زقمانة

(زقمانة تمسك بخناق زوجها فينفرط العِقد وتسكن الزيطة.)

زقمان : حيص بيص يا منيل داير تتصرمح مع العيال؟!
حيص بيص : كل الشنبات دي وتقولي عيال!
زقمانة : عاملين دوشة على إيه؟
حيص بيص : ع المحطة.
زقمانة : شي الله يا محطة! … شبعنا كلام.
حيص بيص : لأ يا زقمانة خلاص … المرَّة دي دقُّوا الحديد ورسموا الخرايط … توت توت …
زقمانة : تعالي هنا … النهاردة سوق البندر.
مش تلم صبيانك! ويالَّاعشان تسعى على رزقك.
حيص بيص : النهارده «فكنص» … خلاص من هنا ورايح مش رايح … فننا حيبقى لأهل كفرنا.
زقمانة : وناكل منين يا روح أمك … حيلة أهل بلدكم إيه؟!
كلهم عارفين ملاعيبك … زي ما انا عارفة عيبك!
حيص بيص : عيبي! … عيبي جيبي، وده مش مهم في ميزان الرجالة! ما دام الفنان قلبه دافي وعينه مليانة … يلزم بعد كده إيه للإنسان يا ولية يا … مادية!
زقمانة : يلزم له ياكل … حتى لو كان مشخصاتي زيك بتلاتة مليم ما دام له بيت يلزم له مونة لبيته … والمونة مئونة … والمئونة مش معونة … ولا تحت البلاطة مدفونة!
حيص بيص (يفاجأ بكلامها فينزعج) : بلاطة؟ … بلاطة إيه؟!
(لنفسه) إيه اللي عرَّفها باللي تحت البلاطة؟ … (لها) يكون في عِلمك مافيش أي حاجة تحت البلاطة!
زقمانة : ما لك؟ … اتلخبطت كده ليه يا عكر؟ … فيه إيه تحت البلاطة؟
حيص بيص : طبعًا مافيش حاجة … هو انا حيلتي إيه عشان أشيله تحت البلاطة؟
زقمانة : الفلَس! طول عمرك محوش الفلَس … وجاي دلوقتي تتصرمح وتزمَّر بلوشي وحتضيع السوق!
حيص بيص : يا ولية البلد في عيد وحنشخص لهم ونهيص لحد البابور مايشرَّف.
زقمانة : وحنقبض إيه؟ … حيدُّولك قطر تعمله مرجيحة … والَّا ح يعيِّنوك سمافور؟!
حيص بيص : يا ولية عيب تهزئيني قُدَّام الناس اللي جاية للفرجة مش للنكد!
زقمانة : يا فرحتي، قبضنا وصرفنا … كله بيتفرج بلُّوشي.
حيص بيص : عيب … إحنا فنانين … مش بنشحت … بلاش إحراج ليزعلوا!
زقمانة : اللي يزعل يتوكل … واللي ينفَّعنا أهلًا بيه … ولد يا زعرب … يا زقرد … يا شُرم … يا بُرم …
انزل يا واد منك له … الافندي عازمهم (ببونات) … عشان يتفرجوا أونطة … لفوا عليهم يا اولاد ودفَّعوهم ماتفوتوش حد.
حيص بيص : عيب يا ولية … الفن خدمة إنسانية … زي الميه والهوا … حنبيع الضحكة؟ … حد بيبيع الشمس والَّا النسمة الحلوة؟ … الفن مش للبيع!
زقمانة : فُوق يا فالح … كله اتسعَّر واتباع … اصحى … يا روح امك … لافرَّج عليك خلقه!
حيص بيص : آه … دعوة أمي عليَّه … شردتني وحكمتك فيَّه … آاه … يا خسارة!
زقمانة : اعمل لك هِمة يا واد منَّك له … (لحيص) ما هو لو كنت فلحت لك في شغلة غير شغلة الهم والفقر دي …
حيص بيص : يا جاهلة شغلتي أنبل شغلة … دي مهنة اللي قلوبهم شايلة العالم في قلبها وشغلة اللي حُب الحياة ماليهم.
زقمانة (تزغرد ساخرة) : واللي بطنهم فاضية وعقلهم أفضى يا فقري!
حيص بيص : الفقر مايعيبش الفنان.
زقمانة : الفقر عيب وعار وشنار على كل من كان … فنَّان والَّا سجَّان … شحططتني ويَّاك من يوم ما اتنيلت اتجوزتك … الجوع طول عمره تالتنا … دفنتني معاك بالحيا … واللي زيي في البندر من كتر العز بيغيَّروا أجوازهم زي الشَّرَابات، روح يا شيخ منك لله … عريتني وجوعتني!
حيص بيص : قطط! … زي القطط نسوان تاكل وتنكر … داحنا يا ولية ياما كلنا ويما شربنا!
زقمانة : في بيوت الناس، صدقة، بواقي المعازيم … في كل البيوت إلا بيتنا.
حيص بيص : ده من محبة عشاق فننا لنا.
زقمانة : ما يحمكش يا روح المرحوم! … اسمع … يا تركب صبيانك وع السوق، وإلَّا واللي نبَّى نبَّى النبي نبي لاسوقك غصب عنك!
حيص بيص (بطريقة مبالغة) : تسوقيني يا زقمانة؟!
زقمانة (تبكي من شدة قهرتها) : زقمانة؟ وبتقولها بملو الفم يا حيص بتدوس على عقدتي النفسية وبتنطقها قدَّام الناس!
حيص بيص : حنعيط؟ … مش ده دورك طول عمرك؟!
زقمانة : تعايرني بدوري وباسمي … يا لهوتي!
حيص بيص : الله! … هو احنا يا نعيَّط يا نصوَّت … إسمك وقسمتك كِده!
زقمانة : من حظِّي النكد، من أب خُلقه على قده لجوز رِزقه على قده!
حيص بيص : يا قلبي لا تحزن، حقَّك عليَّه … (يحايلها.)
زقمانة (تتجبَّر) : حقك! وجع حقك!
حيص بيص : تاني! … طب اتفلقي … زقمانة … وطول عمرك زقمانة، ولا تقدري تشخَّصي غير زقمانة … هه! (تبكي.)

(يعود الأولاد ويشخللون بالنقود بالقرب منها فتعود للتسلُّط.)

حيص بيص : تعالى هنا يا ولَد منك لُه … لميتوا كام؟
زقمانة : مالكش دعوة باللي لمُّوه.
حيص بيص : تعالى يا شرم.
شرم : أيوه يا معلمي.
حيص بيص : هات اللي معاك.
شرم : المعلِّمة تضربني.
زقمانة : تعالى هنا يا مقصوف الرقبة.
شرم : سمعًا وطاعة يا مولاتي.
حيص بيص : مولاتك في عينك … أنا مولاك ومعلِّمك يا حمار … هات يا زعرب.
زعرب : ماكانش انعزر ولا باع جزر!
زقمانة : ما لك بيهم؟ مش كنت بتقول مايلموش؟ … مش كنت بتعارض؟
حيص بيص : لكن دول لمُّوا خلاص.
زقمانة : لا يا شيخ! … هات يا واد … لمِّيتوا كام؟
زقرد : هباء … ياما رخصت يا مرسح!
زقمانة : قول له … عشان يقول لي فنان … يا أخي اتنيل، دي نقطة دي؟ … ده لعب عيال … قال فن قال!
حيص بيص : فني مايتقدرش بمال …
غصبن عنك أو برضاك.
زقمانة : إنت وفنك لو بعناك … مش ح تساوي نص ريال.
حيص بيص : لا … لا … يا لَضيعة الحياة! … ما أنا للبيع لا … (يؤدي بطريقةٍ يوسفية) إن فنِّي هو نبراس الوجود، وشمس عقل الدنيا في عصر الجهالة … والطغاة … لا … ولاه … والغباء المتناه … وافهمي يا جاهلة … إن هذا المبلغ التافه يعني أنك أتفه منُّه … فاشبعي بيه … ولكن لا تنسي أن تذهبي للسوق … وأحضري لحمًا وأرزًا وبطاطس … علَّنا نوقد في الرماد نارًا … إذ نشمُّ روائح التقلية في البيت وهاتي سمنًا بدلًا من الزيت … الذي حرق قلوبنا … فلم يَعُد الحب يجمعنا زي زمان … يمكن لمَّا اللحم يشبَّعنا … الحب يرجع يجمَّعنا … يا زقماااانه.

(تجري وراءه غاضبة فيهب منها هو وصبيانه.)

زقمانة : طيِّب يا بوز الإخص، والنبي لاحرق قلبك ع اللي تحت البلاطة، فاكرني كروديا … ها … قال أنا زقمانة … حقَّة يا جدعان! … والنبي أنا مش الجازية والَّا عبلة والَّا مراة المأمور حتى … والنبي لعرَّفك مقامك … بعد ما اخد اللي تحت البلاطة وع السوق أمنجه نفسي … وكفاية اللي شفته … من فقرك ونكدك … قال زقمانة! اللي زيي ف مصر اسمهم زوزو يا ندل … إن ما وريتك مين زقمانة يا حيص بيص يا ابن الأتانة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤