الأعداء يتفاهمون بلغة الشياطين

انتظر الشياطين قليلًا. كان الدخان ينتشر بسرعة، نظر «أحمد» بسرعة إلى الأزرار التي أمامه، ثم ضغط اثنين منهما وقال: لقد أغلق المركز تمامًا. لقد كان الزراران خاصَّين ببوابتَي المركز.

قال «رشيد»: أقترح أن يحرس كلٌّ منا بوابة؛ فنحن لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث.

تحرك «رشيد» و«بو عمير» بسرعة، واتجها إلى بوابتَي المركز؛ فوقف كلٌّ منهما خلف بوابة، وأخرج مسدسه في انتظار أي شيء. بدأت طلقات تتردد في الخارج وأخذت البوابتان تهتزان بشدة. فهِم الشياطين أن الهجوم قد بدأ، وأن الرصاص يُطلق على البوابتين لفتحهما.

حاول «أحمد» أن يرى من خلال شاشات التليفزيون شيئًا لكنه لم يستطع، لقد كان الدخان يغطي كل شيء. فجأة، ظهرت رسالة شفرية على شاشة الرادار.

ترجم «أحمد» الرسالة بسرعة. كانت تقول: «تعليمات القيادة العُليا: أُلغيت الأوامر الأخيرة. جارٍ تنفيذ الأوامر السابقة بالتوجيه إلى النقطة «ج» التي نصلها بعد ساعة.»

فكَّر: إن هذه الرسالة تعني أن الموقف يكاد أن ينكشف، وأن القيادة العليا ﻟ «سادة العالم» سوف تتدخل في الموقف.

نقل الرسالة إلى الشياطين، فقال «عثمان»: إن النقطة «ج» تعني أن الغواصة متجهة إلى الدولة الأفريقية. وإذا كانت سوف تصل بعد ساعة، فهذا يعني أن الفرصة أمامنا.

دوَّى انفجار قوي في الخارج، اهتزت له جُدران المركز. قال «فهد»: من الواضح أن المركز محصَّن تحصينًا جيدًا، ونحن لا نعرف بالضبط إذا كان يستخدم حراسة خاصة فوق سقفه. فلماذا لا نرى؟

قال «أحمد»: فكرة طيبة، يجب أن نسرع.

غادروا الغرفة إلى الطرقة الطويلة. كان «رشيد» و«بو عمير» يقف كلٌّ منهما عند بوابة.

في نفس الوقت، كان هناك سُلَّم صعِده «أحمد» وخلْفَه «فهد» و«عثمان»، بعد أن نقل ﻟ «رشيد» ما حدث. كان السُّلم مرتفعًا، ولم يكن هناك طابَقٌ ثانٍ للمركز، فالسُّلَّم يؤدي إلى السقف مباشرة. غير أنه كانت هناك بوابة حديدية مغلقة توقَّف الشياطين أمامها لحظة. إلا أن «فهد» تصَّرف بسرعة، فقد أخرج جهازًا خاصًّا كالذي يحمله «رشيد» ثم ثبَّته فوق فُوَّهة المسدس، وضغط الزناد. خرج شعاع الضوء، فانفتح الباب. وفي نفس اللحظة، دوَّت طلقات الرصاص كالمطر. ابتعد الشياطين بسرعة. أخرج «عثمان» قنبلة دخان، ثم ألقاها على السطح، وألقى «فهد» قنبلة دخانية أخرى.

وفي لمح البصر، تحول السطح إلى مساحة بيضاء بتأثير الدخان. كان يبدو أنه يُغطَّى بالقطن، لبس الشياطين نظارات خاصة تحمي عيونهم وتنفُّسهم من تأثير القنابل الدخانية، ثم أسرعوا بدخول السطح. كان الحراس مُلقَون على الأرض وهم يسعلون بشدة. تفقَّد الشياطين المكان، كانت هناك عدَّة فُوَّهات خارجة من الجدران في اتجاه الفضاء، توقف الشياطين أمامها.

انحنى «أحمد» وتشمَّم واحدة منها ثم قال: إنها فوهات مدفعية. يجب أن نؤمِّن سيطرتنا على المكان.

في لمح البصر، كان الشياطين يوثقون الحراس بالحبال، ثم يسحبونهم في أحد جوانب السطح. فجأة، ظهر صوت لفت سمع الشياطين. لقد كان صوت طائرات.

قال «أحمد»: لا بد أن القيادة العُليا قد تحرَّكت وأن الموقف قد وصل إليها.

أسرع الشياطين بالعودة، وأغلق «فهد» الباب بواسطة شعاع ضوء مرة أخرى. وفي لمح البصر، كان «أحمد» يجلس إلى التابلوه المثبَّت فيه الأزرار داخل غرفة العمليات، جرى بعينه بسرعة فوق الأزرار، حتى تعرَّف على الزر الخاص بالمدفعية. ضغط زرًّا آخَر، فبدأ الرادار الخاص بالسطح يعمل. ظهرت نقطة على شاشة الرادار، فعرف «أحمد» أنها طائرات «سادة العالم». فكَّر لحظة، ثم ضغط زر إطلاق المدفعية، فدوَّت في الفضاء الخارجي عدَّة طلقات متتالية. لم يكن «أحمد» يفكِّر في الصدام مع الطائرات. لقد كان فقط يريد أن يُعطيَ نفسَه فرصةً من الوقت حتى يسيطر على كل شيء. فليس المهم الآن هو الوصول إلى العصابة، إن المهم هو الإيقاع بالغواصة.

تراجع أزيز الطائرات، وبدأت تأخذ طريقها بعيدًا عن سماء المركز، ظل «أحمد» مُتيقِّظًا لأي حركة. كانت محاولات الحراسة الخارجية مستمرة لاقتحام المكان، خصوصًا وأن الدخان قد بدأ ينقشع، وبدأت تجمعات الحراس تظهر على الشاشة واضحة أمامه.

قال في نفسه: إن الغواصة الآن تحت سيطرة القيادة العُليا ﻟ «سادة العالم». وهذا يعني أن التعامل معها يجب أن يكون بحكمة.

أرسل رسالة شفرية إلى الغواصة يقول فيها: «لقد وصلتني تعليمات من القيادة العليا، وهي تؤكد اتجاهكم إلى النقطة «ج».»

جاءه الرد: «نعم، نحن في الطريق.»

فكَّر: هل هذه المعلومات صحيحة أو أنها مجرد خدعة لجأت إليها القيادة العليا، كنوع من التضليل؟

مرَّت دقائق، ثم لجأ إلى طريقة أخرى، فكَّر أن يسيطر على المجال الذي تتحرك فيه الغواصة، ويرسل ذبذبات تقطع أيَّ اتصال بين الغواصة والقيادة.

اقترب من الرادار، ثم بدأ يحدد مكان الغواصة، والمجال الذي تسبح فيه، والموجة التي تستقبل عليها الرسائل؛ ضغط زرًّا أمامه، فانسابت موجات ضوئية، ظهرت واضحةً على الرادار في طريقها إلى مكان الغواصة حتى دارت حولها.

فجأة، وصلت رسالة شفرية: إن الاتصال بالقيادة قد انقطع، لقد صدرت إلينا تعليمات سابقة بأن نتَّجه إلى مكان غير معلوم، تحدد على الخريطة بأرقام ٢٢ و١٢ طولًا وعرضًا.

ترجم مفردات الشفرة، وفهِمها، وانتظر قليلًا وهو يبتسم. قال في نفسه: الآن، أصبحت السيطرة على الغواصة كاملة، فكَّر قليلًا، وقال في نفسه: إن تغيير الشفرة يمكن أن يُعطيَ الغواصة أمانًا أكثر.

بسرعة أرسل إليها رسالة تقول: «سوف تتغير الشفرة. يبدو أن هناك محاولات لخلق مشاكل جديدة.»

جاءه الرد بعد دقيقة: «نحن في الانتظار. لقد انقطعت التعليمات ولا ندري ماذا نفعل. إن النقطة غير المعلومة قريبة من سواحل «مدغشقر»، وهذه أماكن وعرة، يمكن أن تخلق لنا متاعب ليست في الحِسبان.»

رد «أحمد»: «انتظر الشفرة الجديدة، وسوف تصلُك التعليمات.»

غادر الغرفة، وانضم إلى الشياطين الذين كانوا يحكمون الموقف داخل المركز. نقل إليهم تفاصيل ما حدث. فجأة، بدأ أزيز الطائرات يظهر.

عاد مسرعًا ومعه «عثمان»، فوجد رسالة من رقم «صفر» تقول: «تعامل مع السادة.»

ابتسم وانتظر. كانت الطائرات تظهر على شاشة الرادار وهي تقترب. أرسل إلى الغواصة شفرة الشياطين، وقال في نهاية الرسالة: انتظر التعليمات.

جاءه الرد: «عُلِم.»

اقتربت الطائرات أكثر، ثم بدأت تدور حول المركز. كان كل شيء يبدو هادئًا؛ فالحراسة خارج المركز قد توقَّفت عن محاولاتها، عندما رأت الطائرات، فهي تعرف أنها طائرات القيادة العليا لها. دارت الطائرات دورة، ثم أخرى، وأخيرًا بدأت تنزل فوق السطح. لقد كانت أربع طائرات هيلوكوبتر، كان كل شيء واضحًا على الشاشة أمام «أحمد» و«عثمان».

قال «أحمد»: يجب أن نتعامل معهم، حسب أوامر رقم «صفر».

أسرع «عثمان» ينضم إلى الشياطين، ونقل إليهم ما حدث. قال: إنهم الآن على السطح. لكنهم لم يستطيعوا النزول، فالبوابة الحديدية مغلقة، ولا يمكن فتحها إلا بواسطة الشعاع الضوئي.

ثم أرسل رسالة إلى «أحمد»، والذي رد: «انتظر قليلًا، نحتاج بعض الوقت.»

بدأت محاولة اقتحام البوابة الحديدية؛ فقد سمع دوي طلقات الرَّصاص، والقنابل اليدوية. لكن البوابة كانت مدرَّعة.

نظر «أحمد» في ساعته. كانت تقترب من السادسة مساء. فكَّر لحظة، ثم قال لنفسه: إن الغرب سوف يكون وقتًا مناسبًا للضربة النهائية.

أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين: افتحوا البوابة، وتعاملوا معهم الآن.

تحرك الشياطين بسرعة وصعِدوا السُّلَّم حتى نهايته. وقف «فهد» بعيدًا ثم أخرج مسدسه وثبت عليها جهاز الأشعة الضوئية، وضغط الزناد، بدأت البوابة تنفتح في بطء. اختفى الشياطين خلف البوابة، وانتظروا اللحظة المناسبة. مرت دقائق دون أن يظهر أحد. وفهِم الشياطين أن الآخرين ينتظرون الفرصة هم أيضًا.

لم يتحرك أحد منهم.

فجأة، اهتزت البوابة في عنف؛ فعرَفوا أن أفراد العصابة يستخدمون أسلحة إشعاعية، فقد مرَّ شعاع صاعق من خلال البوابة المفتوحة. ولكن الشياطين يعرفون جيدًا أن هذه الأشعة لا تصيب إلا من يتعرَّض لها. ثم سمعوا صوت أقدام خفيفة فعرَفوا أنهم يلبسون أحذيةً مطاطية، فظلوا في مكانهم.

اقتربت الخطوات أكثر، وسمعوا صوتًا هامسًا يقول: لا أظن أن أحدًا يقف قريبًا من الباب، وإلا كان قد انتهى.

عندئذ ظهرت قدم أحدهم ثم نزل درجة، وتلاه الآخر. كتم الشياطين أنفاسهم حتى لا ينكشف أمرهم … أخرج «بو عمير» مسدسه وثبَّت فيه إبرة مخدرة، ثم أطلقها على قدم الأول. توقفت القدم عن حركتها، وسمع صوت: ماذا حدث؟ ودون أن يرد، سقط على الدرجات، متدحرجًا إلى أسفل السُّلَّم.

قال صوت: يبدو أن الأشعة قد أثَّرت على السُّلَّم.

قال آخر: ماذا نفعل إذن؟

في نفس اللحظة، كان «بو عمير» قد أطلق الإبرة المخدرة الثانية التي استقرَّت في قدم الآخر. ولم تمضِ لحظة حتى سقط خلف زميله.

صاح الآخرون: ماذا يحدث؟ هل نحن نتعامل مع شياطين؟!

ابتسم الشياطين، ورد «عثمان» قائلًا: هذا صحيح. لكنه لم ينطق.

أخرج «فهد» منظارًا عاكسًا، ثم وجَّهه في اتجاه السطح. وقال: إنهم أربعة عشر فردًا. أعتقد أننا نستطيع أن نصطادهم الواحد بعد الآخر.

مرت دقائق، دون أن يظهر أحد. أغلق «بو عمير» البوابة في هدوء، فصاح أحد أفراد العصابة: هناك من يقف خلف البوابة.

وفي لمح البصر، قفز الشياطين وقطعوا السُّلَّم حتى نهايته واختفوا أسفله.

قال «فهد»: تعاملوا معهم، حتى أرى ماذا صنع «أحمد».

أسرع إلى غرفة العمليات، حيث كان «أحمد» مشغولًا في اصطياد الغواصة. قال بمجرد أن رأى «فهد» إنها الآن تدخل المصيدة.

ما إن انتهى من جملته حتى ارتفع أزيز طائرات في الطريق إلى المركز. فقال: إنها طائرات فَرنسية.

في نفس الوقت كانت الغواصة تطفو على سطح المحيط وسط الظلام الذي أخذ ينتشر. وعلى الرادار، ظهرت عِدَّةُ نقط تتجه لنفس المكان، حتى إن قائد الغواصة أرسل رسالة شفرية إلى الشياطين يقول فيها: «إن هناك من يقترب منا.»

فرد «أحمد» بسرعة: إن القيادة العُليا في الطريق إليك.

ارتفع صوت الطائرات القادمة، ثم بدأت تستقر فوق السطح. وسُمع دويُّ طلقات. مرت دقائق، ثم ظهر ضابط فَرنسي على باب غرفة العمليات يقف خلف الشياطين ثم حيَّا «أحمد» وشدَّ على يده وشكَره.

في نفس الوقت كانت رسالة قد تردَّدت أمام «أحمد» على الجهاز تقول: «لقد تمَّت السيطرة على الغواصة، أُهنِّئكم، وأتمنَّى لكم مغامرة جديدة مُوفَّقة. إلى اللقاء.»

لقد كانت الرسالة من رقم «صفر».

تنفَّس الشياطين في عُمق، وأخذوا طريقهم إلى الخارج. كانوا في حاجة إلى نوم عميق في فندق «القمر».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤