النشيد التاسع عشر

مصالحة أغاممنون وأخيل

مُجْمَلُهُ

ما اشتمل الفجر بثوب الجساد
من يمه يبرز فوق العباد

حتى انبرت ثيتيس إلى ابنها أخيل بالشكة التي اصطنعها إلاه النار وحسنت له مصالحة أغاممنون، وأفرغت بمنخري فطرقل مادة تحفظها من الفساد أثناء غيابه، فحشد أخيل الجمع وتصالح مع أغاممنون وأنبأ القوم أنه على أهبة القتال في تلك الساعة، فاعترف أغاممنون بخطئه وألقى تبعة فعلته على القضاء والقدر، ورغب إلى أخيل أن ينتظر ريثما يؤتى له بالتحف التي مر تعدادها، فأبى أخيل إلا الكر بلا توان لما بلغ منه الغيظ على مقتل حبيبه فطرقل، فاعترضه أوذيس محتجًّا أنه لا بد للجيش من تناول الطعام، ودعا أخيل إلى الغذاء في مضرب أغاممنون فآلى أخيل أن لا يذوق طعامًا قبل الأخذ بثأر فطرقل، فأكل الجيش وأحضرت تحف أغاممنون ومعها بريسا سبية أخيل، وأقسم أغاممنون أمام الجمع أنه لم يمسسها أثناء إقامتها عنده، وأرسلت التحف إلى خيام أخيل وأخذت الجواري وبريسا يبكين فطرقل ويندبنه، وأخيل كل تلك الآونة متوجع متفجع لا يرى إلا القتال ومن حوله الملوك يرومون له تعزية، فلا يتعزى بل يندب وينتحب كالطفل، ثم تقدم أخيل بالجيش مستلمًا درع هيفست وشد أفطوميذ الخيل إلى مركبته فاعتلى، وعنف الجياد فنطق أحدها وأنبأه بمصرعه القريب فلم يعبأ بنبوته.

وحث في صدر السرى جرده
بهدة تدوي بتلك النجاد

مجرى الوقائع في اليوم الثلاثين.

النشيد التاسع عشر

ما اشتمل الفجر بثوب الجساد
من يمه يبرز فوق البلاد١
يرمقه معبودها والعباد
حتى انبرت دون الخلايا ثتيس
في تحف الرب هفستٍ تميس٢
فأبصرت آخيل فوق الثرى
معانقًا فطرقل واري الفؤاد

•••

يشهق بالعبرة هامي الجفون
وحوله أصحابه يندبون
وسطهم حلت بتلك الشجون
ويده اجترَّت وقالت: «ألا
مهما طما الخطب وطمَّ البلا
دع ثم فطرقل على الترب إذ
في قدر الأرباب بالغيب باد

•••

بني قم وارفل أتاك السلاح
من لدن هيفستٍ زهي الصفاح٣
ما قط إنسيٌّ به قبل لاح»
من ثم ألقته لديه فصل
وهدَّ قلب المرمدون الوجل٤
لم يستطيعوا رمق أنواره
بل عنه صدوا جملة بارتعاد

•••

لكنما آخيل مذ أحدقا
فيه حشاه غلُّه مزَّقا
وطرفه نارًا ذكت ألقا
مستبشرًا قلبه في يديه
ينظر بالبشر مليًّا إليه
وقال يا أماه ليست سوى
تحفة ربٍّ جاد فيما أجاد

•••

هيهات إنسيٌّ كذا يبتدع
وها أنا من ساعتي أدَّرع
لكن فؤادي جملةً ينخلع
لهاجسي بالشلو إنَّ الذباب
يعيث ما بين جراح الذباب٥
وينشر الدود به عابثًا
فيعتري جسم الحبيب الفساد»٦

•••

قالت: «دع الفكرة إني أزيل
عنه جراثيم الذباب الوبيل
تلك التي تنهش لحم القتيل
حتى ولو عامًا هنا الجسم ظل
ما خلت ذا التشويه إلَّا اضمحل
فناد للشورى كبار السرى
وصاف أتريذ وألق العناد

•••

وشك وألبس ثوب بأسٍ منيع»
وألهبته بالزماع الذريع
ثم انثنت تلفت نحو الصريع
في منخريه أفرغت عنبرا
وسلسبيلًا صافيًا أحمرا
ليسلم الجسم وفورًا جرى
آخيل فوق الجرف يذكوا تقاد٧

•••

وصاح صوتًا بالسرايا قصف
فكلهم لسبي مجيبًا وزف
حتى الذي بالفلك دومًا وقف
ومن على السكان ظل المقيم
ومن على الأرزاق كان الزعيم
طرًّا إلى الشُّورى سعوا مذ بدا
آخيل للهيجاء بعد البعاد٨

•••

ثمة ما عتم أن عرجا
يعرج أوذيس إمام الحجا
كذا ذيوميذ الفتى المرتجى
توكأ على كعوب الرماح
بشدة الضيم وهول الجراح
تصدَّرا في الناد ثم انبرى
بعدهما أتريذ ربُّ القياد

•••

أثقله جرح كوون الهمام
يوم علا النقع بحر الصدام
وما إن انضموا وتم النظام
حتى بهم آخيل فورًا نهض
وصاح: «يا أتريذ بئس الغرض
ما كان أولى السلم ما بيننا
مذ ثارت الأحقاد توري الزناد

•••

يا حبَّذا لو يوم كدت العداه
بقهر لرنيسا وسبي الفتاه
من أرطميسٍ فخر صيد الرماه
أدركها في الفلك سهم الردى
لما بنا جلت خطوب العدى
وعضت الترب صناديدنا
ونالت الطرواد منا المراد

•••

أقعدني الغلُّ ببون بعيد
تلك إذا عقبى الخصام الشديد
يذكرها الإغريق دهرًا مديد
قد فدح الأمر فدع ما ذهب
ولنغض ولنخمد سعير الغضب
فلست بالحافظ حقدًا مضى
فقم إذن أضرم أوار الجهاد

•••

واحمل على الأعداء حتى أرى
أتطلب الأسطول تلك السرى
لكنني أدري ومثلي دري
أن الذي منهم هزيمًا نجا
من عاملي يأنس حيث التجا»٩
فضجَّت الإغريق بشرًا له
إذ غادر الأضغان توًّا وعاد

•••

فقام أتريذ ولم يمتثل
في الوسط بل من عرشه يرتجل:
«يا صحب أتباع أريس المذل
يا دانويُّون اصمتوا للختام
فليس باللائق قطع الكلام
فكلُّ نادٍ قد علا ضجةً
لا مستفيدٌ فيه ممن أفاد

•••

مهما علا صوت خطيبٍ خطب
واتقدت نار حجاه اضطرب١٠
آخيل لبيت إلى ما انتدب
فاصغوا فكم لمتم بمرِّ الكلام
ولم أكن أهلًا لذاك الملام
ما الذنب ذنبي حين حرمانه
فتاته إذ قد حرمت الرشاد

•••

بل ذنب زفس ذا وذنب القدر
والظلمة الدهماء ذات العبر
فهم هم أعموا عليَّ البصر
وما ترى قد كان في طاقتي
لما استباحت فتنةٌ باحتي
فتاة زفس تلك غدَّارةٌ
تقود من شاءت وليست تقاد١١

•••

تجري وفوق الترب ليست تدوس
لكنها تهشم شُمَّ الرءوس
وتبتلي الناس بدهم البئوس
وزفس قوَّام الدني والعلى
أدركه منها عميم البلا
مذ بهرقل ألقمينا أتى الـ
ـمخاض في ثيبة ذات العماد

•••

زوجته والت وثيق الولاء
فأعملت فيه دهاء النساء١٢
إذ قال معتزًّا بدار البقاء:
«أرباب يا ربَّات سمعًا لما
نفسي تناجيني بأن يعلما
«رأس المواليد إليثيَّهٌ
ترئس هذا اليوم أسمى ولاد١٣

•••

«في الإنس من ذريتي أيهم
بالبأس فيهم سائدًا يحكم»
قالت له هيرا الدَّها تكتم:
«كذبت لن تنفذ هذا المقال
أو لا فأيمانك أغلظ ثقال
«بأن من تلقيه إنسيةٌ
ذا اليوم منك الإنس بالبأس ساد»

•••

فأغلظ الأيمان زفسٌ وما
أدرك مغزاها فيا بئسما
فاندفعت هيرا كسيلٍ طما
تجري وتدري أن في أرغا
عرس ستينيل فتى فرسسا
حبلى شهورًا قد خلت وهي في
أوائل السَّابع دون ازدياد

•••

فولدتها الطفل من قبل حين
واستوقفت في ألقمينا الجنين
وزفس جاءت بالبلاغ اليقين:
«يا قاذف البرق اسمعني فقد
أقبل من نسلك ذاك الولد١٤
إفرستسٌ يدعى وحق له
أن يحكم الإغريق أنَّى أراد»

•••

فنفسه جاشت على قهرها
وفتنةً أمسك من شعرها
آلى بأن تُنْفَى مدى دهرها
من مجلس الأولمب والأصفياء
ومن رقيع بالدراري أضاء
وللثرى ألقى بها قاذفًا
من بعدما بالكف عنفا أماد١٥

•••

وكم تلظَّى زفس لما احتكم
إفرستسٌ ثم فتاه حكم
يسومه الأمر بجافي العظم
كذاك لما للخلايا اندفق
هكطور يصمي بين تلك الفرق
ما كان لي طاقةُ ردٍّ لها
لكنما لي الآن حسن ارتداد١٦

•••

أضلني زفس وعقلي انحرف
لكن لك اليوم تهال الطرف
فكر إن تزحف فكلٌ زحف
وكل ما أمس أذيسٌ وعد
لا زال طرًّا لك عندي معد
فإن تشأ فالبث يسيرًا ترى
وإن تعل صبرًا لقرع الصعاد

•••

فليحضرن الآن تلك الغرر
قومي من الفلك وعينًا تقر»١٧
فقال: «يا أتريذ مولى البشر
أنت وليُّ الأمر والمرجع
إن شئت فامنح أو تشأ فامنع١٨
لكنما ذا الحين حين الوغى
فلا نضع باللَّغو وقت الجلاد

•••

مكرُّنا تدرون ما أنجزا
كروا تروا آخيلكم برزا
بعاملٍ يفري ولن يعجزا
كروا وكل منكم فليصل
مبارزًا منهم كميًّا عتل»١٩
فقال محتجًّا على قوله
أوذيس ذو الحكمة رب السداد:

•••

«آخيل يا عد سراة الخلود
مهما تحدَّمت فخل الجنود
لا تدفعن الجيش دون الحدود
وهم صيامٌ فإذا النقع ثار
واصطدم الجيشان تحت الغبار
وهاجت الأرباب كل السرى
يطول لا ريبة أمر الطراد

•••

فمر إذن يؤتى بزاد وراح
فذاك يولي البأس يوم الكفاح
فمن إلى المغرب منذ الصباح
يقوى على الإبلاء فوق السغب
مهما علت همته والتهب٢٠
ينهكه العَيُّ على رغمه
وهو بلا قُوتٍ ضئيلٌ وصاد٢١

•••

لكنَّه إمَّا اكتفى وارتوى
نهاره قاتل جمَّ القوى
بقلبِ بأسٍ لم ينله الطَّوى
ولا يبالي باصطدام الطغام
من غرَّة الكرة حتى الختام
فوزع الجند على فلكهم
ومر إذن يؤتى براحٍ وزاد٢٢

•••

وليحضرن أتريذ للمجلس
ما لك من ذخرٍ حوى أنفس
في مشهد القوم به تانس
وواقفًا بالجند فليحلف
أن بريسا قط لم يعرف
من ثم في خيمته فليقم
مأدبةً تضمن صافي التواد

•••

ويحسم الأمر فترضى إذا
تطيب نفسًا وتعاف الأذى
وأنت يا أتريذ من بعد ذا
أنصف فمن قوَّام قومٍ أهان
لا بدع إن يسترضه كل آن»
فقال أتريذ: «أيا أوذسٌ
أدَّيت بالحكمة كل المفاد

•••

أجل يميني صادقًا أحلف
أمام ربٍ كنهها يعرف
ولست بالحانث لكن قفوا
وأنت يا آخيل مهما استطار
في لبك الذاكي شرار الأوار
مه ريثما تبدو الهدايا هنا
فنبرم العقد لعهد الوداد

•••

وأنت يا أوذيس بالأمر سر
من نخبة الفتيان وفدًا أسر
للفلك يأتونا بذخرٍ ذخر
أعددته لابن أياك أنا
وتلثبيوس يضحي لنا٢٣
رتٌ لزفسٍ ولشمس العلى
واستقدموا كل السبابا الخراد»٢٤

•••

فقال: «يا أتريذ هذا المجال
نخوضه بعد اصطدام الرجال
في هدنةٍ تبدو عقيب القتال
إذ تسكن الغلة في مهجتي
أما ترى صيد سرى الحملة
صرعى فرى الحديد أجسادها
مذ زفس هكطورٌ به القوم كاد

•••

شاقكما الزاد فلا لن أحول
أحرض الآن جميع القيول٢٥
للكر لا زادٌ قبيل القفول
نؤجل الأدبة حتى المغيب
من بعد أن ننقم عمن أصيب
فالقوت والمشرب لن يدخلا
فمي وما إن خضت تلك الوهاد

•••

كيف وفي الخيمة إلفي يرى
مخضَّبًا بحد نصل فرى
من حوله الصحب بدمعٍ جرى
قد حوَّلوا رجليه للمدخل
آه فلن يحلو ذا اليوم لي٢٦
إلَّا انفجار النقع والبطش والـ
إبلاء بين الزفرات الشداد»

•••

فقال أوذيس: «ابن فيلا أجل
قد فقتني بأسًا وفقت الملل
لكن لي فضل رشاد أجل
حنكني العمر وطول اختبار
فانظر إلى قولي بعين اعتبار
تضوى القوى أيان تمضي القنا
في الهام كالسنبل وقت الحصاد

•••

ولا يهون الأمر حتى يميل
ميزانه زفس لأمر جليل
فليس للإغريق ندب القتيل
بالصوم إذ في كل يومٍ تخر
قتلاهم أنَّى إذن نستقر
ندفن قتلانا ونبكي أسًى
يومًا ولا نضوي ونألوا اجتهاد

•••

ومن يعيشوا بعد ذاك القراع
عليهم أن لا يظلوا جياع
ليدركوا قهر العدى بالزَّماع
فذاك رأيي لا تطيعوا سواه
من ظلَّ بين الفلك وافى بلاه
نكر طرًا كرَّ عزمِ على
أعدائنا روَّاض جرد الجياد»

•••

وما انتهى أوذيس حتى اندفع
في ولد نسطورٍ إمام الورع
ثواس ميجيس ومريون مع
ليقومذٍ يصحبهم ميلنيف
فسارعوا طرًّا بسير خفيف
خيم أغاممنون أموا إلى
أوذيس ينقادون أيَّ انقياد

•••

عادوا بما أتريذ فيها اذخر
مناضدٌ سبعٌ تشوق النظر
يكنفها عشرون طسًّا أغر
ومن بنات السبي سبع حسان
قد أبلغتهن بريسا الثمان
طرًّا تثقفن بصنع النسا
كذلك اثنا عشر رأسًا جواد

•••

أمامهم أوذيس في عشرة
شواقل من ذهبٍ عُدَّت
سائرهم في سائر التحفة
ساروا وألقوها أمام الحضور
فقام أتريذ المليك الوقور
وثلثبيوس هناك انبرى
إليه والخرنوص في الحال قاد

•••

من ثم أتريذ انتضى مديةً
إزاء غمد السيف ملويةً
أدى فروضًا صان مرعيَّة
ناصية الخرنوص مذ قص مَد
يديه من زفس يروم المدد
وسائر الإغريق أصغوا له
يعتقدون الخير خير اعتقاد

•••

ثم تلا ينظر نحو العلى:
«بزفس إني مقسمٌ أوَّلا
أجل آل الخلد بين الملا
بالأرض والشمس كذا أقسم
وببنات النار من تعلم
حقائق الأمر وتحت الثرى
بكيدها الحالف زورا يكاد

•••

أن بريسا لبثت باحترام
ما قط مستها يدي في الخيام
لا لفراش أو لأمر يرام
وإن أمن فلألق كل الخطوب
شأن الذي يقسم وهو الكذوب»
وعنق ذاك الرت رميًا رمى
فورًا بنصل ساطع الحد حاد

•••

وتلثبيوس تلقى الذبيح
يطرحه في قعر بحر فسيح
في اليم للأسماك قوتًا أبيح٢٧
فصاح بين الجمع آخيل: «كم
يا زفس فوق الخلق هلت النقم
لو لم تشأ نكبة أبطالنا
ما سامني أتريذ قطُّ احتداد

•••

كلَّا ولا حمقًا فتاتي استباح
لكن مضى الماضي وآن الرواح
هبوا إلى زادكم بارتياح
ثم على أعدائنا نحمل
طرًّا» كذاك انصراف المحفل
وارفضت الجند وكل مضى
يجري إلى أسطوله باشتداد

•••

وقوم آخيل حثيثي القدم
ساروا بذياك الحبا للخيم
وأجلسوا الغيد وبعض الحشم
ساقوا جياد الخيل بين الجموع
فاندفعت تذري بريسا الدموع
مذ أبصرت فطرقل قد مزقت
أعضاءه صم الحدود الحداد

•••

أهوت عليه بالبكا والعويل
تلطم ذياك المحيا الجميل
وصدرها البض وجيدا أميل
كأنها الزهرة في المشهد
جللها فرعٌ هوى عسجدي
صاحت: «أيا فطرقل ويلاه يا
خلَّ فتاة لازمتها النآد٢٨

•••

ألم أغادرك قبيل الذهاب
حيًّا فألقيتك عند المآب
ميتًا فكم يتلو مصابي مصاب
أبي وأمي أنكحاني فتى
قد أبصرته مقلتي ميتا
دون الحصون اخترمته القنا
مكافحًا يحسن عنَّا الذياد

•••

وإخوتي لمَّا استطار الغبار
ثلاثةً بادوا بذاك النهار
وعاث آخيل بتلك الديار
بلدة مينيس العظيم اكتسح
وفي التحام الحرب بعلْي ذبح
ولم تبح لي آه فطرقل أن
أهمي عليه عبرات الحداد

•••

عللتني أن أخيلًا يسير
لإفثيا بي فوق فتك تطير
يولم للأفراح حتى أصير
عرسًا له يا معدن اللطف آه
عليك أهمي الدمع طول الحياة»٢٩
وانفجرت أجفانها وانبرت
كل السبايا حولها باحتشاد

•••

يندبن في الظاهر فطرقل بل
يندبن خطبًا جل فيهن حل٣٠
وحول آخيل سراة الملل
ساعون في استرضائه أن ينال
شيئًا من القوت فبالبث قال:
«أستحلف الأحباب أن يرعووا
ولا يسوموا ما أقول انتقاد

•••

لا قوت لا شرب فقتل الحبيب
أجج في قلبي أوار اللهيب
أصوم حتى الشمس عنا تغيب
وليس يؤذيني طول انتظار»
وصرف القوم وظل الكبار
أتريذ أتريذ أذيسٌ ونسـ
ـطور إذومين فنكس الجواد٣١

•••

ظلوا وراموا سلوةً تجمل
يلهوا بها وا بُعد ما أملوا
سلوانه أن الوغى تثقل
وطأتها فكَّرَ في نفسه
وأن مغتمًّا على بؤسه
وصاح: «واويبك يا ذا الذي
قد كنت لي إلفًا وثيق العهاد

•••

كم قبل في خيمي بذلت الهمم
في أدبةٍ تقيم يوم النقم٣٢
مذ طلب الجيش العدى واقتحم
وأنت ذا الآن طعين طريح
كلَّا فنفسي الزاد لا تستبيح
ما عشت لن ينتابني حادثٌ
يبدو كما ذا الحادث اليوم باد

•••

كلا ولو يومًا أتاني النبا
أن أبي في إفثيا قد خبا
ذاك الذي بالدمع دومًا صبا
لابن نأي عنه بدار اغتراب
فيها يثير الحرب تحت الحزاب
وذاك من آثار هيلانة
أس الرزايا والعوادي الغواد

•••

كلَّا ولو أنبتت فرعي الوحيد
نفطولم رب الجمال الفريد
إن لم يمت للآن أضحى فقيد
أملت لكن خاب كل الأمل
أني بإليون أوافي الأجل
أودي بعيدًا عن حمى أرغس
وأنت يا فطرقل حيٌّ تزاد

•••

إسكيرسًا أملت أن تطلبا
حيث ترى نفطولمًا قد ربا
أمَّلت من ثمة أن تذهبا
لإفثيا في فلكك الأسحم
ليده تدلي بما ينتمي
لي من عقار أو سبايا ومن
منازل شاقت وكل العتاد

•••

فإن فيلا الهمَّ لا شك مات
أو إنه في جرف اللحد بات
يشفق دومًا أن توافي الثقات
مبلغة حتفي له بغتة»
وجاد بالدمع وهم جملة٣٣
هزتهم الذكرى لأوطانهم
وكلهم بفائض الدمع جاد

•••

فرقَّ زفس لهم وانثنى
نحو أثينا رفقه معلنا:
«لم يا ابنتي ألقيت عبء العنا
بالشهم آخيل ألم أُلْفِهِ
في خيمه يبكي على إِلْفِهِ
كلهم لاهون في زادهم
وهو عن الخمرة والزاد صاد

•••

هبي اسكبي العنبر والكوثرا
في صدره الضَّامر كي يصبرا»
فانبعثت من شم تلك الذرى
كنسر بحر في عظيم الجناح
يدوي بساحات الرقيع الفساح
قد هاجها زفس وفي نفسها
ودٌ لآخيل فلا تستزاد

•••

فأفرغت في صدره كوثرا
وعنبر الخلد لكي يصبرا
والجيش يستلئم مستبشرا
عادت إلى صرح أبيها الرَّفيع
ومن خلال الفلك هب الجميع
فانتشروا كالثلج في شمألٍ
ترمي به فامتدَّ أيَّ امتداد

•••

ترائكٌ تسطع من فوق هام
من دونها زان العوالي ولام
وصم أجواب تصد الحمام٣٤
فطفقت تبسم تلك البطاح
يشق فيها الجو لمع السلاح
وارتجت الأرض لوقع الخطى
وصبر آخيل اعتراه النفاد

•••

أسنانه صرَّت صريرًا وطار
من لحظ عينيه أوار الشرار
ولبة للبطش بالقوم ثار
وسطهم هبَّ إلى شكَّته
من فضل هيفست ومن صنعته
فزرَّ خفيه لساقيه في
عرى لجينٍ شائقاتٍ جداد

•••

ثم كسا الصدر بدرع تنير
وبين كتفيه الحسام الخطير
من فضةٍ قد دق فيه القتير
والجوب ذاك الجوب أنَّى ارتفع
كالبدر بدر التم نورًا سطع
في قبة الجو مضى لامعًا
ينير أطراف الرقيع البعاد

•••

كأنه والنوء عنفًا قصف
حتى إلى اليم بفلكٍ قذف
وعن مجال الأمن فيه انحرف
لهيب نارٍ في محل اعتزال
يبصره الملاح فوق الجبال
وبعد هذا خوذة قد غدت
ككوكبٍ في أفق الجو غاد

•••

قونسها الواري عليه أدار
هيفست تزهو عذبات النضار
ثمت في الشكة آخيل دار
يخبرها هل وافقت جسمه
أو أزعجت في ثقلها عزمه
إذا بها مثل الجناحين قد
خفت بها يرتاد كل ارتياد

•••

وسل من غمدٍ سنانا صقيل
يثقل كل البهم إلا أخيل
أهداه خيرون لفيلا الجليل
قناته قد كان قبل انتقى
من رعن فليون ليوم اللقا٣٥
مرَّانةٌ شماء أهوالها
عادت على الأبطال أدهى معاد٣٦

•••

وأفطميذ الخيل في الحال شد
وألقميذ ببهي العدد
فألجمت والصرع لما استند
للعرش أفطميذ في الكبكبه
في سوطه هبَّ إلى المركبه
تلاه آخيل كشمس الضحى
عدته تزهو وتجلو السواد

•••

بصوتيه الهدَّار بالجرد صاح:
«يا نسل فوذرغة نسل الفلاح
زنث أباليس بجنح النجاح
بي للحمى عودا إذا ما ارتويت
لا تتركاني إن أمت ثم ميت
نظير فطرقل» فزنث انحنى
يطرق بالمضمد تحت القلاد٣٧

•••

قال وهيرا خوَّلته المقال
وللثرى أعرافه بانسدال:
«أجل أخيل اليوم شرَّ النزال
نقيك لكن المنايا إليك
دنت ولم نجن بهذا عليك
لكنما الجاني إلاه سطا
وقدرٌ ما ردَّه قط راد٣٨

•••

فإن يكن فطرقل قد جردا
فلا لعجز من كلينا بدا
ليطونةٌ تلك فتاها اعتدى٣٩
رماه في صدر السرى إذ أغار
يولي ابن فريام شعار الفخار
فالريح إن نسبق فإن الرَّدى
في الغيب محتومٌ فلا يستعاد

•••

لا بدَّ أن يصميك تحت النصال
ربٌّ وقرمٌ بقوى الرَّب صال»٤٠
وصوته أخفت بنات الوبال
فما بحرفٍ بعد هذا نطق
فقال آخيل بملء الحنق:
«لم بالرَّدى يا زنث أنبأتني
فمنك ذا المنطق لا يستجاد

•••

فلست بالجاهل حكمًا مضى
عليَّ بالموت غريبًا قضى
فلا أبالي لا ولن أعرضا
حتى أرى الطرواد سيموا الجزع
وثقلة العي عليه تقع»
وحث في صدر السرى جرده
بهدَّة تدوي بتلك النجاد

هوامش

(١) الجساد: الزعفران، والمراد به الزعفران الأحمر الذي ينبت في بلاد اليونان وجبال أوروبا. راجع ما قلناه بهذا الصدد ن ٨. مثل الفجر شخصًا يبرز من يم البحر مشتملًا بثوب يشبه الزعفران باحمراره.
(٢) الخلايا: السفن.
(٣) إن القول بإهداء الآلهة شيئًا من أسلحتهم للبشر قديمٌ وكثيرٌ باعتقاد الأمم الخالية، وقد أشار هوميروس إلى ذلك غير مرة ووصف السلاح الذي أنعم به زفس على فيلا أبي أخيل، ووصف فرجيليوس السلاح الذي ألقت به الزهرة إلى ابنها آنياس، وفي الفصل الخامس عشر من سفر المكابيين الثاني وافى أرميا النبي يهوذا بالرؤيا: «وناوله سيفًا من ذهب وقال: خذ هذا السيف المقدس هبة من عند الله به تحطم الأعداء» ع١٥ و١٦. ورواية التوراة لا تتعدى حالة الرؤى العادية على أن فيها إشارة إلى شيوع ذلك المعتقد؛ إذ لا يحلم بشيء غير معروف أو مسموع.
(٤) أي: فصل السلاح وارعب المرمدون قوم أخيل.
(٥) الذباب الأولى: الهوام المعروف، والثانية يراد بها: حدود المناصل.
(٦) كانوا يحتفظون كل الاحتفاظ بجثة الميت؛ لئلَّا يدركها الفساد قبل أن تحرق أو تدفن، ولهذا ترى الشاعر حريصًا على تدوين ذلك المعتقد، وحيثما أراد حفظ كرامة ميت تذرع بكل الوسائل لحفظ جثته نقية سليمة، فيستعين بالآلهة لئلًّا يتجاوز المعقول بعرفهم، فهنا ثيتيس تباشر الأمر بنفسها، كما عني زفس وغيره من الآلهة بحفظ جثة سرفيدون في النشيد السادس عشر، وسترى الزهرة وأفلون محتاطين بجثة هكطور في النشيد الثاني والعشرين — أما قولهم أن ثيتيس حفظت جثة فطرقل من الفساد لأنها من بنات البحر، فيفيد أنهم ملحوه فحفظوه، وهذا من باب التكلف الذي لا حاجة بنا إليه خصوصًا وأنه قال بعد هذا: إنها أفرغت بمنخري القتيل العنبر والسلسبيل.
(٧) كانوا يعتقدون بوجود مأكول ومشروب للآلهة يدعون الأول Αμβροδνχ (أمبرُوسيا) وهو مادة لطيفة لذيذة الطعم تقتل الموت فيخلد آكلها، وقد تقدم ذكرها (ن ١٤). والثاني Νεχταρ (نكتار) وهو نوع من الخمر الأحمر شائقٌ بطعمه ولونه ذكيٌّ برائحته وكلاهما مضاد للفساد، وقد عربنا الأول بالعنبر لتقارب اللفظين، والثاني بالسلسبيل لتقارب المادتين، وربما يحسن تعريب هذا بالكوثر كما سيأتي بعد أبيات.
(٨) يقول: إن جميع الجيش التفَّ متهافتًا للقتال إجابة لنداء أخيل حتى الذين كانوا يقعدون عن الهيجاء جبنًا، فيلجأون إلى السفن أو يقيمون على سكان السفينة، أي: دفتها أو يتولون تقسيم أرزاق الجند، كل ذلك لما كان لصوته من الوقع في نفوسهم.
(٩) أي: إنه لا ينجو من بطشه إلا من فاز بالهزيمة فيأنس بذلك الفوز — إن في كلام أخيل من الأنفة وعلو الهمة ما شاء؛ إذ أغضى عن كل ما مضى وهو لا يرى إلا الثأر ودفع العار.
(١٠) أي: يضطرب الخطيب للّغط والغوغاء.
(١١) أي: الفتنة بنت زفس.
(١٢) أغرت الفتنة هيرا فخدعت هيرا زفس، كما أغرت الحية حواء فخدعت حواء آدم.
(١٣) إلاهة المواليد، وقد تقدم ذكرها.
(١٤) لأن فرسيس والده من نسل زفس.
(١٥) لا نكاد نجد أمة من أمم الأقدمين لا تعتقد بوجود ملاك كإبليس أُهبط من السماء فكان على الأرض علة السرور والبلاء، وهذه «فتنة» هنا بنت زفس ألقى بها زفس من قبة الزرقاء إلى وجه الغبراء، فكان منها ما كان وقد رأينا فيما مضى كيف نكل زفس بالطيطان (ن ١٤).
(١٦) لها، أي: للفتنة، يشير إلى أنها استولت عليه حتى غاظ أخيل على كره منه ولم يكن في ذلك مختارًا.
(١٧) إن موقف أغاممنون هنا لمن أحرج المواقف؛ إذ لا بد له من الاعتذار والاسترضاء مع الاحتفاظ بهيبة الملك ورئاسة الزعماء فجمع بين الأمرين، قام ولا قيام غيره بل لبث على سدته يخطب واسترعى الأسماع وأطال الكلام في إلقاء تبعة ما فات على الآلهة والقضاء، ووصف الفتنة ذلك الوصف البليغ تهوينًا على أخيل، ثم مثل بفعلها مع من هو أعظم شأنًا منه ومن أخيل، (أي: زفس وهيرا)، ونص الخرافة القائلة: إن زفس أنبأ الملأ الأعلى يوم ميلاد هرقل أن أول مولود من نسله بين البشر في ذلك اليوم سيكون ملكًا عظيمًا، فاستوثقت منه هيرا زوجته بالأيمان ليبرنَّ بذلك الوعد، وولدت زوج ابن فرسيس بن زفس في أول شهرها السابع فاضطر زفس إلى توليته بدلًا من هرقل، ثم كان ما كان من أمرهما مما أثبتناه في النشيد الثامن، وقد قصد أغاممنون بهذا الإسهاب تحويل غيظ أخيل بما لا يحط من قدر كليهما، ولما أنس تحقيق مرامه وتأثير كلامه أمر بإحضار الطرف التي أعدها لأخيل، وهو دهاء ما فوقه دهاء.
(١٨) من أحسن ما قيل بهذا المعنى قول أبي نواس:
يرجو ويخشى حالتيك الورى
كأنك الجنة والنارُ
(١٩) الكمي العتل: الفارس الشديد.
(٢٠) السغب: الجوع.
(٢١) صاد، أي: عطشان.
(٢٢) يشبه كلام أوذيس هنا خطاب أبي عبيدة بن الجرَّاح في جند المسلمين، وهو على حصار بعلبك. قال غياث بن عدي الطائي: فلما صلينا صلاة الفجر نادى مناد من قبل أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه يقول: عزيمةٌ مني على كل رجل من المسلمين لا يبرز إلى حرب هؤلاء القوم حتى يبرز إلى رحله، ويصلح له طعامًا حارًّا يأكله، ليكون بذلك شديدًا على لقاء العدو (الواقدي).
(٢٣) إياك نجد أخيل وقد مرَّ مثل هذه التكنية بالجد دون الأب.
(٢٤) الرت: الخنزير، كان من عادتهم أن يضحوا بخنزير في بعض الأحوال، فأخذ الرومان عنهم تلك العادة وجعلوا التضحية بالخنزير دليلًا على التحالف والتواثق
(٢٥) يريد بقوله: شافكما، أغاممنون وأوذيس.
(٢٦) تلك عادة كانت متبعة في أزمانهم.
(٢٧) القوا بجثة الخنزير إلى البحر؛ لأنه كان محرمًا عليهم أكل الذبائح التي تنحر توثيقًا لأيمان.
(٢٨) النآد: الداهية والمصيبة.
(٢٩) إن في ندب بريسا قطعة تاريخية تمثل حالة السبايا في تلك الأزمان، هنا سبية أميرة قتل أخيلُ بعلَها وأخوتها، ودمر بلادها تعلل النفس باتخاذه بعلًا؛ إذ لم يكن لها إلا الرضاء بذلك أو الاستسلام للرق المؤبد، ولا شك أن فتاةً هذا شأنها في عصرنا يغلب أن تؤثر الرق، على أن لكل زمان أخلاقًا وعادات بل كانت بريسا تذرف عبرات الشجى على رجل كان بعلها بنيل تلك الأمنية، وقد باحت بها في الختام تذكيرًا لأخيل بوعده لعله ينجزه، وقد أُرجعت الآن إليه وصارت في قبضة يديه.
(٣٠) لم يكن نواح السبايا كنواح بريسا؛ إذ لم يكن فيهن من يطمع بالعتق والنجاة من الرق.
(٣١) قوله: أتريذ وأتريذ، أي: أغاممنون ومنيلاوس.
(٣٢) لا عجب أن يتذكر أخيل في هذا الموقف همة فطرقل في المآدب والجند لاهون بطعامهم، ولعل هذه الذكرى كانت سببًا آخر لامتناعه عن مشاركة القوم في طعامهم.
(٣٣) كان فطرقل خليلًا كفؤًا حسبًا ونسبًا وسنًّا وبأسًا، وهو مع هذا يلازم أخيل ملازمة الأخ النصوح والخادم المطيع، يقرأ أوامره بعينه فيلي الأمر قبل أن ينطلق من شفتي أخيل، وهذا أخيل رواع الأبطال يبكي بكاء الأطفال، ويتمنى لو أتيح له أن يفديه برأسه وأبيه ووحيده، وأن يموت دونه وهو حي، يقوم لأبي أخيل مقام الولد ولابنه مقام الوالد، فلا عجب بعد هذا أن تضرب الأمثال مدى الدهور بهذا التواد، ولقد جمع أخيل برثائه خليله فطرقل رثاء الأبيرد الرياحي بقوله:
فليتك كنت الحي في الناس نادبًا
وكنت أنا الميت الذي غيب القبرُ
ورثاء كعب بن سعد الغنوي بقوله:
أخ كان يكفيني وكان يعينني
على نائبات الدهر حين تنوب
وقول الحادرة:
أفبعد من ولدت نسيبة أشتكي
ذو المنية لو أرى أتوجعُ
ولقد علمت ولا محالة أنني
للحادثات فهل تريني أجزعُ
وقول الهذلي:
فوالله لا أنساك ما عشت ليلة
صفيَّ من الإخوان والولد الحتم
وقول الآخر:
أجاري لو نفس فدت نفس ميت
فديتك مسرورًا بنفسي وماليا
وقد كنت أرجو أن أُمَلَّاك حِقْبَة
فحال قضاءُ الله دون قضائيا
ألا ليمت من شاء بعدك إنما
عليك من الأقدار كان حذاريا
وقول البحتري:
فوا أسفا ألَّا أكون شهدته
فخاست شمالي عنده ويميني
وإلا لقيت الموت أحمر دونه
كما كان يلقى الدهر أغبر دوني
وإن بقائي بعده لخيانة
وما كنت يومًا قبله بخئون
وقول الحطيئة:
ولو عشت لم أملل حياتي فإن تمت
فما في حياتي بعد موتك طائلُ
(٣٤) الترائك: الخوذ، والعوالي: الرماح، واللام: مخفف اللام الدروع، والأجواب: التروس.
(٣٥) أي: من جبال فليون.
(٣٦) يظهر أنهم كانوا أحيانًا يتخذون غمدًا لسنان الرمح، كما يتخذ الغمد لنصل السيف — ترى من هذه الأبيات أن رمح أخيل لم يكن صنع هيفست بخلاف سائر قطع سلاحه، وقد مرَّ أن فطرقل ذهب بكل شكة أخيل الأولى ما عدا هذا الرمح؛ لأنه لم يكن يقوى على حمله فبقي عند أخيل، ولم يكن بهيفست حاجة إلى اصطناع رمح آخر وخصوصًا أن هيفست كان حدادًا، ولم يكن نجارًا ليصنع القناة.
لا يفوتن القارئ النظر إلى هيبة مشهد أخيل وهو يشك بسلاحه.
(٣٧) أردنا بالقلاد حلقة المضمد وهو النير.
(٣٨) يمثلون الأقدار إلاهات إناثًا ثلاثًا بأيديهن المغزل يغزلن عيها الأعمار، ثم يقطعن حبال الحياة عند حلول الأجل، ولهنَّ شأن عظيم في أعمال الخلق ورقابة العالم والثواب والعقاب، يذكرهن هوميروس مرة واحدة بصيغة الجمع (ن٢٤) وفي ما سوى ذلك يعبر عن القدر بإلاهة واحدة.
figure
الأقدار أو إلاهات القدر.
(٣٩) فتى ليطونة، أي: ابنها هو أفلون.
(٤٠) رأينا فيما تقدم جوادي أخيل يذرفان الدمع حزنًا على فطرقل، وها هنا أحدهما يتكلم بل ويتنبأ — ولا غرو فإن الشاعر أعد السامع لرواية الغرائب عن هذين الجوادين منذ ذكرهما لأول مرة؛ إذ قال: إنهما من جياد الخلد، فكان لا بد أن يميزهما عن سائر الخيل تمييزه للآلهة عن البشر، ثم هو ينسب إلى هيرا إيلاءهما قوة الكلام ليقلل من غرابة الرواية.
إن أمثال هذا الكلام المروي عن الحيوانات كثيرة عند الأقدمين، فقد روي بلينوس كلامًا لثورين، ولا نساوي بتلك الحيوانات حمارة بلعام وظبية القاع، فكلامهما لا يزال مرويًّا باعتقاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤