شحاتة مع أهل بيته في بداية سيرته وحواديته

(شحاتة في خلوته جاي رايح وكأنه في دنيا تانية … عمَّال يجادل ويتبادل كلام وقتال … وحاله حال اللي مع نفسه ف غضب طايح.)

الجارية : قُدامكم سهران بيقرا، الفجر شقشق وهو سهران بيقرا … البيت خلا م الطحين والعجين وهو سهران بيقرا.
سيدنا : بقى له زمان ع الحال ده يا ولية؟
الفتاة : سنين.
الجارية : انسلَّ بدنه وفقرنا ولسه بيقرا.
الفتاة : القراية باب الغني … والحلم … باب الحب.
الجارية (مقاطعة في شراسة) : يحبَّك برص عُثمانلي … القراية وراها إيه خلاف الفقر … (لسيدنا) شفت في حياتك شخص له قيمة، والي أو سلطان عرف يفك الخط؟
سيدنا : الحقيقة الحق … لأ … كلهم … كما خلقتني!
الفتاة : هيَّ يا سيدنا الكتب صحيح بتخفف العقول؟ وتجفف الجتت؟ (تتأمله) إنت لا جاف ولا ضعيف!
سيدنا (يبعدها ويأخذ سمت المعلِّم) : يا بنتي … هذا موضوع معقَّد … قالوا فيه كلام كتير … أنا رأيي (يتحدَّث كمحاضر ويُقدَّم إليه ميكروفون) … في الحقيقة أثر القراية يتوقف … على درجة تقل الدم وف بعض الأحيان … على درجة خفة الشعر، وإن كنت متأكد إن جنون القراية بيحصل بسبب ضمور الكلاوي.
الفتاة : يكفينا شر البلاوي.
الجارية : إنت علَّمته القراية، وبليته بالكتب.

(يعجبه المديح فيمشي متبخترًا.)

سيدنا : العبيط هو اللي يصدَّق الكتب.
الفتاة : هو صدَّقها عشان قلبه فصيح.
الجارية (تضربه على صدره) : إنما انت قلبك جامد ماتقراش غير الكتب السمينة! انصحه.
سيدنا : اخرسي وسيبيني أمحَّص … يا خرابي! إيه ده؟ بني هلال السيرة والتغريبة؟ أوف! سيرة عنترة الأبطال؟ يا للهول! بابات ابن دانيال الكحَّال؟ يا مصيبة! رجوع الشيخ وتعديل الأحوال؟ والله عال! سيف بن ذي يزن وخراق الشجر … وما جرى مع عطمطم من الأهوال جنون! سيف بن ذي يزن وواقعة دربال متاطح البغال؟ … لا حول ولا قوة! … سيف بن ذي يزن وصديقه سعدون الزنجي والرحلة لبلاد الخيال؟ … مؤكد أكيد سيف ذي اليزن هو اللي قلب نافوخه.

(يتدرَّج الحوار إلى غناء إيقاعي راقص.)

مع أني يا صبية عرفت من زمان
بأنه كان حيبقى أكيد راجل مهم
قالوا لي في السراية بأن الوالي كان
ح يبعته البحيرة ويبقى ملتزم.
الجارية (منجذبة إلى الإيقاع) :
وبص شوف بنفسك … إيه نابنا وإيه جرى لنا
شوف ازاي افتقرنا … وحالنا صار عدم.
الفتاة (في إيقاع حالم مختلف) :
إنما أنا قلبي شايفه
لما ينطق اسمي بلسانه وشفايفه
باشوف نفسي أميرة.
الجارية : اخرسي، جاك داهية تاخدك!
الفتاة :
والتقي نفسي سجينة
وهو طاير فوق حصانه بيناديني.
الجارية : شفت داهيتنا التقيلة؟
الهبل صابها بداء الهلوسة!
سيدنا : القراية في بعض أحيان قد تسبب وسوسة.
الجارية : أحمد الرب الكريم إنِّي بجم عقلي م الفهم بريء.
الفتاة :
ولما يحكي عن جمال الحلوة «شامة»
آه ما أحلى كلامه … يا نغم صوته الرقيق!
(إيقاع الكلام ينكسر ويتحوَّل إلى تقرير) … وانا مصبوغة بسخام الفرن زي المعزة هربت من حريق!
الجارية (تزعق طاردة اللحن والحالة معيدة الجميع لواقع الحال) : كل ده من الكتب.
سيدنا : لا بد من حرق الكتب … هي السبب وحرقها الحل الوحيد.
الفتاة : ح تقتلوه … يا خلق حاولوا تفهموه … لو كلامه صح تبقى الدنيا أحلى وأجمل م الأحلام.
الجارية : الأحلام كلها تخاريف.
سيدنا (يأخذ الفتاة محاولًا إقناعها بما يريد، وللحظة يبحث عن الميكروفون ثم يتجاهل الأمر) : يا بنتي إنتِ صغيرة … لا تفهمين في هذه الأمور، طول حياتك بتعاشري البهايم والحمير، وعشان كده من حقك تخرَّفي، الحلم ضروري للي زيك عشان يستحملوا عيشتهم الكرب، إنما هو ابن الأكابر العاقل مالوش في الأحلام … لازم يحجر عقله … مايحسش إلا باللي يمسكه بإيده … أو يشوفه بعينه … علشان رجليه تفضل ثابتة على الأرض.
الفتاة (تنسلخ من بين يديه … وتعود إلى اللحن وحالة التهويم) :
إنتم عايشين في قرار البير
قلبكو من هم الفقر أسير
وكيف المقصوص الريش ح يطير
لكن هو بقلبه الطاير
بجناح الحلم وشوق الفارس
شايف بُكرة جنة أساطير
والدنيا فوارس وعرايس
بتنام على صوت المزيكة
تصحى على صوت العصافير.

(يدخل الحلَّاق محطمًا هذا الجو الرومانسي الحالم الذي جعل حتى سيدنا والجارية يفقدان توازنهما للحظة، الحلاق يُحدث ضجةً فظيعة بما يحمله من حديد خردة وزرد وطاسة.)

الجارية : أعوذ بالله من الشيطان!
سيدنا : البيت ده مسكون … بالعفاريت … بالتأكيد!
الفتاة (ما تزال وحدها هائمة) : بينا وبينه الفرق كبير … كبير.
الجارية : دستور يا سيادي من أنت؟
الحلاق (يُلقي بما يحمله) : أنا الحلاق … التعيس.
الجارية : عامل نفسك عفريت؟
الحلاق : أنا … أنا اللي موسي علَّم على كل دقون البلد أُمرَا وغُفرَا وخواجات … ييجي زمن أَلِف فيه وأدور على الخرابات (يبكي زاعقًا) ياللي عندها حديد قديم للبيع … ويضحك عليَّه العيال … ويمسخروني الجرابيع؟!
الجارية : خيبتك ما وردت على حد.
الفتاة (تفحص ما أحضره بفرح) : وجهَّزت له اللي طلبه منك؟
الجارية : مين اللي طلب الزبالة دي؟
الحلاق : هو اللي أقنعني (يشكو لسيدنا متخلصًا منها) بيقرا ويفهم لا بد أقتنع باللي يقوله … صح؟

(الفتاة تفرح – الجارية تجذبه بعنفٍ.)

سيدنا : اتركيه يُفسر لنا … هل هو طلبها بنفسه.
الحلَّاق (منفلتًا يقول في إيقاع خاص به) : كل هذا كان موصِّيني عليه،
أشحته لو كنت أقدر واشتريه

من بواقي الخردة وأكوام الزبالة.
سيدنا (بنفس الإيقاع) : هو قال لك … قصدي يعني قال لك إيه؟
الحلَّاق : قال لي أجيب له درع من زرد الحديد،
زي حمزة وسيف وعنتر لبس فارس.
الجارية : إنتو زيه عقلكم خف أكيد!
الفتاة : يا حلاوة … حيرجَّعوا لمصر الفوارس.
الجارية (تكف اللحن والحركة) : إحنا لا يمكن نسكت على كده أبدًا … بعد زبالة الكتب يملى البيت بزبالة الحدادين والحلاقين.
الفتاة : حيثبت لكم شجاعته حيرد روحي … ويخلصني وحيرجع ويَّاه الفرسان.
سيدنا : يا بنتي انتهى عصر الفرسان … إحنا في عصر أولاد عثمان، ولا بد من حرق الكتب أو دفنها.
الحلاق : والحديد؟
الجارية : ندفنه في سابع أرض برده (تقولها في حقدٍ).
الفتاة (تصرخ) : تدفنوه … يا مجرمين، الحقونا … يا خلق هووه (تخرج فتطاردها الجارية).
الجارية : بنت المجنونة حتفضحنا!
سيدنا : احبسيها في الخزانة … على ما نحرق كله،
المهم إنقاذه وإنقاذ عقله لو كان باقي عنده عقل.

(ينظر ناحية برج شحاتة فيجده يتحرك) يا خبر أسود! (يتحول نحوهم في هدوء وحركة غامضة كفارسٍ نبيل مضحك.)
الجارية (تدخل) : حبستها في الخزانة.

(تشاهد تسمُّرهم فتخرس معهم وشحاتة يتحرَّك نحوهم.)

سيدنا : حالته متدهورة جدًّا.

(كلٌّ منهم يُحاول العودة خلف زميليه.)

الحلاق : أنا قلبي ضعيف.
الجارية : ماتهربوش وتسيبوني وحدي … شافكم … اثبتوا ليرمينا بالحربة.

(يكون شحاتة قد قطع المسافة إليهم في حركةٍ مهيبة … يبدو كخيال الظل ضعيفًا، ممسوسًا.)

شحاتة : آن الأوان يا «سقرديون» أيها الساحر الدون، كي أكشف أمرك، وأدفن للأبد شرَّك … مثلما هو مكتوب في لوح «ابن نوح» جَدِّي الكبير (يزعق فيفزعهم) وأبشروا أيها المساكين والمظلومين سأعيد كتاب النيل … وسأسقي من ظلمكم كأس المنون … (يتحوَّل) واهدئي يا شامة يا ست الملاح، على سجنك الحقير سيطلع الصباح، فامسحي دموعك لأنني سأنتقم ممن حبسك في الخزانة.
الجارية : يا مصيبتي! ده عرف!
سيدنا : دستور يا أسيادي.
الجارية : الحقوا بيشاور ردُّوا عليه.

(كلٌّ منهم يدفع الآخر، ويذهب الحلاق أخيرًا إليه بعد أن يلبس الطاسة ويُمسك بعمود السرير كفارس كاريكاتيري … يتقدم في خوفٍ … بينما يغرق الشيخ في تعاويذه.)

الحلاق : مثل ما أمرت تمام يا سيدي الفارس سيف اليزل.
الجارية : قلت لك اتجننوا زيه … بيقول له سي اليزل!
الحلاق : نفَّذت كل أوامرك … شوف درع نحاس من غنايم مرج دابق، ودي حربة الأمير قطز شخصيًّا، ودي عملها خواجه أعور كان أصله قرصان … أما الخوذة العجيبة دي فكانت في الأصل سلطانية شوربة لكنها كانت سلطانية السلطان الغوري … اللي كان بيلبسها في مواكب الفشخرة.

(يتأمَّل شحاتة الأشياء ويفحصها بينما يعود الحلاق محتميًا بهم.)

الحلاق : خُش عليه، أنا خليت الجو آخر طراوة.

(يمسح عرقه.)

سيدنا : إنت متأكد إن مزاجه معتدل؟
الحلاق : حار جاف، لكن معتدل … السلام عليكم.

(يحاول التسلل خارجًا لكنهما يُمسكان به، يتدافع الجميع ناحية شحاتة تُثيره الضجة التي تحدثها تعثُّرهم في الحديد، يتقدم ليحاصرهم ويلعب بهم.)

شحاتة : هرَّجوا يا أراجوزات بني عثمان … فقد آن الأوان وصحا فارس الأقطار والدمن، مبيد أهل الشر والفسوق، العاشق المعشوق الأمير التبعي الحميري اليمني، وحش الفلاة وهازم الطغاة … سيف بن ذي يزن وستكون رءوسكم مهرًا لحبيبتي «شامة» حتى تتم العلامة … وينتهي عهد النهَّازين الهبَّاشين السحرة … هرجوا لآخر مرة يا تعابين لابسين طرابيش، يا سلاطين تهبيش، وأغنيا سرقة وبقشيش. من هنا بارفع صوتي.

(رئيس الجوق الذي يُراقب ما يجري يخرج الأراجوز ويُطلق ضحكةً ساخرة طويلة … فيزداد غضب شحاتة وتوتُّره … ويبحث عن الصوت ويُحاربه في غير مكانه … الجارية تنتهز الفرصة وتهرب، سيدنا يصرخ يا ستار ويُغمى عليه، تعود إليه وتحمله وتخرج به هاربة … الحلاق لا يستطيع الهرب بسبب العمود الذي يحمله ويبدو والطاسة على رأسه كمقاتل هزلي.)

شحاتة : الآن … سأجعلك تندم … وكما سببت الألم ستتألم … (كلما حاول الحلاق الرد قاطعه) اخرس ولا تتكلم! كيف تتجرأ وتخطف «شامة» وتحبسها في الخزانة؟
الحلاق : مش أنا … دي هي.
شحاتة : جئت لتسخر منِّي في داري؟!
الحلاق : يا سيد شحاتة …
شحاتة : مَن؟ … أنا لم أعُد شحاتة، فلا تحاول الشماتة.
الحلاق : على راسي يا سي اليزل … لا تؤاخذني … بس انت غلطان، أنا مش اللي انت فاكره، أنا …
شحاتة : لن تستطيع أن تُخفي صورتك الحقيقية … مهما تنكَّرت أيها السحَّار اللعين!
الحلاق : أنا حلاق حلاق وآدي الموس … أهه.

(يُلقي بالحربة ويُشهر الموسى.)

شحاتة : وتجرؤ على إشهار سيفك في وجهي! (يخوض معه مبارزة كوميدية ويهزمه ويجعله يركع وينتزع منه الخوذة) وهكذا عادت إليك خوذتك التي صنعَتها لك في جهنم أختك العفريتة «عاقصة»، ولن ينتزعها منك أحد بعد الآن.
الحلاق (فخورًا) : أنا اشتريتها لك بنفسي يا سي اليزل.
شحاتة : اخرس … واذهب الآن لتعترف بهزيمتك أمام «شامة»، أطلِق سراحها وأخبرها أن حبيبها وفارسها قد خرج من قبره … وكنت أظنه، أي أنك كنت تظنني قد انتهيت.
الحلاق : هوا … سأذهب وأُبدل سروالي وأرمح إليها.
شحاتة : لا وقت للهدوم … تعالى هنا.

(يجري الحلاق أمامه، يدوران حول بعضهما، يتعثَّر هو في الخردة، وينفلت الحلاق فيصطدم «بسعدون» الذي يدخل في نفس الوقت، يدوران حول نفسيهما ثم ينفصلان … الحلاق مندفعًا إلى الخارج وسعدون إلى حيث صديقه شحاتة مكبَّلًا في السلاسل والحبال والخردة.)

شحاتة : لمَ عدَّت ثانية؟ … أيها المأفون … اذهب وأطلِق سراحها، لا وقت لديَّ … اغرب!
سعدون (غير فاهم) : اغرب! … إيه الحكاية؟ … يا سيدي … أنا سعدون!
شحاتة : تغيِّر صورتك ولهجتك لتخدعني وتحاورني … اذهب وإلا قطعت رقبتك … بحدِّ هذا السيف.
سعدون : لا! في عرضك … أنا مش هو … دانا سعدون بشحمه ولحمه … سعدون أبو راسين الفحل.
شحاتة (يتماسك ويحملق فيه) : يا للهول! أحقًّا …؟ أأنت حقًّا سعدون الزنجي صديقي الحقيقي؟
سعدون : سمَّوني أبو كرش وأبو راسين … والفحل وأبو حنتيت، لكن الزنجي دي جديدة … مايضرش … أي حاجة منك مقبولة … ما دام حنبقى حكام … العبرة بالخواتيم.
شحاتة : هش … (في شك) … إنك تبدي ذكاء لا يليق بفلاح، فاظهر على حقيقتك … أيها المأفون الساحر.
سعدون : ساحر؟! مراتي بتقول كده عليَّه برده!
شحاتة : يا للألم … ألم تجد صورة أخرى تتخفَّى فيها غير صورة صديقي؟ يا للحيرة! … أأطردك أم أقتلك؟ … وهمٌ أم حقيقةٌ؟ هل أنت هو أم أنك لست هو؟ … حيَّرتني أيها الحقير!
سعدون : لأ! شتيمة لأ … إنت طالبني في نص الليل عشان تدخلني التاريخ، وتعملني قائد طابية مش تشتمني … إذا كان الحكم حيقلل قيمتنا ويهزَّأنا لأ … الله الغني!
شحاتة : سعدون … لا تذهب، أشمُّ في صوتك ريحة الصدق لكن لا تخدعني، أأنت هو … والَّا انت مش هو؟
سعدون : شِمِّني … ريحتي أصدق من الصدق … إحنا يا عم فلاحين عمرنا ما نخدع حد … علشان إحنا المخدوعين دايمًا.
شحاتة : سعدون! إذن هيَّا نازلني كما كنا نفعل أيام الشباب.
سعدون : أنا لا ح انازلك ولا ح اطالعك … أنا ح افارقك بالمعروف.
شحاتة : سعدون ليس من شيمتك أن تهرب من القتال … لا تجبن، وإلا ظننتك هو … وقتلتك.
سعدون (متألمًا من سن السيف) : تقتلني؟ خبر اسود! أنا يا عم مش سعدون الزنجي، أنا سعدون الفلاح … وعمري ما شلت سلاح!
شحاتة : لا تؤاخذني يا سعدون … (يفحصه) فالساحر سقرديون كان هنا قبل أن تأتي متخفيًا في ثوب حلاق يبيع الخردة … وقد ادَّعى أن طاسة وحش الفلاة طاسة شوربة … تصوَّر؟!
سعدون (يتأمَّلها) : لا … مالوش حق … مجرم.
شحاتة : ومنذ المساء وهو وسحرته، يحومون حولي، ويريدون حرق كتبي ودفني، وقد خطفوا شامة وحبسوها في الخزانة … صرتُ وحيدًا بين الوحوش … لا تتركني لهم ليفترسوني.
سعدون (مرتعبًا) : يا عم … أنا خايف أكتر منك.
شحاتة (يستعيد فروسيته) : لا … لا خوف بعد الآن … فقد قام سيف بن ذي يزن من قبره … هيَّا بنا … ولتكن المواجهة هيَّا.
سعدون : أنا لا … إنت عارف مراتي؟
شحاتة : وما دخل مراتك في ذلك؟
سعدون : مش موافقة.
شحاتة : وهل تسمح لامرأتك أن توافق أو لا توافق؟
سعدون : أنا لا أسمح لها، هي التي تسمح لنفسها … ثم إنني بصراحة باخاف من السَّحرة والعفاريت كوم، وأخاف من مراتي كومين!
شحاتة : حرِّر نفسك من استعبادها.
سعدون (يضحك) : أنا؟! … إنها الساحر سقرديول بنفسه.
شحاتة : يا خسارة! … سعدون يخاف من النسوان.
سعدون : زيَّك تمام … ما انت قالب الدنيا عشان «شامة» … كلكم كده، أبو زيد كان يقدر يكح قدام «الجازية»؟ … والَّا عنتر، مش كان بيلحس تراب كعب «عبلة»؟
شحاتة : ولكن هؤلاء فرسان وفوارس يا سعدون.
سعدون (محتجًّا) : أنا زيهم باعمل حساب مراتي حبيبتي … لو أكسر خاطرها تكسر ضهري.
شحاتة : وتقدر تكسر خاطري أنا؟ هل ترضى أن أكون الفارس الوحيد من بين كل فوارس الدنيا اللي مالوش صديق … يكون رفيقه على الطريق؟ … هل تريد أن تُشمت فيَّه الأعادي؟ (يبكي.)
سعدون (يأخذه في حضنه ويربِّت عليه) : قطَّعت قلبي!
شحاتة : كيف يكتب الشعراء موَّالي؟ … مَن سيقصُّ عليهم أفعالي، غيرك أنت يا خادمي وسائس حصاني؟
سعدون : الطاسة انحشرت!
شحاتة : لن تخرج إلا بقطع الرقبة.
سعدون (مرتعبًا) : يا خبر اسود! … شِدَّها أنا في عرضك.
شحاتة : سأجرِّبها عليك … أعطني رقبتك.

(سعدون يجري وهو وراءه شاهرًا سيفه … بينما قائد الفرقة يُخرِج الأراجوز ويضحك ساخرًا … وينجح سعدون في خلعها … ويُلقي بها على أحد المقاعد.)

شحاتة : ستندم على خلعها، وسترى كيف ستقاوم ضرباتي … التي هي أقوى من ضربات عطمطم … طم!

(يرفع السيف وينزل به على الخوذة … فتتفتَّت.)

سعدون : يا راسي … يا عم أنا ماليش إلا طاسة مراتي، الحقوني!

(شحاتة مذهولٌ لما حدَث … ينتبه فينادي عليه ويحاول اللحاق به، ولكنه يسقط في الخردة.)

شحاتة : لا … يا سعدون … الحلاق سرق خوذة وحش الفلاة … بدَّلها … يُزيفون كل شيء يا سعدون … ولكني سوف أوقفهم عند حدِّهم.

(تدخل الفتاة فتتقدَّم لتساعده على النهوض … وهي تتألم.)

شحاتة : أخيرًا … جئت … لقد شتَّت شملهم … هل رأيت الساحر وهو يفرُّ مذعورًا؟
الفتاة : إنت وحيد … بتدور على حلم في زمن لا بيسمح براحة ولا بأحلام.
شحاتة : أنتِ راحتي وحلمي … سأهزمهم وسأخلِّصك من العذاب والإهانة وأحرِّرك من الأسر.

(يتغيَّر صوته عندما يسمع ضحكةَ الأراجوز وتفزع هي لعودة الحالة إليه.)

ولن أسمح للساحر بدفني حيًّا … وسأُنقذك من قلعته إلى الأبد.
الفتاة : يا خسارة! … السنين فاتتها المواعيد، والمشاوير طويلة … وبعيد … ولا أنا فاهمة منك كلمة واحدة.
شحاتة : المهم أن يحس قلبك يا زهرتي الملوَّنة بألف لون.
الفتاة : ألف لون؟! … لون التبن والتراب، والَّا لون هباب الفرن؟ يا سي شحاتة إنت حالتك صعب قوي … وحياتنا أصعب … والحلم أصعب م الجنون … قوم … قم ولِم نفسَك … تعالى نام واستريح.

(تساعده على القيام.)

شحاتة : لا … النوم حرام بعد الآن … ومهما كان الصعب فأنا الأصعب من أي صعب (ضحكات الأراجوز حين يتعثَّر) … لا تسمعي لهم … وصدقيني.

(يدور مطاردًا الفراغ والصوت يهرب منه.)

شحاتة : اظهر أيها الساحر الجبان … لأنني سأجدك ولو اختبأت في جبل قاف … إن بصري اليوم حديد.

(يسقط متعثرًا مرةً أخرى.)

الفتاة : يا سي شحاتة … بص تحت رجليك.
شحاتة : أنا شايف … أنا أرى جيدًا … وأسمع جيدًا.
(تخرج يائسةً باكية.) لا ابقي معي . سأهزمهم جميعًا. قوموا من قبوركم أيها الفرسان … يا أبا زيد يا هلالي، يا عنترة، ويا حمزة البهلوان … هيَّا … وأنت يا سعدون … ها هو يستيقظ في قلبي … (تظهر عرائس وأراجوزات، أو يقوم أعضاء الجوق بنفس الدور؛ إذ ينتظم ويتلاشى جيش وهمي) فارس الفوارس … التبعي اليمني … سيف بن ذي يزن … فتعالوا إليَّ … وانفُضوا تراب الكتب والسنين … أُعاهدكم أن أجمع الشمل وأحقِّق المرام … وأن أهدم قلعة الساحر على أم رأسه.

(يُطارد الفراغ … تطارده الأشباح والضحكات وهو يقود جيشه الهزلي.)

(إظلام)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤