١٣
انضَم كثيرٌ من النساء إلى اجتماع المجموعة، واصطحبَت المسيحية المتوحشة صديقتَها ماما «أدوني»؛ فلم تعُد صالة طعام السيدة «كوتي» كافية لاستقبالهن، فانتقلن إلى الفِناء.
كانت رؤية الفناء يسيرةً من نوافذ الشرفة الفسيحة؛ حيث استطعتُ التعرف على النسوة اللاتي احتشدن في الاجتماع كأسراب القطيع، كنتُ أتطلع من النافذة ممعنًا النظر لمَّا تذكَّرتُ «إيسارا» والباعة المتجولين والسيدة التي كانت ترافقنا وتضع البضائع تحت تصرُّفنا، كانت الخلافات دائمًا تنشب بين «بيير» زوجة «كوتي» و«ماإجبور» ذات الشعر الأبيض والمسيحية المتوحشة، وأحيانًا كانت إحدى النساء تغني فجأة أو تبدأ في سرد قصةٍ بذيئة، وكان بعضُهن يصل مبكرًا لإعداد الطعام.
كان بمقدور «داودو» أن يستمع إلى ما يحدث في الاجتماع من خلال حجرة نومه ومكتبه، لكنه لم يكن يتحرك نحو الفِناء إلا عندما يرى ضرورة للتدخل.
قال ذات يوم: هل تعرفن متاعب الفقراء الحقيقية؟ إنهم غير متعلمين، ولا يعرفون القراءة والكتابة؛ ولهذا يستغلهم الناس، ومن هنا يجب أن نبدأ، فلنبدأ بالنساء الفقيرات، نصف ساعة فقط من وقت الاجتماع، نصف ساعة من كل اجتماع تكفي لأن تصبح كل نساء «إيجبالاند» متعلماتٍ قبل نهاية العام، هكذا أرى؛ فالجهل شيءٌ بشع.
ابتسم، ومضى يواصل تجواله.
سيطرَت الفكرة على النساء المجتمعات، وسرعان ما بدأن في التطبيق، أحضرن الألواح والأقلام الرصاص والكتب والكراسات.
كنا نرى من أعلى النافذة ظهورًا تنحني في تركيزٍ شديد، ورءوسًا ذات أغطيةٍ مختلفةٍ يحشوها الشعر الأبيض.
كانت ماما «أدوني» أو السيدة ذات الشعر الأبيض تشُد المسيحية المتوحشة بعيدًا؛ فلم تكن تعجبهن تلك الطريقة في الدرس، وعندئذٍ كان الفناء يمتلئ بالضحك.
كانت إحداهن تقول: أوه، أنتِ يا زوجة المدرس بارعة في إفساد التلميذات.
كانت التلميذات حاذقات، وكثيرًاتٌ منهن كن في عمر الشباب يأتين سيرًا على الأقدام من «إيجبين» حتى «آكية»، وكان ذلك يكلِّفهن مجهودًا كبيرًا، غير أنهن كن يصلن قبل الأخريات، ويساعدن في ترتيب الطاولات والكراسي، ثم يكنسن الفناء.
كان «دولوبو» و«كوي» أكبر أبناء «كوتي» يشاركان في التعليم، ومن مكاني المعتاد في النافذة رأيتهما يتلاعبان بالحروف والكلمات، ويكتبان بطريقةٍ خطأ، هتفتُ بأعلى صوتي من النافذة منبهًا عن الصواب، فهتف الجميع من الفناء قائلين: هل أنتَ كسول؟ لماذا لا تأتي وتشاركنا؟
هبطتُ السلم بسرعةٍ خاطفة، وأصبحتُ بالصدفة مدرسًا في تلك الحلقات، اكتشفتُ أن أكثر النساء من القرى البعيدة المنعزلة، فعرفتُ سر إقبالهن الشديد وذلك الشغف المرتسم على وجوهن من أجل المعرفة.
توقفَت النساء عن الحضور مبكرًا حتى اللاتي يأتين من أماكن قريبة، وأحيانًا كن لا يأتين قط؛ فقد كان وقت الحصاد، ظن القادة أن المزارع قد صرفَتْهم عن الدرس، لكنهن عُدن مرةً أخرى، ورحن يقدمن الاعتذارات.
قالت إحداهن: لقد قبض عليَّ رجال الضرائب.
ثم توالت الأصوات:
– كنا في الطريق إلى المزرعة حين أوقفَنا البوليس، وطلَب جزءًا من كل ما معنا كضريبة.
– حاولتُ أن أهرب من الرجل ذي الزي الغريب فضللتُ الطريق، ولولا رعاية الله لكنتُ حتى الآن أتخبط في الغابات.
– إن أولئك الرجال بلا قلب، إنهم قساة ينظرون إلينا كما لو أنهم لم يرَوا امرأةً من قبلُ.
– أمضينا الليلة في قسم الشرطة؛ حيث حجزوا على كل بضاعتنا حتى نأتيهم بأوراق الضرائب، لم نذهب مرةً أخرى إلى السوق بعد أن احتجزوا كل البضائع؛ فكيف إذن نستطيع أن ندفع لهم بدون أن نبيع؟
– لا، إنه آلاك، إنه القصر.
قالت «كيمبيري»: كفي.
تأملتُها قليلًا، وتذكَّرتُ أن هذه المرأة تحمل اسمًا مسيحيًّا، إن اسمها «إميليا»، لكنني كنتُ أسمع المسيحية المتوحشة و«بيير» يشيران إليها باسم «كيمبيري»، وعندما أشرتُ إليها بنفس الاسم صفعَتْني أمي بظهر يدها بقوة، واعترضَت «بيير» قائلة: لا تكرِّر هذا الاسم مرةً ثانية.
ثم أضافت: إن «كيمبيري» لقبٌ خاصٌّ تطلقه عليها زوجات الحي الذي تقطن فيه، وحتى إنا وأمك لا ندعوها بهذا اللقب إلا عندما نكون وحدنا.
كرَّرَت «كيمبيري» قائلة: كفى.
أُصيب الجمع بذعرٍ شديد، وبدأ السخط والتذمر، ثم استطردَت «كيمبيري»: عن أي شيء تتحدثن؟ وما هذا الذي أسمعه؟ هل فقدَت نساء «إيجبالاند» حرية السير في شوارع أرضهن؟ ألا يستطعن ممارسة حياتهن بدون مضايقة أولئك مصاصي الدماء؟
لوَّحَت بيدها ثم خاطبَت «بيير» زوجة السيد «رانسوم كوتي»: هل سمعتِ؟ ماذا نستطيع أن نفعل؟ ها نحن نُعلِّمهن القراءة والكتابة للعناية بمنازلهن وأطفالهن، والآن لا يستطعن الحضور إلى هنا بسهولة، إن الشوارع مليئة بمن يعترضهن ويقف حائلًا بينهن وبين الحضور، يجب أن نوفِّر لهن الحماية، على أي شيء تكون الضريبة؟ ماذا يتبقى لهن بعد إطعام الأولاد وتوفير زي المدرسة ودفع مصاريف المدرسة؟ إذن، لماذا وكيف يدفعن الضريبة؟
انطلقَت الأصوات هادرةً فطَلبَت «كيمبيري» الهدوء، واستطردَت: لا مزيد من الضرائب، لنخبرهم بذلك.
علت الأصوات بالقبول والاستحسان، ثم اختاروا السيدة «كوتي» لمهمة تقديم طلب إلغاء الضرائب إلى ضابط المقاطعة وقصر آلاك في «أبيوكوتا».
كانت مجموعة النساء تجتمع في الدور العلوي، واستمر الاجتماع حتى وقتٍ متأخر، فرحتُ في نومٍ عميق فوق الدكَّة في حجرة الطعام، وحين استيقظتُ في الصباح التالي وجدتُ نفسي فوق السرير في فصل السيدة «كوتي»، وسمعتُ أثناء الإفطار لأول مرة التعبير التالي: «اتحاد نساء إيجبا».
بعد إعلان الاتحاد بأيامٍ قليلة سافرَت «بيير» إلى إنجلترا رغم الحرب لحضور بعض المؤتمرات الدينية، أو لمهمةٍ خاصةٍ بالمستعمرات، فأصبح دكان المسيحية المتوحشة هو البؤرة التي تتجمَّع عندها النساء من كل أركان «أبيوكوتا»، وصارت ماما «أدوني» تتجول في كل وقت وبكل مكان كالمارشال، بصحبة النساء اللاتي يأتين من مختلف الأماكن القريبة والبعيدة، ومختلف قطاعات المدن والقرى البعيدة التي لم يسبق أن سمعتُ عنها قط.
كنتُ دائمًا أهرب من العمل في الدكان، أما الآن فلم يكن من السهل الابتعاد عنه، كانت بعض النساء يأتين إلى الإرسالية لأول مرة، فكنت أقفز من فوق كتبي وأرافقهن إلى الدكان، وفي الطريق كن ينظرن إليَّ ويتعجبن من ذلك الولد الكثير الأسئلة، لكنني كنتُ أواصل تساؤلاتي دون خجل.
قلتُ لذات الكتف المنحني من حمل البضائع: لماذا لا تمتطين جياد الرئيس في «أوتوكو»؟ إن الجياد تستطيع أن تحمل البضائع!
ضحكَت المرأة، ووعدَتني أن تناقش الأمر مع ماما «أدوني» في الاجتماع المقبل.
ساد الهدوء فترةً طويلة، ولم يخبرني أحدٌ عن موقف النساء من الضرائب هل توقفن عن الدفع أم لا؟ وكنتُ — رغمًا عني — أستمع إلى المناقشات بين إسحاق والمسيحية المتوحشة، التي كانت تطلب منه النصيحة في كثيرٍ من المشاكل، كانت الحركة النسائية تزداد كل يوم، فأصبحَت المسيحية المتوحشة تسافر إلى مناطق مختلفة لتلتقي بالنساء وتستقبل القوم والعشائر وتعقد الندوات، كانت قبل أن تغادر تُنبهني إلى ضرورة الاهتمام والعناية بالدكان، وغالبًا ما كنتُ أغلقه عند غروب الشمس، لكنها كانت تعود متأخرةً بعد موعد الوجبة الأخيرة، وتواصل حديثها مع إسحاق عن خطط الحل العاجل لمشاكل أولئك الضحايا من النساء.
كنتُ شغوفًا بتناول نصيحة إسحاق وإعطائها لأمي في الدكان، وأحيانًا كنتُ أفتح الورقة وأقرؤها لمعرفة أهمية النصيحة؛ فلم يكن من السهل أن أتحكم في شغفي وحب استطلاعي، الذي كان ينمو ويتفجر برحيلي مع المسيحية المتوحشة بصحبة المتظلمات وصاحبات الشكوى.
سافرتُ خارج «أبيوكوتا» للمرة الأولى بدون أبي أو أمي، كان أبي يقوم بإعدادي للالتحاق بكلية الحكومة في «أبادان»، وبعد أن اجتزت الامتحانات بأسابيعَ قليلة جاءني خطاب استدعاء للمقابلة في «أبادان»؛ حيث تعرفت على «أوي» وبدأنا نخطط لمغامراتنا الكبيرة التي سنقوم بها معًا، كانت ماما وإسحاق يعرفان تمامًا بأنني لن أتوقف عن المغامرات وجلب المتاعب فاقترَحَا إرسالَ رفيقٍ معي.
قلتُ لهما: تذكروا أنني في العاشرة من عمري الآن، ولقد أمضيتُ ستة أشهر من التجربة في مدرسة أبيكوتا الثانوية دون أن يحدث شيء.
كان الولد الآخر أكبر مني، لكن والديه وافقَا على سفره وحيدًا بعد أن عرفا أنه سيذهب مع ابن الناظر، كان «جوزيف» مرشحًا لمرافقتي فناقشتُ الأمر معه قائلًا: إن «أوي» سيكون معي، ولقد اعتبَرَني والداه ضمانًا كافيًا لسلامته وأمنه، أفلَيسَ هذا كافيًا لأن أعتني بنفسي؟
نظر «جوزيف» نحوي بشفقة، وقال: ليت الرجال البيض في مدرستك الجديدة يكونون من المحبين للأولاد الكثيري الجدل والنقاش؟!
أُعلنَت النتائج النهائية، وكان اسمي في القائمة، لقد قبلوني ولكن ليس للمنحة الدراسية، فكان ذلك يعني أن أنتظر عامًا آخر ومحاولةً أخرى.
فكَّر «جوزيف» مدةً طويلة، وكانت تطارده الأفكار السوداء حين ذهب للمسيحية المتوحشة، وقال: ماما، أرجوك أن تتوسلي إليه ألا يتناقش كثيرًا مع الرجل الأبيض، ويجب أن يقلِّل من أسئلته؛ فقد يقبلون ذلك منه لكونه ذكيًّا وماهرًا، ولكنني لا أعتقد أنهم سيتركونه يمزِّق رءوسهم إلى قطعٍ صغيرة بأسئلته.
كان نجاحي في المقابلة وسفري بمفردي إلى «أبادان» يمثل أملًا كبيرًا بالنسبة لي، لكن الرغبة سرعان ما توارت في مؤخرة رأسي، حين تذكَّرتُ أنني سأفتقد الإرسالية التي نعيش فيها وحدائق الفاكهة وجداول الماء والمزارع وبعض الألعاب الصغيرة.
كان حب استطلاع «رانسوم كوتي» وفضوله بلا حدود، قال لي: إن المدرس الأبيض لا يستطيع غرس الأخلاق في التلميذ وتنمية شخصيته، لكن مدرسة مثل مدرسة أبيكوتا الثانوية تفعل ذلك، كيف ترى أولئك المدرسين البيض؟
قلتُ له إننا لم ندرس شيئًا حتى الأن؛ لأننا ما نزال في مرحلة الاختبارات والإعداد لامتحانات القبول.
فأجاب: نعم، لكنهم يتحدثون إليكم، وتتحدثون أنتم معهم، فما هو انطباعك عنهم؟
– يبدو أنهم ظرفاء، لكنني ما زلتُ أجد صعوبة في فهمهم، نحن جميعًا لا نستطيع أن نفهمهم بسهولة؛ لأنهم يتحدثون من أنوفهم.
– سوف تعتاد على ذلك كما حدث لي، لقد عرفتُ الرجل الأبيض في وطنه، إن بعضًا منهم ليس شيئًا ولكنهم كمدرِّسين، لا، أنا لا أعرف لماذا يريد «آيو» أن يرسلك إلى مدارسهم!
قلتُ دون تفكير: إنني الآن أُحب المكان.
تلألأَت عيناه وقال: هل يروقك المكان حقًّا؟
– أعتقد أنني أحبه يا عمي، أو يبدو أنني سأحبه.
نظر إليَّ كما لو أنه يراني لأول مرة، ثم قال وهو يحدِّق فيَّ: حقًّا، لكنك لم تمكث عامًا كاملًا هنا حتى تستطيع أن تقرِّر.
قلتُ بإصرار: أنا أحب المدرسة، وأتمنَّى لو استطعتُ الحصول على المنحة الدراسية.
قال بغضب: إنني أحاول فقط أن أجد ميزةً واحدة، ولكن لا يهم، إن «آيو» يتمنَّى حصولك على المنحة، وسيكون ذلك شيئًا حسنًا بالنسبة له، لكنك ستراني في كل إجازة، وعندئذٍ أريد منك معرفة تفاصيل الدراسة، وكيفية قيامهم بالتدريس.
وعَدْتُه أنني سأفعل، فاستطرد قائلًا: سيُعلِّمونك أن تقول «سيدي»، إن العبيد فقط هم من يقولون «سيدي»، لكنها أحد أساليبهم في تنمية شخصية الأولاد في هذا السن، «سيدي»، السيد، السيد، السيد! شيءٌ سيئ للغاية، وعلى أية حال فإنك سوف تأتي لترانا في الإجازة.
تذكَّر شيئًا آخر فقال: إنهم أيضًا لا يستخدمون العصا، وهذا خطأٌ كبير.
– لا أعتقد أيها المدير.
– ألا تعتقد بأهمية العصا في تكوين الشخصية؟
– لا، أيها المدير.
– أوه عزيزي، أوه، هل أنت ابن «إينيولا» الوحيد بين الناس؟
– لا، أيها المدير.
تنهَّد قليلًا وهزَّ رأسه مرةً أخرى بحزن واكتئاب، ثم واصل سيره نحو الطرقة.
– كانت «بيير» في إنجلترا، وكانت الصحف في الصباح تشير إلى أنشطتها هناك؛ حيث قالت في أحد المؤتمرات إن نساء «إيجبالاند» يعانين من الفقر وكيف أنهن تعيسات، أفردَت إحدى الصحف مقالًا طويلًا عن ادعاءاتها، وهاجموها لقول مثل تلك الأكاذيب، حتى اعتبرها البعضُ خائنةً لنساء وطنها، ودعا المقال الشعب البريطاني لزيارة «أبيوكوتا» بأنفسهم لرؤية النساء المتيسرات ومعرفة المستوى اللائق الذي تعيش فيه نساء «إيجبا»، والتأكد من وفرة المستشفيات ونظافة الشوارع وجودة المساكن.
قاموا بتحذير السيدة «رانسوم كوتي» بالابتعاد عن شئون النساء وعدم الحديث عن أحوالهن، وأن ذهابها لإنجلترا لا يعني أن تتدخل فيما لا يعنيها؛ لأن ذلك الشيء خاصٌّ بالرجل الوحيد الذي يقوم بأعمال الخير، إنه الرجل في قصر «أبيوكوتا» الذي يعتبر أبًا لكل الناس في «إيجبا».
نظَّمَت المجموعة اجتماعًا توافدَت إليه النساء من كل صوبٍ للاتفاق على ردٍّ مناسبٍ لذلك الهجوم، كانت نفسُ الصحيفة قد كتبَت تحت توقيع باسم «أونلوكر» تقول بأن الكاتب يؤيِّد كل ما أعلنَت عنه «بيير»، ولفَت انتباه القُراء إلى الأكواخ والعشش العديدة المنتشرة في «إيكيرودو»، و«إيبيريكودو»، و«آجو»؛ حيث تعيش النساء كالفئران.
كان «داودو» يتجوَّل وسط عاصفة من الضحكات المتتالية قابضًا بيده على نُسخةٍ من كلام «أونلوكر» حين قال: ماذا يجب أن تفعلن أيتها النساء؟
أَقترِح طبعَ مئاتٍ من النسخ تكون معكن لتوزيعها في الميناء عند مقابلة «بيير»، ارتفعَت أصواتُهن بالموافقة، ثم بدأن الاجتماع من جديد بينما راح «داودو» يواصل تجواله، لكنه عاد بعد عشر دقائق قائلًا: ألف نسخة، نعم ألف نسخة لكل من يهبط من الميناء، لكل الناس خاصةً لأولئك القادمين للقصير.
أبدَت النساءُ استحسانًا للمرة الثانية، وارتسمَت على وجوههن علامات الرضا والقبول، ولم يكد «داودو» يصل إلى نهاية الطريق حتى عاد مرةً أخرى بنشاط وسرعة، وقال: عشرة آلاف نسخة، نعم، عشرة آلاف نسخة، وسوف نجد النقود بطريقة أو بأخرى، عليكن ببعثَرتها في الهواء لتنتشر رغم أنف الحكومة الاستعمارية في لاجوس، نعم، عشرة آلاف نسخة.
أوشكَت «بيير» على العودة، فراح «داودو» يُعِدُّ نفسه للترحيب بزوجته، ولم ينسَ أي شيء، طلب أباريقَ ضخمةً للماء لرش الإرسالية كلها بالماء، وتناقَش مع المسيحية المتوحشة وقيادات المجموعة الأخرى عن كيفية توفير الطعام لكل الراغبين في الحضور إلى الإرسالية.
فكَّرتُ فيما يدور برأسه، واعتقَدتُ أن «داودو» كان حريصًا على أن تكون عودةُ زوجته للوطن انتصارًا كبيرًا يبدأ من لاجوس، حتى يعرفَ أولئك الذين ينتقصون من شأنها من هو الخائنُ الحقيقي.