الفصل الخامس

عصر اللبونات

كانت اللبونات؛ أي الحيوانات ذات الثدي، في عصر الزواحف الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق، الفصل الرابع، صغيرة جدًّا لا تلفت النظر، وسابقة في الظهور على الفصائل الأولى للطيور، وقد تكون المنافسة بين نظائرها قد دفعتها لإعداد أنفسها لمواجهة البرودة والاستقلال بالاستدفاء، فظهر فيها الشعر عوضًا عن ريش الطير، وعاشت أجنتها داخل أجسامها إلى أن اكتمل نحوها عوضًا عن استوائها داخل البيضة. وقد أصبح أكثرها الآن لبونًا مكتملًا؛ أي بأن تلد أبناءها حية حال خروجها من بطون أمهاتها. هذا ولأكثر اللبونات ثدي أو أكثر ترضع منه صغيراتها. وقد بقي اثنتان من اللبونات تفقسان بيضهما وترضعان صغيراتهما بأفراز من تحت جلودهما، وهما البلاتيياس والإيخدية الشوكية، التي تضع بيضًا جلديًّا ثم تودعه كيسًا تحت بطنها محتفظة بالدفء إلى أن تنفقس.

بقي عصر اللبونات — كما هو المظنون — ٨٠ مليون سنة، متدهورًا في مدته الأخيرة، فاستحال على أنواع حيوانه أن يعيش بعدئذ إلا ما وسعهما أن تعد نفسها للتقلبات الجمدية (الثلجية).

•••

كان زمن الكاينوزويك الحيواني الأخير هو عهد النشاط البركاني والتقبب، فظهرت جبال الألب والهيملايا، ورسمت المعالم الأولية للقارات والمحيطات بما يشبه ما صارت إليه الآن. وقد انقضى منذ بدأ ذلك الزمن إلى الآن ما بين ثمانين مليون سنة وأربعين مليونًا. وكان طقس الدنيا عبوسًا، ثم أصبح ساخنًا إلى الدرجة المعتدلة، غير أنه قد أعقب هذا دوراتٌ باردة؛ العصور الجليدية التي يبدو أننا بدأنا نخرج منها. وقصارى القول أننا لا ندري في الواقع هل نحن مقدمون على عصر حار أم على عصر جليدي آخر؛ إذ ليس في مكنة العلم ما ييسر لنا التنبؤ بما ستصير إليه شئون الأرض.

•••

ولما أن ظهرت الأعشاب والكلأ والمراعي للمرة الأولى، ارتقت اللبونات بما أفادته من المراعي، وكذلك ظهرت الضواري آكلة لحوم الحيوان، الذي أصبح وثيق الرابطة بأفراد جنسه، أداة التفاهم بينهن النوح والصراخ، وأدمغتهن أوسع إدراكًا من أسلافهن تبعًا لفوارق المناخ والمرعى؛ فوحيد القرن، الخرتيت، يبلغ إدراكه أكثر من عشرة أمثال إدراك سلفه التيتانوتيريام.

•••

ارتقت الحياة الاجتماعية عند الحيوان، فأصبح قطعانًا وأسرابًا أو قبائل يحذر بعضها بطش البعض الآخر، وتقلد صغارها كبارها، وتتبادل أفرادها الحب والعواطف، وتتشارك. مصلحة غريزتها، تدفعها إلى هذا أكثر مما تحملها عليه بيئتها. أما الزواحف والأسماك في هذه الحقبة فلئن عرفت الحياة الاجتماعية فإنها كانت أقل رقيًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤