الفصل السادس عشر

طفل الشراكة

بعد أن صرَف جيمي السيارة الأجرة وسار عبر المسار الأماميِّ ومعه اللفَّة والحقيبة، فوجئ حين وجد الكشافة الصغيرَ جالسًا على الدرجات الأمامية وبجانبه زجاجةُ حليب شرب نصفَها، وقد ظهرت آثار فتات على فمه حينما رفع وجهه في اتجاهه مستفسِرًا.

وقال الكشافة الصغير: «حسنًا، انظروا من جاء!» وتابع: «يا إلهي، تبدو تمامًا مثل أبي حين أحضَر جيمي من المستشفى!»

فقال جيمي: «حسنًا، إنه منظر جميل لأبدوَ به. هل ظللتَ جالسًا هنا منذ غادرت؟»

فرد عليه الكشافة الصغير قائلًا: «كلا. لقد دخلتُ من خلال النافذة الخلفية واضطجعتُ عند نهاية فراشك ونِمتُ نحو ثلاث ساعات، ثم شعرت بالجوع، فذهبتُ إلى مارجريت كاميرون لأطلب منها شيئًا آكله، فصادفتُها وهي في طريقها للمغادرة. إذ قالت إن مولي قد هاتفَتْها لتطلب منها المجيء لبضعة أيام. وما زلت أنتظرك لأخبرك بأنه سيتعيَّن عليك أن تجد أي طريقة للحصول على طعام لحين عودتها. ولم يخطر لي أنني نسيتُ أن أطلب منها أي شيء لآكله أنا إلا بعد أن رحلَت، لكنني أعلم أنها ما كانت ستهتم؛ لذلك تسلَّقت للدخول من نافذة الرواق الخلفي وأخذت قطعة خبز من صندوق الخبز. زجاجة الحليب تخصك … ما تبقى منها. فلتُخبرني بصراحة، يا صديقي، ما هذا الذي معك؟»

جلس جيمي من فوره. كان الحلُّ الذي لديه بشأن ما هو فاعلٌ بجيمس لويس ماكفارلين، الابن، أن ينقلَه إلى كنف مارجريت كاميرون. حيث خطَّط لأن يطلب من جارته أن تأخذَ الطفل وترعاه إلى أن يستطيع العثورَ على السيدة المناسبة لتولِّي المهمة. وقد طاف به أملٌ عند مغادرته أن تستخدم مارجريت مع الطفل نفسَ النظافة والمهارة والعناية البارعة التي لم يشكَّ جيمي، مما رآه من أسلوبها في تدبير المنزل والطهو، أنها أنشأت بها أسرتَها. لكن مِن بين كل سوء الحظ الذي صادفه في الأيام التي جانبَه فيها التوفيق، لا يوجد ما هو أسوأُ من خروج مارجريت كاميرون للترفيه، واختيارها أن تبدأ عطلتها في اليوم الذي هو في أشدِّ الحاجة إليها فيه. وضع جيمي الحقيبة وأخرج مفتاح الباب الأمامي.

وقال للكشافة الصغير: «افتح الباب»، ثم دخلا معًا.

وضع جيمي اللفةَ الصغيرة على الأريكة ثم تراجع وضمَّ يديه إلى وجهه المتحيِّر وقال للكشافة الصغير: «أرجو أن تنصحَني ماذا أفعل.»

سأله الصغير باستخفاف: «ما سبب قلقك؟»

فأشار جيمي إلى اللفَّة.

وقال له: «هذا طفل؛ طفل حيٌّ بحاجة إلى رعاية وتغذيةٍ وحب، وأنا ظننتُ أن مارجريت كاميرون هي السيدة التي ستفعل ذلك. هل أنت متأكدٌ أنها قالت إنها ذهبت في زيارة وإنها ستغيبُ مدةً غير محددة؟»

فقال قائد الكشافة: «لم تقُل «مدةً غير محددة». لقد قالت «بضعة أيام». أعتقد أن بضعة أيام قد تصل إلى أسبوع غالبًا.»

فتساءل جيمي بحدة: «وماذا سأفعل طوال «أسبوع غالبًا» مع طفل حي؟»

فقال الكشافة الصغير: «أف، فلتُطعِمْه للطيور ودَعْنا نُباشر عملنا! إننا نضيع الكثير من الوقت في الحديقة.»

قال جيمي: «أصغِ إليَّ!» وتابع: «إنك لا تتحدث عن كِسْرة خبز. يوجد طفلٌ في هذه اللفة، طفلٌ صغير يتوق بشدة لفرصته في أن يعيشَ ويكبر ويجدف بزورق ويمتطيَ جَوادًا وأن يصبح قائدَ كشافة تمامًا كما تبتغي أنت!»

«أف!» كان ردَّ الصغير الساخط.

بعدها تقدم قائدُ الكشافة ورفع قطعةً مربَّعة من القماش الرقيق المؤطَّرة برسوماتٍ لزهور أذن الفأر وجعل يتطلَّع فيما تحتَها. وإذا بقائد الكشافة يهبط جاثيًا على ركبتَيه، ويميل إلى الأمام ويُمعِن النظر. ثم التفتَ بوجهٍ زال عنه التجهُّمُ نحو جيمي من فوق منكبه الهزيل.

وقال: «عليك أن تُحضر زجاجة رضاعة.» وتابع: «إنه طفلٌ جميل. إنه طفل غايةٌ في الجمال! إنه مخلوق صغير لطيف للغاية. إنه جميل مثلَما كان جيمي شقيقي حين رأيته أولَ مرة، وظننت أنني لن أرى أبدًا طفلًا في مثل جماله. لكنه كذلك. فممَّا أراه، هذا الطفل لديه الملابس الرقيقة نفسُها والوجه الجميل نفسُه واليدان الصغيرتان الرقيقتان نفسُهما كما كان لدى صغيرنا. أخبرني، مِن أين حصلت عليه!»

فقال جيمي: «إنه ابني. ويُدعى جيمس لويس ماكفارلين، الابن.»

قال الكشافة الصغير: «يا للهول!» ثم استأنف قائلًا: «ألم يمتلئ العالم بمن يُدعون جيمس وجيميس وجيميز! أعرف نحو عشَرة منهم. اسم أبي يبدأ بجيمس، وأخي الصغير يُدعى جيمي، وهذا الطفل سيُصبح جيمي وأنت جيمي. إنه مما لا يخطر على بال أحدٍ أنه رغم كل الأسماء الموجودة في آخر القاموس والأعداد الكبيرة من الأسماء في الإنجيل والأسماء الغبيَّة التي يبتكرُها الناس، أن يحمل الكثيرُ جدًّا من الناس اسمَ جيمس. قل لي، ماذا ستفعل به؟»

فقال جيمي مجيبًا إياه: «هذا هو السؤال بالضبط. ماذا سأفعل به؟»

قال الكشافة الصغير: «هممم! دعني أفكر.»

خطر لجيمي أنه كاد يرى عملية التفكير كما لم يسبق له من قبل قط. فقد كان وجهُ الصغير منهَكًا من التفكير. في البداية هبط بجسدِه إلى قدمَيه، ثم طوى قدميه تحته جاعلًا الأرضَ مقعده. واستند بذراعٍ إلى الأريكة. وجعل بيدٍ واحدة يُلامس الغطاء متسللًا عليه ليحتويَ بها الأصابع الحمراء الصغيرة للطفل حديثِ الولادة. بعد ذلك رفع الكشافة الصغيرُ ناظِرَيه.

ليُصدر أمرًا قائلًا: «أسدِلْ ستار النافذة.» وتابع: «لا بد أن يكون الضوء خافتًا. فإن عيونهم تكون حساسةً خلال الأيام الأولى. ولا يستطيعون الرؤية. وإن واجهوا ضوءًا أكثر من اللازم أصابهم الحوَل.»

ثم عاد للتفكير لبضع دقائق. وبعد ذلك بدأ الكشافة الصغير يُفكِّر بصوت عالٍ. «ويحي، ألسنا ننمو ونتزايد! أقصد من حيث الفائدةُ المركَّبة! أرى أن هذه الشراكة آخذةٌ في الازدياد! فمن حيث لا ندري مطلقًا أصبحَ لدينا منزلٌ وزهور وأشجار ونحل، وها نحن لدينا الآن طفل، يا إلهي! وبالطبع، ما دام لدينا وهو ابنُك، فعلينا أن نرعاه. لكن أخبرني، أين أمُّه؟»

تردَّد جيمي للحظة ثم ارتأى أن الحقيقة هي السبيل الأسرع والأيسر.

فقال: «يؤسفني ما سأخبرك به يا صديقي. يؤسفُني أن أخبرك بذلك، لكن الحقيقة أن الطفل ليس لديه أم. فقد كانت مهمةُ إحضاره إلى العالم شاقة جدًّا عليها. ودفَعَت حياتها ثمنًا لحياته. ستُسر حين تعلم أنها كانت مثلَ عمتك بيث. فقد رحلت لترى ما الذي تُخبئه لها السموات وهي تضحك، تضحك عاليًا، تضحك أروع ضحكات الرضا والبهجة.»

من موقعه على الأرض جعل الكشافة الصغير يُحدق إلى جيمي بعينين مفتوحتين على اتساعهما وهز رأسه موافقًا ببطء. «أعتقد أن تلك كانت ابتسامة العمة بيث وقد تحقَّقَت. إنها نوع الضحكة التي كانت تقصدها بتلك الابتسامة لو كانت صدرَت منها وجاءت عالية. لقد أخبرتك أن الموت شيء جميل، لكنني لا أعلم ماذا سيحدث لجيمي الصغير الجديد هذا. فإنك لم ترَ قط كمَّ الترطيب بالزيت والتحميم والتضميد وتغيير الحفَّاظات والإكساء وقياس الوزن … لم ترَ قط شيئًا يُعادل الأشياء التي تفعلها أمي بصغيرنا جيمي.»

وبعد ذلك نهض الكشافة الصغير فجأة على إحدى ركبتَيه ثم على الأخرى، وإذا به يقوم واقفًا بتأنٍّ، وفي غمرةِ انهماكه، سار مرتبكًا إلى الهاتف وأخذ السماعة وطلب رقمًا. فيما ظل جيمي واقفًا لاهثَ الأنفاس، خائفًا، يستمع إلى طرفٍ واحد من المحادثة.

«أريد أمي.»

«أهلًا يا أماه، أهذه أنتِ؟»

«اسمعي يا أماه، لقد وقعنا في مأزِقٍ صعب للغاية هذا الصباح! فلدينا طفل صغير نحيف حديث الولادة، يبدو تمامًا مثل جيمي حين جاء من المستشفى، مثلُه في الرقَّة والجمال وكل شيء. لكن سأخبرك بأصعب ما في المسألة يا أمَّاه. إن إحضاره للدنيا كان شاقًّا جدًّا على أمه. فقد ماتت أمامَنا ولم تَعُد معنا، فأخذنا الطفل بالطبع، وهو يُدعى جيمي على اسم أبيه، مثل صغيرِنا بالضبط! وقد ظنَنَّا يا أماه أن مارجريت كاميرون سوف تأخذه وترعاه من أجلنا لكن طرأت مشكلة أخرى. فقد ذهبت في زيارة ولن تكون في المنزل مدة ثلاثة أيام أو أربعة، وليس لدينا شيء لنُطعِمَه إياه!»

أحكمَ الكشافة الصغير يدَه على ميكروفون السماعة، والتفتَ إلى جيمي، وسأله بهمسٍ متوتر: «هل لدينا أيُّ ملابس؟»

فقال جيمي: «أعتقدُ ذلك.»

التفت الصغير ليُكمل المكالمة.

«لدينا الكثير من الملابس. كل ما نحتاج إليه. ما نريده هو شخصٌ ليدهنَه بالزيوت ويطعمه ويغير …»

عندئذٍ قفز الكشافة الصغير في الهواء وندَّت عنه صيحة.

«أحسنتِ، يا أماه! كنتُ أعلم أنكِ ستستجيبين! هل تعلمين لماذا لم أطلبُ منكِ ذلك؟ حتى أعطيكِ الفرصة! كنت أعلمُ من البداية أنكِ ستفعلين. على الأقل، كنت متأكدًا تمامًا من ذلك. اسمعي يا أماه، فلتأخُذي السيارة المكشوفة وأسرعي في القيادة! فقد يبدأ في الصراخ في أي لحظة، ونحن لا ندري ما العمل. لقد وُلِد لتوه الليلة الماضية. جيمي مرتبكٌ للغاية، وأنا خائف. خذي أقصرَ الطرق، وإذا قابلكِ شرطي السرعة فاهربي منه، وامضي في طريقكِ!»

وضعَ قائد الكشافة السماعة والتفت إلى جيمي. ثم رفع منكبيه، وشمخ بذقنه، وارتسم على ملامحه تعبيرٌ بالرضا، ثم انطلقت بغتةً أنفاسُه التي كانت مكتومة.

قال قائد الكشافة: «همم! أليست رائعة! ألاحظتَ ما حدث! لم أُضطرَّ حتى إلى أن أطلبَ منها المجيء! ستأتي في الحال، وبمنتهى السرعة! ما كان بيب روث لاعب البيسبول الشهيرُ ليستجيب أسرعَ من ذلك! لقد قالت، قالت: «سوف أرعاه من أجلك»، بمنتهى البساطة!» وبرشاقةٍ متناهية راح يؤرجِحُ يدَيه جيئةً وذَهابًا كأنه يُمسك مضرب بيسبول. «بمنتهى البساطة! لو كانت الحياة مضمارَ خيل، فسوف أراهن بما معي من نقود على أمي!»

أثناء ذلك أعاد جيمي الغطاءَ فوق وجه الطفل النائم ونظر مرتابًا إلى الحقيبة. ما الذي قالته الممرضة بشأن وضع أغراضٍ خاصة بالطفل؟ من الأفضل أن يُخرج تلك الأشياء ويحتفظ بها في حوزته. وبناءً على ذلك حمل الحقيبة وأخذها إلى غرفة نومِه، وفتحها على فراشه، وفتح أحد أدراج خِزانة الملابس، فأزاح ما فيه من ملابس، وشرَع يُفرغ الحقيبة. أخرج ثيابَ نوم وفساتينَ صغيرةً وأنواعًا شتى من الملابس الناعمة النسائية والأكوام المطويَّة على شكل مربع، وحين عثَر أسفل الحقيبة على صُرَّة مربوطة، فتحها ووجد بداخلها عِقدَ خرَز وأساورَ وحليًّا نسائيًّا زهيدًا.

لم يكن لديه الوقتُ بعدُ للتفكير في فتاة العاصفة. لكنه أدرك حين فكر فيها فعلًا أن الوقت قد حان للبحث عنها، وأن الوقت قد حان ليُصفي معها حسابًا طويلًا بعض الشيء. فقد ارتكبَت خطأً. ولم تكن أمينة.

«ومن بين كلِّ النساء في العالم، ما كنتُ لأصدق أنها كاذبة!» قال جيمي ذلك وكان إحساسه بالحنق في تلك اللحظة طاغيًا جدًّا لدرجةٍ أنْسَتْه الارتياح الذي كان لا بد أن يشعر به لمعرفتِه أن السيدة التي هُرع إلى المستشفى لمساعدتها لم تكن فتاةَ العاصفة. فقد جاشت بداخل جيمي النزعةُ الواقعية الاسكتلندية والنزاهة الاسكتلندية والعناد الاسكتلندي الحَرون، التي لم تَحُدَّ منها البيئة الأمريكية التي كانت كفيلةً بتلطيفها إلى حدٍّ ملحوظ.

قال جيمي: «من الأفضل كثيرًا لو كانت ذاتَ سريرة صافية وماتت مثلَ أمِّ الطفل على أن تسير بين الناس متعاليةً ومتمتعة بالصحة وتتحدث كذبًا»، ثم ألقى الصُّرة بعنف وأعاد ربطها ووضع بعضًا من ملابسه فوقها، وأغلق الدرج مُحدِثًا دويًّا.

وعاد من بعد ذلك إلى الفراش وأعاد تنظيم ملابس الطفل بحرص. كان بعضُها مزينًا بقِطَع من الدانتيلا، وكانت خاماتها رقيقةً جدًّا حتى إنها كانت تلتصقُ بأصابعه التي باتت خشنةً من العمل وتعلَّق بها فكان يُضطرُّ إلى نزع بعضِها عنها. لكنها بدَت على كل حال دافئة، وبدا أنَّ هناك منها ما يكفي طفلَين أو ثلاثة، وبدت حتى لعينَي جيمي غيرِ المتمرستين أشياءَ فاخرة، ومصنوعةً بعناية، ومصمَّمة بحُب، زُينَت في أماكن متفرقة برسومات براعم قَرنفُل وأذن الفأر زرقاء وزهور أقحوان صفراء صغيرة. ما إن أغلق جيمي الحقيبة، حتى وقف منتصبًا مواجهًا النافذةَ الخلفية. وربما كان يُخاطب المحيط الذي تلألأ بالأزرق والذهبي خلفَه.

حيث قال صوت الواعظ، صوت القاضي، صوت الناقد الصارم بداخل جيمي: «في هذه اللحظة، في هذه اللحظة إنما أحترمُ السيدة التي قضَت نَحْبها أكثرَ مما أحترمكِ!»

حمل الحقيبة وأنزلها على الأرض بجانب الطفل النائم. ثم جلس وأزاح عنه غِطاء الوجه وحسَر الملابس وفكَّ خيوط غطاء الرأس المربوطة أسفل ذقنه، وجعل ينظر طويلًا وممعنًا إليه. لم يُذكره بأيِّ شخص. كان صغيرًا جدًّا. كان له عينان وأنفٌ وفم. وكان بالغَ الاحمرار. لم يرَ جيمي به شبهًا من الفتاة التي كانت مستلقيةً على الوسادة. وعندَئذٍ، كما فعل قائد الكشافة، راح يتفحَّص يدَيه. وقد استغرق فيهما أكثرَ مما استغرق في الوجه. كانتا يدَينِ مثاليتَين، بديعتَي الخِلْقة؛ بأصابع طويلة رشيقة، أصابع دقيقة الأطراف على نحوٍ جميل، بأظفار صغيرة مكتملة ومستطيلة لما بعد أطراف الأصابع، في خلقٍ مثالي، وقد بدَت كأصابعَ خُلقت لتَرسُم لوحاتٍ وتعزفَ على الكمان وتُمسك بشغفٍ كتبًا من نوعية الكتب التي وهبها سيدُ النحل للكشافة الصغير.

وأثناء ذلك، التفت جيمي، قائلًا: «هل لاحظت يديه كيف هما جميلتان؟»

لم يتلقَّ جوابًا، فالتفتَ أكثر. كان الكشافة الصغير قد عبَر الشرفة وقطع الممشى كلَّه وفتح البوابة، ووقف منتظرًا بلهفة في أقربِ مسار للعربات، متطلعًا بكامل اهتمامه نحو المدينة.

وخلال مدةٍ قصيرة لدرجة لا تُصدَّق، توقفَت سريعًا، عربةٌ رياضية أنيقة، سيارةٌ جميلة تصلح لتكون محطَّ الأنظار في معرض للسيارات وقبل أن تتوقفَ مباشرةً كان الكشافة الصغير فوق دواستها الجانبيَّة. واستطاع جيمي أن يرى أن ذراعَيه المتسختين قد اندفعتا بداخلها بينما ارتفع وجهه تجاه وجه امرأة متجهة نحو الباب. لم يستطع أن يسمع الحوار الذي تلا ذلك. كان ثَمة طلبٌ من ناحية قائد الكشافة، وقد قُوبل ذلك الطلبٌ بضحكة كان وقْعُها عذبًا ورقيقًا على أذنَي جيمي. لكن مُنع الباب من الفتح، فقد كان الكشافة الصغير مصرًّا، ووضع يدَه المتسخة على يد أمه التي حاولت فتح الباب، ثم سمع جيمي بوضوحٍ عبارة: «آه، لا يا أمي، أرجوكِ!»

ثم سمع الإجابة: «ليكن، إذن.»

قفز الكشافة الصغير من فوق الدواسة الجانبية وفتح الباب، فدخلت امرأةٌ بدَت لجيمي بالشكل الذي يجدرُ بأي امرأة أن تبدوَ عليه حتى تكونَ في أفضل صورة، صورة مشرقة بوافر الصحة. رأسٌ بخُصلات ملتفة من الشعر البنِّي الذهبي الناعم، قُصِّر ليصبح مريحًا، وملابس عملية، مهندمة وجميلة، بالغة الأناقة من ناحية حياكتها. وبخفةٍ عبَرَت الحديقة، ودخلت من البوابة وسارت الممشى ذاهبةً إلى جيمي، والكشافة الصغير يُهرول أمامها. ثم انفتح الباب السلكي وتراجع جيمي، بينما انطلق منه الكشافة الصغير.

«هذا هو جيمي يا أماه!»

انحنى جيمي لتحيتها على أفضل نحوٍ ممكن ووقف ليخضع للفحص. فخضع له. كان فحصًا دقيقًا وثاقبًا لكن ليس طويلًا لدرجةٍ مُهينة. ثم امتدَّت نحوَه يدٌ راسخة.

تحدَّث الصوت الذي عرَف فيه جيمي ذلك الذي سمعه مرارًا على الهاتف: «كنت أنوي المجيءَ منذ وقت طويل. لكنني كنت مشغولة إلى حدٍّ ما بصغيري جيمي، وأميرةٍ دنماركية ترأسَت مطبخنا، وانتظامِ الأطفال في المدرسة. أعتقد أنني افترضتُ أنه من البديهي أن يكون أي شخص يتركه سيد النحل ليتولى مسئولية المكان سيكون صالحًا، ومِن ثَم لم آتِ لأتعرف عليك كما كان يجدرُ بي. لكن لا شك أن الكشافة الصغير كان مُعينًا لك.»

تصادف أن عينَي جيمي كانت على وجه الكشافة الصغير عند استخدام التعبير، وقد رأى زفرةَ ارتياحٍ عميقةً تُفلِت من شفتَي الطفل. ثم على نحو مسرع ذهبت وراءه المرأةُ التي كان الكشافة الصغير قد دعاها «أماه». وجثَت على ركبتيها أمام الأريكة. ثم رفعت الغطاء وضحكت برقة. وكان وجهها الذي رفعَته نحو جيمي جميلًا، وجهًا أشبه بمريم العذراء، وجهَ امرأة خُلقت من أجل الأمومة.

وقالت له: «يؤسفني أن طفلك كلَّف أمَّه حياتها. إنني آسفة. لكن لا بد أن أهنِّئك على الطفل نفسه. سوف تجد فيه ما يُعوِّضك. إنه طفل جميل، طفل غاية في الجمال!»

واندسَّت اليدان الماهرتان، المتألقتان بخواتمَ لامعة، أسفل الطفل وحملته، وجلست الأم التي لديها نزعةٌ أصيلة لأن تُصبح أمًّا لأي طفل، لكل الأطفال الذين يحتاجون إليها، على مقعد سيد النحل لتكونَ أولَ من يَشغلُه منذ وفاته، ورفعت الطفل وضمَّته إلى صدرها ووجهِها، وضحكت له وقالت له كلمات حلوةً صغيرة لا معنى لها البتة، ومدحته وانحنت عليه واحتضنته، ثم توقفت ونظرت إلى جيمي.

ثم قال الصوت الرقيق: «لم أكن أعرفُ أنك متزوج.»

فقال جيمي: «أنا نفسي كنتُ لا أكاد أعرف. كان زواجًا سريعًا جدًّا بسبب ظروفٍ ربما أشرحها لكِ يومًا ما. لقد كنت خارجَ البلاد وعدتُ بإصابة، وهناك أسباب لعدم بقائنا معًا لمدة طويلة. إنني مصدوم لدرجةٍ تفوق الوصف لموت أم الطفل. فلم أتخيَّل قط أن يقع شيءٌ من هذا القبيل، وكنت معتمدًا على مارجريت كاميرون. لم أكن أعلم أن الطفل قد وُلِد حتى هاتفوني من المستشفى. فقررتُ أن أبقى مع الطفل وأترك أسرةَ أمه تتولى أمرَها. لم يكن باستطاعتي أن أترك الحديقة، وكنت واثقًا من وجود مارجريت لمساعدتي، لكنني عدتُ لأجدَ أنها تلقَّت اتصالًا للذَّهاب في رحلة ما، فذهبَت فجأة. وقبل أن أدرك ما الذي يفعله الكشافة الصغير، كان قد اتصل بكِ. أخشى أنني ألقي عليك عبئًا فاق كلَّ الحدود.»

لكن الوجه الذي لقي وجه جيمي كان ضاحكًا.

وقالت السيدة ميريديث: «لا تقلق من تلك الناحية.» وتابعت: «إنني على استعداد لمنح بضعة أيام من أجل طفل جميل يُدعى جيمي. سيكون الأمر أشبهَ بولادة طفلي من جديد. لستَ بحاجةٍ إلى القلق مطلقًا. هل لديك ملابسُ من أجله؟»

أشار جيمي إلى الحقيبة.

«ملابسُ تكفي طفلين أو ثلاثة، على ما أعتقد.»

لإثبات قوله، فتح جيمي الحقيبة. فراحت عيناها الفُضوليتان تستكشفان محتوياتها من خلف الطفل.

«مهلًا، تلك الأشياء جميلة، رائعة الصنعة! حتى إنني مترددة بشأن استخدامها. يمكنني استخدامُ بعض أشياء جيمي في البداية فقط حيث يدهنُ الأطفال كثيرًا بالزيت، فالأطفال حديثو الولادة أمورهم تتسم بالفوضى بعض الشيء.»

فقال جيمي: «أظن أنكِ ستُعاملين تلك الأشياء بحذرٍ أكثر من المستشفى، وحتى من مارجريت كاميرون. فهَلُمي واستخدِميها. وحين تَبْلى سيحصل جيمي الصغير على المزيد.»

قالت السيدة ميريديث: «هذا أمر جيد!» وتابعَت: «هذا أمر جيد! سيصبح لديك شيءٌ خاص بك لتعمل من أجله الآن.»

شعر جيمي أنه منافق بعضَ الشيء وهو يُقر بهذا القول، لكن لم يكن ذلك الوقتَ المناسب للمعارضة في وجود الكشافة الصغير، فأمسك عن البوح باعتراضه وأغلق الحقيبة، وحين نهضَت السيدة ذهب ليُرافقها إلى السيارة. وهناك قابلتهم مشكلة.

إذ قالت السيدة ميريديث: «لا يمكنني القيادة وحملُ الطفل في آنٍ واحد.»

قفز الكشافة الصغير سريعًا إلى المقعد الأمامي ومدَّ ذراعيه بحماس.

«بإمكاني أنا أن أحمله! أستطيع حمله كما تفعَلين بالضبط والحفاظَ على وجهه مغطًّى. أريد أن أحمله!»

ابتسم جيمي باندهاش.

«وإذا جاء بيل السمين الطيب والطفل المطيع وذو الوجه الملائكي محتشدين على الطريق وشاهدوك تحمل طفلًا …»

قاطعه الكشافة الصغير قائلًا: «مهلًا، اسمع ما سأقوله!» وتابع: «فليفعل بيل السمين الطيب وذو الوجه الملائكي والمجموعة كلُّها ما يحلو لهم! فلا عمل لهم سوى أن يزدادوا بَدانة. أولئك الضعاف شديدو السمنة! أي شخص لديه أي اعتراض على أن يحمل شخصٌ طفلًا حديثَ الولادة ليس لديه أم وبحاجةٍ إلى مَن يُطعمه سأُسدد له أشدَّ ضربة لديَّ في نظامي التدريبي، وسوف يحصلون عليها سريعًا! أسرعي، يا أماه، لنصل به إلى المنزل قبل أن يبكي!»

شدَّ قائد الكشافة ذراعَين حذرتين حول اللفة الصغيرة وهتف مرةً أخرى قائلًا: «سوف أتصل بك مرتين يوميًّا. فسوف أبقى بالمنزل وأقوم بكل واجباتِ رعايته بنفسي ما عدا إطعامه وتغيير ملابسه وتحميمه. اتصل بي حين تأتي مارجريت وترتب أنت أمورك على نحوٍ جيد.»

عاد جيمي إلى داخل المنزل وجلس من فوره على أول مقعد رآه. حاول أن يفكر تفكيرًا بنَّاءً ومنطقيًّا وإنسانيًّا. إنها لَتجرِبة غير متوقَّعة، تجربة مباغتة، تجربة مؤسفة، لم يحسب لها حسابًا في مغامرته. لكنها وقعَت، ولم يستطع جيمي أن يعرف السبب على وجه التحديد.

وأخيرًا قال: «أعتقد أن الخالق كان يعلم حين خلقَ الأشجار والثمار والبذور فيما سيستخدمُها. لم يكن يقصد بها أن توجد دون هدف، وعلى الأرجح فإن الخالق حين خلق الناس كان هدفه أن يستخدمهم. وقد جاء جيمي الصغير بيد رائعة إلى العالم. قد تُصبح يدًا مفيدة بقدر ما هي يدٌ جميلة. وربما إذا تدرَّبَت هذه اليدُ بعناية، فستجد في العالم عملًا تستطيع القيام به أفضلَ من أي يدٍ أخرى خُلقت يومًا. فمن حينٍ إلى آخر تأتي فعلًا إلى العالم يدٌ تستطيع أن تؤدِّيَ عملًا ما أفضلَ قليلًا، أحسن بقدر طفيف، من أي يدٍ أخرى فعَلَته على الإطلاق. ثَمة شيء واحد مؤكد تمامًا في هذه التجربة. وهو أن هذا الطفل لن تلحقَ به أيُّ وصمة عار ما دمت حيًّا ولي فؤادٌ ينبض. سوف يحصل على فرصته، أيًّا مَن كانت أمُّه. أما تلك الأم المسكينة، بتلك الضحكة غير المتوقَّعة والعجيبة على شفتيها، وهي تعبر للعالم الآخر لتُقابل خالقها …» وقبل أن يعلم ما هو فاعل، هبط جيمي إلى الأرض، وجثا على ركبتيه. وضم يديه، ورفع وجهه، وجعل يتضرع: «يا إلهي! يا ربنا العظيم، يا خالق الكون والرجال والنساء وكلِّ ما في هذا العالم؛ رباه، أنزل رحمتك، أنزل رحمتك على الفتاة التي توفَّيتَها هذا الصباح! ومهما كانت زلتها، ومهما كانت خطيئتها، تذكر معاناتَها والثمنَ الذي دفعته وارحمها! أغدق عليها من عطفك، وتقبَّلها في ملكوتك الأزلي حيث الأمانُ وطهارةُ البدن ونقاء السريرة، تقبلها مع أبي وأمي وكل الملائكة الأبرار، وعلِّمها أن ثمة طريقًا أفضل من الطريق الذي اختارته. ارحمها، يا رباه!»

متعثرًا، نهض جيمي وذهب إلى غرفة النوم. فجلس على جانب الفراش ووضع يديه على وجهه وبكى حتى اهتز جسده الهزيل، بكى بكاءً غزيرًا. وبعد وقت طويل، حين هدأتْ عاصفته، مسح عينيه واكتشف، حين بلغ الرِّواق الخلفي، أنه جائع. فذهب إلى مطبخ مارجريت كاميرون ودخل من خلال النافذة الخلفية. وعبَّأ في السلة التي تستخدمها كلَّ ما استطاع العثور عليه ممَّا سيفسد في غيابها وحمَله معه للمنزل. بعد ذلك، أقدم لأول مرة على محاولة أن يَطهوَ طعامًا لنفسه. كان يعلم أين يمكنه ركوب الترام والعثور على مقهًى صغير غير بعيد، لكنه لم يكن في حالةٍ مِزاجية لمقابلة الرجال. ولم يكن في حالة مزاجية تسمح بمواجهة نساء. فقد أراد أن يفكِّر. تساءل أين سيدفن ما تبقى من أليس لويز. تساءل إن كان سيُنصب شاهدٌ صغير فوقها وإن كان اسمه سيُنقش عليه. وتساءل إن كان سيُكتَب عليه: «زوجة جيمس لويس ماكفارلين الحبيبة.»

ثم تساءل ماذا عساه كان اسم أم الطفل، وخطَر له أنه لديه طريقة لمعرفته. بإمكانه في أول زيارة للمدينة أن يذهب إلى مكتب أذون الزواج ويطلب رؤية بعض السجلات بأي حُجة قد يأتي بها بحلول ذلك الوقت. سيستطيع أن يكتشف الاسمَ الذي كتبته فتاةُ العاصفة ليتناسبَ مع أليس لويز. لم يتفحص جيمي من قبلُ في حياته عقدَ زواج. والعقد الذي كان يعنيه كتبه الموظف، وكُشف لجيمي عن سطر ليُوقِّع عليه، ثم وقَّعَت فتاة العاصفة باسمها واستحوذت على الورقة على الفور.

حين وصلت أفكاره إلى فتاة العاصفة أصبحَت في فوضى على الفور. ولم يُتح له الوقت حتى تلك اللحظة ليتبينَ بتعقُّلٍ السببَ على وجه التحديد. سيطر عليه شعورٌ بأنه قد خُدع، وبأنه كان في غاية الحماقة، بيد أنه يعلم أن ذلك الشعور لم يكن منصفًا. فالفتاة لم تطلب منه أيَّ شيء. كان هو مَن جعل يتوسَّل بالذرائع جهد طاقته قبل أن تحكي له في كلمات قليلة مقتضبةٍ ما الذي تحتاج إليه بالضبط. لكن ما جعل جيمي يشعر بالاستياء أنها لم تكن أمينة. فهي لم تقل الحقيقة. قالت ما كانت بحاجةٍ إليه؛ لقد تركتْه يشعر أن الخدمة التي قدَّمها وقبلت بها كانت من أجلها.

وما علمه هذا الصباح أثبت أنها لم تستغلَّه لخدمة أغراضها، ولكن لأغراض امرأة أخرى. أدرك جيمي أنه كان سيفعل ما تريده. في تلك العاصفة، مواجهًا نهايتَه في وقت قريب جدًّا، إذ كان يشعر آنذاك أنه سيُواجهها، كان سيعطي أيَّ فتاة يتصادف أن تبدوَ له في محنة حقَّ الاستفادة من اسمه وما يمكنه تقديمه لحمايتها. لم يكن سيُشكِّل أيَّ فرق مَن تكون الفتاة ما دامت في ضيقٍ شديد. كل ما في الأمر أنه قد ذهب إلى المستشفى وهُرع إلى الحجرة متوقعًا أن يجثوَ بجانب فِراش فتاة العاصفة، وأن يأخذ يدها في يده ويقاوم من أجل حياتها في معركةٍ أحسَّ نوعًا ما بالثقة من الانتصار فيها. لكنه حين رأى وجهًا غريبًا كانت صدمته شديدة حتى إنه جلس في خضوع وامتثل لما قال الطبيبُ والممرضة إنه لا مفرَّ منه، من دون حتى أن يبدأ المعركة التي كان ينوي شنَّها من أجل المرأة التي اعتقد أنه سيراها.

لقد انهزم. وضاعت من يديه مرةً أخرى، وكان هذه المرة غاضبًا، مغتاظًا بحق. لم يُتَح له سوى وقتٍ قصير للتفكير، وخلال ذلك الوقت ظل يُردد لنفسه: «إنها لم تكن أمينة!» ومن وجهة نظر جيمي كانت تلك أسوأَ خطيئة يمكن لأحدٍ أن يرتكبها على الإطلاق. وخلال الشهور التي تَعامل فيها مع الكشافة الصغير إنما اشتدَّت مشاعره في ذلك الصدد. فقد كان الكشافة الصغير شديدَ الاهتمام بالأمانة مثله، وكان في غاية الحرص في كل نشاطٍ يُمارسه. تذكَّر جيمي بشيء من التفكُّه وشعورٍ بالكبرياء أنه حين استفسر عن جنسه بسؤال مباشر، رد بإجابة ليست بالكذب ولا بالمراوغة، وإنما إجابة مباشرة: «ما دمت لا تستطيع أن تعرف، فهل ثَمة فرق؟» كان ذلك موقفًا أمينًا. فقد ترك المجال مفتوحًا. كان ذلك الأسلوبَ الذي يروق لجيمي.

قبل أن يذهب إلى الفراش اتصل بالسيدة ميريديث. كان الطفل على ما يُرام. لم يكن مزعجًا. قال الصوت الذي حسبه جيمي أعذبَ الأصوات التي سمعها يومًا على الهاتف إنه قد دُهن بالزيت وأُطعِم ووُضع في لفة مستدفئًا، وإن الكشافة الصغير هو مَن قام بالمهمة. «لا يحظى أحدٌ منَّا بأي وقت مع جيمي الصغير الجديد. فإن الكشافة الصغير قد استحوذ عليه وتولَّى أموره. أعتقد أنك ستحتاج إلى مساعدة كبيرة في رعاية النحل قبل أن يأتيَك خلال الأيام القليلة المقبلة. يبدو أن لديه شعورًا بالمسئولية لا أحد منا يفهمه. أعتقد أن الأمر برُمته قد يكون جزءًا من شعوره بالفخر النابع عن الامتلاك، امتلاك فدان من الأرض وصفٍّ من قفائر النحل وبستانٍ وحديقة بديعة المنظر. حتى إنني لاحظتُ أن الكشافة الصغير يقول بزهو: «طفلنا»!»

حين عاد إلى غرفة نومه، كان جيمي لا يزال يفكِّر.

وقال لنفسه: «حسنًا، مهما يكن من أمر، فإن «طفلنا» لا يشوبه العار. فلديه اسمٌ مشرف تمامًا في السجلات، وسوف يحصل على فرصة عادلة تمامًا، أما فتاة العاصفة فلا تُهمني البتة! فقد فرَغتُ من أمرها!»

ثم أطفأ جيمي الأنوار واستلقى على وسادته وقرر أن يخلد للنوم سريعًا جدًّا. لكن جاءه صوتٌ من قلب العتمة يخاطبه بلهجة الكشافة الصغير الدارجة قائلًا: «ما الذي يُعكر صفوك؟ هل كنت تريدها هي أن تموت؟ هل كنتَ تريدها أن تخوض الأهوال التي تواجه جسدَ أليس لويز الجميل؟»

تقلَّب جيمي ودفن وجهه في الوسادة وصاح: «يا إلهي، كلا! لم يخطر لي ذلك! لا أريد أن ينفطر قلبها! لا أريدها أن تموت! إنما أريد أن أعرفَ من هي، وأين هي، وأن تعتمد عليَّ، ويُصبح بإمكاني أن أساعدها، وأتحرر من وعدي لها بعدم البحث عنها. لا! لا! أريد لها الحياة؛ أريد لها السعادة!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤