صاعقة … فوق الجزيرة

كتب على الورقة أرقام ٥–١٠ و١٠–٢٠. في نفس الوقت نظر إلى خريطة أمامه، وبدأ يُحدِّد خطوط الطول والعرض، حيث تقع البلد الأفريقية، وحيث توجد جزيرة «سانت هيلانة». كانت الجزيرة تقع بين خطَّي طول ٥ و١٠ وبين خطَّي عرض ١٠ و٢٥.

راقب الشياطين هذه الأرقام، ثم الأسهم التي رسمها «أحمد» بطريقة عكسية وهو يقول: إن تكرار رقم ١٠ في الرسالة يعني تأكيد الرقم. ويعني أنه مرة في خطوط الطول ومرة في خطوط العرض، وهذا واضح على الخريطة في موقع البلد الأفريقية مرة، والجزيرة مرة أخرى، ورقم ٢٠ مضافًا إليه رقم ٥ يساوي ٢٥. وهذا نفسه خط العرض الذي تقع عنده هذه الدولة الأفريقية. وهذا كله يعني في النهاية أن الرسالة خرجت من جزيرة «هيلانة» حيث يقع مركز التوجيه الأرضي، إلى الغواصة «السهم» في مكان ما من المحيط، وأن الأمر قد صدر إليها بالتوجُّه إلى الدولة الأفريقية. وهذا ما تؤكده رسالة رقم «صفر» الأخيرة، والتي يقول فيها إن العصابة وجَّهت تهديدًا إلى الدول الأفريقية بدفع مائة مليون دولار، ثم توقَّف عن الكلام.

في الوقت الذي استغرق فيه الشياطين، يفكرون فيما وصلوا إليه، كان «رشيد» قد أرسل الرسالة الشفرية إلى رقم «صفر»، وانضم إلى الشياطين.

مرَّت دقائق، قبل أن يقول «أحمد»: أعتقد أننا يجب أن نتوقف بعض الوقت في انتظار ترجمة الرسالة من رقم «صفر». وافق الشياطين على اقتراحه. فبدأ «عثمان» يهبط باللنش إلى عمق المحيط، حتى استوى على الأرض تمامًا. أوقف المحرك، ثم انضم إلى الشياطين. كان يستمع إلى حديث «أحمد» …

ولذلك، فعندما انضم إليهم قال: إنني أُرجِّح ما قاله «أحمد». والمؤكد أن الرسالة لا تخرج عن هذا المعنى وأن الرسالة الشفرية الأخرى تُفيد أن الغواصة قد استقبلت الرسالة وأنها تقوم بتنفيذها.

لم يُعلِّق أحد من الشياطين. لكنهم جميعًا كانوا قد وافقوا «أحمد» على الاستنتاج الذي وصل إليه.

نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: الساعة الآن الثالثة، وهذا يعني أن أمامنا أربع ساعات حتى يبدأ الليل، إننا يجب أن نعرف المسافة بين موقعنا الآن وموقع الجزيرة.

تحرك «عثمان» بسرعة، ثم أدار المحرك، وضغط زرًّا، فانطلق شعاع يشق الماء في سرعة البرق، ثم قال: إن ارتداد الشعاع سوف يُعطينا المسافة بالضبط.

لم تمرَّ دقائق حتى قال «عثمان» مرة أخرى: بسرعتنا القصوى نحتاج إلى ثلاث ساعات فقط، ثم عاد إلى الشياطين، بعد أن أوقف المحرك. وما كاد ينضم إليهم حتى كان جهاز الاستقبال يستقبل رسالة من رقم «صفر». وعندما قرأ الشياطين الرسالة، ابتسموا جميعًا. لقد كانت ترجمة الرسالة الشفرية لا تخرج عن معنى الاستنتاج الذي توصل إليه «أحمد»؛ ولذلك فقد قال بسرعة: إن أمامنا موقفًا من اثنين؛ إمَّا أن نتبع الغواصة حتى ندخل معها في صراع لتحطيمها، وإمَّا أن نسيطر على مركز التوجيه في الجزيرة، فنستطيع أن نأتيَ بالغواصة في هدوء.

طرح «أحمد» الموقف للمناقشة. وانتهى الاجتماع بالموافقة على محاولة السيطرة على مركز التوجيه الأرضي.

انتقل الشياطين إلى مقدمة اللنش حيث جلس «عثمان» وبدأ التحرك. ظل اللنش مندفعًا بسرعة متوسطة عند عمق المحيط.

وقال «أحمد»: ينبغي أن نقسم أنفسنا للراحة هذه الساعات الثلاث، فسوف يكون عملنا طوال الليل.

انقسم الشياطين إلى مجموعتين: «أحمد» و«رشيد» و«بو عمير» الذين انصرفوا للراحة، وبقيَ «عثمان» و«فهد».

انقضت ساعة، ثم أرسل «عثمان» شعاعًا ضوئيًّا، ليعرف بقية المسافة. ثم قال ﻟ «فهد»: إننا نقترب بسرعة ربما قبل أن تغرب الشمس نكون عند شاطئ الجزيرة.

فقال «فهد»: إن المعلومات التي لدينا تُفيد أن سكان الجزيرة قليلون. وهذا يعني أن أيَّ دخيل سوف ينكشف بسرعة. وهذا يعني أيضًا أننا يجب أن نصل في الظلام، حتى تكون حركتنا أسهل، وحتى لا يكشفنا أحد.

أبطأ «عثمان» من سرعة اللنش. كان الانطلاق يتمُّ بلا أيِّ مشاكل؛ ولذلك، فقد ضغط «فهد» على زرٍّ صغير، فانسابت موسيقى هادئة. كان الوقت ممتعًا فعلًا. فحول اللنش كانت مجموعة الأسماك تبرق في ضوئه الذي ينفذ من خلال النوافذ الزجاجية المُدرَّعة. وكانت هذه تسلية طيبة، جعلت الوقت يمرُّ بسرعة.

فجأة قال «عثمان»: إننا أصبحنا تقريبًا عند بداية الجزيرة، ولقد هبط الليل. أعتقد أن الشياطين يجب أن يجتمعوا.

تحرك «فهد» إلى صالون اللنش، فوجد الشياطين يتسامرون ولم يكن أحد منهم قد نام. نقل إليهم الخبر، فانتقلوا إلى مُقدِّمة اللنش.

سأل «أحمد»: هل نستطيع أن نصعد الآن؟

أجاب «عثمان»: بل إننا يجب أن نفعل ذلك. سوف أصعد في منطقة بعيدة قليلًا، حتى نستطيع أن نتحرك دون خطر.

بدأ يصعد باللنش شيئًا فشيئًا. ثم توقَّف لحظة.

اقترب «أحمد» من منظار اللنش العلوي، ونظر فيه ثم قال: إن الجزيرة أمامنا تمامًا، هناك بعض الأضواء المتناثرة التي تلمع في الظلام. إن هذا وقت مناسب تمامًا.

أكمل «عثمان» الصعود، حتى طفا اللنش على سطح الماء، فجأة، لمع ضوء قوي يمسح المنطقة كلها. فهبط «عثمان» من جديد، ثم قال: إن الحراسة قوية بما يكفي، ويبدو أننا ظهرنا في مكان غير مناسب.

قال «أحمد»: لا بأس. نُغيِّر المكان. غير أن المهم أن مصدر الضوء القوي قد كشف الموقع.

دار «عثمان» باللنش نصف دورة في الاتجاه المضاد لمصدر الضوء، ثم بدأ يظهر من جديد. غير أنه لم يستمرَّ فقد اضطُرَّ مرة أخرى إلى الهبوط، بعد أن تكرَّر الضوء الدوَّار الذي يمسح المكان.

قال «رشيد»: إننا نحتاج للحظة سريعة. إن على «عثمان» أن يختار اللحظة التي يتجاوز فيها الضوء مكان اللنش ليرتفع، ثم نخرج بسرعة ليهبط اللنش إلى القاع.

بدأ «أحمد» يرقب دورة الضوء من خلال المنظار العلوي. وعندما تجاوز الضوء مكان اللنش، أشار إلى «عثمان» الذي صعد بسرعة. وفي لمح البصر، كان الشياطين يغادرون اللنش الذي ضغط «عثمان» فيه على جهاز خاص، فبدأ يغوص حتى اختفى. كان الظلام يُحيط الجزيرة. ولم تكن هناك سوى بعض الأضواء البعيدة، التي تبدو وكأنها جزء آخر من الجزيرة.

همس «أحمد»: يبدو أننا نزلنا أمام مركز التوجيه مباشرة.

تقدَّم الشياطين حتى بدأت أقدامهم ترتطم بالصخور، كانت صخورًا وعرة تمامًا، وبدا أن تقدُّمهم صعب، غير أنهم ظلوا في تقدُّمهم، ولكن فجأة، وكأن الجزيرة قد اختفت. أو أن أضواءها قد أُطفئت. فقد شمل المكانَ ظلامٌ غريب، إلا أن «أحمد» أدرك الحقيقة بسرعة. لقد بدأت حافة الجزيرة تظهر، وكان موقعهم منها تحت صخرة عالية، حجبت عنهم كلَّ شيء. كان صعود الصخرة صعبًا … فقد كانت ملساءَ بما يكفي لأن ينزلق من يحاول الصعود عليها.

أخرج «أحمد» عددًا من الآلات الحادة الدقيقة من جيبٍ سحري في ملابسه، ثم دقَّ دقات فهِمها الشياطين. تحسَّس الصخور بيديه، حتى وجد شقًّا تحت يده، فدَسَّ فيه واحدة من الآلات الحادة، وتعلَّق بها. ثم جذب نفسه بقوة ساعدَيه حتى ارتفع قليلًا، وبدأ يبحث من جديد عن شقٍّ آخر، حتى وجده، فدسَّ فيه آلة أخرى، ورفَع نفسه حتى وضع قدمه على الآلة الأولى. وهكذا ظلَّ يرتفع خطوة خطوة، حتى لاحت أمامه بعض الأضواء، وبدأ سطح الجزيرة يظهر أمامه واضحًا.

في نفس الوقت كان بقية الشياطين يفعلون نفس الشيء، فيصعدون خلفه على نفس الآلات التي غرسها في الصخر. وعندما أصبحوا جميعًا فوق الجزيرة، بدءوا يزحفون في هدوء، دون أي صوت، لكن فجأة ظهر الضوء الدوَّار يزحف ناحيتهم؛ فانبطحوا على الأرض ملتصقين بها، حتى لا يكشفهم أحد. تجاوَزهم الضوء، فأسرعوا يزحفون حتى يخرجوا عن دائرته. قطعوا عدة أمتار فوق أرض صعبة وكأنها ملايين المسامير.

ولذلك، فقد كان تقدُّمهم بطيئًا. وعندما تجاوزوا هذه المنطقة الوعرة، بدأت تظهر مساحة سهلة من الأرض.

كانوا يزحفون في صفٍّ طويل، الواحد بعد الآخر، يتقدَّمُهم «أحمد»، ثم «فهد» ثم «عثمان» ثم «رشيد» وأخيرًا «بو عمير». ظهرت حُفرة على يمين «أحمد»، فتجاوزها، ودقَّ عدة دقات فهمها الشياطين، فابتعدوا عن الحفرة.

لكن فجأة، سمِع «أحمد» صوت شيء يرتطم بالأرض، وعندما التفت مُتحفِّزًا كان «بو عمير» و«رشيد» قد اشتبكا مع رجلين، فهِم «أحمد» بسرعة أن الحفرة لم تكن سوى نقطة مراقبة. قفز إلى الخلف ليلحق ﺑ «رشيد» و«بو عمير»، إلا أن «عثمان» و«فهد» كانا أقرب منه. قفز «عثمان» في الهواء، وأمسك بيدِ رجُلٍ كان يسحب مسدسه من حزامه، ثم جذبه في قوة، فاندفع الرجل، فتلقَّاه «فهد» وضرَبه لكمةً مستقيمة جعلَته يترنَّح.

في نفس الوقت الذي كان فيه «بو عمير» يدور في الهواء، وقد حمَل بين ذراعيه رجلًا آخَر، وظلَّ يدور به، ثم ألقَى به بعيدًا، فارتطم الرجل بالأرض، وأصدر صوتًا مكتومًا، كان «أحمد» يرقب المعركة السريعة التي لم يكن له دَور فيها. فقد قام الآخرون بدورهم. وفي خلال ربع ساعة كانت المعركة قد انتهت تمامًا.

زحَف «أحمد» بسرعة في اتجاه رجلَي العصابة. كانا مُمدَّدَين على الأرض بلا حَراك. همَس: يجب شدُّ وَثاقهما حتى نتخلص منهما.

وبسرعة كان «فهد» و«رشيد» يقومان بالمهمة. ثم سحباهما إلى نفس الحفرة، وألقياهما فيها. ومن جديد بدأ زحف الشياطين في اتجاه مركز التوجيه الذي كان يبدو كبناءٍ قديم وسط أضواءٍ شديدة الشحوب.

همَس «أحمد»: يجب مراقبة كل الحفر، فيبدو أنها مُجهَّزة حتى تكون نقطة حراسة.

كانت الأرض الباقية مُمهَّدة تمامًا، مما جعل الشياطين يتقدَّمون بسرعة. فجأة تردَّد صوتُ أقدام تقترب. ثم بدأت أصواتٌ تظهر. استطاع «أحمد» أن يُميِّز بين الكلمات: إن نقط المراقبة ٥ و٧ و٩ يجب تغيير حراستها، أمَّا نقط المراقبة ١ و٣ و٤ فقد تمَّ تغييرها.

كان صوت الأقدام يقترب أكثر، ولم يكن الشياطين يستطيعون رفْعَ رءوسهم عن الأرض، حتى لا يظهروا. زحف «أحمد» في اتجاهٍ جانبيٍّ لمصدر الأصوات، وزحف الشياطين خلفه. اقتربت الأصوات أكثر ورأى «أحمد» عن يمينه مجموعةً من الرجال يقتربون. فكَّر بسرعة: هل نشتبك معهم، أو نتركهم يمرون؟ إنْ مرُّوا فسوف يكتشفون الحفرة ومَن فيها، وبسرعة اتخذ قرارًا؛ يجب الاشتباك معهم. حاول أن يعرف عدد الرجال المتقدمين، لكنه لم يستطع تمامًا. وإن كانت أصواتهم قد كشفَت عددَهم بالتقريب.

كانوا حوالي سبعة. وكما فكَّر «أحمد» أنهم جنود حراسة مع قائدهم. عندئذ مدَّ يده ولمسَ يد أقرب الشياطين إليه، وأصدر إليه أمرًا. وكان الأقرب إليه «رشيد». مدَّ «رشيد» يده بالتالي ونقل الأمر إلى «عثمان» وبطريقة اللمس، انتقلت الخطة إلى الشياطين. لقد انتظروا، حتى تحين الفرصة. فلا يُفلت أحد. مرت دقائق، كانت تغطيها أصوات الأقدام التي تقترب.

وعندما ظهروا أمام الشياطين، أطلق «أحمد» صوتًا كأنه صوت طيور الليل. وفي لمح البصر، كان الشياطين يطيرون في الهواء وكأنهم صاعقة نزلَت على أفراد العصابة بلا مقدمات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤