الفصل الحادي عشر

الرجل الحكيم

في ذلك المساء استقبلت كاترين شراط فون درفلت وأوسعته تبسمًا، وقالت: عسى أن تكون راضيًا في السكرتيرية يا فلت.

– إذا لم أكن راضيًا فأكون حامدًا نعمة رضاك يا مولاتي.

– بل قُلْ نعمة رضا جلالته.

– بالطبع إن رضا جلالته ينبوع سرورنا، ولكنه يجري في قناة رضاك.

– وهل من مضاجر لك هناك؟

– المضاجر ابتعد.

– هرمن برجن؟

– أجل فقد استعفى؛ لأنه لا يطمع بغير السكرتيرية نفسها.

– بف بف، وربما طمع بالإمبراطورية.

– أجل لقد تضخَّمَ طحال طمعه يا سيدتي.

فضحكت وقالت: ثم ماذا يا فلت.

فابتسم وقال: كان عندك مصوِّر اليوم؟

فبغتت وقالت: كيف عرفت؟

– عجبًا، أليس من واجباتي السهر على كل ما يهمك؟

فقهقت قائلة: وهل أنت جاسوس عليَّ.

فضحك قائلًا: إذا اقتضى الأمر ذلك فنعم.

– وماذا علمت من هذا المصور؟

– علمت أنه ذو صلة بالبلاط.

– الإمبراطور؟

– لا، بالإمبراطورة.

– يا لله، ماذا؟

– لا أدري ولكن سوف أدري.

– هل نوى أن يصوِّر الإمبراطورة؟

– لا أقدر أن أقول شيئًا الآن.

– سيصورني.

– سيصورك؟

– نعم، في الأسبوع القادم على الأرجح.

ففتل شاربيه ثم قال: لا أقدر أن أقول لك الآن أن تمتنعي عن الذهاب، وإنما أقول حاذري.

– يا لله! ممَ أحاذِر؟

– لا أدري شيئًا حتى الآن، ولكني سأبحث إن كان ثمة مكيدة فأخبرك عنها، هل عيَّنت الميعاد؟

– لا.

– حسنًا، لا تعيِّني ميعادًا حتى أقول لك.

– ولكني وعدته أن أنبئه عن الميعاد في بحر أسبوع.

– وفي بحر الأسبوع أقدِّم لك معلوماتي.

– شكرًا لك يا فلت، هل تريد كأس كنياك؟

– مِن يدك السم دسم.

ثم أمرت الخادم فأتى بالكنياك وتساقيا، فقالت في أثناء التساقي باسمة: وكيف أنت والبارونة؟

– البارونة برجن؟ لقد قلبت لي ظهر المجن.

فضحكت قائلة: هي أو أنت؟

فتنهَّد وقال: هي يا مدام.

– كان أولى بك أن تقلبه لها.

– أجل ولكن البارونة متى اكتسبت عدوًّا بالغت في عداوته، كأنها تريد أن تضربه لتأمن شره.

– عجبًا عجبًا! كنتُ أظنها تترك بابًا للصُّلْح.

– الصُّلْح؟ علامَ الصُّلْح؟

– أقول ذلك لأني أعتقد أنها لا تجد مثلك عريسًا لابنة أختها البارونة ماري فتسيرا.

فضحك الفون الدر فولت مُكْفَهِرًّا وقال: ربما وجدت.

– مَن؟

– البرنس رودلف ولي العهد.

فأجفلت مدام شراط وقالت: تمزح؟

– بل أجدُّ.

– وابنة ملك البلجيك زوجته الحالية؟

– لا أدري، ربما كان للبارونة تدبير نجهله.

– كلام فارغ.

– بل أؤكد لك يا مدام أن البرنس مولَع بابنة أخت البارونة وُلُوعَ روميو بجولييت؛ لأن ماري مولَعة بالشعر الذي يُولَع به البرنس.

– كل ذلك هذيان.

– أقول لك إن غرام البرنس …

– الغرام شيء سهل والزواج شيء مستحيل.

– مَن يدري؟

بالطبع إذا كان الله يتقبل روح البرنسس زوجة ولي العهد صار المستحيل ممكنًا، ولكن انتظار ذلك كانتظار الثروة من ورق اليانصيب.

فتنهَّدَ الفون الدر فلت وقال: الله أعلم، وإنما أؤكد لك يا مدام أن البارونة ما قطعت علاقتي بماري إلا لأن البرنس ظهر عاشقًا.

– عجبًا عجبًا، ويلوح لي أنك متألم جدًّا يا فلت ولا تزال تحب ماري.

– بل تحوَّل حبي إلى غيرة، والغيرة إلى نقمة؛ لأن ماري تحب البرنس كما يحبها، ولذلك انقطع كل أمل مع انقطاع علاقتي بها، فأنا عدو ماري وخالتها الآن.

– والبرنس؟

– لا تحرِّكي غضبي يا مدام.

– إذن نحن صديقان.

– نعم لأن مصلحتينا تتفقان والصداقة بنت المصلحة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤