الفصل العاشر

حل جميل

في ذات يوم جاء إلى كاترين شراط شاب أهيف القد رشيق الحركة زلق اللسان، وقدَّم نفسه باسم ماركوس فورسن المصور، فرحَّبت به وقالت: ربما سمعت بهذا الاسم فلا أتذكر.

– لقد جئت حديثًا من تريستا يا سيدتي؛ إذ نصح لي بعض العارفين أن أشتغل فصلًا في هذه العاصمة الزاهرة على سبيل التجربة، فإن نجحت بقيت وإلا عدت.

– لعل الرواج قليل في تريستا.

– كلا، وإنما الذي نصح لي أكَّدَ أني أجد رواجًا أعظم هنا لشغلي، وقد علمت أن حضرتك راقية الذوق تقدِّرين الجمال قدره، فوددت أن يكون جلالك نموذجًا لريشتي.

فابتسمت كاترين وقالت: هل يمكن أن أرى نماذج من ريشتك يا هرفورسن؟

– معي نماذج صغيرة لا يتضح فيها جمال الفن.

– لا بأس، أراها، فإن الصغير ينبئ عن الكبير.

– بالطبع، إن نظرك الدقيق لا يضل عن حقيقة جمال الفن.

ثم عمد إلى حقيبة كانت معه وفتحها، واستخرج منها صورة وعرضها لكاترين قائلًا: لا بد أنك تعرفين هذا المنظر؟

– فتأملت كاترين الصورة وقالت ضاحكة: هذه صورة قصر شن برن الفخيم، وهذه صورة صرحي إلى جانب حديقة القصر، عجيب، الحقيقة بعينها، متى رسمت هذه الصورة؟

– أول أمس، وكنت جالسًا في تلك الحديقة المقابلة.

– لله درك من مصورٍ بارع، ليس مَن رأى هذا المنظر يضل عنه في هذه الصورة.

– هدية لك يا سيدتي.

– أشكرك جدًّا، وماذا عندك سواها؟

فتناول صورة أخرى ودفعها إليها قائلًا: وتعرفين هذه السيدة؟

فما وقع نظرها عليها حتى قالت مدهوشة: أجل، أظن هذه صورة نينا فرست الممثلة، يا لله، كيف رسمتها هكذا نصف عريانة؟

– نقلتها من صورة فوتوغرافية يا سيدتي.

– إذن لو …

– لو رسمتها عن الحقيقة رأسًا …

– لجاءت الحقيقة بعينها، الحق أنك مصور بارع، مَن قال لكَ أني أعرف نينا؟

– هي قالت إنها تعرفك أيام كنتِ في تريستا.

– أين نينا اليوم؟

– هي هنا منذ بضعة أيام، وتقيم في نفس المنزل الذي أقيم فيه.

– أود أن أرى نينا، فقد كانت صديقة مخلصة لي.

– سأبلغها ذلك يا مدام.

ودفع إليها صورة ثالثة قائلًا: وتعرفين هذه يا مدام؟

فقالت ضاحكة: هذه كاترين شراط في ثوب التمثيل، إنها لطبق الأصل.

– وهي عن صورة فوتوغرافية أيضًا يا مدام.

– عجبًا، والألوان؟

– خيالية.

– يا لله، الألوان هي هي بعينها، فكيف قدرت أن تتخيل الحقيقة؟

– المسألة مسألة ذوق يا سيدتي، فإذا كان مَن خاط الثوب أو بالأحرى مَن انتقاه حسن الذوق، وكان المصور حسن الذوق أيضًا اتفَّقَا في تعيين الألوان.

– عجبًا عجبًا! لا أكاد أصدق لو لم تَقُلْ أنت.

– وهذه هدية لك يا مدام.

– أشكر لطفك جدًّا بَيْدَ أني أدفع ثمن الهديتين.

– لا ثمن للهدية يا سيدتي.

– إذن أقدم الثمن هدية.

– كلا يا سيدتي، بل تتفضلين به ثمن صورة كبيرة أرسمها عن الحقيقة رأسًا.

فترددت كاترين في الكلام وقالت: كم تساوي الصورة؟

– لا شرط للهدية يا سيدتي، ولست أطمع بثمنٍ بل بإعلان؛ فالذي يرى جلالك مرسومًا يتوق أن يحصل على مثله له.

– حسنًا حسنًا، إني أريد صورة أجمل من صورة نينا.

– لا ريب في أن تكون أجمل يا سيدتي.

– إذن متى؟

– متى شِئْتِ تشرفين إلى محلي في رقم ١٦ من شارع البرتو.

– إذن سأنبئك عن الموعد.

– فعسى أن يكون عاجلًا يا سيدتي.

– لا يتجاوز الأسبوع.

– شكرًا لك.

ثم نهض وانحنى لها ومضى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤