالص، الأمر الأخلاقي المطلق.
  • راجع عنه في العربية: كانط والفلسفة النقدية للدكتور زكريا إبراهيم، كانط وفلسفته النظرية للدكتور محمود فهمي زيدان، إمانويل كَنت للدكتور عبد الرحمن بدوي، رواد المثالية للدكتور عثمان أمين، ومن ترجمات مؤلفاته: التمهيد لكل ميتافيزيقا مقبلة تريد أن تصبح علمًا للدكتورة نازلي إسماعيل، أسس ميتافيزيقا الأخلاق للدكتور محمد فتحي الشنيطي، ونفس الكتاب من ترجمة كاتب السطور «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق»، والسلام الدائم للدكتور عثمان أمين.

١٧٦٢–١٨١٤م؛ يوهان جوتليب فشته: المثالية «الذاتية». الفلسفة عنده هي «التأمل الذاتي العارف للفاعلية الأخلاقية الخلَّاقة للشخصية» (أو الأنا على حد تعبيره)، ولهذا يُسمي فلسفته مذهب العلم أو نظرية المعرفة (التي عالجها منذ عام ١٧٩٤م في عشر صيغ مختلفة!) وبهذا المعنى يقرر فشته ثلاثة أفعال للأنا: (١) الأنا تضع ذاتها. (٢) الأنا تضع اللا-أنا. (٣) الأنا تضع داخل «الأنا» لا-أنا منقسمة في مقابل الأنا المنقسمة. وليست هذه الأنا إلا مضمون العقل والإرادة والأخلاقية والإيمان، أما اللاأنا فهي تدل على الطبيعة والمادة، والعلاقة بينهما تعبير عن إرادة الإنسان الساعية إلى التحرر. والأنا لا تحددها الأشياء، وإنما هي التي تحدد الأشياء، ووعيها بوجود العالم خارجها — وهو نتاج تصورها — هو الذي يمدها باليقين عن حريتها، فليس العالم إلا مادة فاعليتها ومسئوليتها عن أداء الواجب. ومن ثم ضرورة تثقيف العقل والجسم والاندماج في مجتمع إنساني يكفل لمواطنيه الحرية والملكية وفرص العمل والحماية (دولة الفعل المغلقة ١٨٠٠م) من مؤلفاته: مذهب العلم (١٧٩٤-١٧٩٥م)، مصير — أو غاية — الإنسان (١٨٠٤م)، معالم العصر الحديث (١٨٠٦م)، نداءات إلى الأمة الألمانية (١٨٠٥م).
  • راجع عنه في العربية: «غاية الإنسان» ترجمة وتقديم الدكتورة فوقية حسين محمود، المثالية الألمانية، شيلنج للدكتور عبد الرحمن بدوي (به فصل عن فشته)، رواد المثالية للدكتور عثمان أمين، تاريخ الفلسفة الحديثة للأستاذ يوسف كرم.

١٧٧٥–١٨٥٤م؛ فريدريش فيلهلم شيلنج: المثالية «الموضوعية» مرحلة الفلسفة «السلبية» ١٧٩٤–١٨١٥م التي اتجه بعدها إلى فلسفة الطبيعة (نسق الفلسفة الطبيعية ١٧٩٨–١٧٩٩م)، ثم مرحلة الفلسفة «الإيجابية» التي اتجه فيها إلى فلسفة الدين (فلسفة الأساطير والوحي). فيلسوف الرومانتيكية الألمانية الذي انتهى إلى مناقشة مشكلة حرية الإنسان وعلاقته بالله وبلغ أعماقًا صوفية مظلمة.
  • راجع عنه في العربية: المثالية الألمانية، شيلنج، للدكتور عبد الرحمن بدوي.

١٧٧٠–١٨٣١م؛ جورج فيلهلم فريدريش هيجل: المثالية «المطلقة». استطاع أن يؤلف الحركة المثالية والفلسفة الغربية الحديثة في نسق موسوعي هائل: «ظاهريات الروح» (١٨٠٧م)، علم المنطق (١٨١٢–١٨١٦م)، دائرة معارف العلوم الفلسفية (١٨١٧–١٨٣٠م)، فلسفة الحق (١٨٢١م)، محاضرات نشرها تلاميذه عن فلسفة تاريخ العالم، وتاريخ الفلسفة وعلم الجمال وفلسفة الدين.
  • راجع عنه في العربية: المنهج الجدلي عند هيجل للدكتور إمام عبد الفتاح إمام، والمنهج الجدلي بعد هيجل لنفس المؤلف (رسالة تحت الطبع)، هيجل أو المثالية المطلقة للدكتور زكريا إبراهيم، هيجل للدكتور عبد الفتاح الديدي، المثالية الألمانية، شيلنج للدكتور عبد الرحمن بدوي (وبه فصلان عن فشته وهيجل)، ومن مؤلفاته المترجمة: محاضرات في فلسفة التاريخ للدكتور إمام عبد الفتاح إمام (ظهر الجزء الأول والثاني تحت الطبع) وموسوعة العلوم الفلسفية وأصول فلسفة الحق (لنفس المترجم تحت الطبع).

(٨-٨) معاصرون للمثاليين الكبار

١٧٤٨–١٨٣٢م؛ جيريمياس بنتام: مؤسس الفلسفة النفعية عن اللذة أو السعادة الاجتماعية (أكبر قدر ممكن من اللذة لأكبر عدد ممكن من الناس).
١٧٦٥–١٨٤١م؛ فرانزفون بادر: تأملات صوفية إلهية. كان في الأصل عالمًا طبيعيًّا (متخصصًا في المناجم) ثم تحول إلى النزعة الرومانتيكية الصوفية تحت تأثير يوهمه وشيلنج وهيجل والمتصوف الفرنسي سان مارتان الذين أثر بدوره عليهم. المعرفة عنده مشاركة الإنسان في العقل الإلهي والمعرفة الإلهية؛ لأن الفكر الواقعي — الذي لا يمكن أن تنفصل فيه الذات عن الموضوع — لا يبدأ بالتفكير في الله، وإنما يفكر به ومعه وبواسطته. حاول في فلسفته الاجتماعية الأصلية تجديد الطبقات والفئات على أساس غير رأسمالي.
١٧٦٧–١٨٣٥م؛ فيلهلم فون همبولت: فلسفة اللغة والنزعة الإنسانية (نظرية فردية وجمالية عن فكرة الإنسانية) وفلسفة السياسة. أثر على مناهج البحث التاريخي واللغوي المقارن (تفهم الشخصيات والعصور تفهُّمًا حيًّا متعاطفًا واعتبار اللغة تعبيرًا عن روح الجماعة وحماية لها). ساهم في إصلاح التعليم وتأسيس جامعة برلين سعيًا وراء مثله الإنساني الأعلى. حدد مهمة الدولة في كتابه «خواطر عن محاولة تعيين حدود فاعلية الدولة» (١٨٥١م) بالحماية من العدوان الخارجي ورعاية الأمن والقانون في الداخل، بشرط الاقتصاد بقدر الإمكان في التدخل في شئون الأفراد والشعوب حتى لا تعوق تطورهم.
١٧٦٨–١٨٣٤م: فريدريش دانيل إرنست شلير ماخر: «واقعية مثالية»، فلسفة الدين (أحاديث عن الدين إلى محتقريه من المثقفين ١٧٩٩م) ترجمة محاورات أفلاطون إلى اللغة الألمانية (١٨٠٤م وما بعدها).
١٧٧٢–١٨٢٩م؛ فريدريش شليجل: نزعة مثالية جمالية، فلسفة الحياة، التعبير الفلسفي عن «قدر» الرومانتيكية يبدأ بالحنين الغامض وينتهي إلى التشكيل الفني والفكري وفلسفة الأنا الشاملة، وإخضاع العقل لحقائق الكنيسة الكاثوليكية.
١٧٧٢–١٨٠١م؛ نوفاليس: شاعر فيلسوف، المثالية «السحرية» القائمة على أسس رومانتيكية ومسيحية، وهي فلسفة الاستقطاب أو التوازن الدينامي بين الواقع والمثال والخيال في الإنسان، وبين الإنسان والعالم.
  • راجع عنه في العربية: الموت والعبقرية للدكتور عبد الرحمن بدوي، وثورة الشعر الحديث (الجزء الأول) لكاتب السطور.

١٧٧٣–١٨٤٣م؛ ياكوب فريدريش فريز: تفسير إنساني (أنثوبولوجي) ونفسي لنقد العقل عند كانط. نقد جديد أو أنثربولوجي للعقل (١٨٠٧م) تأثر «بياكوبي» فأقام الدين على «استشعار» المتعالي أو فوق المحسوس (المعرفة والإيمان والاستشعار ١٨٠٥م).
١٧٧٦–١٨٤١م؛ يوهان فريدريش هربارت: فيلسوف وعالم نفس وتربية. عنده أن الفلسفة هي توضيح الأفكار (المنطق) وتصويبها (الميتافيزيقا) وتكملتها (علم الجمال والأخلاق). كان لآرائه في التربية والتعليم تأثير كبير في القرن التاسع عشر.
١٧٨١–١٨٣٢م؛ كارل كرستيان فريدريش كراوزه: تتلمذ على فشته وشيلنج. فلسفة وحدة وجود حلولية، ومحاولة تطوير مذهب كانط. الروح والجسد عنده متضادان وتأثيرهما متبادل، أما الكل الأسمى فهو الله، وهو الماهية والمطلق والواقع. لهذا تبدأ الفلسفة عنده من رؤية الماهية، ويهدف تطور البشرية إلى وحدة الشعوب. أثر تأثيرًا كبيرًا على الحياة الفكرية في بلجيكا وأمريكا الجنوبية وإسبانيا بوجه خاص (الكراوزيزمو).
  • من مؤلفاته: النموذج الأصلي للبشرية (١٨١١م)، معالم نسق الفلسفة ١٨٢٥–١٨٢٨م، محاضرات عن نسق الفلسفة ١٨٢٨م، محاضرات عن حقائق العلم الأساسية ١٨٢٩م.

١٧٨١–١٨٤٨م؛ برنارد بولزانو: منطقي من خصوم النزعة السيكلوجية (نظرية العلم ١٨٣٧م) ورياضي ولاهوتي كاثوليكي. كان هسرل (مؤسس فلسفة الظاهريات أو الفينومينلوجيا) هو أول من لفت الأنظار (في سنة ١٩٠١م) إلى بولزانو ووصفه بأنه «واحد من أعظم المناطقة في كل العصور». أحيت الظاهريات أفكاره وأفادت منها في حملتها على النزعة النفسية في المنطق. كان من القلائل الذين رفضوا فلسفة كانط ورجع إلى التراث المنطقي في العصر الوسيط. تذكر له الرياضة نظريته عن الدالات الحقيقية وبحوثه التي مهَّدت لنظرية المجاميع. من أهم كتبه: نظرية العلم (١٨٣٧م) ومفارقات اللامتناهي (١٨٥١م).
١٧٨٨–١٨٦٠م؛ أرتور شوبنهور: فلسفة إرادية مثالية (العالم إرادة وتصورًا ١٨١٩م، نمت صيغته النهائية ١٨٥٩م) تقوم فلسفته على هاتين القضيتين: (أ) العالم في ذاته إرادة. (ب) العالم بالنسبة لي تصوُّر. وكل ما يعرف — أي العالم بأكمله — موضوع متعلق بذات، رؤية راءٍ، قصور أو تمثل، فلا ذات بغير موضوع، ولا موضوع بغير ذات. غير أن هذه المعرفة لا تكفي، فذات الفرد العارفة تجد — من تجربتها بجسدها — أنها في صميمها إرادة. هذا الجسد هو التحقق الموضوعي للإرادة، والإرادة هي الوجود في ذاته للجسد، ذلك هو مفتاح الباب إلى جوهر كل ما يظهر في الطبيعة؛ إذ لا بد أن يكون كل ما في الوجود إرادة، والتأمل المتَّصل يؤدي للتعرف على الإرادة الكامنة في نمو النبات، واكتمال البللور، وانجذاب المغنطيس لقطب الشمال، وتفرق المادة واتحادها. هذه الإرادة هي الشيء في ذاته، الذي رفضه شوبنهور بمعناه الكانطي! الذي يقع خارج المكان والزمان والعلية، وهو بلا سبب، ولا قرار، ولا هدف، فإذا تمثَّل للمعرفة الموضوعية في مكان وزمان خضع لمبدأ التفرد وصار بذلك إرادة حياة. ودرجات «تموضعه» ابتداء من أعم الطاقات الطبيعية حتى فعل الإنسان هي المُثل الأفلاطونية. وإذا كان العلم ينظر للموضوعات المحددة في المكان والزمان (أي التصورات) على أساس مبدأ العلية، فإن العبقري هو القادر وحده بالتأمل الخالص وقوة التخيل على إدراك هذه المُثل والتعبير عنها في الشعر والتصوير والموسيقى (التي تعبر تعبيرًا مباشرًا عن تحقق إرادة العالم فينا، وقد أثرت ميتافيزيقا الفن هذه على فاجنر ونيتشه). ويصور شوبنهور عذاب الحياة في صوره المختلفة تصويرًا رائعًا، ولا نجاة في رأيه إلا بنفي إرادة الحياة و«رفع» مبدأ التفرُّد، وبلوغ حالة اللاوجود أو النرفانا التي تمثل قمة فلسفته المتشائمة المتأثرة بالبوذية، والداعية إلى التعاطف قاعدة للأخلاق. من مؤلفاته الأخرى: «الجذر الرباعي لمبدأ السبب الكافي» (١٨١٣–١٨٤٧م)، «الإرادة في الطبيعة» (١٨٣٦م)، «المشكلتان الرئيسيتان في الأخلاق» (١٨٤١–١٨٦٠م)، «شذرات عن حكمة الحياة». وفي العربية: «شوبنهور» للدكتور عبد الرحمن بدوي، و«الفرد في فلسفة شوبنهور» للأستاذ فؤاد كامل، و«فن الأدب: من مختارات شوبنهور» ترجمة الأستاذ شفيق مقار.

(أ) ما بعد المثالية

المثالية المتأخرة
١٧٩٦–١٨٧٩م؛ إمانويل هرمان فشته: فلسفة ذات نزعة إلهية تأملية أو أخلاقية، لم تستطع أن تتغلب على «وحدة الوجود». تذكر له كتابة سيرة حياة أبيه (يوهان جوتليب فشته الذي سبق الكلام عنه) ونشر مؤلفاته.
١٨٠١–١٨٦٦م؛ كرستيان هرمان فيسه: نزعة هيجلية ذات طابع مسيحي وإلهي. تأثر في فلسفته اللاهوتية التأملية بوحدة الوجود عند هيجل ولكنه حول فكرة المطلق «المباطن للعالم» عنده إلى فكرة الله المسيحية. أكد دور التجربة في مسار الفكرة، وأثر بذلك وبفلسفته في الجمال على «لوتزه» (انظر بعد).
١٨٠١–١٨٨٧م؛ جوستاف تيودور فشنر: مؤسس علم النفس الفيزيائي (أي علم القوانين التي تربط بين الجسم والنفس باعتبارهما ظاهرتين منفصلتين بينهما مع ذلك تجاوب وتأثير متبادل). تأثر بفلسفة شلينج الرومانتيكية عن الطبيعة، وحاول أن يقهر النزعة المادية من وجهة نظره المثالية ولنفسية «الكلية» إلى العالم.
١٨١٧–١٨٨١م؛ رودلف هرمان لوتزه: حاول أن يؤلف بين التراث الميتافيزيقي للمثالية الألمانية والعلوم الطبيعية الدقيقة في مركب واحد (ميكرو كوزموس، أو الكون الصغير ١٨٥٦–١٨٦٤م) فهو يميز في هذا الكتاب بين مجالات الواقع والحقيقة والقيم وبين وضع الإنسان بينها على أساس العلاقات السببية والمعنوية والغائية المقابلة لها. تدين له فلسفة القيم الحديثة بالتفرقة الحاسمة التي أقامها (في كتابه عن المنطق ١٨٤٣م) بين «وجود» الأشياء و«صدق» القيم.

الاتجاه إلى التاريخ

١٨٠٢–١٨٧٢م؛ فريدريش أدولف ترندلنبرج: رجعة إلى أرسطو وأفلاطون (البحوث المنطقية ١٨٤٠م) اشتهر بعدائه لهيجل وهربارت. تقوم وجهة نظره «العضوية» للعالم على التوحيد بين الفكر والوجود عن طريق الحركة والغاية.
١٨٠٥–١٨٩٢م؛ يوهان إدوارد إردمان: مؤرخ الفلسفة الحديثة من وجهة نظر هيجلية. كتب تاريخها في ستة أجزاء بين سنتي ١٨٣٤م و١٨٥٣م.
١٨١٤–١٩٠٨م؛ إدوارد تسلر: من أعظم المؤرخين للفلسفة اليونانية، إلى جانب ما كتبه عن تاريخ الفلسفة الحديثة (فلسفة الأغريق، صدر في ثلاثة أجزاء بين سنتي ١٨٤٤م و١٨٥٢م وتولى بعد ذلك عدد من المؤلفين نشره في طبعات مختلفة) مجمل تاريخ الفلسفة اليونانية (١٨٨٣م، نشره بعد ذلك فيلهلم نستله سنة ١٩٢٨م وله ترجمة إنجليزية) تاريخ الفلسفة الألمانية منذ ليبنتز (١٨٧٣–١٨٧٥م).
١٨٢٤–١٩٠٧م؛ كونو فيشر: أرَّخ لأهم شخصيات الفلسفة الحديثة (في عشرة مجلدات نشرت ابتداء من سنة ١٨٥٤ حتى سنة ١٩١٠) كان هيجليًّا من الجيل الثاني ثم رجع إلى كانط ومهَّد للحركة الكانطية الجديدة. تتلمذ على يديه مؤرخ الفلسفة المشهور فندلباند وكتب سيرة حياته.
١٨٢٨–١٨٧٥م؛ فريدريش ألبرت لانجه: «تاريخ الفلسفة المادية» (١٨٦٦م).

التحوُّل إلى النزعة المادية

١٨٠٤–١٨٧٢م؛ لودفيج فويرباخ: نقد «أنثربولوجي» للدين (جوهر المسيحية ١٨٤١م، جوهر الدين ١٨٤٥–١٨٥١م) مهَّد فويرباخ بنقده الموجَّه لفلسفة هيجل (التي وصفها بأنها لاهوت فاشل!) وللمسيحية لنشأة التفسير الإلحادي لهيجل والمادية التاريخية لليسار الهيجلي. تقلب فلسفته المادية الاسمية فلسفة هيجل الروحية رأسًا على عقب، مؤكدة أن الموجود الحسي الفردي هو وحده الموجود الواقعي. يفسر الدين تفسيرًا إنسانيًّا محضًا ويعتبر أن المطلق في الفلسفة والدين مجرد تعمية صوفية للموجود اللامتناهي. الإنسان هو أساس فلسفته وموضوعها في وقت واحد، والله نفسه لا يعدو أن يكون تحقيقًا للصورة التي يتمناها قلبه، وهكذا تصبح السياسة عنده هي دين المستقبل. هاجم ماركس وإنجلز فلسفته المادية «التأملية» المجردة.
١٨٠٦–١٨٥٦م؛ ماكس شتيرنر: (اسمه الحقيقي كاسبار شميت) النزعة الفردية العدمية. انطلق من فلسفة هيجل وفويرباخ وعرض في كتابه «الفرد وملكيته» (١٨٤٥م) فلسفته «الأنا وحدية» المادية التي لا تعترف بغير الأنا المتسلطة. وهي من وجهة النظر الأخلاقية والعملية فلسفة أنانية، لا تقتصر أنانيتها على إنكار أي وجود متعالٍ عليها، بل تمضي إلى حدِّ إنكار الوجود الواقعي للشيء إلا إذا كان متعلقًا بالأنا ومسخَّرًا لخدمتها. هاجمه ماركس وإنجلز في كتابهما «القديس ماكس» (ضمن الأيديولوجيا الألمانية) كما أكد شوبنهور أن «الأنا وحدي» (أي الذي لا يؤمن بغير الأنا) ليس له مكان إلا في مستشفيات المجانين!
١٨٠٨–١٨٧٤م؛ ديفيد فريدريش شتراوس: حياة يسوع (١٨٣٥–١٨٣٦م)، العقيدة القديمة والعقيدة الجديدة (١٨٧٢م) وفي الكتاب الأخير يسأل هذه الأسئلة الأربعة: (١) هل ما زلنا مسيحيين؟ (والإجابة بالنفي). (٢) هل ما زلت لدينا عقيدة؟ (والإجابة نعم: وحدة الوجود). (٣) كيف نتصور العالم؟ (والإجابة: عن طريق مناهج العلم الطبيعي التجريبية بصورة تطورية وتاريخية). (٤) كيف ننظم حياتنا؟ تخلى عن تاريخية الأناجيل واعتبرها نتاج التفكير الأسطوري. نقد نيتشه نزعته التاريخية نقدًا قاسيًا (في كتابه تأملات في غير أوانها).
١٨٠٩–١٨٨٢م؛ برونوباور: المسيحية المكتشفة (١٨٤٣م) (والأخيران متأثران بالفلسفة الوضعية وبتطور العلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر، ونزعتهما المادية موجهة ضد المثالية الدينية والديانة المسيحية). وجَّه ماركس (في كتابه العائلة المقدسة) نقدًا قاسيًا إلى «نقده النقدي» لفلسفة هيجل عن التاريخ، وبين أنه نقد روحاني لاهوتي بعيد عن إدراك الواقع التاريخي المادي.
١٨٥٢–١٨٥٥م: ظهور مؤلفات تعبر عن النزعة المادية الشعبية: موليشوت، دورة الحياة (١٨٥٢م)، كارل فوجت، عقيدة كولر والعلم، لودفيج بوشنر (شقيق الكاتب المسرحي النابغة جورج بشنر): الطاقة والمادة (١٨٥٥م) وأصحابها متأثرون بفلسفة فويرباخ وبالعلم الطبيعي. والإنسان من وجهة نظرهم المادية والإنسانية الصريحة نتاج ظروفه المادية، والعلاقة بين تفكيره ومخه كالعلاقة بين المرارة والكبد، وبين البول والكلية (وهي عبارة معروفة من كتاب فوجت السابق الذكر).

مفكرون لهم دور حاسم

١٧٩٨–١٨٥٧م؛ أوجست كونت: مؤسس الفلسفة الوضعية في فرنسا (دروس في الفلسفة الوضعية ١٨٣٠–١٨٤٢م) ينطلق من علم الاجتماع الذي يرجع له الفضل في تسميته بالاسم الإفرنجي سوسيولوجيا وجعله علمًا دقيقًا يبحث قوانين الاجتماع البشري. يقوم الإيمان بالتطور والتقدم الذي يميز الفلسفة الوضعية على قانون الأطوار أو المراحل الثلاث التي يمر بها في زعمه تطور البشرية: المرحلة اللاهوتية فالميتافيزيقية فالوضعية العلمية.
١٨٠٦–١٨٧٣م؛ جون ستيورات مل: الممثل الرئيسي للنزعة التجريبية ومذهب المنفعة في إنجلترا «نسق المنطق ١٨٤٣م»، «مذهب المنفعة ١٨٦٣م»، جون ستيورات مل، للدكتور توفيق الطويل (سلسلة نوابغ الفكر الغربي).
١٨١٣–١٨٥٥م؛ سورين كيركجار: مثالية «وجودية» وإيمان مسيحي. فلسفة الفرد الوحيد القلق المرتعش في مواجهة المطلق ومفارقة حلوله — وهو السرمدي — في الزمان (على هيئة السيد المسيح كما ترى العقيدة المسيحية). الهجوم على الكنيسة الرسمية وعلى فلسفة هيجل التأملية المثالية وحقيقتها «العامة» غير الملزمة دفاعًا عن الحقيقة «الذاتية» والدينية التي لا يهرب منها الفرد إلى تذكر (الحقائق التاريخية والعلمية أو الموضوعية اللازمنية) وإنما يحقق «تكرار» المفارقة المسيحية في اللحظة، ويواجه الاختيار الحاسم بين إما … أو، وهو اختيار يتم بوثبة يائسة وبقوة الإيمان وحده. تتميز كتاباته بصدقها العاطفي وصورها الشعرية وقوتها الجدلية وسخريتها التي تذكرنا بتهكم سقراط «المفكر الذاتي» الذي اعتبره مثله الأعلى. فلسفته — أو بالأحرى فكره الديني الذي يكاد أن يكون اعترافًا مطولًا — رد فعل للمثالية المطلقة وباعثه التجديد في الحركات الفلسفية والدينية بعد الحرب العالمية الأولى، وإليه تُنسب أُبوَّة فلسفة الوجود واللاهوت الجدلي.
  • من مؤلفاته: مفهوم القلق ١٨٤٤م، فتات فلسفي ١٨٤٤م، الحاشية الختامية غير العلمية ١٨٤٦م، المرض حتى الموت ١٨٤٩م.

  • سورين كيركجار للدكتورة فوزية ميخائيل، ودراسات في الفلسفة الوجودية للدكتور عبد الرحمن بدوي، والوجودية للدكتور زكريا إبراهيم، ونيتشه وكيركجار، تاريخ محنة لكاتب هذه السطور.

١٨١٨–١٨٨٣م؛ كارل ماركس: فيلسوف وسياسي واقتصادي ألماني ومؤسس الاشتراكية العلمية. كانت حياته نفسها ملحمة كفاح ومطاردة بين ألمانيا وبروكسيل وكولونيا ثم لندن التي لجأ إليها وعاش فيها حوالي نصف حياته حتى موته. انطلق فكره الثوري من هيجل (الذي أخذ عنه أصول المنهج الجدلي وطبقه تطبيقًا ماديًّا — اقتصاديًّا واجتماعيًّا وتاريخيًّا — كما أخذ عنه فكرته عن المجتمع البرجوازي التي كانت حجر الزاوية في نقده للتراث والحضارة السابقة، معتمدًا على الأوضاع الرأسمالية والكنسية الفاسدة التي كانت سائدة في عصره) ومن كونت وفويرباخ والهيجليين اليساريين والأفكار الديمقراطية الثورية. كتب رسالته في الدكتوراة عن اختلاف الفلسفة الطبيعية عند كل من ديموقريطس وأبيقور (١٨٤١م)، وشارك سنة ١٨٤٢م في تحرير صحيفة الراين التي أصبح رئيس تحريرها. اصطدم بفلسفة هيجل واليسار الهيجلي وتحول إلى الفلسفة المادية متأثرًا بظروف التطور الاقتصادي والصراع الطبقي في أوروبا وثورة العمال الألمان في سيلزيا (١٨٤٢م) ومشاركته في ثورة باريس وانتقاله إليها بعد مصادرة صحيفة الراين (١٨٤٣م) وظهور موقفه الجديد في مقاليه اللذين نُشرا في العدد الوحيد من الحوليات الألمانية الفرنسية (١٨٤٤م) وهما مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل والمسألة اليهودية، تحوله إلى الشيوعية والإيمان بالدور التاريخي للطبقة العاملة وحتمية الثورة الاجتماعية والنظرة العلمية التي شاركه فيها صديقه إنجلز. ظهرت نتائج هذه المرحلة في «المخطوطات الاقتصادية والفلسفية» (مخطوطة ١٨٤٤م التي نُشرت سنة ١٩٣٢م وتُلخِّص مبادئ مذهبه) والعائلة المقدسة أو نقد النقد النقدي (١٨٤٥م) التي تهاجم «تصحيح» برونو باور لفلسفة التاريخ عند هيجل، كما تهاجم المادية الفرنسية في القرن الثامن عشر، والأيديولوجية الألمانية (١٨٤٥–١٨٤٦م) اللذين كتبهما بالاشتراك مع إنجلز وهس. أصدر مع إنجلز بيان الحزب الشيوعي (١٨٤٨م) الذي يحتوي على الخطوط العامة للماركسية والمنهج الجدلي ونظرية الصراع الطبقي والدور التاريخي للطبقة العاملة — البروليتاريا — وهو خلق مجتمع شيوعي جديد. الماركسية منهج لمعرفة العالم وتغييره (لم يصنع الفلاسفة شيئًا غير تفسير العالم تفسيرات مختلفة، ولكن المهم الآن هو تغييره!) وماركس نفسه فيلسوف وثائر جمع بين النظر والعمل اللذين يؤكد وحدتهما باستمرار (مشاركته في الثورة الألمانية سنة ١٨٤٨–١٨٤٩م وفي الاتحاد الشيوعي الذي حلَّته السلطات سنة ١٨٥٢م وتأسيس الدولية الأولى ١٨٦٤م، ومتابعة الحركات الاشتراكية الثورية في أوروبا، الصراعات الطبقية في فرنسا ١٨٥٠م، الثامن عشر من برومير لويس بونابرت ١٨٥٢م، الحرب الأهلية في فرنسا ١٨٧١م، نقد برنامج جوتا ١٨٧٥، ورأس المال الذي وهبه معظم حياته وظهر الجزء الأول منه سنة ١٨٦٧م والثاني الذي نشره إنجلز ١٨٨٥م والثالث ١٨٩٤م).

كان ماركس ملتقى ثلاثة تيارات فكرية تمخَّضت عن تكوينه العقلي وكفاحه السياسي ودراساته ورحلاته ولقاءاته: الفلسفة المثالية الألمانية، والاشتراكية الفرنسية، والاقتصاد السياسي الإنجليزي. وتبدأ فلسفته من الإنسان العامل لا من الإنسان المفكر. ومذهبه يضم في وقت واحد نظرية للمعرفة تقوم على المادية الجدلية التي احتفظت — كما تقدَّم — بمبادئ المنهج الجدلي عند هيجل مع تطبيقها تطبيقًا ماديًّا وإحلال الإنسان محل المطلق، والوعي البشري مكان الوعي الإلهي، وفلسفة في التاريخ فيها تتحكم القوانين الاقتصادية (أو البنية الاقتصادية السفلية) في مسار التطور التاريخي — الاجتماعي والسياسي — كما يحركه الصراع بين الطبقات المستغلة والطبقات المستغلة، وأخيرًا نظرية اقتصادية ثورية تُفسر ظلم الاقتصاد الرأسمالي (نظرية فائض القيمة!) وتعلن عن تدمير المجتمع الرأسمالي لنفسه بنفسه وفتح الطريق لقيام دولة تسيطر عليها الطبقة العاملة.

وإذا كانت أفكار ماركس ومؤلفاته قد تُجُووِزَتْ اليوم بعض الشيء، فلا يقلل هذا من تأثيره الهائل على عصرنا كله، سواء في ميدان الاقتصاد أو نظم الحكم. وقد أدى التراجع التدريجي للصراع الطبقي منذ أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا، والتطور الداخلي للنظم الشيوعية والرأسمالية إلى أن تصبح الماركسية قضية إيمان بمنهج خصب أكثر منها قانونًا «حتميًّا» للتاريخ. أضف إلى ذلك الاجتهادات العديدة لمراجعة النظرية الماركسية (كالماركسية الفرويدية — عند هربرت ماركوز — والطوباوية الواقعية — مبدأ الأمل عند إرنست بلوخ — والنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت الاجتماعية الجدلية — تيودور أدورنو وماكس هوركهيمر ويورجن هابرماس — والبنيوية النظرية، عند التوسير … إلخ).

١٨٢٠–١٩٠٣م؛ هربرت سبنسر: فلسفة التطور (نسق الفلسفة التأليفية ١٨٦٠–١٨٩٣م) أهم ممثلي هذه الفلسفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
١٨٤٢–١٩١٠م؛ وليم جيمس: مؤسس البرجماتية (١٩٠٧م) الفلسفة العملية أو فلسفة الذرائع، التي مهَّد لها تشارلز بيرس.
  • وليم جيمس للدكتور محمود زيدان (سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف بالقاهرة)، وليم جيمس للدكتور محمد فتحي الشنيطي، وبعض مشكلات الفلسفة ترجمة الدكتور الشنيطي.

١٨٤٤–١٩٠٠م؛ فريديش نيتشه: المفكر الوحيد الأمين في زمن العدمية. شاعر وفيلسوف. عذَّبه المرض طوال حياته حتى أُصيب سنة ١٨٨٨م بالشلل والجنون وعاش غائبًا عن الوعي حتى مات. ليس فيلسوفًا بالمعنى التقليدي أو الأكاديمي أو التأملي المجرد، وإنما هو — على حد قوله في كتابه هو ذا الإنسان — ديناميت ويتفلسف بالمطرقة! لا يمكن وضع تفكيره الحي في نسق أو مذهب، وإنما يُفهم من محنة قدره الشخصي والتاريخي وتجربته بضرورة تجديد الإنسان وإنقاذه من خطر العدمية الذي تواجهه الحضارة الغربية. صراعه الممزق المرير مع المسيحية والدين بوجه عام هو صراع نابع من صميم وجدان ديني وشعري. مرت حياته وفكره بثلاث مراحل تشبه تحولات الروح الثلاثة التي صورها في بداية كتابه المشهور: هكذا تكلم زرادشت ١٨٨٣-١٨٨٤م (له ترجمة عربية للأستاذ فليكس فارس عن الفرنسية):
  • (١)

    التأثر بحضارة الإغريق وفلسفتهم وأدبهم وبشوبنهور وفاجنر، وفيها تتكشَّف ماهية العالم عن التناقض المأساوي بين المبدأ الديونيزي (نسبة لديونيزيوس رب النشوة والخمر في أساطير اليونان) وهو مبدأ البطولة التراجيدية والانطلاق العبقري الخلاق، والمبدأ الأبولوني (نسبة لأبولو رب النور والفن) وهو مبدأ العقل والمنطق والاتزان الذي طغى على الروح الغربية من عهد سقراط (مولد التراجيديا من روح الموسيقى ١٨٧٢م، وتأملات في غير أوانها ١٨٧٣-١٨٧٤م).

  • (٢)

    مرحلة تأتي بعد القطيعة مع فاجنر والتخلص من تأثير شوبنهور وتتَّسم بالاتجاه للإنسان في واقعه في العالم، وبانقضاض «الروح الحر» على صروح التراث — الميتافيزيقا والدين والأخلاق والفن — وتعرية أصنامها «الماورائية» وأوهامها المثالية والثنائية — كالظاهرة والشيء في ذاته وهذا العالم وذاك العالم — التي تسرق من الإنسان واقعه الأرضي وتغريه بعالم آخر. وشعار هذه المرحلة هو كلمته المخيفة عن موت الله، أي انهيار بناء الميتافيزيقا الأفلاطونية، المسيحية تحت ضربات معوله الغاضب (إنساني، إنساني إلى أقصى حد ١٨٧٨–١٨٨٠م، الفجر ١٨٨١م، العلم المرح ١٨٨٢م).

  • (٣)

    العودة لتجربة المرحلة الأولى في صورة جديدة تمجد الحياة والعلاء بالذات، فيصبح المبدأ الديونيسي هو «إرادة القوة» (عنوان آخر مؤلفاته الذي بقي على شكل شذرات لم تتم وظهر سنة ١٩٠٦م) التي تريد ذاتها، أي تريد الحياة والمزيد من الحياة، بحيث تتجاوز نفسها في «الإنسان الأعلى» الذي سيصبح الإنسان الحالي بالقياس إليه كالقرد بالقياس إلى الإنسان! وهذا يقتضي تجريد القيم الموروثة من قيمتها (قلب القيم) بحيث يستحيل خيرًا ما كان يُعد حتى الآن شرًّا، ويُستعاض عن «أخلاق العبيد» بأخلاق السادة الذين يمهدون لمولد جيل الإنسان الأعلى (ونموذجه هو الحكيم المأساوي القديم مثل هيراقليطس والسيد النبيل من عصر النهضة مثل شيزار بورجيا وقبلهما الفنان المبدع كالطفل الأبدي) وما دام التاريخ يدور دورة أبدية بلا بداية ولا نهاية ولا مبدأ عالٍ يُوجِّهه، فلا بدَّ أن يكون المستقبل اللامتناهي هو نفسه الماضي اللامتناهي وأن تصبح اللحظة الحاضرة هي الخلود نفسه والحياة فيها هي الواجب الأسمى والسر الأكبر لإرادة القوة والعلو على الذات وخلقها في كل لحظة (فكرته أو الهامه المُحيِّر عن عودة الشبيه الأبدية التي لم يستطع توضيحها أبدًا) وبذلك يصبح عالم الصيرورة، هذا العالم هو نفسه المبدأ العالي.

تحتمل فلسفة نيتشه تفسيرات متعددة، وبعض نصوصه الشاعرية المتوهجة مسئول عمَّا تعرض له فكره الميتافيزيقي من تشويه وإساءة فهم أدى إلى نشوء نزعات لا عقلية معادية للدين ونزعات بيولوجية وعنصرية فاشية فهمت إرادة القوة عنده بمعنى إرادة العنف والبطش البربري، بينما هي إرادة العلو نحو الإنسان الذي يُبدع نفسه وقيمه وحقيقته «في اللحظة» في وجه العدم والفناء (هكذا تكلم زرادشت، الأقسام الثلاثة الأولى ١٨٨٣-١٨٨٤م والقسم الرابع ١٨٨٥م، وراء الخير والشر ١٨٨٦م).

  • نيتشه للدكتور عبد الرحمن بدوي، نيتشه للدكتور فؤاد زكريا (سلسلة نوابغ الفكر الغربي) فلسفة نيتشه للأستاذ أويجن فنك وترجمة إلياس بديوي دمشق ١٩٧٤م ومدرسة الحكمة لكاتب هذه السطور.

(٩) الكانطية الجديدة

رد الفلسفة، على يد أساتذتها الجامعيين، إلى نظرية المعرفة ومناهج البحث في العلوم الطبيعية والرياضية والعلوم الإنسانية

(٩-١) جناح الكانطية الجديدة في ماربورج يتجه لبحث مشكلة المعرفة في العلوم الطبيعية

١٨٤٢–١٩١٨م؛ هرمان كوهن: «نظرية كانط عن التجربة» (١٨٧١م)، «نسق الفلسفة» في ثلاثة أجزاء ١٩٠٢–١٩١٢م.
١٨٥٤–١٩٢٤م؛ باول ناثورب: فيلسوف وباحث في التربية الاجتماعية شارك في تأسيس مدرسة ماربورج. تفسير جديد لنظرية المُثل عند أفلاطون (١٩٠٣م)، الأسس المنطقية للعلوم الدقيقة (١٩١٠م)، «بستالوتزي» (١٩٠٩م).
١٨٧٤–١٩٤٥م؛ إرنست كاسيرر: من أهم ممثلي النزعة الكانطية الجديدة في العصر الحاضر. يجمع بين المنهج الصوري والنظري (الذي أخذه عن مدرسة ماربورج وأعلامها السابقين) والحس التاريخي الأصيل. هدف فلسفته كما يقول هو التمييز بين الأشكال (التاريخية) الأساسية المختلفة لفهم العالم بدلًا من الاكتفاء ببحث الفروض والمبادئ العامة للمعرفة العلمية بالعالم. أهم كتبه: مشكلة المعرفة في الفلسفة والعلم في العصر الحديث (في ثلاثة مجلدات ١٩٠٦–١٩٢٠م)، فلسفة الأشكال الرمزية (في ثلاثة أجزاء عن اللغة والتفكير الأسطوري والدين، وظاهريات المعرفة، صدرت بين سنتَي ١٩٢٣م، ١٩٢٩م) الفرد والكون في فلسفة عصر النهضة (١٩٢٧م) نشر مؤلفات كانط وحققها، راجع عنه: فلسفة إرنست كاسيرر بإشراف ب. أ. شيلب (١٩٤٩م) وكذلك في العربية رسالة ماجستير عن فلسفة الفن عند إرنست كاسيرر للدكتور محمد مجدي الجزيري، جامعة القاهرة ١٩٧٧م. وفي المعرفة التاريخية ترجمة الدكتور أحمد حمدي محمود.

(٩-٢) جناح الكانطية الجديدة في جنوب ألمانيا (هيدلبرج وفرايبورج) يتجه لبحث مشكلة المعرفة في العلوم الإنسانية والتاريخية (أو علوم الروح والقيم)

١٨٤٨–١٩١٥م؛ فيلهلم فندلباند: مؤسس المدرسة الكانطية الجديدة في بادن، فرتمبرج (الجنوب الألماني) التفرقة بين علوم الطبيعة وعلوم الحضارة، والعناية بتأسيس فلسفة القيم. يُعرف بوجه عام بفضل تأريخه للفلسفة حسب المشكلات الأساسية. تاريخ الفلسفة الحديثة (١٨٧٨–١٨٨٠م)، المرجع في تاريخ الفلسفة (١٨٩٢م ويطبع منذ ذلك الحين في طبعات متجددة)، التاريخ والعلم الطبيعي (١٨٩٤–١٩٠٤م)، مدخل إلى الفلسفة (١٩١٤م) كتبَ عنه تلميذه وزميله هينريش ريكرت.
١٨٦٣–١٩٣٦م؛ هينريش ريكرت: توسَّع في أفكار فندلباند: «حدود بناء التصورات في العلوم الطبيعية» (١٨٩٦م و١٩٢٦م)، «موضوع المعرفة» (نُشر لأول مرة سنة ١٨٩٢م ثم أعاد كتابته في طبعته الثالثة ١٩١٥م)، «علم الحضارة وعلم الطبيعة» (١٩٢٦م)، «مشكلات تاريخ الفلسفة» (١٨٩٤م)، «المشكلات الأساسية في الفلسفة» (١٩٣٤م)، «المباشرة وتأويل المعنى» (نُشر سنة ١٩٣٩م بعد وفاته).
١٨٧٥–١٩١٥م؛ إميل لاسك: أعاد التفكير في المشكلات التي أثارتها الكانطية الجديدة، محاولًا تجاوزها ووضع ميتافيزيقا عقلية على أسس جديدة. من أهم مؤلفاته: «منطق الفلسفة ونظرية المقولات» (١٩١٠م)، «نظرية الحكم» (١٩١٢م) لم يمهله الموت حتى يتم فلسفته، ونشر «هريجل» كتاباته المتفرقة في مجلدين (١٩٢٣-١٩٢٤م)، كان لفلسفة القيم عنده تأثير كبير على كل من ماكس فيبر (١٨٦٤–١٩٢١م) وإرنست ترولتش (١٨٦٥–١٩٢٣م).

(أ) فلسفة الحياة

الاتجاه للتاريخ

١٨٣٣–١٩١١م؛ فيلهلم دلتاي: أحد أعلام فلسفة الحياة. تُذكر له التفرقة المشهورة بين علوم الروح (العلوم الإنسانية) وعلوم الطبيعة ووضع منهج علم تأويل النصوص (الهيرمينويتيك) الذي يُعد حلقة الوصل بين الفلسفة والتاريخ وتأسيس علم النفس «الفهم» الذي يعتمد على الوصف والمعايشة لا على التفسير السببي بمناهج العلم الطبيعي. استعان بفكرة الفهم (أو بالأحرى التفهُّم!) على إدراك البناء الكلي للإنسان في فرديته الحية وفهم التاريخ العقلي والروحي منذ العصور القديمة بعيدًا عن مقولات العلوم الطبيعية ومناهجها. إن الحياة هي الأساس المشترك الذي يظهر خلال التاريخ في تعبيرات مختلفة، وكما أن هناك بناءات كلية مختلفة للنفس الإنسانية، ففي تاريخ العلوم الروحية أنماط ونماذج من «وجهات النظر» تعبر عن ملامح وجه عصر تاريخي معين، وتُشكل إحساسه بالحياة، وتحدد أشكال الحضارة والدين ونُظم الحكم السائدة فيه.

يرى دلتاي أن مهمة الفلسفة هي فهم الفلسفة في نشأتها والارتفاع أثناء ذلك فوقها (فالفلسفة هي علم العلوم أو هي تعليم عن العلم)، وهو يميز في وجهة النظر الغربية ثلاثة أنماط تعبر تعبيرًا صادقًا عن الطبيعة الإنسانية: المادية أو الوضعية، والمثالية الموضوعية، ومثالية الحرية (ومن ثم كانت النسبية الفلسفية الغالبة عليه). يستند إلى كانط في رفض الميتافيزيقا التقليدية بمعناها التصوري والثنائي (فلسفة الفلسفة ١٩٣١م) ويرى أن الإنسان لا يعرف ماهيته ويجريها إلا من خلال التاريخ الذي يعتمد كما تقدَّم على الفهم والاسترجاع الحي لأحداثه الروحية والعقلية، على نحوِ ما يفعل كاتب السيرة الذاتية الذي يُعيد إحياء حياته الماضية و «إحضارها». وقد طبَّق دلتاي هذا المنهج في دراساته لتاريخ الحياة العقلية الغربية والألمانية في عصورها وشخصياتها المختلفة. تأثرت فلسفة الوجود بفكرته عن التاريخ (أو التاريخية) وبمنهجه في تفسير النصوص.

  • من مؤلفاته: مدخل إلى علوم الروح ١٨٨٣م، أفكار عن علم نفس وصفي وتحليلي ١٨٩٤م، نشأة الهيرمينويتيك ١٩٠٠م، التجربة والأدب ١٩٠٨م، بناء العالم الخارجي في العلوم الإنسانية ١٩١٠م، من الأدب والموسيقى الألمانية ١٩٣٣م، رسائله المتبادلة مع صديقه الأمير بول يورك فون فارتنبورج (١٨٣٥–١٨٩٧م) التي نُشرت سنة ١٩٢٣م.

١٨٨٠–١٩٣٦م؛ أوزفالد شبنجلر: فيلسوف حضارة وتاريخ، تأثر بجوته ونيتشه في فهمه للتاريخ العالمي من خلال الفن والأدب والتصور المورفولوجي والبيولوجي (الحيوي). اشتهر كتابه «انهيار الغرب ١٩١٨–١٩٢٢م» في زمن المحنة والخوف من المستقبل وتوقُّع الخراب (خصوصًا بين الحربين العالميتين) ينظر إلى الحضارات التي تؤلف مجرى التاريخ العالمي (وهي في نظره ثماني حضارات راقية) نظرته إلى كيانات عضوية حية، مستقلة، مقفلة على نفسها، تخضع للقدر الذي يمر به الكائن الفرد من ميلاد وازدهار وموت. وهو يُقدِّر عمر كل منها بحوالي ألف سنة. ويقرر من التقابل والتوازي المورفولوجي المزعوم بينها ومن المقارنة بين الحضارة الإغريقية والحضارة الغربية الحديثة أن الأخيرة دخلت دور التمدُّن الذي سيسوقها حتمًا إلى الانحلال (نظرية التعاقب الدوري للحضارات) استند في هذا إلى فكرة العداوة أو التضاد بين الحياة والعقل، وهي فكرة شاعت في عصره عند فلاسفة الحياة وأدبائها (مثل كلاجيس وإرنست يونجر). يقع كثيرًا في الافتعال والسطحية والتبسيط ومجافاة الروح الموضوعية والعناية ﺑ «الوقائع» على حسب «الحقائق»، ولهذا وجب الحذر والتمسك بميزان النقد عند قراءته.
  • شبنجلر للدكتور عبد الرحمن بدوي، في فلسفة التاريخ للدكتور أحمد محمود صبحي.

الاتجاه للطبيعة

١٨٥٩–١٩٤١م؛ هنري برجسون: علم منذ سنة ١٩٠٠م في «الكوليج دي فرانس» وانتُخب سنة ١٩١٤م عضوًا في أكاديمية الخالدين. ممثل فلسفة الحياة الروحية التي وقفت في وجه النزعة العقلانية والآلية السائدة في عصره، وأسهمت بتدفقها وجمالها الفني المفتوح على «المعطيات» الخارجية والباطنية، في قهر النزعة الوضعية الغالبة في فرنسا، كما أثرت بروحها العذبة المفعمة بالأمل على الحياة الفلسفية فيها سنوات طويلة قبل أن تزيحها وجودية سارتر المتشائمة إلى الظل بغير وجه حق، ومع أن فلسفة الحياة عند برجسون — مثلها مثل شقيقتها في ألمانيا — قد مهَّدت لفلسفة الوجود المعاصرة، فقد كان تأثر برجسون بنيتشه والحركة الرومانتيكية أقل بكثير من تأثره بالمتصوفة المسيحيين وإيمانهم بحقيقة الحب.

يرى برجسون أن التفكير يستخدم المخ استخدام الأداة، وأن العقل لا يمكنه أن يدرك غير الجانب الجامد الساكن من الطبيعة غير العضوية، ولهذا يقتصر دوره على قياسها وتحليلها واستعمالها لأغراضه العملية. أما الحياة التي هي في صميمها فعل خلاق و«ديمومة حية» فلا يدركها غير الحدس (العيان أو الوجدان) المتعاطف النافذ في أعماق موضوعه، المتحد بما فيه من تفرد حميم. والعالم أيضًا يحيا وينمو في «تطور خلَّاق» وتتفتح صوره العليا بحرية تحت تأثير «الدفعة الحيوية» الكامنة فيه. ورأيه عن «منبعَي الأخلاق والدين» يُعبر عن نفس الاتجاه المزدوج إلى إدراك الواقع، مع الاعتراف بإله متعالٍ فوق الطبيعة، ويبعد عن فلسفته كل أثر لوحدة الوجود التي نُسبت إليه خطأً. تكمن عظمة برجسون في توجيه موقف الإنسان من العالم والروح وجهة جديدة تقوم على المحبة للعالم، والثقة العميقة بالمعطى الخالص، وهبة النفس لرؤيته ومعاينته. ولعل هذا هو الذي جعل الشعراء يستجيبون لندائها (مثل الشاعرَين بيجي وكلوديل). ارتفعت أمواج الإعجاب به في عصره، ثم وُجهت إليه سهام النقد القاسي، وهو يحتل الآن مكانته «الكلاسيكية» في تاريخ الفلسفة.

  • انظر الطاقة الروحية ومنبعا الأخلاق والدين من ترجمة المرحوم الدكتور سامي الدروبي والدكتور عبد الله عبد الدايم، والمدخل إلى الميتافيزيقا ترجمة الدكتور محمد علي أبو ريان، وبرجسون للمرحوم الدكتور زكريا إبراهيم (سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف بالقاهرة).

١٨٦٧–١٩٤١م؛ هانز دريش: فيلسوف النزعة الحيوية. كان في الأصل عالمًا بيولوجيًّا. تأثر بفيلسوف الوراثة والتطور «الشعبي» إرنست هيكل ووضع فلسفة حيوية ونقدية معادية للمادية والآلية (فلسفة الكائن العضوي ١٩٠٩م) تستفيد إلى حدٍّ كبير من أرسطو وفكرته عن «الأنتيلخيا» (المبدأ الصوري الفعال الذي ينقل الممكن إلى الواقع ويبلغه كمال وجوده) كما تؤكد نزوع الحياة إلى تحقيق الشكل الكلي والغائية.

يميِّز بين نظرية التنظيم أو المنطق (١٩١٢م) ونظرية الواقع أو الميتافيزيقا (١٩١٧م) فالمنطق هو نظرية المعاني، والفلسفة الطبيعية هي نظرية المعاني المتحققة في المكان والزمان والمادة، والتاريخ أو فلسفة الحضارة هي نظرية الواقع ذي الدلالة الأخلاقية والعقلية. تحمس في أواخر حياته لعلم الظواهر النفسية والروحية الخفية (الباراسيكلوجيا ١٩٣٢م).

١٨٧٢–١٩٥٦م؛ لودفيج كلاجيس: فلسفة في الحياة تعتمد على طبيعة النفس وتعادي العقل والمنطق. كان كذلك من علماء النفس، ويرجع إليه الفضل في تأسيس «علم الخط» و«علم النفس التعبيري». ينطلق تفكيره من فلسفة الطبيعة عند الحركة الرومانتيكية المتأخرة (باخئوفن ونيتشه الذي ألف كتابًا عن إنجازاته النفسية) تضيق نظريته عن «طبقات» النفس والحياة من مجال العقل الذي يهدف في رأيه إلى العام ويقتصر على المعرفة العقلية المحسوبة، ولهذا كان العقل عنده نقيض النفس (وهو عنوان كتاب معروف له ١٩٢٩–١٩٣٣م) وهو في رأيه يدمر العلاقة الوثيقة التي تربط النفس بالواقع الحي أي ﺑ «الأرض الأم» من أهم كتبه، بجانب ما تقدَّم: «الخط والطبع» (١٩٥٦م)، «أسس علم الطباع» (١٩٥١م)، «أسس علم التعبير» (١٩٥٠م)، «اللغة من حيث هي منبع معرفة النفس» (١٩٤٨م).

الاتجاه إلى الحضارة والمجتمع

١٨٥٨–١٩١٨م؛ جورج زميل: فيلسوف حضارة واجتماع. تبنَّى في بداية حياته فلسفة وحدة وجود نسبية، وفلسفة ذات نزعة تطورية تأثر فيها بكل من داروين وسبنسر، ثم هدته قراءاته «لكانط» إلى التسليم بمقولات معرفية قبلية وإن تكن في نفس الوقت تاريخية، وأخيرًا ساعدته فلسفة برجسون على القول بميتافيزيقا الحياة التي تحقق العلو على ذاتها. ويرجع إليه الفضل في التنظير لعلم الاجتماع الصوري.
  • من مؤلفاته: «فلسفة المال» (١٩٠٠م)، «علم الاجتماع» (١٩٠٠م)، «مشكلات فلسفة التاريخ» (١٩١٩م)، «الحضارة الفلسفية» (١٩١١م)، «الرؤية الحيوية» (١٩١٨م)، «المشكلات الأساسية في الفلسفة» (١٩٢١م)، بالإضافة إلى كتب أخرى عديدة تصور حياة بعض أعلام الفكر والأدب والفن مثل كانط (١٩٢١م) وشوبنهور ونيتشه (١٩٢٣م) وجوته ورمبرانت.

١٨٨٢م–؟؛ إدوارد شبرانجر: فيلسوف وعالم في التربية. تتلمذ على «دلتاي» (سبق الكلام عنه!) واهتم مثله بالتوسع في وضع الأسس الفلسفية للعلوم الإنسانية أو علوم الروح وبخاصة علم النفس، تُذكر له جهوده في مجال تاريخ الحضارة والتربية الحضارية وعلم النفس التطوري والنمطي (الأنماط السيكلوجية للبشر).
  • من أهم مؤلفاته: «فيلهلم فون همبولت وفكرة الإنسانية» (١٩٠٩م)، «أشكال الحياة» (١٩١٤م)، «سيكلوجية الشباب» (١٩٢٤م)، «الحضارة والتربية» (١٩١٩م)، «نمط شيلر العقلي» (١٩٤١م)، «سحر النفس» (١٩٤٧م)، «أشكال الفكر عند بستالوزي» (١٩٤٧م)، «منظورات تربوية» (١٩٥١م)، «المسائل الحضارية في العصر الحاضر» (١٩٥٣م).

١٨٨٣–١٩٥٥م؛ أورتيجا أي جاسيت: فيلسوف أسباني يتميز بأسلوبه الرائع الحي، اهتم بمشكلات الحضارة والاجتماع. تولى التدريس في جامعة مدريد، ولما اشتعلت الحرب الأهلية وقف في صفوف الجمهوريين ضد فاشية فرانكو، هاجر سنة ١٩٣٦م إلى البرتغال ثم رجع إلى إسبانيا سنة ١٩٤٨م حيث استأنف التدريس حتى اعتزله قبل موته بسنتين.

تأثر بهيجل ونيتشه ودلتاي وماكس شيلر والمدرسة الكانطية الجديدة — التي تعلم على يد بعض أعلامها — عارض الاتجاهات العقلانية والتجريدية من ناحية والتيارات الحيوية والبيولوجية — التي تورَّط بعضها في تأييد الحكم الشمولي المطلق — من ناحية أخرى وحاول أن يتجاوزهما معًا في نظريته عن «العقل الحي». فهذا العقل التاريخي الحي لا يملك الحقيقة المطلقة ولا يقع فريسة النزعة النسبية، وإنما يعترف بالخصائص المميزة لكل عصر على حدة والمهام والواجبات التي حمل أعباءها (فلسفة وجهة النظر أو المنظور!) ويسعى لمواجهة مطالب عصرنا الذي نعيش فيه ومعرفتها على حقيقتها ومحاولة تلمس المعنى فيما يبدو خاليًا من كل معنًى. على أن التحقيق الكامل لهذا المعنى غير ممكن، مهما حاول الإنسان — وهو بطبيعته كائن يوتوبي حالم! — أن يبلغ هذا الهدف.

  • من أهم مؤلفاته: «مهمة عصرنا» (١٩٣٠م)، «ثورة الجماهير» (١٩٣١م)، «عن الحب» (١٩٣٣م)، «كتاب المتأمل» (١٩٣٤م)، «التاريخ من حيث هو نسق» (١٩٤٣م)، «حقيقة الأزمات التاريخية» (١٩٥١م)، «تأملات عن التقنية» (١٩٤٩م)، «المثقف والآخر» (١٩٤٩م)، «ضراعة لجوته» (١٩٥١م)، «الإنسان بما هو كائن يوتوبي» (١٩٥١م)، «الإنسان والناس» (١٩٥٧م).

(ب) فلسفة الظاهريات (الفينومينولوجيا)

١٨٣٨–١٩١٧م؛ فرانز برنتانو: تتلمذ هسرل — مؤسس فلسفة الظاهريات ومنهجها — على يديه في فيينا. يرجع إليه الفضل في إعادة اكتشاف الفكرة الأساسية في فلسفة الظاهريات، وهي فكرة «القصدية» (أي توجه الوعي في كل أفعاله من حكم أو حب أو رغبة … إلخ إلى موضوع أو مضمون يقصده بفعله وهي فكرة ترجع إلى فلسفة العصر الوسيط المسيحية والإسلامية)، وكذلك يذكر له إرساء «علم النفس الوصفي» (لأفعال الشعور والوعي) على أسس جديدة. وقد ساعدته فكرة «القصدية» على التغلب على النزعة النفسية — خصوصًا في المنطق — التي سيهدمها تلميذه هسرل من أساسها. أدخل فكرة «البداهة» التي أكدها في بحوثه المنطقية إلى ميدان الأخلاق، خصوصًا في التعرف على حقيقة الحب والكراهية، وأفاد «ماكس شيلر» من ذلك في فلسفته عن القيم. عُرف أخيرًا بعدائه لفلسفة كانط وإلمامه الدقيق بفلسفة أرسطو، بقيت ميتافيزيقاه الإلهية بغير أثر يذكر، أهم كتبه: «علم النفس من وجهة نظر تجريبية» (١٨٧٤م)، «أصل المعرفة الأخلاقية» (١٨٨٩م)، «المعنى المتعدد للموجود عند أرسطو» (١٨٦٢م) وقد كان له تأثير كبير على هيدجر في أوائل حياته، «تأسيس الأخلاق وبنيتها» (١٩٥٢م)، «الدين والفلسفة» (١٩٥٤م).
١٨٥٩–١٩٣٨م؛ إدموند هسرل: مؤسس فلسفة الظاهريات (الفينومينولوجيا) «الكلاسيكية»، حارب النزعة التجريبية والنفسية في المنطق وحاول وضع أسس جديدة للفلسفة كعلم كلي وقبلي دقيق. انطلق من فلسفة بولزانو ومعلمه برنتانو وبعض مشكلات الفلسفة الرياضية (شُغل في بداية حياته بالأسس المنطقية للحساب وألَّف كتابه عن مفهوم العدد عام ١٨٨٧م) ليبيِّن أن قوانين المنطق ليست تجريبية ولا معيارية من وضع ذوات واقعية، وإنما هي قوانين مثالية وقبلية لوعي محض أو شعور خالص من طبيعته أن يتعلق دائمًا بموضوع أو يقصد إليه (الجزء الأول من بحوثه المنطقية بعنوان تمهيدات لمنطق خالص ١٩٠٠م) وعلى هذه القصدية يقوم المنهج الظاهرياتي الذي يبدأ من الوصف المباشر للموضوعات (لنرجع إلى الموضوعات ذاتها! أي لتجربة ظهورها الحدسية الحية في الشعور) ولكنه بصرف النظر عما هو واقعي سعيًا وراء رؤية الماهيات. والخطوة التالية في هذه الفلسفة هي «التعكيف» أو «التقويس» بطرقه المختلفة؛ أي وضع كل ما ليس متعلقًا بالوعي الخالص بين قوسين. ولعل منهج هسرل الظاهرياتي نفسه كان أشد خصوبة من ظاهريات الوعي — أو الأنا — الكلية التي انتهت إلى نزعة مثالية ومتعالية متطرفة قريبة من المثالية الذاتية؛ إذ تمسك معظم تلاميذه بصورته الأولى قبل أن يغوص في مرحلته الأخيرة في متاهة الاستبطان الذاتي ودوامته الرملية، وطبقوه في بحوثهم في فلسفة الوجود (هيدجر وسارتر وميرلو بونتي) والأخلاق والقيم (ماكس شيلر) والمنطق وعلم النفس (إلكسندر بفندر) والفن (إنجاردين) وفهم العالم (أوبجن فنك) … إلخ.
  • من مؤلفاته: بحوث منطقية (في جزأين ١٩٠٠م-١٩٠١م)، الفلسفة علمًا دقيقًا (ظهر ١٩١٠م في العدد الأول من مجلة لوجوس، وله ترجمة عربية تحت الطبع للدكتور محمود رجب)، أفكار عن ظاهريات خالصة وفلسفة ظاهرياتية ١٩١٣م، المنطق الصوري والمنطق الترنسندنتالي ١٩٢٩م، تأملات ديكارتية (وله ترجمة عربية للدكتورة نازلي إسماعيل).

    ونُشِر بعد موته: التجربة والحكم ١٩٣٩م، خمس محاضرات عن فكرة الظاهريات. ولا يزال أرشيف هسرل بجامعة لوفين ببلجيكا يتابع نشر مخطوطاته الغزيرة التي تركها وراءه في سلسلة مؤلفات هسرل (الهسرليانا) التي ظهر منها أكثر من عشرين مجلدًا.

  • المنهج الظاهرياتي عند هسرل (رسالة دكتوراه من كلية الآداب جامعة عين شمس للدكتور محمود رجب)، دراسات في الفلسفة المعاصرة للدكتور زكريا إبراهيم، الظاهريات وأزمة العلوم الأوروبية، وفينومينولوجيا الدين عند هسرل للدكتور حسن حنفي في: قضايا معاصرة، الجزء الثاني.

١٨٧٠–١٩٤١م؛ إلكسندر بفندر: مؤلفات هامة لتأسيس المنطق وعلم النفس من وجهة نظر ظاهرياتية: المنطق ١٩٢٩م، مشكلات علم الطباع الأساسية ١٩٢٤م، ظاهريات الفعل الإرادي ١٩٣٠م، نفس الإنسان ١٩٣٣م، الأهداف الفلسفية للحياة ١٩٤٨م.
١٨٧٤–١٩٢٨م؛ ماكس شيلر: طبق منهج هسرل الظاهرياتي في ميدان الأخلاق وفلسفة الدين والحضارة، وبين أن القيم الأخلاقية «ماهيات» ثابتة تقوم على الشعور بالقيمة والحدس الانفعالي بمضمونها القبلي وحقيقتها الموضوعية، وبذلك وضع نظرية في القيم المادية في مقابل قيم الأخلاق الصورية عند كانط (النزعة الصورية في الأخلاق وأخلاق القيم المادية ١٩١٣م). وهو يرتب القيم بحيث تقابل كلا منها شخصية تتحقق فيها: (١) قيمة الشعور الحسي أو السار، ويقابلها الفنان المستمتع بالحياة. (٢) قيمة الشعور الحيوي أو النبيل ويقابلها البطل. (٣) قيمة الشعور العقلي أو الجميل والصواب والمعرفة الخالصة بالحقيقة، ويقابلها العبقري. (٤) قيمة الحق المطلق أو المقدس ويقابلها القديس.

كتب في علم نفس الفهم — وبخاصة مشاعر التعاطف والإحساس بالمرارة — وعلم اجتماع المعرفة بمعناه الأوسع الذي ميَّز فيه بين أنماط التفكير الديني والميتافيزيقي والعلمي حسب مواقفها من الله والعالم والقيمة والواقع، محاولًا الربط بينها وبين أشكال محددة من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. والفلسفة في رأيه هي العلم الأسمى والأشمل بالماهيات أو هي عيان (حدس، رؤية) الماهيات. فالإنسان عندما يعرف ويُعاين إنما يواجه عوالم موضوعية ليست من خلقه، ولكل منها ماهياته وقوانينه التي تتجاوز القوانين التجريبية التي تتحكم في وجودها وظهورها وتعلو عليها. ابتعد في أواخر حياته عن الكاثوليكية واتجه إلى ميتافيزيقا تتميز بالنزعة الشخصانية ووحدة الوجود «التطورية»، محاولًا أن يضم فيها كل «العلوم البعدية» بما فيها الأنثروبولوجيا الفلسفية التي يعد أكبر مؤسسيها في العصر الحاضر. أثر على نيقولاي هارتمان وفلسفة الظاهريات نفسها والنزعة الشخصانية في فرنسا والبلاد العربية (الدكتور محمد عزيز الحبابي).

  • من مؤلفاته الأخرى: المنهج الترنسندنتالي والمنهج النفساني ١٩٠٠م، انقلاب القيم ١٩٥٥م، الأبدي في الإنسان ١٩٢١م، ماهية التعاطف وأشكاله ١٩٢٣م، كتابات في الاجتماع ونظرية وجهة النظر الكونية ١٩٢٣–١٩٢٤م، مشكلات علم اجتماع المعرفة ١٩٢٤م، أشكال المعرفة والمجتمع ١٩٢٦م، وضع الإنسان في الكون ١٩٢٧م.

  • الدكتور زكريا إبراهيم: دراسات في الفلسفة المعاصرة.

١٨٨٢–١٩٥٠م؛ نيقولاي هارتمان: بدأ حياته الفكرية مع المدرسة الكانطية الجديدة في «ماربورج» ثم تخلَّى عن نزعتها الذاتية العقلانية (التي نتصور أن المعرفة خلق للموضوع وأن الفكر والوجود شيء واحد) واستقل بوجهة نظر «قريبة من المثالية والواقعية» تحسب حساب الوعي الطبيعي بالواقع، وتعتبر أن المعرفة إدراك لموجود في ذاته متقدِّم على كل معرفة ومستقل عنها، موجود يتجاوز الوعي إلى ظواهر الواقع، ولهذا اتجه جل اهتمامه إلى مقولات الوجود أكثر من مقولات المعرفة. فمهمة الفلسفة في رأيه هي البحث في عالم الظواهر الذي ينبني من «طبقات» مختلفة للوجود (غير عضوية، عضوية، عقلية) تمد كل منها جذورها في الطبقة الأدنى منها دون أن تتحدد بها بصورة نهائية. تأثر بهوسرل وماكس شيلر ففهم الوجود المثالي فهمًا جديدًا أثبت خصوبته في تناوله لمشكلة المعرفة ونظرية القيم وأدى به إلى وضع «أنطولوجيا» أو علم وجود جديد بعيد عن التأمل المجرد، ينطلق من التجارب المتنوعة بالعالم ويفيد من حقائق العلوم الجزئية ونتائجها.
  • أهم مؤلفاته: معالم ميتافيزيقا المعرفة ١٩٢١م، الأخلاق ١٩٢٦م، مشكلة الوجود العقلي، بحوث عن تأسيس فلسفة التاريخ وعلم الروح ١٩٣٣م، حول تأسيس الأنطولوجيا ١٩٣٥م، الإمكان والواقع ١٩٣٨م، بناء العالم الواقعي، موجز النظرية العامة للمقاولات ١٩٤٠م، طرق جديدة للأنطولوجيا ١٩٤٢م، علم الجمال ١٩٥٣م، أحاديث فلسفية ١٩٥٤م.

(١٠) الفلسفية الوضعية والوضعية المنطقية

(١٠-١) النقدية التجريبية والتصورية

١٨٣٨–١٩١٦م؛ إرنست ماخ: عالم في الطبيعة وفيلسوف. واحدية الإحساس. اهتم بنقد العلم والمعرفة العلمية من وجهة النظر الوضعية، وهو من ممثلي الفلسفة النقدية التجريبية بجانب أفيناريوس وفايهنجر. ونظرية المعرفة عندهم ترى أن سياق التجارب الحسية هو وحده الشيء الواقعي. أما المضامين الفكرية فلا تعدو أن تكون تصورات وهمية لا نصيب لها من الحقيقة، وليس لها في أحسن الأحوال إلا قيمة نفعية.
  • من أهم مؤلفاته: تحليل الإحساسات (١٨٨٦م) المعرفة والخطأ (١٩٠٥م).

١٨٤٠–١٨٩٦م؛ ريشارد أفيناريوس: مؤسس النقدية التجريبية التي تقصر مهمة الفلسفة على وصف واقعة التجربة الخالصة مع استبعاد الميتافيزيقا تمامًا، وذلك بهدف استخلاص «المفهوم الطبيعي» للعالم والتوفيق بين الضدَّين: الوعي والمادة، والنفس والفيزيقي وتأكيد التآزر بين الذات والموضوع.
  • أهم مؤلفاته: «نقد التجربة الخالصة» (١٨٨٨–١٨٩٠م).

١٨٩٢–١٩٣٣م؛ هانز فايهنجر: التصورية أو التخيلية. تأثر بلانجه وشوبنهور. فلسفته المعروفة بفلسفة (كما لو Als ob-As if) تفسر جميع الحقائق النظرية والعملية والدينية بأنها مجرد «تصورات أو تخيلات» في خدمة الإرادة التي تتجه لتحقيق أهداف الحياة.
  • من أهم مؤلَّفاته: «شرح نقد العقل الخالص لكانط» (١٨٨١–١٨٩٢م)، «نيتشه فيلسوفًا» (١٩٠٢م)، «فلسفة كما … لو» (١٩١١م).

(١٠-٢) الوضعية أو التجريبية المنطقية

١٨٨٢–١٩٣٦م؛ موريتس شليك: مؤسس جماعة أو «حلقة فيينا» (الوضعية الجديدة أو المنطقية) تأثر بفتجنشتين وكارناب في نزعته الواقعية التجريبية. كتب عن مشكلة الحقيقة ونظرية المعرفة والطابع القبلي للمنطق والرياضيات (رفض إمكان قيام الأحكام التأليفية القبلية التي أكد كانط ضرورتها لكل معرفة يقينية) وقصر مهمة الفلسفة على توضيح الأفكار توضيحًا منطقيًّا، وتولى ذلك بنفسه في تحليل مفاهيم المكان والزمان والمادة والعلية والاحتمال والإرادة الحرة والتقييم والدافع الخلقي واللذة … إلخ.
  • أهم مؤلفاته: محكمة الحياة ١٩٠٨م، المكان والزمان في الفيزياء المعاصرة (وهو شرح لنظرية النسبية) ١٩١٧م، النظرية العامة في المعرفة ١٩١٨م، مشكلات الأخلاق ١٩٣٠م، العبارات العلمية وواقع العالم الخارجي (بالفرنسية) ١٩٣٤م، الطبيعة والحضارة ١٩٥٢م.

١٨٨٩–١٩٥١م؛ لودفيج فتجشتين: فيلسوف ومنطقي نمسوي، أحد رواد الوضعية الجديدة والفلسفة التحليلية واللغوية، تلميذ رسل وصديقه. المعرفة عنده صورة من الوقائع المستقلة عن بعضها، والأحكام «دالات الحقيقة أو الصدق» لعبارات تُقال عن الوقائع. والمنطق والرياضة تحصيل حاصل خالص، فهما لا يقولان شيئًا عن الواقع، ومن الخطأ لهذا السبب أن يعول العلم على منطق اللغة. والشيء المشترك بين الفكر والوجود أو بين العبارة والواقعة — وهو العلاقة التصويرية بينهما — لا يمكن التعبير عنه لأنه يكشف عن نفسه بنفسه، وإنما يمكن الإشارة إليه عن طريق الرموز. اقترح في «رسالته المنطقية الفلسفية ١٩٢١م» فكرة لغة منطقية كاملة يكون نموذجها هو لغة المنطق الرياضي بحيث يصبح كل ما لا يدخل في نموذج هذه اللغة المثالية — كالميتافيزيقا والأخلاق — فارغًا من كل معنًى علمي، وبذلك تصبح مهمة الفلسفة هي نقد اللغة وتوضيحها، وكأن المعرفة كلها لا تعدو أن تكون مجموعة تقريرات أولية أو قضايا ذرية تربط بينها علاقات منطقية. وقد أعطى هذا التصور المنطقي والمعرفي أساسًا أنطولوجيا في نظريته عن الذرية المنطقية التي تأثر فيها برَسِل، وأدَّى رفضه لوجود الواقع الموضوعي المستقل عن اللغة والوعي — باعترافه هو نفسه — إلى موقف الأنانة (أو الأنا وحدية) وبذلك لم يستطع التخلص من الميتافيزيقا كما تصور. بل لقد أثبت بمنهجه المنطقي والعقلي وجود اللامعقول عندما قال في آخر رسالته: «أن ما لا يُستطاع الكلام عنه يجب السكوت عن الخوض فيه.» ويبدو أنه استخلص من ذلك الموقف الذي التزم به بعد ذلك فلم ينشر شيئًا من كتاباته وعاش بقية أيامه حياة أشبه بما تكون حياة الزهاد والمتصوفة، واهبًا جهوده لمساعدة المساكين والمحتاجين (كأنه قديس عصري بارع في إصلاح جرَّارات الفلاحين والأدوات الكهربية والمنزلية لربات البيوت الفقيرات).

تطورت فلسفته المتأخرة فنبذ آراءه السابقة عن اللغة الكاملة، وبين الاستخدامات الاجتماعية — الفعلية والممكنة — للغة وسمَّى كلًّا منها لعبة لغوية، ولو عرفنا قواعد استعمال كل لعبة بطريقة صحيحة لزالت الحيرة الفلسفية.

  • بحوث منطقية وفلسفية (في حوليات الفلسفة الطبيعية ١٩٢١م) وقد ظهرت سنة ١٩٣٨م تحت عنوان رسالة منطقية فلسفية (باللغتين الألمانية والإنجليزية) نقلها للعربية الدكتور عزمي إسلام الذي ألَّف كتابًا عنه في سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف بالقاهرة.

  • الكتابان الأزرق والبني (١٩٥٨م)، بحوث فلسفية (١٩٥٨م)، ملاحظات على أسس الرياضة (١٩٥٦م) وقد نُشرت جميعًا بعد موته.

  • ما هو علم المنطق؟ للدكتور يحيى هويدي، دراسات في الفلسفة المعاصرة للدكتور زكريا إبراهيم.

١٨٩١–١٩٧١م (؟)؛ رودلف كارناب: من رواد الوضعية الجديدة (التجريبية المنطقية) والعلم الموحد وأحد أعضاء حلقة فيينا، يُنكر على الفلسفة أن تكون علمًا كليًّا ويقصر مهمتها على دراسة البناء المنطقي للغة العلم وتوضيحها على أساس المنطق الرياضي. يتداخل تصور كارناب الفلسفي للوضعية الجديدة مع دراساته عن المنطق والتحليل المنهجي للعلم. تطورت آراؤه المنطقية في مرحلتين: تركيبيه كان فيها منطق العلم هو البناء المنطقي للغة العلم، ودلالية تهتم بالجانب المعنوي للغة بالإضافة إلى الجانب الصوري. حاول في هذه المرحلة الأخيرة بناء نَسق منطقي صوري يعتمد على الدلالات المنطقية. لم يتخلَّ تفكيره عن طابعه العلمي المعادي للميتافيزيقا، وإن كانت آراؤه في كثير من المسائل قد تعرضت لتعديلات هامة، وذلك مثل نظريته عن قابلية التحقيق في المعنى، وتصوُّره لمجال الفلسفة الذي توسَّع فيه بحيث أصبح يُعد مطابقًا للتحليل السيميوطيقي (أي تحليل اللغة من حيث هي رموز) لبناء الكلام المعرفي.
  • من مؤلفاته: البناء المنطقي للعالم ١٩٢٨م، أشباه المشكلات في الفلسفة ١٩٢٨م، مجمل المنطق الرياضي ١٩٢٩م، البناء المنطقي للغة ١٩٣٤م، مدخل إلى علم الدلالات (السيمانطيقا) ١٩٤٨م، المعنى والضرورة ١٩٤٧م، الأسس المنطقية لنظرية الاحتمالات ١٩٥٠م، مدخل إلى المنطق الرمزي ١٩٥٤م.

  • دراسات في الفلسفة المعاصرة للدكتور زكريا إبراهيم، نحو فلسفة علمية وخرافة الميتافيزيقا للدكتور زكي نجيب محمود.

١٩١٠م؛ الفرد ج. آير: أحد رواد الوضعية الجديدة. يُذكر له كتابه «اللغة والصدق والمنطق» (١٩٣٦م) الذي تبنَّى فيه آراء حلقة فيينا وأهمها رفض الميتافيزيقا واعتبار القضايا الأخلاقية قضايا وجدانية تعبر عن أوامر ورغبات وتمنيات ولا تُقرِّر الواقع، وقصَر دور الفلسفة على التحليل والتوضيح. ابتعد بعض الشيء عن الآراء «التقليدية» للوضعية المنطقية في كتبه المتأخرة (مثل أسس المعرفة التجريبية ١٩٤٠م، التفكير والمعنى ١٩٤٧م، مشكلة المعرفة ١٩٥٦م وغيرها) وإن بقي محافظًا على نزعته التجريبية التحليلية.
س. ج. همبل: «طبيعة الصدق الرياضي» (١٩٤٩)، «مشكلات وتغيرات في المعيار التجريبية للمعنى» (١٩٥٢م).
س. ك. أوجدن، أ. أ. ريتشاردز: «معنى المعنى». دراسة عن تأثير اللغة على التفكير وعن علم الرمزية» (١٩٢٣م).
س. و. موريس: «العلامات واللغة والسلوك» (١٩٤٦م).

(أ) المنطق الرياضي

١٨٤٨–١٩٢٥م؛ جوتلوب فريجه: «أُسس الحساب» (١٨٨٨م).
رسل-وايتهيد: أصول الرياضيات (البرنكيبيا ماثيماتيكا) ١٩١٠–١٩١٣م.
د. هلبرت، و. أكرمان: «أصول المنطق النظري» (١٩٢٨م).

(ب) فلسفة الوجود

١٨٨٩–١٠٧٦م؛ مارتن هيدجر: أسس «أنطولوجيا» الوجود، التي بدأها بالأنطولوجيا الأساسية التي تحلل حالات الإنسان ومقوماته «في أفق الزمان» للوصول إلى الأنطولوجيا العامة التي تسأل عن «معنى» الوجود نفسه و«تُحطِّم» الميتافيزيقا الغربية أو تقهرها لتبدأ مرحلة جديدة من «التفكير في الوجود» يتراجع فيها دور «الآنية» أو الإنسان الفرد ليقتصر على الاستماع إلى نداء الوجود نفسه ويصبح «راعي بيت الوجود».
  • أهم مؤلفاته: الوجود والزمان (١٩٢٧م)، طرق مسدودة (١٩٤٩م)، مدخل إلى الميتافيزيقا (١٩٥٣م)، قانون الأساس (السبب) (١٩٥٧م)، كانط ومشكلة الميتافيزيقا (١٩٢٩م)، نظرية أفلاطون عن الحقيقة مع رسالة عن النزعة الإنسانية (١٩٤٧م)، ماهية الحقيقة (١٩٤٣م)، شروح لشعر هلدرين (١٩٤٤م)، ما الميتافيزيقا (١٩٢٩م)، ما هو التفكير؟ (١٩٥٤م)، محاضرات ومقالات (١٩٥٤م)، الهوية والخلاف (١٩٥٧م).

  • راجع عنه في العربية: دراسات في الفلسفة الوجودية للدكتور عبد الرحمن بدوي، دراسات في الفلسفة المعاصرة، والفلسفة الوجودية للمرحوم الدكتور زكريا إبراهيم، ترجمة «ما الفلسفة» وحقيقة الشعر للمرحوم الدكتور عثمان أمين، ترجمة ما الفلسفة وما الميتافيزيقا وماهية الشعر للدكتور محمود رجب والأستاذ فؤاد كامل، نداء الحقيقة لكاتب السطور مع مقدمة عن فلسفته وثلاثة نصوص: نظرية الحقيقة عند أفلاطون، ماهية الحقيقة، أليثيا (مفهوم الحقيقة عند هيراقليطس).

١٨٨٣–١٩٦٩م؛ كارل ياسبرز: فيلسوف الوجود المؤمن. بدأ حياته طبيبًا للأمراض العقلية والنفسية، وساهم في تأسيس العلم الخاص بها بكتابه (علم النفس المرَضي العام ١٩١٣م). حاول — متأثرًا بدلتاي — أن يضع في كتابه «سيكلوجية وجهات النظر في العالم ١٩١٩م» نظرية عن أنماط الرؤية الفلسفية. تأثَّر — مثل هيدجر — بكيركجار ونيتشه، مفكرَي الحقيقة الذاتية والوجود الأصيل. تنطلق فلسفته مما سماه «المواقف الحدية» (أو النهائية) للإنسان التي يتكشف فيها المتعالي، الشامل، المطلق، في أحوال المرض والإثم والإخفاق والعذاب والصراع والموت، وهي أحوال ومواقف طالما أهملتها المذاهب التقليدية (الموقف الروحي للعصر ١٩٣٢م، فلسفة الوجود ١٩٣٨م). والمقولات الأساسية في فلسفته هي الحرية، والتاريخية، والتواصل مع الآخرين. وهو يميز الحضور — أو مجرد التواجد — في العالم من الوجود «الوجودي» الأصيل والوجود المتعالي في ذاته. بهذا تصبح الفلسفة عنده إضاءة للوجود توجيها وهداية في العالم، ميتافيزيقا مهمتها حل «شفرة» المتعالي أو العالم المطلق الذي لا يمكن تحديده ولا التعبير عنه، ومع ذلك لا يشعر الإنسان بوجوده إلا في علوه إليه، وتكسر عقله «العلمي والموضوعي» عليه، وإخفاقه المستمر في إدراكه. يصف الفلسفة في كتابه (العقل والوجود ١٩٣٥م) بأنها محاولة التقاط اللامعقول الظاهر في الواقع واعتباره منبع معقولية أرقى، ويمثل لذلك بكيركجار ونيتشه اللذين وثبا وثبتهما إلى العالي (الأول إلى المفارقة المسيحية، وهي تجسد السرمدي في إنسان متناهٍ، والثاني إلى ذروة فكرته المحيرة عن عودة الشبيه الأبدية) لكي يبلغا الحقيقة في فهم الذات. قاوم في أواخر حياته فكرة توحيد ألمانيا خوفًا من العسكرية البروسية التي كانت تستيقظ كلما توحدت فتدمر تراثها الإنساني وتسقط في حضيض البطش والعنف والتوسع، كما صدرت مؤخرًا ملاحظاته التي يدين فيها صديقه «اللدود» مارتن هيدجر (١٩٧٨م).
  • من مؤلفاته الأخرى: ماكس فيبر ١٩٣٢م، نيتشه ١٩٣٦م، ديكارت ١٩٣٧م، مشكلة الإثم (الألماني) ١٩٤٦م، نيتشه والمسيحية ١٩٤٦م، فكرة الجامعة ١٩٤٦م، الحقيقة، المنطق الفلسفي ١٩٤٧م، الإيمان الفلسفي ١٩٤٨م، أصل التاريخ وهدفه ١٩٤٩م، المدخل إلى الفلسفة ١٩٥٠م (ترجمة للعربية الدكتور محمد فتحي الشنيطي) العقل وضد العقل في عصرنا ١٩٥٠م، شلينج ١٩٥٥م، الفلاسفة الكبار ١٩٥٧م، مستقبل الإنسانية لياسبرز (للمرحوم الدكتور عثمان أمين ١٩٦٣م) ودراسات في الفلسفة المعاصرة للمرحوم الدكتور زكريا إبراهيم.

١٩٠٥–١٩٨٠م؛ جان بول سارتر: فيلسوف وناقد وكاتب روائي ومسرحي وسينمائي. أشهر ممثلي فلسفة الوجود في فرنسا. انطلق من هسرل وهيدجر وعبَّر عن وجهة نظر واقعية عن معنى وجود الإنسان وغايته. حاول في مؤلفه الفلسفي الأكبر (الوجود والعدم ١٩٤٣م، الترجمة العربية للدكتور عبد الرحمن بدوي) أن يؤسس أنطولوجيا وجودية يُثبت فيها أن على الإنسان — وهو الموجود لذاته — مواجهة كابوس الوجود في ذاته — أي وجود الأشياء والموضوعات — ونظره الآخر المعادية بالثقة في قدرته على صنع نفسه ورد الأشياء إلى عدم بقوة حريته. فالوجود يسبق الماهية، كما تقول عبارته المشهورة. والخلق الفكري للعدم هو الشهادة على حرية الإنسان، لأن فكرة العدم خاصة به وحده دون سائر الحيوانات والكائنات الأخرى، وهو وحده الذي يختنق بها ويحس الاشمئزاز «الوجودي» من كل ما هو مُحال ولا معقول وشيئي وطبيعي ومحدد، ومن إرادة البقاء على قيد الحياة وإرادة رفض اللاوجود، هذا الوعي بالقلق من العدم يجعله محكومًا عليه بالحرية، أي بأن يختار ويقرر بحريته المطلقة تحقيق حياته التي ليست إلا سلسلة من الاختيارات الحرة التي لا تبرر أبدًا تبريرًا كافيًا، وصنع ماهيته التي ليست قدرًا فُرض عليه من أي نظام أعلى منه. إن الوجود الإنساني أو الوجود في ذاته، هو عدم اكتفاء أو عدم اكتمال وجودي. لقد انشق في الوجود صدع تسلل منه العدم. وظهور الوجود الإنساني معناه تبعًا لذلك وضع الوجود موضع التساؤل ومن ثم انتصار العدم (مونييه، مدخل إلى فلسفات الوجود، ١٩٤٩م). تطور موقفه في أعمال الفلسفية التالية، خصوصًا في «نقد العقل الجدلي» ١٩٦٠م، الذي سلَّم فيه بحتمية الماركسية منهجًا وفلسفة تاريخٍ، وإن رفضَ رد مبادرة الإنسان الحرة إلى الضرورة التاريخية وحاول التأليف بين الماركسية والوجودية الفردية في مركب واحد، كما انتقل في أعماله الأدبية من السلبية (الغثيان ١٩٣٨م، ودروب الحرية ١٩٤٥–١٩٤٩م) إلى موقف اجتماعي وإنساني ملتزم ومسئول (الشيطان والرحمن ١٩٥١م، سجناء الطونا ١٩٦٠م).

تميَّز سارتر من بقية فلاسفة الوجود بتأكيد إرادة الحياة والبقاء للجنس البشري وبنشاطه العملي والسياسي الواسع. وقد اهتم في السنوات الأخيرة بالقضية العربية، وإن كان موقفه لا يزال بعيدًا عن الوضوح والإنصاف، كما أثَّر على الحياة الثقافية العربية خصوصًا بفكرته عن الالتزام في الأدب (ما الأدب؟ ١٩٥٠م ترجمة المرحوم الدكتور محمد غنيمي هلال) وتُرجمت معظم مؤلفاته إلى العربية، وذلك بفضل دار الأدب في بيروت ومديرها الأديب الدكتور سهيل إدريس.

  • انظر: سارتر عاصفة على العصر للأستاذ مجاهد عبد المنعم مجاهد، ودراسات في الفلسفة المعاصرة للدكتور زكريا إبراهيم، ودراسات في الفلسفة الحديثة للدكتور يحيى هويدي، وبين برجسون وسارتر، أزمة الحرية، والوجود والجدل في فلسفة سارتر للدكتور حبيب الشاروني، والغير في فلسفة سارتر للأستاذ فؤاد كامل، وتعالي الأنا موجود ترجمة وتقديم الدكتور حسن حنفي، ونقد العقل الجدلي تلخيص للدكتور إمام عبد الفتاح إمام في رسالته عن المنهج الجدلي بعد هيجل (تحت الطبع) ودراسات في الفلسفة الوجودية للدكتور عبد الرحمن بدوي.

١٩٠٨–١٩٦٢م؛ موريس ميرلو-بونتي: من أكبر ممثلي فلسفة الوجود في فرنسا. علم في الكوليج دي فرانس منذ سنة ١٩٥٦م حتى موته المبكر. طبق نظرية الشكل الكلي (الجشطالت) في دراسة السلوك (بناء السلوك ١٩٤٢م) مبينًا تداخل العنصر النفسي والفسيولوجي في كل سلوك بشري، كما طبَّقها — بمنهج ظاهرياتي — على دراسة الإدراك (ظاهريات الإدراك الحسي ١٩٤٥م، وبه مقدمة ممتازة عن الفينومينولوجيا أو فلسفة الظاهريات). يتغلغل تأثير هسرل — خصوصًا في مؤلفاته المتأخرة — في تفكيره. شارك سارتر في تحرير مجلة العصور الحديثة (ابتداء من سنة ١٩٤٥م) قبل أن تقع الجفوة بينهما (١٩٥٣م) على أثر انشغاله بالمشكلات السياسية وبالماركسية بوجه خاص، واتجاهه إلى اليسار البعيد عن الشيوعية. الإنسان عنده ملتزم بالعالم والتاريخ، والفلسفة «متعثرة» وازدواجية بين الفعل والفكر، واللامعنى والمطلق، ولهذا تدور تأملاته حول الإنسان في وجوده العيني من روح وجسم، وعقل ولحم، ووعي ولا وعي (النزعة الإنسانية والرعب، مقال عن المشكلة الشيوعية ١٩٤٧م، مخاطرات الجدل ١٩٥٥م، ثناء على الفلسفة ١٩٦٠م) قضى موته المبكر على مشروعاته الفلسفية التي كان يُزمع التوفر عليها عن أصل الحقيقة، واللغة (تمهيد لنثر العالم) وميتافيزيقا المعرفة (الإنسان المتعالي).
  • دراسات في الفلسفة المعاصرة للدكتور زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة للدكتور يحيى هويدي.

١٩١٣–١٩٦٠م؛ ألبير كامي: مفكر أخلاقي وأديب. شخَّصَ وباء العصر — أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها — وهو انعدام المعنى أو المُحال ودعا لمواجهته بالتحدي وتعمق الحياة في كل لحظة على نحو ما واجه سيزيف قدره (أسطورة سيزيف ١٩٤٢م، الغريب ١٩٤٠م، كاليجولا ١٩٣٨م، سوء فهم ١٩٤٣م): «أنا أتمرد على المُحال فأنا إذن موجود». تردد صوته الأمين في المرحلة التالية التي درس فيها تاريخ الثورة في الغرب داعيًا إلى مواجهة أشكال المحال المعاصرة — التعذيب والإرهاب والشمولية والتطرف — بالتمرد الجمعي المعتدل: «نحن نتمرد فنحن إذن موجودون» (المتمرد ١٩٥١م، الوباء — أو الطاعون — ١٩٤٧م، العادلون ١٩٤٩م، حالة الحصار ١٩٤٩م).
  • تُرجمت مؤلفاته الفلسفية والروائية والقصصية والمسرحية (خصوصًا بفضل دار الآداب ببيروت) وحظيت في العالم العربي برواج وتأثير كبيرَين. انظر لكاتب السطور: ألبير كامي، محاولة لدراسة فكره الفلسفي (١٩٦٤م)، وكامي، أو التمرد لروبير لوبيه وترجمة الدكتور سهيل إدريس.

(ﺟ) الفلسفة التحليلية وفلسفة اللغة الجارية

  • جلبرت رايل ١٩٠٠–١٩٧٨م: مفهوم العقل ١٩٤٩م.
  • جون وزدم ١٩٠٤–؟: الفلسفة والتحليل النفسي ١٩٥٧م.
  • جون أوستن ١٩١١–١٩٦٥م: العقول الأخرى.
  • ستراوسون ١٩١٩–؟: الجزئيات: مقال في الميتافيزيقا الوصفية، مقدمة للنظرية المنطقية.

(د) النظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت)

  • هربرت ماركوز ؟–١٩٧٩م: الإنسان ذو البعد الواحد، إيروس والحضارة.
  • تيودور أدورنو: الديالكتيك السلبي.
  • ماكس هور كهيمر: الوظيفة الاجتماعية للفلسفة.
  • يورجن هابرماس: المعرفة والمصلحة — مناهج العلوم الاجتماعية — النظر والعمل.
  • عبد الغفار مكاوي: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: تمهيد وتعقيب نقدي، حوليات كلية الآداب جامعة الكويت، الكويت، ١٩٩٤م.

(ﻫ) نظرية البنية (البنيوية أو البنائية)

  • فردينان دي سوسير: البنيوية اللغوية.
  • كلود ليفي شتراوس: البنيوية الأنثروبولوجية.
  • ميشيل فوكوه: البنيوية الثقافية أو الإبستمولوجية.
  • جاك لاكان: البنيوية في التحليل النفسي.
  • لويس التوسير: البنيوية الماركسية.
  • انظر مشكلة البنية للمرحوم الدكتور زكريا إبراهيم، ونظرية البنائية في النقد الأدبي للدكتور صلاح فضل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤